أخر الاخبار

قصة أيوب واقعية

قصة أيوب واقعية

قصص واقعية,قصة,قصص قبل النوم,قصة واقعية,قصة حب كورية,قصة حقيقية,رمضان,قصة أغرب من الخيال,قصص حقيقية,واقعية,قصص واقعية حزينة,قصص واقعية قصيرة,قصص واقعية مضحكة,قصة قصيدة,قصة رائعة,قصص واقعية عراقية,قصة يوسف,قصة النبي موسى,قصة مسموعة,فيلم
قصة أيوب


ليست بحت حكاية !
عصيبة هي الحياة ، وأصعب ما فيها أن تجد حولك قلوباً تحجرت وضمائر ماتت من أقرب الناس إليك ، إنه لشعور مرير حقاً أن يجد الإنسان ذاته وحيداً في ذلك الكون الفضفاض الكبير لا سند له ولا معين إلا الله سبحانه وتعالى .

 


تخيل نفسك وقد تخلى عنك أباك الذي يُفترض أن يرعاك ويدافع عنك ، اعتقاد نفسك وقد رزقك الله بأب قاسي القلب أو سلبي أو أناني أو قل ما تشاء عليه من أوصاف !
ولم يقتصر المسألة علي قسوة قلب أبيك فحسب ، بل امتدت القسوة إلي جك وجدتك وعمك وعمتك وكل ما يمت لك بصلة !
يا إلهي أيمكن أن يقطن بيننا وحوش آدمية ترتدي قناع الزيف البشري ؟!

أيوب فتي يافع ، شب عن الطوق فوجد أبيه يعمل خراطاً في ورشة خاصة حتى الآن استقالته من الشغل الحكومي ، وينتمي لأسرة ميسورة الحال ، أما أمه فمن عائلة كريمة فقدت ثراءها وأيوب ما يزال طفلاً صغيراً .
قبل أن يصل الفتي الثامنة عشرة من عمره ، تنبهت حواسه على واقع حياتهم المر ، حيث كانت والدته تفيض عليهم عطفاً وحناناً ، وتقف عاجزة أمام جموح أبيهم ومغامراته ، ولقد كان يختفي متعددة سنوات تاركاً عائلته من دون أي مورد ، ثم يرجع فجأة ، وتعرف أمه أنه قد تزوج وطلّق في مرحلة غيبته بعيداً عنهم ، وعلى الرغم ذلك تقابله بالتسامح والإحترام ، بل وتحظر إخوتها عن زجره وعتابه أملاً في أن ينصلح حاله ويستقر في منزله ويرعى أولاده ، فلا يمُر شهر أو أكثر قليلاً حتي
( يغطس) مرة أخري لسنة أو عامين ، واستمرت حياته في هذه العربدة طويلاً وأسرف في الزواج فبدد ماله التي ورثها عن أبيه وأفلس وأغلق مكتبه المهني وتوقف عن الإنفاق نهائياً علي أولاده ، ووجدت أم أيوب نفسها مع أولادها الأربعة وقد أصبحوا بلا أي مورد !
ساعتها تشاور الأهل في مستقبلهم ، وكيف يعيشون ؟!

