قصة فاقد الهوية بقلم الكاتب محمد ابراهيم عبدالعظيم
_ لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. ودا حصل من إمتى ؟ .
كُنت قاعد على قهوة وبكلم الشاب إللي شغال فيها .. بس كُنت مستغرب جداً من طريقة كلامهُ ليا .. حسيت إنهُ بيكلمني بإحتقار .. حتى لما قولتلهُ الجُملة إللي فاتت دي .. رد عليا بنبرة إحتقار وقالي :
_ من إسبوع .. ربنا رحمهُ من إللي شافهُ .. منهُ لله إللي كان السبب .. حسبي الله ونعم الوكيل فيه.
قالي الكلام دا وسابني ومشي .. إكتشفت في الوقت دا إن مش هو بس إللي بيبُصلي بقرف ولا إنهُ مش طايق وجودي قُدامي لأ .. لما بصيت على الناس إللي قعدين على الكراسي حواليا .. لمحت على وشوشهم نفس النظرة ! .
بس مهتمتش بيهم أكتر من صدمتي بموت الراجل الطيب .. طلّعت محفظتي علشان أحاسب القهوجي .. في الحقيقة مكنتش عارف هروح فين وهاجي منين .. لما نديت على القهوجي لقيتهُ بصلي ومردش .. قررت أسيبلهُ الفلوس وأمشي .
طلعت فلوس من المحفظة .. بس لفت نظري حاجة صغيرة وقعت من المحفظة لما خرّجت الفلوس .
بصيت على الأرض .. لقيت صورة صغيرة الواضح إنها مقصوصة هي إللي وقعت .. بس لما وقعت على الأرض .. وقعت على الوش
.. إستغربت وسألت في نفسي ( إيه الصورة دي يمكن صورة ليا ) .
ووطيت على الأرض علشان أشوف صورة إيه دي .
أول ما بصيت عليها .. إتفاجئت .. إتصدمت .. صُعقت جداً و حسيت بقشعريرة بتسيطر على جسمي .
بدأت أبلع ريقي بالعافية وأنا بحاول أستوعب إللي أنا شايفهُ .. بصيت حواليا لقيت العيون عليا .. عيني بتزغلل .. مقدرتش أمسك نفسي وإنهارت في البُكى .
وكانت لحظات وفقدت أعصابي وبدأت بدون مُقدمات أصرُخ .. بصرُخ بأعلى صوت عندي .. بصرُخ في اللحظات دي من جوايا وأنا بفتكر أيام مرت عليا كانت بعيدة عن ذاكرتي .
لحظات حلوة .. ذكريات نقية وبسيطة بدأوا يظهرولي بمجرد مابصيت على الصورة .. حسيت إن الدُنيا بتلف بيا .. فضلت أبُص حواليا وعيوني غرقانة في الدموع .. قبل ما أفقد الوعي كُنت شايف الناس بتتلم حواليا .. بس شايفهُم بيتحركوا ببُطء .
لمحت ما بينهُم شخص واقف بعيد عنهُم .. ركزت عليه لقيتهُ بيبُصلي وعلى ملامحهُ إبتسامة .
ودا كان أخر حاجة أشوفها قبل ما أفقد الوعي والدُنيا تسود في وشي .
الموضوع بدأ لما صحيت في يوم متألم وموجوع .. فتحت عيني حسيت بصداع قوي سيطر على راسي وغصب عني قفلت عيني بقوة وأنا ماسك راسي وبتأوه .
لحظات وفتّحت عيني مرة تانية .. بصيت حواليا لقيتني في مُستشفى وأنا راقد على سرير .
إستغربت نفسي جداً .. حسيت إني بحلم .. مش داري بنفسي .. أنا فين ومين الناس دي ؟ .
والسؤال الأهم ... أنا مين ؟ .
