📁 آخر الأخبار

حكاية مشرحة حلوان مسكونة بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي

 حكاية مشرحة حلوان مسكونة بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي



كل كارثة في الدنيا سببها الفضول, ايا كان نوع الفضول فهو في حد ذاته كارثة, وإن كان كارثة للكبار فهو طامة كبرى للمراهقين, المراهقين اللي بيدخلوا في سكك مظلمة, سكك اللي يروح فيها مستحيل يرجع انسان سوي تاني..

وانا دخلت في سكة من دول, دخلت فيها بإرادتي, دخلت فيها وانا معرفش نهاية القرار ده ممكن يوديني على فين, وللأسف هو وداني للموت نفسه..



حكاية مشرحة حلوان مسكونة بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي




في اليوم ده اتخانقت مع اهلي في البيت خناقة من اصعب الخناقات اللي حصلت في حياتي, وطبعا لك ان تتخيل نفسية شاب صغير ابوه مسكه هزقه وخلى كرامته في الأرض, سيبت البيت يومها وانا شوية وهولع في الدنيا كلها من الغضب..



مسكت تليفوني واتصلت بواحد صاحبي وقولتله يقابلني على القهوة اللي عند الجنينة اليابانية, وعلى العصر كنا قاعدين انا وهو بنشرب شاي وبنشيش على القهوة..


كل حاجة يومها كانت سودة قدامي, الدنيا ضبابية وجسمي لسة مولع من الغضب, خاصة ان المشكلة مكنتش هينة خالص, صاحبي حاول انه يخرجني من اللي انا فيه بس انا فعلا كنت بصرخ من جوايا, كنت عايز افصل من اللي انا فيه بأي طريقة, حتى لو كنت هجرب المخدرات لأول مرة في حياتي, المهم افصل من اللي انا فيه..



على المغرب كدا صاحبي تليفونه رن وابوه طلب منه يرجع لأمر ما, طبعا اعتذرلي وقالي انه هيرجعلي بسرعة بس انا مكنتش مهتم, يرجع او ميرجعش الموضوع ميفرق معايا من الأساس..



وقتها مسكت تليفوني وحطيت السماعات في ودني وقولت اشغل اي حاجة عشوائية, فتحت مشغل الموسيقى وجبت اخر حاجة تحت ولقيت نفسي بسمع..



تراك رعب وواحد بيحكي قصة رعب, التراك نفسه رجعني لذكريات تلت سنين ورا, لما كنت مدمن لقصص الرعب الاذاعية, خاصة الشخص اللي بيحكي دلوقتي واللي كنت بحبه جدا, حسيت ان ده اللي ممكن يخرجني من اللي انا فيه ويرفع عني ضيق الصدر اللي انا حاسس بيه ده..



وقتها شردت بعنيا للجنينية اليابانية اللي جمبي وانا قاعد بسمع, شوية وعنيا جت على المبنى القديم المتهالك, المبنى اللي بيقولوا عليه مشرحة حلوان القديمة,  المشرحة اللي الناس بتحكي عنها العجب العجاب..


وقتها كان المذيع بيقول في ودني

"وحكايتنا انهاردة بعنوان المشرحة"


اتخضيت في البداية بس بعدها ابتسمت, ابتسمت على الصدفة الجميلة دي, وشردت اكتر, شردت ولأول مرة روحت اتأمل المبنى المرعب..


بحيطانه الآيلة للسقوط وشبابيكه المتهالكه, بلونه المقبض والاحساس المقبض اللي بيراودك وانت بتتأمله, حاجة كلاسيكية فعلا, وكأنك بتبص لقصر دراكيولا وهو نايم جوة..


في الوقت ده المذيع كان بيقول


"بدأت امشي في المشرحة, وعلى الجدار كان فيه آثار دم"

ومن العدم أو ممكن نقول من الشيطان جتلي الفكرة, انا هدخل جوة اخود جولة, مين عالم مش ممكن اعيش تجربة واحكي لشخص يذيع حكايتي, هما اللي بيحكوا أحسن مني في ايه  ؟؟


في الوقت ده كان المكان شبه هادئ تماما, حتى العربيات كل فين وفين لما بتعدي من هنا, كلهم بيدخلوا من الشارع اللي قبل الجنينة, المكان بالليل بيبقا ضلمة جدا, تحس ان انوار الدنيا متقدرش تنوره, حتى الصمت, الصمت الغريب اللي بيحسسك انك روحت عالم تاني, 
عكس باقي حلوان اللي كلها دوشة..


