قصة ابن دهب مستوحاة من أحداث حقيقية للكاتب أندرو شريف
النهاردة عدت سنة على موت خالتي نعمة... الست اللي اعتنت بيا وربتني من بعد
موت أمي وجواز أبويا... الحاج الهواري، كبير من كبارات البلد عندنا، بس الكبير
كبير في أعماله، أصل مافيش كبير يحرم ابنه من حضنه ويسيبه يتربى بعيد عنه، لكن
ربك مابينساش عباده، خالتي نعمة عوضتني واعتنت بيا وعلمتني لحد ما كبرت وخدت
البكالوريوس، ونهاية القصة.. حرمان، ماهو لازم في نهاية كل علاقة سعيدة حد
يموت، واهي ماتت خالتي وأنا بقيت لوحدي، ماشي اليوم بيومه، تايه في الدنيا، لا
عارف أرجع البلد، ولا عارف أقعد في مصر، وفضلت على الحال ده سنة.. سنة لحد ما
جتلي مكالمة تيلفون من البلد، رفعت السماعة وساعتها لاقيت شخص بيقولي:
-عدلي الهواري؟
-معاك يا باشا، بس مين معايا؟!
-صالح... ابن...
ماكملش الجملة وقاطعته:
-ابن عمي!!.. ولسه فاكرين ابن عمكوا عدلي، بس طالما عارف الرقم كويس، ليه
السماعة ماترفعتش من زمان.
-ماانت عارف خالتك نعمة، كان شرطها ان لا حد يكلمكوا ولا يتواصل معاكوا، إنما
الرقم، كان مركون لوقت عوزه، وأهو جه معادها... أبوك، الهواري، بيموت وعايز
يشوفك قبل ما يقابل رب كريم.
ضحكت أوي على أخر جملة قالها وبعدها رديت عليه:
-الهواري، ويقابل رب كريم، يا راجل قول كلام غير ده، ده مش هيقابل غير
ابليس... عارف ابليس، تلاقيه واقف على فرشته ومستنيه عشان يقعده في حتة تليق
بيه، هو وكبارات البلد من بعده، أصل هتلاقيهم كلهم هناك، ولاد حرام صحيح، ما
يملاش عينهم غير الظلط.
-اللي فات مات، وخالتك خدتك عشان تبعدك عن الولية اللي اسمها صباح، وكلنا
عارفين انها لفت حبالها حوالين أبوك عشان تتجوزه، وده بعد ما عمتي الله يرحمها
ماتت.
-قصدك اتقتلت، وماحدش يضرب الهوارى على ايده غير لو هو اللي غاوي، واللي غاوي
إن ابنه يبعد عنه، يبقى من أعوان ابليس، وبقولهالك اهو، كرهي له هيستمر ليوم
الدين.
-مالوش لزوم الكلام ده يابن عمي، تيجي البلد ونتصافى وكله هيبقى تمام.
-لا، قول للهواري عدلي مش جاي، ومش مسامح.
قولت كده وقفلت السكة في وش صالح، بعدها دخلت أوضتي اتكومت على السرير، كنت
حاسس بقرصة برد في جسمي ودماغي كانت وجعاني، مصدعة من اللي افتكرته بعد
المكالمة، بعدها روحت في النوم، وبمجرد ما نمت حلمت اني في مكان مضلم، لكن نور
القمر جاي على وش واحدة واقعة على الأرض والكدمات باينه على وشها، كدمات مش
هقدر أنساها، لا هي، ولا اليوم اللي حصل فيه الجريمة... كان يوم القمر فيه في
تمامه، ليلتها خمس رجالة اتهجموا على بيتنا وطلبوا من أمي تدلهم على مكان الدهب
اللي هنا، لكن أمي رفضت، قالتلهم إن مافيش دهب في البيت عشان ياخدوه، هم الكام
غويشة اللي هي لبساهم، لكنهم ماصدقوش وهددوها بيا، لو ماطلعتش اللي جوه،
هيقتلوني، ولما حد رفع عليا السكينة وحاول يقتلني، أمي حاولت تنقذني من ايديهم،
وفي اللحظة دي راجل من اللي واقفين ضرب أمي بضهر السكينة اللي ماسكها في وشها،
بس ده ماوقفش أمي وحاولت بكل قوتها انها تحوشني عنهم، وأخرتها، فضلت تصوت لحد
ما شوية شوية بدأت تسكت، مابقتش بتنطق، وقعت على الأرض بعد ما راجل منهم حط
السكينة في بطنها، ولما سمعوا حد برة، هربوا، وقتها أنا كنت واقف مصدوم، الدموع
بتنزل من عيني وأنا ساكت، ومع دموعي،أمي بصتلي وهي مبتسمة، وأخر حاجة قالتهالي
إن أبويا هياخد باله مني، ومش هيسيبني لوحدي... الله يرحمها، ساعتها ماكانتش
تعرف إنه هيسيبني ومش هيسأل عليا.
