أخر الاخبار

قصة المغسلة للكاتب محمد شعبان العارف

 قصة المغسلة للكاتب محمد شعبان العارف


وانا قاعد على المكتب اللي جنب باب المغسلة، ووقت ما الغسالات كانت شغالة، دخلت عليا من الباب ممرضة معاها سلة حديد بعجل، السلة كان جواها ملايات.. حطتها قدامي وبصت لي بقرف وقالتلي..



ملوك الجدعنة يوسف شعبان,ملوك الجدعنه مصطفى شعبان,مصطفى شعبان مولانا العاشق,محمد خيري,أبو عارف وأبو شعبان في الكلاسيكو,العارف,مصطفى شعبان ابو البنات,ملوك الجدعنة اعلان,أبو شعبان المراجل,قصص رعب محمد جويلي,عارف العارف,فيلم العارف,مذكّرات عارف العارف,رعب محمد جويلي,مصطفى شعبان يرقص,مصطفى شعبان ابو جبل,محمد جواني,مصطفى شعبان مسلسلات,مصطفى شعبان مزاج الخير,اغاني كاس العالم,مصطفى شعبان يضرب زوجاته,محمد سعد اغاني,محمد,قصص جن كتاب شمس المعارف




-انت جديد هنا؟!


اتفحصت هيئتها وملامحها، كانت عادية، مش حلوة اوي ولا وحشة اوي، لابسة لبس الممرضات الابيض، وعلى وشها نضارة نظر.. شكلها كده وملامحها بيقولوا انها تقريبًا في الاربعينات او في الخمسينات وبتحاول تداري سنها بالمكياج.. فوقت من سرحاني معاها ونظراتي ليها على صوتها وخبطة ايديها على المكتب..


-في ايه؟!.. بتبرقلي كده ليه؟!.. انت هتطلعلي بطاقة؟!


-ها!.. انا.. انا اسف، اه.. انا لسه جديد هنا.


-طب ياعم الجديد، الحاجة دي عاوزينها الصبح، معاك اربع ملايات وكيسين مخدة كبار، وكيسين مخدة صغيرين.. سلام.. واه.. بعد كده ماتبحلقش اوي في كل واحدة تدخلك.


قالت كلامها ده وسابتني وخرجت، ومع خروجها، قومت من مكاني وخدت السلة الحديد ودخلت بيها جوة، دخلت عشان احط الغسيل اللي فيها في غسالة من الغسالات.. بس وانا داخل ملامح وشي اتبدلت، حسيت بضيق وقرف بسبب حاجتين؛ اولهم شكل الملايات واكياس المخدات، كانوا مليانين دم غامق وشكلهم يوجع البطن، وتاني حاجة كانت الريحة.. ريحة الملايات والمخدات كانت لا تطاق، زفارة وكمكمة وحاجة اخر قرف... إنما هعمل ايه، ده شغلي ولازم استحمل، بس عشان القرف يخف شوية، حطيت السلة قصاد الغسالة الكبيرة اللي هحط فيها الغسيل، وخدت بعضي وروحت لبست كمامة وجلافز، وبعد ما لبستهم، رجعت تاني عند السلة.. فتحت باب الغسالة وبإيديا اللي لابس فيها الجلافزات، ابتديت احط الملايات واكياس المخدات جواها، وبعد ما نقلتهم من السلة للغسالة، قفلت بابها وجريت السلة للحمام اللي في المغسلة وفتحت عليها مايه عشان الدم اللي فيها ينزل، وبعد ما نضفت من الدم وغسلتها كويس، رجعت للغسالة وحطيت فيها المسحوق وشغلتها، لكن الغسالة وهي شغالة غصب عني رميت عيني على غطاها، المنظر جواها كان مقرف هو كمان، مايه وملايات ورغاوي.. و.. ودم!



قرفتي زادت وحسيت اني بدأت اتخنق، وعشان اتحاشى ده كله، مشيت من قدام الغسالة وروحت قلعت الكمامة والجلفزات وغسلت ايدي كويس ورجعت قعدت على المكتب من تاني.. الساعة وقتها كانت عشرة بالليل، يعني فاضل حوالي ساعتين واقفل واروح، لكن وانا قاعد وبكتب الحاجة اللي استلمتها من الممرضة وحطيتها في الغسالة، فجأة سمعت من جوة، او من عند مكان الغسالات بالتحديد، صوت خبط!


ماخدتش في بالي لإن الصوت كان بسيط، فقولت بيني وبين نفسي ان ده ممكن يكون صوت الغسيل اللي بيتغسل ولا حاجة، مش قصة يعني، بس اول ما رجعت اكمل كتابة، صوت الخبط زاد، ومش زاد عادي كده، ده زي ما يكون حد بيخبط على باب من ابواب الغسالات.. ماعرفش ليه في اللحظة دي حسيت بقلق وقومت من مكاني، بلعت ريقي ورميت عيني جوة، وقبل ما اتحرك من مكاني صوت الخبط زاد اكتر واكتر وسمعت معاه صوت صرخات، كانت صرخات متتابعة وكأن حد بيستنجد بيا عشان انقذه من مصيبة بتحصله!


خدت بعضي ودخلت جري على المصدر الصوت، ومع دخولي اكتشفت ان الصوت جاي من جواها، من نفس الغسالة اللي حطيت فيها الغسيل بتاع المستشفى.. قربت منها بحذر، ايديا كانت بتترعش، وبمجرد ما وقفت قدامها اتجمدت في مكاني لثواني!.. صوت الخبط والصرخات زاد، ومعاه شوفت من ورا باب الغسالة البلاستيك، مصيبة!.. الغسالة جواها حد!.. كان في ايد بني أدم بتلف مع الغسيل وهو بيتغسل، وعمالة تخبط بقوة على الباب!


فوقت من صدمتي ومن غير اي تفكير وبتلقائية، قفلت الغسالة وفتحت بابها.. وبمجرد ما عملت كده، المايه المخلوطة بمسحوق الغسيل والدم، وقعت على الأرض وبهدلت الدنيا.. ده حتى الغسيل هو كمان وقع معاهم، بس ايه ده؟!.. الغسالة لا فيها إيد ولا فيها اي حاجة غريبة، هي بس المايه اللي بقى لونها احمر من الغسيل، والغسيل نفسه، اومال فين الإيد اللي شوفتها جوة الغسالة من ثواني!