حاسبت القهوجي, ونزلت المنزل الكبير في اتجاه المشرحة, صمت وظلام وصوت خطواتي, هو ده الوصف للمشهد, حتى لما فكرت اتراجع افتكرت فورا مشكلتي مع اهلي في البيت وغضبت, والغضب بيقهر الخوف, وانا غضبي كان جبار..


وبدون أي مقدمات وقفت قدام المبنى الضخم بتأمله, وقتها حسيت انا اد ايه صغير خالص, صغير في مواجهة حاجة بالحجم ده, بس انا قررت هدخل, هدخل واللي يحصل يحصل, اي نعم انا عارف ان المكان ملجئ للمتسولين وتجار المخدرات بس كل ده ورا في المبنى التاني, اما مبنى المشرحة ففاضي تقريبا..


قدمت كام خطوة لحد ما لقيت نفسي جوة المبنى, المبنى اللي كان عامل زي الدوامة, دوامة من الظلام الدامس, وفرق كبير بين الضلمة وبين اللي كنت شايفه, انا كنت شايف كيان, كيان اسود ضخم بيبلعني, فتحت كشاف الموبايل ودخلت.. 


ضوء الكشاف كان عامل زي الشمعة اللي اخرها تنور ملامح وجهك وبس, اما اللي قدامك بنصف متر فانت مش شايف منه اي حاجة..
فكرت ارجع بس الفضول خدني اكمل كمان كام خطوة وارجع, وقتها اتنفضت على صوت كلب قوي خلاني اصرخ بأعلى صوتي..
طلعت برة جري لقيت "سبارتكوس" وده الكلب بتاعي, كان دايما بيجيلي عند القهوة بالليل, حضنته وانا بلومه على الخضة اللي خضهالي دي, كنت مستغرب ازاي قدر يعرف مكاني ويوصلي, بس في النهاية هو قدر يوصلي..


بس الغريب انه كان باصص لمدخل المبنى وعمال يزوم ويزوم, شوية ويرجع بتحفز ويحاول يهجم, كأنه شايف حد قدامه, شوية ويرجع يزوم ويحاول يهجم من تاني, استغربت من رد فعله بس مقدرتش اوصل لحد هنا وارجع, لقيت الكلب عمال يشد في هدومي بسنانه عشان ابعد, بس انا دفعته بعنف وطلبت منه يرجع, فضل باصص لي بصة غريبة وكأنه مش هيشوفني تاني, بس انا حدفت عليه حجر صغير لحد ما بعد عن المكان..



ورجعت تاني ودخلت المشرحة, دخلت المشرحة طبعا بخطوات سريعة عشان الكلب ميرجعش تاني, وهنا بدأ صوت طنين غريب يضرب ودني..


عارف لما فجأة تدوخ وتحس بصوت قوي بيدخل ودانك ويرجها, كأنه صوت ذبذبات عاوزة تدمر حاسة السمع..


حسيت بنفسي بدوخ والاحساس ده بيهز كياني كله, لفيت بسرعة ومشيت عشان اتصدم, اتصدم بحائط بيسد المكان, انا مكملتش كام خطوة في المكان ده عشان اتوه كدا, بصيت يمين وشمال ومفيش اي مخرج من المكان, ظلام مخيف وصوت الطنين اللي بيزن في ودني ده..


اتحركت بعنف عشان اسمع صوت التليفون بتاعي بيقول


"كانت مشرحة قديمة وكان الحل الوحيد اني مدخلش هنا من الاساس"


بصيت بفزع للموبايل لقيت السماعة اتشدت من مكانها والمايك اشتغل بالصوت, صوت القصة اللي كانت لسة شغالة, قفلت القصة من على الموبايل وفضلت ابص بالكشاف ناحية اليمين والشمال..


قلبي عمال يدق والخوف بينهش في جسمي, عمال الف وادور حولين نفسي وانا عاوز انهار , انهار وابكي..


والرعب بدأ يتمثل لما بدأت اسمع صوت اطفال بتبكي, كل اللي كنت بسمعه في قصص الرعب بقا بيتحقق قدامي, صوت اطفال مزعج بتبكي في كل مكان..


غير صوت الطنين الغريب اللي مخليني مش متزن ومش قادر اتحرك حتى..