لقيت ممرضة بتقرب مني بإبتسامة وماسكة في إيديها مرايا صُغيرة وبتقولي بصوت رقيق :
_ حمدالله على سلامتك .. بُص كدا في المرايا كويس وقولي حاسس بإيه ؟ .
بصيت في المرايا و كإني باصص لشخص غريب أول مرة أشوفهُ !!
قولت للممرضة بعد ما بَعدت عني المرايا :
= هو إيه إللي حصل لو سمحتي .. أ أ أنا حتى مش فاكر جيت هنا إزاي .. مش قادر أفتكر أي حاجة .. حاسس بتوهة.
_ ماهو دا طبيعي متقلقش مع الوقت والعلاج بإذن الله هترجع أحسن من الأول .. خصوصاً إنك للأسف بسبب حادثة العربية إللي عملتها .. فقدت جُزء كبير من ذاكرتك !.
= إيه .. فقدت الذاكرة !!! .
_ لأ لازم تهدى كدا .. العصبية مش كويسة على مُخك .. أنت الحمدلله خرجت من العملية بسلامة .. على العموم هروح أبلغ الدكتور وهو هيفهمك كُل حاجة .
لما كانت بتكلمني مكنتش بتبُصلي .. كانت باصه على واحد قاعد على طرف السرير إللي جمب مني .
شاب في أواخر العشرينات .. قاعد جمب راجل عجوز راقد على السرير .. مهتمتش بصراحة لإني كُنت حاسس بتعب شديد .. ألم في دماغي وضهري ! .
بعد ما المُمرضة ما خرجت .. لقيت الشاب بيلتفتلي وقام وقرب عليا وهو بيقولي بإبتسامة :
_ حمدلله على سلامتك .. علفكرا إنت فيك شيء لله ..أه أسف أنا سمعت الممرضة وهي بتكلمك .. مش تطفل مني على قد ما حالتك شدتني الحقيقة .
بصيتله وأنا بحاول أقوم أقعد على السرير وقولتلهُ بنبرة فيها حدة :
_ يعني إيه حالتي شدتك مش فاهم .. أنت شايفني مجنون ولا إيه ؟ .
رد عليا بهدوء وهو ماسك موبايلهُ وباصص فيه :
= مش القصد والله يا أستاذ .. أصل الحادثة إللي أنت عملتها السوشيال ميديا كُلها بتتكلم عنها .. حتى بُص .
قرب مني أكتر وهو موجه موبايلهُ قدامي .. لقيت صور كتيرة بشعة جداً .. صور لعربيات كتير مخبوطين وميكروباص مقلوب .
قالي بعد ما جاب كُرسي وقعد قُدامي :
_ بس الحمدلله ماحدش حصلهُ حاجة غير إصابات طفيفة .. بس الكُل قال على إللي كان راكب العربية إللي في الصورة إللي قدامك دي إنهُ مستحيل يعيش .. بس الحمدلله ربنا كتبلهُ عُمر جديد .
= وأنا مالي بكُل دا .. لو سمحت سيبني يا حضرت أنا تعبان وفيا إللي مكفيني .
_ مالك إزاي بس .. بقولك ربنا كتبلهُ عُمر جديد .. وبالمُناسبة إنت إللي كُنت راكب العربية دي !! .. عرفت ليه بقى حالتك شدتني .
مُستحيل .. العربية مهروسة حرفياً .. إزاي خرجت من الحادثة البشعة دي؟ .
كلام داير جوايا وأنا مُصاب بحالة من الذهول .. بس رجعت وقولت أنا ليه أخُد كلام الشاب دا بجدية .. ما يمكن مش أنا .. خصوصاً إنهُ سمع الممرضة بتقولي إني فقدت الذاكرة .