ثبت رأي جدهم لأبيهم علي أن يضم أيوب إلي عائلته بالقاهرة عاصمة مصر ، بمقابل أن يمنح والدته مِقدار شهري طفيف تجابه به مصاعب الحياة ، واضطر أيوب لمفارقة والدته وإخوته وانضم لأسرة جده الذي بعيش مع جدته وعمتين شابتين .
كانت مسكن جده مشَكلة من ثلاث حجرات ، إحداها للصالون والأخرى لنوم جده وجدته ، وفي ركن منها فراش عمته الكبرى ، أما الحجرة الثالثة قتنفرد بها عمته الصغرى المدللة الطالبة بالثانوية العامة ، أما الصالة ففيها السفرة وإلى جوارها كنبة بلدية .
وقتما أتى الليل حتى الآن أول يوم لأيوب مع عائلة جده ، أعطته جدته بطانية ممزقة ومخدة حالتها رثة جداً ، ولفتت له أن ينام على البلاط أسفل مائدة السفرة ، وامتثل الفتي البائس طائعاً لحياته الجديدة ، وأصبح منامه الدائم أسفل المائدة ، صار يومه وفق إرشادات جدته له يبدأ في السادسة صباحاً فينهض من نومه ويرفع فراشه ويخفيه في المطبخ ، ثم يكنس الصالة ويمسحها بالماء والخيشة ، ثم ينزل للشارع ويشتري الخبز والفول ويعد تغذية الإفطار لأسياده الحديثين على مائدة السفرة ، في حين يأكل هو لقمة ضئيلة ببقايا طعامهم علي عجلة في المطبخ ، ثم يعد لهم الشاي ، وبعد أن يغسل الأطباق يرتدي ملابس المدرسة القديمة ويذهب لمدرسته ، ثم يعود منها وقت الظهر ، فيضع كتبه في المطبخ ، ثم ينزل ليشتري الخضار واللحم لجدته ويساعدها في الطبخ ، ثم يعتبر الصفرة للغداء ويرفع الأطباق ويغسلها ، ثم يكنس المسكن مرة ثانية ويمسحها بالماء ، ويصنع الشاي ما ليس أقل من ثماني مرات لمن يرغب في !
ويساعد جدته في الغسيل على الغسالة القديمة إلي منحى عسيل جوارب عمته ومناديلها ، بل وملابسها الداخلية ، وأخيراً يحاول آخر الليل اختلاس قليل من الدقائق لاستذكار دروسه ، ويستمر مستيقظاً يغالب السبات حتى يدخل جده وجدته إلي غرفتيهما ، وقرب نصف الليل يحضر فراشه من المطبخ ويضعه أسفل مائدة القوت وينام كالقتيل !
هكذا عاش الفتي بينهم خادماً صغيراً ، يعمل عند أسرة جده الميسورة بمقابل مساعدة متواضعة لأمه !

على الرغم من جميع الأشياء لم يكره أيوب جده ولا جدته ولا عماته ، خسر كانت عمته الصغرى طالبة متعثرة بالمرحلة الثانوية ودائماً تسهر الليل للاستذكار وتطالبه بالسهر معها لخدمتها لعمل الشاى والقهوة طوال الليل ، ويستجيب هو لطلباتها ويستمر يغالب النوم حتى الثانية في الصباحً ، مثلما كانت ( سامحها الله ) توقظه من نومه عقب نصف الليل في ليالي الشتاء القارصة كي يعتبر لها ولصديقاتها الساهرات معها الغذاء والشاي ، ورغم هذا كانت ترسب وتعيد كل سنة دراسية عامين أو ثلاثة !
فيما كان أيوب متفوقاً في دراسته على الرغم من أنه لم يكن يذاكر سوي ساعة أو ساعتين يومياً ، ولم ينس أبداً وضعية جده الغني الميسور وهو يتيح طلباً لناظر المدرسة التي يدرس فيها لإعفائه من رسوم التعليم بالمدرسة بحجة الفقر ناسياً أنه في نفس الدهر حفيده 


دارت الأيام دورتها حتى حصل أيوب علي شهادة الإعدادية ، وصعبت حالته الصحية على جده ؛ فطلب من جدته راجياً أن تسمح له بالنوم على الكنبة في الصالة بعدما كثرت أمراضه بسبب نومه على البلاط ، ووافقت وأخيراً خرج الفتى البائس من تحت المائدة للمرة الأولى في أعقاب ستة أعوام ، وبدأت أسرة جده تتقصى مستقبله التعليمي ، وسكن رأيهم علي أن ينضم بالمدرسة التجارية ، وبالفعل التحق أيوب بالمدرسة وحصل علي دبلوم التجارة، وعمل ببنك الإئتمان الزراعي أما عن علاقته بأمه وإخوته فقد كان يراهم في المواسم فحسب وعلى فترات متباعدة ، كانت والدته ترثي لحالته ، وذات زيارة ضعف أيوب وطلب من أمه أن تجيز له بالبقاء معها لِكَي يشعر بحنانها وينام في حضنها وحضن إخوته ؛ فبكت الأم وقالت له عبارتها الأثيرة التي تناديه بها باستمرارً : يا عين أمك !.. ابق معنا وليفعل الله بنا ما يشاء ، لكن جده زمجر وهددهم بقطع إعانته الشهرية ، وعاد أيوب مرغماً واستمرت حياته خادماً قي بيت جده !
أما أبيه فقد أزاد الظهور والاختفاء طوال تلك الأعوام ، وفي واحدة من ظهوراته أهداهم شقيقهم الأصغر ممدوح ، فأصبحوا خمسة أولاد .