وبعدها بدأ صوت مواء قطط, بس المواء الخشن المخيف ده, مواء وكأنه مواء شيطان مش مجرد قط, ندمت, ندمت وعضيت صوابعي من الندم وانا واقف جوة الضلمة مش عارف امشي خطوة..


وفجأة فزعت من حاجة لمست رجلي, حاجة خلتني اتنطط مكاني زي المجنون واجري زي المجنون في الضلمة..
ااااااه اااااااااه ااااااااااه


كنت بصرخ بهيستريا وانا حاسس باحساس صعب, قلبي وجعني اوي, همووووت


فضلت اسلط ضوء الكشاف يمين وشمال لحد ما شوفت السلم, انا هطلع وانط من اي شباك من فوق, هو ده الحل الوحيد..


بس شكل السلم كان صعب, كان فيه دم متجلط عليه, الريحة جوة شبيهة بريحة الموت, ريحة عفانة الجثث, حتى السلم واللي كنت شايف اول درجتين منه بالعافية كان متحطم خالص..


وسمعت صوت خطوات نازلة, حاجة خلت شعري كله يقف, حسيت بكهرباء بتمسك في جسمي كله, وبدون وعي مني لقيت السلم بينزل لدور تحت الأرض, نزلت على اطراف صوابعي لتحت, نزلت عشان تخبط في رجلي قطة وراحت مطلعة صوت مرعب, صوت خلاني اقع من على السلم..


وقعت عشان احسن ان عضم رجلي بيتكسر, حسيت بوجع محستش بيه في حياتي, وبقيت في قلب الضلمة واقع عمال بتألم
اااااااه ااااااااه ياااارب يارب يارب


بس مكنش فيه اي سبيل للنجاة, وبدون مقدمات شوفتها, شوفتها وانا واعي زي ما بتكلم دلوقتي, كانت ست عجوزة, كان فيه ضوء خارج من وشها مخليني شايف كل تفاصيلها..


كانت عينيها جاحظة وجسمها معضم خالص ولابسة شال اسود, كانت بتبرقلي زي الأموات..


وجت جمبي وقعدت, قعدت وبصت لعنيا وفضلت تبرق, وقتها فضلت اتنفض واقولها ابعدي عني, ابعدي عني, ايعدي عني..

بس هي فضلت قاعدة وانا مكنتش قادر حتى اتحرك, مكنتش قادر حتى اصرخ, بصيت لعنيها الجاحظة وتوهت..

حسيت بتوهان فظيع, كأني متبنج أو في غيبوبة, او حلم, بس حلم مخيف جدا..


شوفت في عنيها كل حاجة مخيفة في الدنيا, شياطين واموات ومقابر, كلاب وتعابين وقطط

كل حاجة من دول كانت بتنهش في جسمي وانا مرمي على الارض عمال اتألم

اااه ااااه ااااه

وبكل همس ودموعي بتسيل ناديت ربنا


ناديته ينجيني من اللي انا فيه


معرفش فضلت اد ايه على الوضع ده والست قاعدة جمبي, بس لما فوقت فوقت على نباح كلب, كنت بهلوس وقتها, بهلوس وشبه داخل في سكرات الموت..


بس ده كان سبارتكوس, سبارتكوس وابويا وعمي, الكلب جبهم تاني يوم وقدروا يوصلولي, وعرفت اني فضلت اتناشر ساعة مرمي جمب الست وببص لعنيها مش قادر ابعدها عني..


رجلي اتكسرت ودماغي اتجرحت جرح كبير ودمي سال على ارض المشرحة, بس لحقوني, لحقوني وفضلت ست شهور بتعالج بالقرآن وبالعلاج النفسي..


انا حاليا عندي فوبيا من المكان كله, حتى اني كنت بصرخ يوميا لحد ما عزلنا من الشقة كلها لأنها قريبة من المشرحة, عزلنا بس فضلت اصوات القطط وبكاء الاطفال بسمعها حتى يومنا هذا, عزلنا بس نظرات الست هتفضل محفورة في ذهني لحد ما اموت..




ده ملخص مقابلتي مع يوسف, يوسف شاب قرر يقابلني في حلوان بس بعيد جدا عن المشرحة وحكالي كل ده, يوسف كان صادق جدا في حكيه مش مجرد واحد بيحكي وبيألف, يوسف كان عنده اعاقة غريبة في رجله ونظرات عنيه كانت عمالة زي المشردين.. 






تعليقات