اتنهدت بقوة وسحبت نفس كبير، نفس خرجته وانا ببص على الارض اللي اتبهدلت، مسحت وشي بإيدي وانا بنفخ بضيق واتكلمت بصوت عالي..


-استغفر الله العظيم.. انا اتجننت وبقى بيجيلي تهيؤات ولا ايه؟، ولا تكونش قعدتي لوحدي في اليومين اللي فاتوا لحست نفوخي؟!.. ولا.. ولا ممكن تكون الملايات دي...


قطع كلامي مع نفسي صوت الغسالة.. ازاي ده، ازاي الغسالة تشتغل والباب مفتوح!!


برقت وانا مش مصدق اللي بيحصل، لا لا.. كل ده مش طبيعي، بس لا، انا هفضل واقف مكاني ولسه هسأل نفسي ايه اللي طبيعي وايه اللي مش طبيعي؟!.. انا روحت بسرعة ناحية فيشة الغسالة وخلعتها من مكانها، وبعد ما الفيشة اتشالت والغسالة سكتت، روحت ناحية الحمام عشان اجيب الشرشوبة والجردل وانضف العك اللي حصل قدام الغسالة ده.. وفعلًا، دخلت الحمام ومسكت الجردل والشرشوبة، لكن وانا خارج، سمعت من ورايا صوت عجل بيتحرك، او.. او.. حاجة بتتجر، دي السلة الحديد بتاعت الغسيل، بتتحرك لوحدها!


مابصتش ورايا ولا عمري كنت هبص، انا خدتها من قصيرها وخدت بعضي وروحت ناحية الغسالة، لبست الجلافزات والكمامة من تاني، ورجعت الغسيل مكانه ونضفت الارض والغسالة وشغلتها، وبعد ما كل حاجة رجعت زي ما كانت، دخلت الحمام ورميت الحاجة اللي نضفت بيها ورجعت تاني ناحية المكتب.. ووانا خارج وفي طريقي للمكتب، كان طبيعي اعدي من عند الغسالات، إنما اللي مش طبيعي، هو الصوت اللي سمعته جاي من ناحية الغسالة اياها.. كان صوت آنين، كأن حد بيتخنق!


ريقي نشف، العرق ابتدا يملى وشي، وقبل ما اقرر اروح ناحية الغسالة تاني ولا لأ، اتنفضت فجأة في مكاني لما سمعت صوت تليفوني وهو بيرن.


روحت ناحية المكتب بسرعة ومسكت التليفون ورديت...


-الو.. ايوه ياعُمر.


-مساء الفل يازوز.. ايه الاخبار عندك؟!


-الحمد لله.. الدنيا ماشية، ايه، مش ناوي ترجع؟!


-ما انا قايلك يازايد.. اسبوع وراجع، وبعدين ده اسبوع في السنة، سبع تيام بغير فيهم جو وراجع تاني، مش شهر يعني... ثم هو انت عندك مشكلة في حاجة؟!.. محتاجني ضروري يعني؟!


-لا لا مافيش مشكلة ولا حاجة، انا بس زهقت واتخنقت من القعدة لوحدي.


-طب ياسيدي، لو على كده وبس، فماتقلقش، انا كلها كام ويوم وهبقى عندك.. بس زايد، بقولك ايه، انت متأكد ان مافيش حاجة؟!


سكتت شوية وبعد كده رديت عليه..


-اه.. اه مافيش حاجة، هيكون في ايه يعني، هي بس قعدتي لوحدي في المغسلة، هي اللي خنقاني، اما الشغل نفسه، فمافيهوش اي جديد، الناس بيجيبوا الغسيل وبيجوا يستلموه ويدفعوا تمنه.. و.. وبس..


-ماشي ياعم، المهم انك خدت عالجو وحفظت الدنيا بسرعة، ولو على موضوع وحدتك في المغسلة، فانا زي ما قولتلك، كلها كام يوم وهاجيلك وهفضل قاعد معاك لحد ما تزهق مني وتقولي امشي.


رديت عليه وانا ببتسم بسبب كلامه...


-لا ياحبيبي ماتقولش كده، ده انت الخير والبركة، يلا.. ربنا يرجعك بالسلامة... هسيبك انا بقى عشان اقفل واروح.

-ماشي، توصل بيتك بالسلامة، سلام.


-سلام.


قفلت مع عُمر وانا أهدا شوية، جايز تكون مكالمته معايا هي اللي خلتني هديت، او جايز لإن الاصوات العجيبة اللي كنت بسمعها اختفت مع رنة التليفون.. مش عارف، بس اللي انا متأكد منه إني مش هقعد اكتر من كده، انا لازم اقفل واروح عشان الحق انام شوية واجي الصبح فايق... واللي قولتله لنفسي عملته، خلصت بسرعة تسجيل كل حاجة في الدفتر، والحمد لله، لا سمعت اصوات غريبة، ولا حصلت اي حاجة مش تمام زي ما حصل قبل كده، هو بس صوت الغسالة اياها كان اعلى من المعتاد، وده مش مشكلة ولا ركزت معاه.. انا بعد ما خلصت تقفيل اليوم، قفلت المغسلة، وطبعًا سيبت الغسالة شغالة عشان الغسيل اللي فيها يتغسل، وكده كده هي لما تخلص هتفصل لوحدها، والصبح بقى لما ابقى اجي، على الساعة ٩ كده.. هطلع الغسيل واجففه واجهزه عشان يتسلم.. وبعد ما قفلت وخرجت من الشارع اللي فيه المغسلة، ركبت الميكروباص اللي هيوصلني من المعادي لدار السلام، ووقت ما كنت في الميكروباص، سرحت.. مخي ابتدا يراجع كل حاجة من الاول، يعني بصريح العبارة كده افتكرت ايه اللي وصلني للنقطة اللي وصلتلها دلوقتي دي.