تمنح الفتى أيوب في عمله الحكومي ، وذات يوم إجتمع إنسان فاضل مع أحد أصدقائه في موقف اجتماعية ، تتم معه طويلاً ويبدو أن صديقه قد قص فوقه قصة كفاحه ، ففوجئ أيوب بذلك الرجل الفاضل في نهاية الجلسة يقول له أنه معجب بشخصيته وكفاحه في الحياة ، ثم أعطاه بطاقة توضيح مفهوم بشخصيته ، فإذا به مدير لأحد المصارف الأجنبية ، وطلب منه زيارته في اليوم اللاحق ، وزاره
أيوب ، وفاجئه الرجل الطيب بترشيحه للعمل معه !!
يا الله ! ... يا لها من مفاجئة ضخمة غيرت مسار حياته ، وتم تعيين أيوب بالدبلوم الذي ناله أثناء خدمته لدى جده ، تم تكليف الفتي بالبنك الاقتصادي ، فوجد ذاته فجأة في مجتمع مودرن وغير مألوف له ، فالموظفين بالبنك كانوا جميعاً من أبناء الذوات وعلية الأناس ، عامتهم حديثهم بالانجليزية وملابسهم مستوردة وفاخرة وسجائرهم أجنبية وكلهم من أصحاب المركبات ، وصمّم أيوب على تقدير ومراعاة نفسه معهم ، وفصّل بذلتين لائقتين وحرص على ألا يدخن في البنك حتى لا يضطر لتدخين سجائره المحلية الرخيصة أمامهم ، ولم يقبل من واحد من سيجارة أو قدَح شاي ، لقدرأي الفتى أن المحافظة على الكرامة لا تكون بالملابس والمظهر لاغير ، وإنما بالكفاءة في الشغل ، لذلك تغاني في عمله وقد كان طول الوقتً يتطوع لأداء أي عمل زائد ، وحرص حتّى ينقل في ورقة صغيرة كل التعبيرات الإنجليزية التي لم يفهمها ويترجمها في البيت من القاموس ويظل يحفظها عن وضح قلب !

حتى أنه التحق بالعهد البريطاني لدراسة الإنجليزية ودرسها بدأب ومثابرة حتى أصبح قادرا على طوال فترة قصيرة من تجاوز أعلى اختباراتها ، وأمسى يجيد الانجليزية قراءة وكتابة ، وعمل بها في البنك مما فتح أمامه مجالاً سريعاً للترقي ، ولم يكتف أيوب بهذا وانتسب لكلية التجارة وحصل علي شهادة البكالوريوس في المحاسبة ، فتفتحت في مواجهته مجالات الترقي ، وتلقي دورات تدريبية في أوروبا وسافر في مهام عمل خاصة بالبنك في كثير من الدول الأوروبية والعربية ، وحقق طوال فترة وجيزة جداً نجاحاً كبيراً بفضل نداءات والدته الصادقة له ليل نهار
وأكرمه الله وحصل على سكن فاخرة بأرقي الأحياء وتعرف علي زميلته زهرة وتزوجا وسعدا يحياتهما معاً طوال أربع سنوات ، ولم ينغص عليهم سعادتهم سوى عدم قدرة زهرة على الولادة وتدخل أمها المطرد في مختلف خصوصياتهم وانتهي المسألة بالطلاق ، وانهار أول بيت عرف فيه أيوب الثبات بعد أيام العنف البدني الطويلة !
خسر أخذت قرينته زهرة منه كل شئ ، ولم يكن في حسابه بالبنك يوم فسخ العلاقة الزوجية سوى 100 جنيه لاغير !! ومسكن خاوية علي البلاط ، لقد رجع أيوب إلي نقطة الصفر ثانية ، وقد كانت تلك المدة من أقسى مدد حياته !
لم ييأس أيوب ، وبعد فترة قصيرة ألحق كفاحه من جديد واشترى سرير ثم قاعة نوم ، وحاول رؤسائه في البنك الصلح بينه وبين طليقته زهرة ، لكنه رفض بعد أن تشبعت نفسه بالمرارة من ناحيتها !