لما وجهتهُ بالكلام دا .. مسك موبايلهُ مرة تانية وجاب صورتي منشورة في جروبات كتير .. لاحظت تاريخ البوستات دي .. لقيتها من شهرين .. إللي إستنتجتهُ إني هنا من شهرين .. الشاب قطع حبل أفكاري وقالي :
_ نسيت أعرفك بنفسي .. أنا ممدوح رمضان .. مشرف في دار مُسنين في القاهرة .. دا الكارت بتاعي .. خليه تحت مخدتك لإنك هتحتاجني أكيد .. إحم .. أنا جاي مع الحالة دي لحد ماربنا يقومهُ بالسلامة .
عايز أقولهُ إسكُت دماغي وجعاني .. عايز أقولهُ أنا مالي أنت مين ومين الراجل إللي راقد جمب مني .. عايز أقولهُ سيبني في حالي فضولك مضايقني جداً .. لكنهُ سمح لنفسه للمرة التالتة وبدأ يتكلم .. والمرادي قرر يحكيلي حكاية طويلة :
_ عارف .. الراجل المسكين دا جالنا الدار من حوالي ٥ سنين .. تصور ولادهُ سابوه في الدار ومن وقتها ماحدش فيهم سأل عنهُ .. بس هو كان حريص إنهُ يعرف أخبارهُم أول بأول ومن بعيد .. مكنش عايز يعرف حد من ولاده إنه بيسأل عنهم من بعيد .. ولما سألتهُ ليه بيعمل كدا .. قالي (علشان محدش يزعل مني أكتر ماهما زعلانين .. وأنا معملتلهمش حاجة .. كُل إللي عملتهُ إني حاولت أربيهم بما يرضي الله .. بس للأسف أمهم كانت السبب إنهم يتغيروا معايا ) .
تخيل إن مراتهُ طلقت نفسها منهُ من المحكمة رغم إنه كان معيشها في مستوى كويس .. وهو كان بيحبها جداً وبيموت فيها .. وهي إتجوزت بمجرد ما شهور العدة ماخلصت .
كُنت باصص في السقف وهو بيتكلم ومكنتش مركز معاه .. بس فجأة قطعت كلامهُ وبغضب قولتلهُ :
_ يا أستاذ ممدوح .. أنا راجل عامل حادثة وفاقد الذاكرة ومش عارف حتى أنا مين .. يعني نفسياً مش مُهيأ لأي جدال وخصوصاً لو جدال مالوش أي قيمة عندي .. بستأذنك تسيبني دلوقتي لحد ما أشوف الدكتور هيقولي إيه .
سكت شوية وبص على الراجل لما لقاه بيتحرك.. وثواني وفتح عينه .. قام الشاب إللي إسمهُ ممدوح من على الكُرسي وراح عند الراجل باس على راسهُ وفضل يلوح بإيدهُ بإشارات مش فاهمها .. رد عليه الراجل بنفس الإشارات بإختلاف الحركة .
كُنت بااصص على الراجل مخدتش بالي إن ممدوح مركز معايا .. ولقيتهُ بيقولي بإبتسامة :
_ دي إشارات الصُم والبُكم .. بقولهُ عامل إيه دلوقتي رد عليا وقالي إنهُ أحسن بكتير .
وفعلاً كان باين السعادة على ملامح الراجل .. إبتسمتلهُ وهزتلهُ راسي بعد ما لقيتهُ باصص عليا .
لمحت دَمعة بتنزل منهُ لكن لحقها على أخر لحظة .. بصيتلهُ وأنا مستغرب .. جالي ممدوح وقعد وقالي بإرتباك :
_ أصلهُ كان ليه إبن شبهك ولما شافك إفتكرهُ علطول .. كان إبنهُ الكبير .. وهو إللي رماه في الدار عندنا وسابوه وكأن مابقاش ليه أب .. البشر بقوا مُرعبين جداً.. بقينا بنسبق الشيطان في تفكيرهُ .. شوف الإبن عمل إيه في أبوه .. أبوه إللي طول عمره بيتعب علشانهُ .. ولو عليه يفضل تعبان وشقيان طول عمره بس علشان يشوف ولاده مستريحين مش هيتردد .