الجزء التاني



سرحت.. مخي ابتدا يراجع كل حاجة من الاول، يعني بصريح العبارة كده افتكرت ايه اللي وصلني للنقطة اللي وصلتلها دلوقتي دي.


انا ياسيدي راجل عندي ٣٢ سنة، خريج كلية تجارة، بعد ما خلصت دراستي وجيشي، اشتغلت محاسب في شركة أغذية، والحمد لله، بعد شغلي بفترة ربنا كرمني ووضبت الشقة اللي ابويا كان جايبهالي عشان اتجوز فيها، واتجوزت، ومن بعد الجواز الدنيا فضلت ماشية لسنين، يعني.. جيبت ولد سميته (ادم) وبعده بنت سميتها (كريمة).. والحمد لله الدنيا مشيت وربنا رزقني برزقهم.. لكن بعد سنين، حصل خلل في روتين حياتي، والخلل ده كان سببه ان الشركة اللي انا شغال فيها، قفلت فروعها في مصر، وطبعًا كل الموظفين اللي فيها.



 اتسرحوا، وانا منهم.. ومن هنا بقى ابتديت الف حوالين نفسي، انا ماكنش ليا اي مصدر رزق تاني غير شغلي في الشركة، يعني لا عندي مشروع ممكن اتسند عليه، ولا بعرف اشتغل اي شغلانة غير اللي كنت بشتغلها، ورغم كده مايأستش، انا خدت ورقي وقدمت في اكتر من مكان، وطبعًا كل ده من غير فايدة، لا اتقبلت في حتة ولا حد شغلني، كل شركة كانت مكتفية بس بالموظفين اللي عندها، ومن هنا جت لي فكرة غريبة، او هي ماجاتليش مني لنفسي كده، هي مراتي اللي اقترحتها عليا، لما قالتلي ادور على اي شغلانة تانية غير شغلانة المحاسب، وبصراحة كان معاها حق، انا لو فضلت قاعد مستني تعييني في اي شركة، فيها شهور.. والشهور هتحتاج مصاريف، وانا ماكنش حيلتي غير مرتبي اللي كان يادوبك بيقضيني انا ومراتي وعيالي بالعافية.. لكن لما سمعت كلام مراتي وفكرت في شغلانة تانية، مخي وقف، انا هشتغل ايه يعني.. هنزل اقف في سوبر ماركت ولا اشتغل في بنزينة؟!.. مع احترامي طبعًا للشغلانات دي كلها واللي اصحابها فوق فوق راسي، بس انا مش كده، انا ماتعودتش على ده.. وفي وسط حيرتي وتفكيري، ووقت ما كنت قاعد عالقهوة في يوم، قابلت عُمر صاحبي، وعُمر ده عشرة عُمر بالنسبة لي، احنا كنا زمايل في ثانوي وكمان في الجامعة، ده غير انه وقت ما كان عايش مع والده وقبل ما يتجوز، وقبل ما انا كمان اتجوز، كنا ولاد منطقة واحدة.. وطبعًا عُمر لما قابلته وبعد السلامات، لاحظ اني متغير، عينيا زايغة ومش مركز ودقني طويلة، وبسبب شكلي والحالة اللي كنت عليها، سألني مالي، وبصراحة انا كنت عامل زي البلونة اللي ما صدقت حد شكها بدبوس عشان تخرج الهوا اللي جواها.. فحكيتله، حكيتله عن اللي بمر بيه وعن ان الدنيا واقفة معايا، ووانا بحكيله، ماكنش في دماغي ابدًا ان الحل ممكن يجي من عنده.



عُمر بعد ما سمع مني وبعد ما خلصت كلامي، اقترح عليا اني انزل واشتغل معاه في المغسلة بتاعته، وقالي كمان انه هيديني مرتب اسبوعي محترم، وده لإن ماحدش بيساعده فيها، وهو في نفس الوقت عنده شغل تاني في شركة ابوه بتاعت الاستيراد والتصدير، فبكده انا هاخد بالي من المغسلة وهبقى شغال فيها بدماغي، وهو هيخلص مصالحه في الشركة الصبح، وهيجي يقعد معايا بالليل.. وبصراخة هو كان معاه حق هو كمان وكلامه كان موزون، ولما روحت وحكيت لمراتي، فرحت وقالتلي اوافق، ف وافقت.. وبمجرد ما وافقت ونزلت مع عُمر اول يوم، خدت بالي من كام حاجة كده.. اولًا المغسلة موجودة جنب مستشفى خاصة في المعادي، والمستشفى بتبعت من عندها حاجات عشان تتغسل فيها، وتقريبًا كده معظم شغل المغسلة قائم على الغسيل بتاع المستشفى، وغير كده وكده كمان، المغسلة كانت في شارع هادي، شارع بيبقى معظم الوقت ساكت، والحقيقة ان كل اللي قولته ده كان عادي ويعدي، لكن اللي مش عادي ان عُمر في اول يوم ليا، قالي انه هيسافر مطروح اسبوع عشان يغير جو.. يعني، فسحة عادية، وفي خلال الاسبوع ده المفروض اني هقعد لوحدي في المغسلة، وبعد ما قالي كلامه ده، وقبل ما اقوله ان ماينفعش يسيبني لوحدي في اول فترة شغلي، رد بسرعة وقالي انه مش هيسافر الا لما يكون معرفني كل صغيرة وكبيرة.. واللي قاله عمله بصراحة، عُمر في خلال يوم كان معرفني على كل حاجة، من اول التعامل مع الغسالات، لحد طريقة استقبال الغسيل وغسله وتجفيفه وتسليمه، وبعد ما عرفت كل حاجة، سافر وسابني، والنهاردة كان تاني يوم ليا وانا لوحدي... بس اليوم ده ماكنش يوم عادي، كان يوم غريب من كل حاجة، بدايةٌ من الممرضة الغريبة اللي كنت اول مرة اشوفها دي، ومرورًا بالغسيل اللي كان متبهدل دم وريحته لا تطاق، ومرورًا كمان باللي شوفته او حصلي بسببه، واللي لحد ما فوقت من سرحاني ونزلت من الميكروباص، وانا مش لاقيله اي تفسير، وحتى بعد ما طلعت البيت ووقت ما كنت بتعشا، كنت قاعد سرحان.. ما انا مش عارف، هل اللي شوفته ده كان بسبب الدم اللي في الغسيل، واللي ياعالم بقى ده دم مين!.. ماهي المستشفيات مليانة بلاوي، ولا.. ولا انا كان بيتهيألي وكل اللي حصلي ده بسبب قلقي من القعدة لوحدي، واللي عادةٌ مش واخد عليها؟!