مرت الأيام وذات يوم التقي أيوب في النادي بأمينة ، هذه البنت الجامعية المهذبة التي رشحها له أحد ذوي القرابة ، ثم تعرف بأبيها التاجر الميسور ، تتم معه أيوب بصراحة مطلقة وأفهمه أنه ليس لديه شيئاً الآن سوي وظيفته ومسكنه الخاوية علي عروشها بعد أن انهزم في زواجه الفائت كل مدخراته ، ساعتها تأثر الرجل الكريم بمصداقية أيوب ووافق على أن تحدث خطبته لابنته أمينة وزواجه من دون شبكة ولا مهر لأنه يرغب في أن يكسب رجلاً يحافظ علي ابنته وليس أثاثاً أو عقاراً ، تأثر أيوي كثيراً بكلام الرجل حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وفي غداة اليوم اللاحق ذهب إلي عمله بالبنك وهو مهتاج المشاعر ، وهناك عرف أن من حقه أن يستبدل جزء من معاشه بعدة آلاف من الجنيهات لأنه أتمم في العمل زيادة عن عشرين عاماً ، كانت هذه مفاجئة سارة له ، وتوا رِجل طلب لمقايضة المعاش وحصل علي مِقدار عظيم ، وأصرُ علي أن يبتاع لخطيبته أمينة شبكة فاخرة بمبلغ كبير على الرغم من رفضها هذا ، لكنه تمسك بشراء الشبكة لأنهما بكرمهم الزائد وافقوا أعلاه وهو علي البلاطة !!.. وهل جزاء المساندة سوى الصنيع ؟!
وتزوج أيوب من أمينة ورزقهم الله بطفل ممتاز عوضه عن كل ما لاقاه في حياته من شقاء وعناء ، ومرت السنوات سريعاً وصبر أيوب الصابر مسئوليته عن والدته واخوته ، وأصرّ حتّى ينضم إخوته جميعاً بالتعليم الثانوي العام الذى حُرم هو منه وهو يخدم في منزل جده ، وواصل تشجيعهم على التعليم بالمدرسة وتلبية جميع مطالبهم النقدية حتى تخرجوا جميعاً وعملوا ، أم آخر العنقود أخوه ممدوح الذي أهداه لهم أبيه في أحد ظهوراته الخاطفة ، خسر اعتبره ابنه الذي لم ينجبه وأراد أن يحقق فيه ما لم تسعفه الأيام بتحقيقه ، فكان يحثه باستمرارً على المذاكرة والاجتهاد حتي وفقه الله وحصل علي الثانوية العامة بتفوق والتحق بكلية الطب ، وما زال يتابع دراسته بنجاح .

أضاف أيوب تحمله للمسئولية وساعد ( كل ) إخوته في أعباء زواجهم ، كان الله يوّسع فوقه من رزقه من أجل إخوته وعائلته الصغيرة ، أما ست الحبايب الغالية الصابرة فلا تزال حتى هذه اللحظة تغمره بحبها وعطفها ولا تناديه وهو في الخامسة والأربعين سوى بعبارتها الخالدة ( يا عين أمك ) ولا يجف لسانها من الدعاء له بالسعادة في العالم ويوم القيامة ، وتوالت جوائز السماء علي أيوب ورزقه الله من حيث لا يحتسب رزقاً وفيراً ، وصار يمنح أمه زكاة ثروته لتقوم بتوزيعها علي
الضعفاء والمساكين من الأقارب والأباعد وأهل مدينته الصغيرة .
هكذا صرت حياة الفتى أيوب كفاح في تشاجر ، ونجاح وراء فوز بفضل رضا أمه عنه ودعائها المتواصل له .
ذات يوم فوجئ أيوب بصوت غريب في التليفون يقول له صاحبه أنه يريد أن يزوره في المنزل ، فرحّب به وعندما حضر فوجئ أنه أبيه !! يا إلهي !!.. أبي .. أما زلت تتذكرنا يا والدي ؟!

أما زلت تتذكر أن لك قرينة مسكينة صابرة وأبناء يحتاجون إلى رعايتك ؟!
نعم إنه والدي الذي لم أره منذ عشرين عاماً متصلة بالرغم من أنه يقطن في نفس الوطن ولم يهاجر منه !
ترى ماذا تريد مني يا والدي بعد 20 عام من الاختفاء عنا ؟!
يتساءل أيوب بينه وبين ذاته : وجع يكن لك قلب كقلوبنا ياأبي ؟!
لماذا لم تعطنا من حبك وحنانك ( قليل من) ما يعطيه كل أب لأبنائه ؟!
دار حوار طويل بين أيوب وأبيه ، إستيعاب منه أن موارد أبيه قد شحت وأن قد أنجب من آخر زوجاته التي تصغر أم أيوب بسنين كثيرة ؛ أنجب منها ثلاثة أولاد كثرت مطالبهم واحتياجاتهم وأنه ينتظر من أيوب أن يساعده بمبلغ شهري محترم !
ساعتها نظر أيوب إلي أبيه وقد تجمعت كل أخزان الدنيا داخله ، ووجد نفسه رغماً عنه يعاتبه لإهماله لهم وهم صغار وتخليه عن مسئوليته، وروى له منحى من ذكرياته في بيت جده وهو يمسح البلاط في عز البرد ، وهو يرتدي الجلباب الدمور الخشن ويأكل بقايا الأكل في المطبخ ، ويتذكر كيف كان يسير علي رجليه أربعين كيلو متر كل يومً في مشاوير أسرة جده ، وكيف كان يمرض كثيراً نتيجة لـ نومه علي البلاط ولا يُعالج سوى بالوصفات البلدية !