في الوقت دا لقيت الممرضة بتدخل ووراها الدكتور .. كان باين من هيئتهُ ومن البالطو الأبيض إللي كان لابسهُ .. بصلي وقرب عليا بس لاحظ إن الراجل إللي جمبي فايق .. راحلهُ وباس على إيدهُ .. وللمرة التانية بشوف نفس المشهد بيتكرر .. الدكتور بيتواصل معاه بلغة الإشارة .
قرب مني الدكتور وبصلي بصة غريبة .. بصة مفهمتش منها حاجة .. نظرة جامدة .. منطقش معايا ولا كلمة .. كُل إللي عملهُ هو إنهُ بص على الأجهزة إللي سلوكها داخله فيا .. بعدها جاب ورقة وفضل يكتب عليها.
في اللحظة دي حسيت جوايا بشعور بيحركني .. ذكرى بتحاول تظهرلي للنور .. سرحت في مكان كبير وطشاش كدا بدأت أشوف كُتب كتير وترابيزة .. وشخص قاعد قدامي باصص قدامه على كتاب وبيكتب بنفس الطريقة إللي الدكتور بيكتب بيها .
بس مقدرتش أشوف أي حاجة تاني .. إتشتت بعد ما الدكتور ما خلص ولقيتهُ بيبُص للممرضة وقالها بحدة :
_ الأفضل إنهُ يستنى في المستشفى ٢٤ ساعة وبعدها ممكن يخرج .. من دلوقتي لحد ما أقولك خلاص .. تديلهُ الأدوية إللي كتبتهالِك في الورقة دي وأوعي اااااااااا .
وهو بيتكلم سكت فجأة وبص برة باب الأوضة .. بصيت تلقائي أنا كمان .. لقيت بنت واقفة وباصه عليا وهي بتبكي .. وبدأت تبادلني أنا والدكتور نظرات سريعة .. مكنتش عارف دي مين .. بس بمجرد ما بصيت عليها حسيت إنها مش غريبة عليا .. حاسس إني شوفتها قبل كدا .. بس مش قادر أفتكر فين وإمتى .
لقيتها بتوقف ممرضة وبتديها ورقة متطبقة وبتشاورلها عليا .. هزتلها الممرضة راسها وبدأت تقرب عليا ..
أنا مكنتش مركز مع أي حاجة حواليا .. حسيت إن الزمن بيوقف بيا لما بدأت ذكريات تراودني .. ذكريات قلبي شارك فيها .. أيوة .. قلبي إللي إتقبض ودق بأعلى صوت بمجرد ماشوفتها .. شوفتها وهي لابسة فُستان أبيض .. وشايفني وأنا عريس .
بقيت بعافر علشان أفتكر أي ذكرى تاني لكن مش قادر .. عقلي رافضني أوصل لأي حاجة تاني .
بس برغم إللي شوفتهُ إلا إني حسيت بسعادة كبيرة .. فرحان أوي لما شوفتها .. ما يمكن تكون حب عمري .. بس ليه بتعيط .. ليه ؟ .
فوقت من سرحاني لما لقيت الممرضة بتديني الورقة وبتقولي وهي بتشاور برة الباب :
_ الأستاذة دي .. إيه دا هي راحت فين .. المهم سابتلي الورقة دي وقالتلي أديها لحضرتك .
مسكت الورقة ورفعتها قُدام عيني .. فتحتها .. بس قبل ما أقرأ كلمة لقيت الدكتور بيبُصلي بغضب غير مُبرر !.
وللمرة التانية ومع شخص تاني ألاقيه بيحاول يمنع دموعه إنها تنزل منهُ .. وساب الغُرفة ومشي .
وفتحت الورقة .. فتحتها وندمت .. فتحتها ومن خلال السطور إللي جواها عرفت قيمتي ومقامي قُدام نفسي .
الورقة كان فيها الأتي :