يلا مش مهم، انا اللي يهمني ان مراتي ماتاخدش بالها من ان في حاجة شاغلاني او مضايقاني، هي كده كده طالع عينيها طول النهار في البيت ومع الاولاد، والاهم من انها ماتاخدش بالها من حاجة، اني انام عشان اعرف اصحى الصبح بدري واروح افتح المغسلة في المعاد المعتاد، الساعة ٩ الصبح... وعشان كده بعد ما اتعشيت وشربت كوباية شاي في السريع، وبعد كلام خفيف مع مراتي وكام ضحكة مصطنعة، دخلت نمت في اوضة النوم.. اما هي؛ فنامت جنب الاولاد في أوضتهم عشان تصحيهم للمدرسة الصبح وماتقلقنيش، اصلهم بيصحوا قبلي بحوالي ساعة ونص كده.. بس النوم اللي المفروض يبقى راحة للبني آدم، ليلتها ماكنش كده خالص بالنسبة لي، ده كان هم.. هم وغم وليلة ما يعلم بيها الا ربنا.


ليلتها بعد ما حطيت راسي على المخدة، غمضت عيني وروحت في نوم عميق، نوم ماصحيتش منه إلا على الشديد القوي، والشديد القوي كان صوت غسالة، صوت بايخ وغتت فوقني من عز نومي، لا وكمان كان معاه ريحة وحشة اوي، تقريبًا نفس الريحة اللي شمتها في الغسيل قبل ما احطه في الغسالة!


قومت من نومي وانا متضايق ومخنوق وبصيت حواليا، المكان كان متغير، انا مش في بيتي ولا على سريري، انا كنت في المغسلة!


كنت بالتحديد قاعد على الكرسي اللي ورا المكتب الخشب اللي جنب الباب، والمصيبة  ان باب المغسلة كان مقفول والدنيا كانت ضلمة.. وقت ما كنت قاعد ولسه بحاول استوعب انا جيت هنا ازاي، انوار المغسلة كلها نورت وابتدا صوت الغسالة الواحدة يبقى مضاعف، كذا غسالة اشتغلت ورا بعض، واصواتهم كانت لا تطاق، ماكانتش اصوات الغسالات اللي انا متعود عليها، دي كانت عالية ومزعجة بشكل خلاني قومت من مكاني وروحت ناحيتهم، وبمجرد ما وصلت عندهم، لقيت ابواب الغسالات كلها مفتوحة، والغريب هنا بقى ان الغسالات كانت شغالة وابوابها مفتوحة!، ازاي ده؟!.. هو.. هو ده ينفع اصلًا؟!


بس قبل السؤال عن ايه اللي ينفع وماينفعش، وقبل ما اسأل انا جيت هنا ازاي اصلًا، انوار المغسلة ابتدت تترعش، زي ما يكون كهربة المكان فيها حاجة غلط او في فيوز هيضرب مثلًا، وفي وسط ده كله ومع اصوات النور والغسالات والريحة القذرة اللي كنت لسه شاممها، سمعت صوت عَجل بيتجر من ناحية الحمام.. دي.. دي السلة اللي الممرضة جابت فيها الغسيل!.. السلة كانت خارجة من الحمام ببطء ومرة واحدة ثبتت في مكانها، برة الحمام، او بالظبط جنب اول غسالة.. وقتها انا كنت واقف بعيد عنها، بحوالي متر وشوية، وبسبب شكلها وصوتها وبسبب كل اللي بيحصل، غصب عني رجعت لورا كام خطوة وانا مترقب.. وماتسألنيش مترقب إيه، انا حاسس ان في مصيبة هتحصل او ان في حاجة غريبة هتظهرلي من اي مكان، واللي حسبته لقيته، من ورا السلة ظهر هو.. قلبي اتقبض بسبب شكله، هو كان بني أدم، مش جن ولا عفريت ولا مخلوق اسود وله قرون مثلًا.. ده كان بني أدم بس حرفيًا كده جلده سايح في هدومه، متشوه، جسمه طالع منه دخان رهيب، والدم اللي كان حرفيًا بيشلب من كل حتة في جسمه، ابتدا يغرق الارض من حواليه.



بص لي وهو واقف في مكانه ورا السلة، وفي نفس الوقت كان جنب الغسالة الاولى، نظراته جمدتني في مكاني، خلت قلبي يدق بسرعة رهيبة لدرجة اني كنت سامع صوته مع اصوات الغسالات، الجو بقى أبرد مع اننا في عز الصيف، الزمن وقف بيا، لا كنت عارف اجري ولا اتحرك من مكاني ولا حتى افتح بوقي او اقول اي حاجة.. وتفتكر هو فضل واقف في مكانه؟!.. ياريت، ده عشان الليلة تكمل والرعب يوصل لاقصى مداه، مَيل الشخص ده رقبته ناحية اليمين وابتدا يتمشى ناحيتي، كان بيمشي بالعافية بسبب اللي هو فيه، الدم كان بينتشر على الارض مع كل خطوة بيخطيها، ده غير انه كان كل ما يقرب، كنت بسمع آنينه، وصوت آنينه كان نفس الصوت اللي سمعته قبل كده وانا في المغسلة اول مرة!