يقول أيوب لأبيه : ألم أكن ابنك ايضاًً يا أبي ، مثلما أن أبنائك الثلاثة الذين يعيشون في حضنك حالا أبناؤك ؟!
انتهي الوضعية بين أيوب وأبيه بأن أعطاه هدية مالية واقعة دون أن يوميء إلي أنها ستصبح مساعدة شهرية منتظمة .
بعدما انصرف والد أيوب لحال سبيله تنبه الرجل إلي أن زوجته الفاضلة أمينة قد سمعت من كلامه عن تفاصيل كفاحه المرير وأيام شقاؤه في منزل جده ، ساعتها صرحت له أمينة : لم أتصور أنه تبقى في العالم قلوباً قاسية إلي ذلك الحد !
وفوجئ أيوب بزوجته تحتضنه وتبكي بالدمع الغزير ونظرات العطف والإشفاق تطل من عينيها !
يسكن أيوب الآن في حيرة كبيرة ، يتساءل عن حالة الدين من أب مثل أبيه ؛ هل ذلك الأب يندرج حقاً ضمن الآباء الذين قال الله سبحانه وتعالي لنا عنهم : ( وأمر ربك ألا يعبدوا سوى إياه وبالوالدين إحساناً . إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كرينا ) .. وتحدث لنا ايضاً ( وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما مثلما ربياني صغيراً)  هل أبيه حقاً من هؤلاء ؟! ..
وهل هو متطلبات بأن يبره ويقدم له مساعدة شهرية كبيرة بعد أن بددّ كل ثروته على ملذاته ومغامراته ؟!
هل ذلك الوالد الذي تركه يعمل ( خادماً ) لدى جده وهو ينفق الآلاف من الجنيهات يكون له الحق في الرحمة والإعانة ؟!!
أيوب يبرّ أمه وعلى تأهب تام كي ينزع عينيه من محاجرهما ليعطيها لها ، فهل من العدل أن يمنح ذلك االأب الجاحد مثلها ويسوي بينه وهو الظالم وبين المظلوم والمجني عليه وهم أمه وإخوته ؟!!
هو يحس إزاء أبيه بكرهية شديدة ، في ذات الوقت يخشى أن يحاسبه الله على مشاعره الهدامة تجاه أبيه !
تلك كانت أيإم وجع وكفاح وآلام عشناها مع الصابر المحتسب أيوب ، وندرك جيداً أن أباه الجاحد ذلك لا يستحق أي عطف أو شفقة ، لكنه على الرغم من أي شئ في النهاية أبيه ، والأية الكريمة التي ذكرها تحفز على البر بآبائنا والمنفعة إليهم واحترامهم مهما فعلوا ... هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف ، دين الرحمة والهداية لجميع البشر .

أما من حيث سؤال أيوب عن الإنصاف المفقود في المساواة بين أبيه الجاحد الأناني المستهتر وبين والدته الحنون الصابرة ؛ فالجواب ملحوظ لجميع ذي مشاهدة ؛ هذا أن هناك فارق ضخم بين عطائه لأمه وعطائه لأبيه ، فاالنفقة الواجبة إنما تكون بمقدار احتياج مستحقها ، وهو الأن يعطي أبيه الحد الأقل المقبول الذي يشاهده ويشعر أنه يبرئ ذمته في مواجهة الله ، في الوقت نفسه يستمر في الإغداق علي والدته وإخوته ؛ حينئذ يكون الفارق شاسعاً بين عطائه لمن يستحقون المنح حباً وكرامة ؛ ومن لا يمد يده إليهم سوى صدوعاً بأمر ربه وإبراء لذمته في مواجهته !
هذا هو الفارق الجوهؤي بين الخير والشر في حياتنا الدنيا ، ويكفي أبيه عقاباً من الله أن ألجأته الحاجة إلي طلب المعونة من ولده الصابر أيوب بالذات وهو ما لم يحفل به يوماً وهو يتجرع كئوس البؤس والتعذيب في منزل جده !
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-