مابقتش عارف اتصرف ازاي ولا بقيت عارف اروح فين، انا كل اللي جه في بالي اني اروح ناحية باب المغسلة وافتحه واطلع اجري، ولله الحمد، فجأة قدرت اتحرك وروحت بسرعة ناحية الباب وحاولت افتحه، لكنها كانت محاولة فاشلة، الباب كان ثابت وكإنه مقفول من برة بالقفل، يعني لا كان بيترفع ولا حتى كان في امل انه يتفتح.. ومع يآسي من كل حاجة وعلو اصوات الغسالات، واللمض بتاعت المغسلة اللي ابتدت تضرب، غصب عني بصيت ورايا، واول ما لفيت راسي وبصيت، لقيته في وشي بالظبط، ملامحه كانت سايحة في بعضها وعينيه خارجة لبرة، برقتله وفضلت اصرخ زي العيال الصغيرة، وبسرعة ومن غير اي مقدمات، حط ايده على وشي وابتدا يسكتني، او بمعنى اوضح.. ابتدا يكتم نَفسي، او.. او يموتني!



شهقت بقوة وفتحت عيني وبصيت حواليا.. انا ماكنتش في المغسلة، الراجل المحروق ده ماكنش قدامي، الف حمد وشكر ليك يارب.. كان كابوس.


خدت نفسي بانتظام وشربت شوية مايه من ازازة كنت متعود احطها جنبي وبصيت في الموبايل، الساعة كانت تمانية الا ربع.


قومت من عالسرير وخرجت من الأوضة، البيت كان هادي ومراتي كانت واقفة بتحضر الفطار في المطبخ، سلمت عليها ودخلت الحمام وبعد كده خرجت فطرت ولبست ونزلت عالمغسلة.. وبعد وصولي، وقفت قصاد الباب زي العبيط، اه بجد، كان شكلي اهبل اوي وانا واقف وخايف افتح الباب، ماعرفش ليه كنت حاسس اني لو فتحت الباب، اكيد هلاقي مصيبة مستنياني جوة.. بس بعد دقايق من الوقفة اللي فضلت واقفها، واللي ماكانش ليها اي تفسير او معنى غير اني شخص جبان وخواف، جمدت قلبي وفتحت.. واللي حسبته مالقيتوش المرة دي، المغسلة كانت تمام وماكنش فيها اي حاجة، كانت زي ما سيبتها بالليل، دي حتى الغسالة اللي كنت سايب فيها الغسيل اللي مليان دم، كانت خَلصت غسيل وفصلت، والمفروض دلوقتي إن اطلع الغسيل منها واحطه عالمجفف عشان ينشف، وبعد ما اعمل كده المفروض ارصه في ال.. ايه ده؟!.. السلة الحديد، السلة دي ماكانتش زي ما سيبتها امبارح، ماكانتش في الحمام، دي كانت في نفس المكان اللي وقفت عنده في الحلم!




الجزء التالت



السلة الحديد، السلة دي ماكانتش زي ما سيبتها امبارح، ماكانتش في الحمام، دي كانت في نفس المكان اللي وقغت عنده في الحلم!

ملامح وشي اتغيرت وابتديت اخاف بجد، لكن تفتكر انا كنت ممكن اعمل ايه يعني، الغسيل ده لازم يتجفف ويتسلم للمستشفى اللي اكيد هتبعت حد يستلمه كمان شوية.. وعشان ماعطلش الدنيا ومايبانش اني خواف، هديت نفسي ومسحت قورتي بإيدي وروحت ناحية السلة وسحبتها، حطيتها قدام باب الغسالة وفتحته بحرص، وهنا مافيش حاجة غريبة حصلت، الغسيل كان مغسول ونضيف، وبعد ما خرجته من الغسالة وحطيته في السلة اللي كنت غسلتها كويس امبارح، وديته عند المجفف واستنيته لما ينشف وطبقته وحطيته في السلة تاني، وبعد ما خلصت، ركنته في ركن كده جنب الغسالات، واهو.. الدنيا مشيت والزباين ابتدت تيجي وابتديت اشتغل لحد ما جت ممرضة شابة واستلمت الغسيل، ومعاه سلمتها وصل بالمبلغ المطلوب، وده لإن في نهاية كل شهر، عُمر بيحاسب إدارة المستشفى على الوصولات اللي بتتسلم دي.. ولحد كده مافيش حاجة حصلت، الممرضة بعد ما استلمت الغسيل المنيل بستين نيلة ده، اليوم عدا والدنيا مشيت، او انا كنت فاكر ان خلاص كده، بمجرد ما الغسيل خرج من المغسلة، كل حاجة انتهت، إنما ده ماحصلش... اللي حصل بعد كده كان ابشع وافظع من كل اللي مريت بيه في اليوم اللي فات.

يومها، وعلى الساعة ٩ بالليل، هَديت الانوار شوية وقعدت على كرسي المكتب، ولإن الدنيا كانت هدوء، يعني ماكنش في شغل كتير، فانا قعدت ومسكت الموبايل وابتديت العب لعبة عبيطة كده كنت متعود العبها، لكن بعد دقايق، ابتدت الانوار البسيطة اللي كنت سايبها شغالة،  ابتدت انها تتترعش!

رفعت عيني من عالموبايل وبصيت عاللمض اللي نورها ماكنش ثابت، ده كان عمال يتهز زي ما كان في الحلم بالظبط، لا والجديد بقى المرة دي، او اللي حصل في الحقيقة وماحصلش في الحلم، اني في اللحظة اللي رفعت فيها عيني، سمعت صوت الحنفية بتاعت الحمام وكإنها اتفتحت على اخرها!

قومت من مكاني وروحت بخطوات بطيئة ناحية الحمام، وبمجرد ما بصيت جوة، اتفزعت، ارض الحمام كانت مليانة دم، والحنفية.. الحنفية ماكنش نازل منها مايه، دي الحنفية هي كمان، واللي كانت مفتوحة على اخرها، كانت بتنزل دم بدل المايه!

طب اعمل ايه انا دلوقتي، اخرج من المغسلة واقفلها، ولا اجمد قلبي وادخل اقفل الحنفية؟!.. الحقيقة ان السؤال ده مادامش في بالي كتير، دي الحنفية زي ما اشتغلت لوحدها، اتقفلت لوحدها!

-وبعدين بقى.. ايه الليلة اللي مش باينلها اول من اخر دي؟!

لما قولت كده بصوت عالي، ابتدت الليلة تبقى اسوء واسوء والغسالات هي كمان اشتغلت كلها مرة واحدة!

سيبت الحمام باللي فيه وروحت ناحيتهم، وبمجرد ما وصلت ووقفت قصادهم، الاصوات سكتت، ما طبيعي الاصوات تسكت لإن ابواب الغسالات كلها مفتوحة، وقبل ما الف وارجع تاني للحمام عشان اشوف المصيبة اللي جواه، ابواب الغسالات المفتوحة ابتدت ترزع ورا بعض، كانت بتتقفل وتتفتح بشكل هيستيري، وكإن في حد انا مش شايفه عمال يرزعهم جامد، ومع رزعهم بيتخبطوا ويرجعوا مكانهم تاني، ووقت ما كل ده كان بيحصل، سمعت صوت عَجل بيمشي ببطء من ناحية الحمام، اهلًا.. كده كملت، ده صوت عَجل السلة... بس السلة رجعت ازاي والممرضة خدتها معاها وقت ما خدت الغسيل!

اعصابي ابتدت تسيب ولفيت رقبتي ناحية الحمام، دي مش السلة وبس اللي ظهرت، ده الراجل المحروق هو كمان.. الاتنين ظهروا عند باب الحمام، وفي اللحظة اللي ظهروا فيها انوار المغسلة كلها انطفت...

ضلمة، سكوت، احساس غريب بالبرد واحنا في عز الصيف، وبدون أي مقدمات الغسالات كلها اشتغلت، ومع صوتها سمعت صوت آنينه، نفس الشخص كان بيتوجع وبيتألم بصوت عالي اوي، صوت خلاني جريت من مكاني، لا جريت ايه، ده انا طيرت وروحت ناحية باب المغسلة، وفي اقل من خمس دقايق كنت قفلت الباب وروحت فين بقى؟.. ايوه زي ما انت فكرت بالظبط، انا روحت المستشفى، وهناك سألت عن الممرضة اللي جابت لي الغسيل امبارح، وعن طريق وصفي لشكلها، عرفت انها ريسة النبطشية الليلية واسمها عدلات... وزي ما عرفت اسمها، فانا برضه عرفت اوصل للأوضة اللي قاعدة فيها.

خبطت خبطتين، وبعدهم، سمعت صوتها من جوة...

-ادخل.

فتحت الباب ودخلت، كانت قاعدة ورا مكتب في وش الأوضة، وكان قصادها دفتر كبير باصة فيه.. رَفعت عينيها عن الدفتر وبصت لي من فوق لتحت، وبقرف اوي قالتلي..

-انت بتعمل ايه هنا؟!

ارتبكت وحاولت ارتب الكلام اللي هقولهولها..

-انا.. انا.. انا كنت جاي عشان اسأل حضرتك على حاجة، انا.. انا..

-انت ايه؟!.. انت بني أدم بصباص وعينيك دول عايزين خزقهم، اه.. انا من أول ما شوفتك ومن نظراتك ليا، عرفت انك مش مظبوط وإن نيتك سودة، وطبعًا انت جاي دلوقتي بأي حجة خايبة عشان تحاول توصل لرقم تليفوني او تفتح كلام معايا او..

-بس بس بس.. ايه ده كله، ياستي انا لا ببصبصلك ولا في نيتي اي حاجة، انا جايلك عشان مصيبة سودة، وبعدين انا هبصلك على ايه يعني، ده انتي في مقام امي.

-امك؟!.. امك ده ايه يااخويا، هو انت شايفني مهكعة وماشية بعكازين؟!

يالهووي عالقرف اللي انا فيه، ست رغاية ونموذج مثالي لخالتي اللتاتة.. بس عشان الطف الجو واحاول اعرف منها سبب اللي بيحصلي، قربت من مكتبها وقولتلها بهدوء..

-لا ياست الكل، انتي ست الناس كلهم وزي الفل، انا اللي راجل عجوز ومنيل بستين الف نيلة، وبعدين انتي ركزتي اوي في جُملة زي امي، وعديتي ان انا جايلك في مصيبة!.. خلاص، حقك عليا، ماقصدش، انا كان قصدي اني والله العظيم لا ببصبص ولا اي حاجة من اللي في دماغك، انا ممكن تبان نظراتي غريبة شويتين، إنما انا والله العظيم متجوز وبحب مراتي جدًا كمان.

-مش شغلي، بتحب مراتك ولا بتكرهها، ده مايهمنيش، انا اللي يهمني هو وجودك هنا.

-ما انتي لو تديني فرصة، هقولك انا جيت ليه.

-طيب، انا هسكت وهديك فرصة، ارغي، مصيبة ايه اللي جاي فيها؟!

-الغسيل بتاع امبارح.

-اشمعنى؟!

-لا ما انا مش كل ما اقولك حاجة هتردي عليا بالشكل ده، انا اصلًا اعصابي بايظة ومش مستحمل من اللي بشوفه بقالي يومين... ده انا قلبي كان هيقف من دقايق بسبب الجدع المحروق اللي عمال يطلعلي في كل حتة ده... واحدة واحدة عليا، مش كده.

بعد ما قولت كلامي ده، قلعت نضارتها وبصت لي بتركيز اوي..

-محروق مين وطلعلك فين؟

-في الحقيقة انا مش عارف محروق مين، انا كل اللي اعرفه انك من ساعة ما جبتيلي الغسيل بتاع امبارح ده، وهو عمال يظهرلي في كل حتة، مرة في احلامي بالليل، ومرة في المغسلة من شوية، ده غير المصايب اللي بقت بتحصل في مكان أكل عيشي.

سكتت شوية وبعد كده قالتلي..

-غريبة!

-هي ايه دي اللي غريبة؟!.. اه لو قصدك عالحاجات اللي بتحصلي، فهي فعلًا غريبة، وانا جيتلك دلوقتي عشان اعرف سببها ايه، واهو يمكن لما اعرف السبب، اقدر الاقي حل.

-لا لا ماقصدش على اللي بيحصلك، انا اقصد ام كريم، العاملة اللي نضفت الأوضة اللي هو كان فيها، اصل الست دي قالت نفس الكلام اللي انت قولته تقريبًا.. قالت انها شافته وانه ظهرلها في اوضة الطوارئ بعد ما جثته اتنقلت للمشرحة.

-هو مين ده اللي كان في الأوضة؟!

-رجب.. ماهو اصل رجب كبير العمال اللي هنا، واقدمهم، جه المستشفى امبارح، بس ماجاش زي ما بيجي كل يوم، ده جه والع بعيد عنك.

-اه.. وطبعًا الغسيل اللي جيبتهولي امبارح، كان هو الغسيل اللي فيه دم رجب، مش كده؟

-اه هو.. يلا الله يرحمه، لا كان مريح حد وهو عايش، ولا حتى وهو ميت.

-ليه؟.. هو كان بيعمل ايه وهو عايش؟

-هقولك.. رجب ده كان نموذج للراجل الواطي، كان ندل في كل حاجة، في معاملته مع المرضى في الرعاية، وفي الجثث اللي بينقلها من الاقسام لتلاجة المشرحة، وحتى الستات او البنات اللي في المستشفى، ماكنوش بيسلموا من نظراته ولا من لسانه اللي عايز قطعه.. طب تصدق، ده لما كان بيعدي على المرضى في الرعاية وهو معاه جثة رايحة المشرحة، كان بيفضل يبصلهم ويبص للجثة اللي عالترولي ويقولهم عقبالكوا، حتى اما كان بيتعامل مع الجثث، كان بيفضل يشيل ويهبد فيهم وكإنهم فراخ.

-طب وانتوا ازاي كنتوا ساكتين عليه وهو كده، ليه ماحدش مشاه؟

-مين ده اللي هيمشيه، ده كان اقدم عامل هنا، يعني جاي قبلنا كلنا، والمستشفى دي، هو اكتر واحد كان عارف بخباياها، ده غير علاقته بالمديرين والدكاترة، كانوا بيحبوه عشان كان بيقضي لهم مصالحهم، لكن اهو.. الضربة جت له من مراته، ما انا ماقولتلكش، رجب لما جه امبارح وهو والع، ماستحملش ومات لإن حروقه كانت من الدرجة التالتة، ومن اللي سمعناه، وبعد ما الحكومة والنيابة حققوا، عرفنا مراته هي اللي حطتله منوم وكبت عليه بنزين وولعت فيه وهو نايم، ولما سألوها انتي عملتي كده ليه، قالتلهم انه كان بيخونها، ولانها كانت مستحملة قرفة وعيشته الفقر وشربه للبرشام اللي كان بيتنيل بيبلعه، وكمان لانها كانت بتحبه اوي، ف ماقدرتش تواجهه، دي خدت عيالها وودتهم عند امهم وخططت لقتله، واهو.. خطتها نجحت وولعت فيه، بس ياعيني قبضوا عليها ومستقبلها ضاع.. بس لا، هي برضه اللي غلطانة، في واحدة تتجوز راجل قد ابوها عشان عاشت يتيمة من صغرها؟!

-لا حول ولا قوة الا بالله، انا مالي انا ومال ده كله، خلينا في مصيبتي انا دلوقتي، انا.. اعمل ايه؟!

-وانا ايش عرفني تعمل ايه، احنا بعد ما استلمنا منك الغسيل اللي كان عالسرير اللي مات عليه، رميناه في أوضة الكُهن وحلفنا اننا مش هنطلعه ابدًا، واهو كلها كام يوم والكُهن هيتولع فيها.

-ياسلام!.. يعني خلاص كده، انتوا الدنيا معاكوا تمام واولع انا بقى زي رجب عشان يبطل يطلعلي!.. انا كان مالي انا بس ومال الشغلانة السودة دي!

-انت هتفضل تولول، ما اللي حصل حصل وخلاص، اقولك، انت الصبح اول ما تفتح، هات مايه بملح وامسح بيها المكان بالغسالات، واقولك كمان.. شغل بخور وقرأن في المكان وان شاء مش هتشوف حاجة، وبعدين انت قلبك خفيف كده ليه، اومال احنا نعمل ايه بقى اللي كل يوم بنشوف جثث اشكال والوان، واشي ده محروق وده مدبوح وده..

سيبتها بتكمل وصلة الرغي بتاعتها وخدت بعضي وخرجت، مارجعتش المغسلة تاني، انا مشيت اه، بس ماروحتش بيتي، انا روحت عند حمايا، طب هتقولي روحت عند حماك ليه؟!، هقولك.. انا حمايا راجل شيخ، ازهري، ولإني ماعرفش شيخ قريب غيره، فانا روحتله وحكيتله عن اللي حصل معايا، ولما سألته عن الحل، قالي كلام قريب من كلام عدلات.. لكن كلامه كان منطقي وفيه تفاصيل اكتر.. حمايا قالي ان اللي بيظهرلي ده هو قرين رجب، ما هو كل بني أدم مننا له قرين، 



والقرين ده لما صاحبه بيموت موتة مش ولابد، بيفضل مش مرتاح وبيعفرت اي مكان فيه اي حاجة من ريحته، دمه بقى، هدومه، اي حاجة فيها ريحة الميت، وكمل كلامه وقالي ان الحل في القرأن.. لازم اشغل قرأن باستمرار في المكان، وكمان اشغله جنبي وانا نايم، وزي ما قال حمايا عملت، روحت البيت وشغلت جنبي قرأن ونمت، والحمد لله، الليلة عدت على خير، هو انا أينعم شوفت كوابيس بسيطة ومتقطعة، بس ماكانتش ببشاعة الكابوس الأولاني ولا حتى كانت حقيقية اوي زيه.. ولما صحيت من النوم ونزلت المغسلة الصبح، عملت بكلام حمايا وكمان بكلام عدلات؛ مسحت الارض والغسالات بمايه متدوب فيها ملح، وشغلت بخور، ده غير اني فضلت طول اليوم مشغل قرأن على التليفون بتاعي، وطبعًا انا مش محتاج اقولك ان كل اللي حصل في الليلة اللي قبل كده، مالقتهوش تاني يوم.. يعني لا ارض الحمام كان فيها دم ولا مايه، ولا حتى غطيان الغسالات كان فيها اي حاجة مش مظبوطة.. دي كل حاجة كانت تمام وفي مكانها، وحتى السلة ماكانتش موجودة، يعني كده خلاص، الدنيا بقت اروق وتقريبًا كده اللي عملته جاب نتيجة؟.. بس خليني اقولك لا، هو اه النهار عدا على خير، لكن على الساعة ٩ بالليل كده، .



وفي نفس المعاد اللي جابتلي فيه عدلات الغسيل اللي مليان دم، الأنوار ابتدت ترعش والغسالات ابتدت تطلع اصوات غريبة، لا والمصيبة الاكبر كمان إن الموبايل اللي كنت مشغل عليه القرأن، سكت مرة واحدة.. فجأة كده فصل لوحده ومارضيش يفتح، وكإنه بالحركة دي بيديني اشارة وبيقولي ان وجودي في المغسلة، خلاص، بقى غير مرغوب فيه.. وهو ده اللي انا نفذته، انا سمعت للإشارة وقفلت المغسلة ورجعت البيت، وبعد ما وصلت، كلمت عُمر وقولتله اني خلاص، مش عايز اشتغل في المغسلة بتاعته تاني، ولما سألني عن السبب، قولتله انه لما يرجع واديله المفاتيح والحساب، في اي مكان بعيد عن المغسلة، هبقى احكيله عن الاسباب.. وفعلًا.. بعد يومين رجع عُمر وقابلته في مكتبه اللي في شركة ابوه، وبعد ما اديتله المفاتيح واتحاسبنا، حكيتله على كل حاجة.. من اول الغسيل اللي مليان دم، ومرورًا بالكابوس واللي شوفته وحكاية رجب، لغاية التليفون اللي فصل وماشتغلش الا لما روحت، وكل ده ليه، عشان كنت مشغل عليه قرأن.. بس عُمر ما اقتنعش ولا صدقني، هو عشان يريحني، حاسبني وخد مني المفاتيح واتفقنا ان انا مش هنزل تاني، وتقريبًا كده كان بيقول بينه وبين نفسه اني مجنون او اني عاوز اخلع بس بخترع حوار وخلاص.. إنما مش مهم، مش مهم هو شايف ايه ولا هيقول ايه، انا المهم بالنسبة لي اني حذرته من المغسلة واللي بيحصل فيها بالليل، وياريته كان سمع كلامي في دي عالأقل، ما هو لو كان سمع كلامي، ماكانتش حصلت المصيبة اللي حصلت بعد كده.



اصل انا بعد ما مشيت من عند عُمر، روحت دورت على شغل والحمد لله لقيت، هي شغلانة مش عالية اوي ولا مرتبها كبير، بس اهي، شغلانة مافيهاش قرف ولا عفاريت ولا ملايات مليانة دم، ومن وقت ما اشتغلتها، حياتي هديت ومابقتش اشوف اي حاجة غريبة.. طب انا اشتغلت ايه؟!.. كاشير في مطعم، ومرتبي كان باليومية، بس في يوم بالليل ووقت ما كنت قاعد في المطعم، تليفوني رن، والمتصل كان عُمر!


مسكت التليفون ورديت عليه وانا قلقان..


-الو.. ايوه ياعُمر.


-ايوه يازايد.. شوفت اللي حصل في المغسلة؟!


-ايه؟!.. شوفت فيها حاجة من اللي انا شوفتها؟.. ولا جيبت حد مكاني وحكالك انه شاف زي ما انا شوفت؟!


-لا يازايد.. اللي جيبته مالحقش يحكي، اصل انا بعد ما انت مشيت جيبت حد غلبان ووقفته في المغسلة، وفي اول ليلة لِه في الشغل، الناس اتصلوا بيا وقالوا لي ان حصل ماس كهربائي في المحل والارض كانت مليانة مايه، وللأسف.. الشاب اللي كان شغال اتكهرب ومات.


بلعت ريقي بالعافية ورديت عليه بقلق..


-طب والمغسلة، حصل فيها ايه؟!


-اتقفلت كام يوم واديني اهو واقف فيها وبشوف ايه اللي ممكن يتعمل عشان اجددها واعمل لها افتتاح.


-افتتاح ايه ياعم؟!.. افتتاح ايه، بيع امها بقى وركز في شغلك مع ابوك.


-لا ما هو انا سيبت شركة ابويا بعد ما حصلت مشكلة كده.


-مشكلة ايه؟!


-يعني.. كنت مصاحب واحدة من الموظفين وبقت حامل، ولما ابويا عرف اتخانق معايا وطردني وطردها، ده غير ان مراتي، هي كمان لما عرفت طلبت الطلاق وحياتي تقريبًا كده باظت... مابقاش فاضلي غير المغسلة.



-لا ياراجل؟.. يعني الرحلة اياها ماكانتش رحلة تغيير جو ولا فسحة عادية.


-اه.. بصراحة كده انا كنت معاها..


سكت عُمر شوية.. وبعد ما سكت سمعت صوت خبط وصوت غسالة شغالة وصوت حد بيآن!.. وبسبب الاصوات الغريبة اللي سمعتها حواليه، قلقت وسألته..

-في ايه ياعُمر.. في حاجة بتحصل عندك؟!


-مش عارف يازايد.. استنى كده اما اشوف الغسالة اللي اشتغلت لوحدها دي، وبعدين ايه المايه اللي في الأرض دي كلها، المايه دي جت منين.. والسلك.. السلك بتاع الغسالة بيطلع شرار.. ايه ده.. ايه ده.. مين الراجل ده.. ااااااه......


-عُمر.. عُمر..


صرخات.. صرخات كتير.. بعدها الخط اتقفل، وبالنسبة لعُمر، فالله يرحمه، عُمر مات بسبب ماس كهربائي هو كمان، وبالنسبة للمغسلة، فاتقفلت خالص، اما بقى الغسالات اللي فيها، ف ابو عُمر سابها زي ما هي.. سابها كذكرى سودة هتفضل تفكره بابنه اللي مات جواها.. جوة المغسلة.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-