رجعت مرة تانية للمكان المضلم اللي كنت فيه، بيتنا... والمرادي جثة أمي ماكنتش
موجودة، حتى ضوء القمر اختفى وبقى مُعتم، بعدها شموع كتير نورت في المكان، ومن
وسط الشموع ظهر واحد، لأ اتنين... دول كتير، كائنات حجمها متفاوت، عندهم عين
واحدة، ماسكين في ايديهم عصيان، واضح إنها قديمة من الشقوق اللي فيها، بعدها
فضلوا يخبطوا على الأرض بالعصيان كأنهم عاملين عرض، من المنظر بلعت ريقي ورجعت
خطوتين لورا، فضلت أقنع نفسي إنه حلم وهصحى منه، لحد ما شخص منهم كلمني وقال
بصوت مكتوم، تحس إنه بيتقال في وداني أنا وبس:
-الهواري كان له كرامات عندنا، والدور عليك... أنت اللي هتكمل اللي ابتدى، ولو
نفذت كل اللي احنا عايزينه، الدهب هيبقى من نصيبك، الدهب اللي مابينتهيش.
-أنتوا مين، أكيد أنا بحلم.
-هو حلم... حلم إن قبيلتنا تطلب التعاون معاك، واللي المفروض يتشكر على كده هو
الهواري، أظن رسالتنا وصلت، هنستناك... هناك، في بيت أم الدهب.
الكائن ده قال كده واختفى، بعدها صحيت من النوم شرقان، قومت من على السرير
وأنا بكح وبوئي بيخرج منه دم، اتمشيت للحمام عشان اغسل بوئي، وبعد ما دخلت
وبصيت في المراية، مالقتش عينيا، كان مكانهم فاضي، الغريب إني كنت شايف عادي،
لحظات وكل حاجة بانت، اللي واقف قدام المراية ده كان شخص تاني، نسخة مني، إنما
أنا، كنت طيف، طيف هايم حوالين الشخص اللي يشبهني، وبمجرد ما اتحركت بعيد عنه
خطوة واحدة، لاقيته مد ايده ومسكني وهو باصص لي ومبتسم، بوئه وكل أعضاء جسمه
كان بيطلع منهم حاجة لزجة لونها أسود، اما انا، جسمي كله كان متكتف، كنت حاسس
إن اعضاء جسمي هتنفجر، لكن.. لطن كل ده انتهى في لحظة انفجار جسم الشخص اللي
يشبهني، ودي أخر حاجة فاكرها قبل ما أفوق وأنا واقف على سور البلكونة، لا وايه،
الشارع كله بينده عليا وبيحاول يصحيني من الغيبوبة اللي أنا فيها، وأول ما فتحت
عيني.. شوفت ناس كتير واقفين تحت شباك البلكونة وماسكين مرتبة كبيرة، يعني،
تحسبا لأي حركة غلط ممكن تتسبب في وقوعي، كل ده بيحصل وأنا مش فاهم حاجة، وعلى
ما استوعبت اللي حواليا وبخطوة غلط مني، وقعت من البلكونة، لكن الحمدلله، قدروا
يلحقوني والموضوع خلص بكدمات بسيطة، بس انا.. انا هبقى بكدب لو قولت إن كل حاجة
انتهت، الناس كانوا بيبصوا لي كأني مجنون، ولو حكيتلهم على اللي حصل امبارح،
ماحدش هيصدقني، اه، وبكده هثبتلهم وجهة نظرهم، وعشان أتفادي نظرات الناس
اليومين الجايين، قررت أرجع البلد، وهناك، ابتدت الحدوتة... حدوتة بيت أم
الدهب.
********
طلعت الشقة ودخلت أوضة النوم، فتحت الدولاب وطلعت الهدمتين اللي فيه، حطيتهم
في شنطة سفر مركونه فوق الدولاب، هي هي نفس الشنطة اللي جينا بيها من البلد أول
مرة أنا وخالتي، ذكريات كتير أفتكرتها اول ما مسكت الشنطة وفتحتها، ريحة التراب
اللي خرجت منها كانت كلها ذكريات... بس ذكريات سيئة عن ماضي مؤلم أنا عيشته،
وعلى الرغم من كده، إلا أني حاولت انسى كل اللي افتكرته، حاولت ورتبت الشنطة
وطلعت على محطة الشهدا.. ومن هناك، نزلت وخدت أول قطر للبلد، وأول ما وصلت
المركز سألت عن بيت أم الدهب، أصله مشهور هناك، بالذات لإنه البيت الوحيد
المختلف عن باقي الشارع، أكبرهم من حيث الحجم، وأول ما وصلت هناك، وقفت قدام
البيت والشنطة وقعت من ايدي، بصيت عليه من فوق لتحت وشريط حياتي بيعدي قدامي،
أول حاجة جت في بالي هي أمي الله يرحمها وهي بتلعب معايه في الجنينة اللي جوة،
أصل البيت متحاوط بجنينة، متكون من 3 أدوار، كلهم متصلين ببعض، لكن في لحظة قطع
شرودي صوت واحد وهو بيسألني:
-واقف بتعمل ايه هنا يا أخينا، أمشي بقولك لاحسن حد من عيلة الهواري
يلمحك.
-أنا جاي للهواري الكبير، أبويا.
أول ما قولت أبويا.. الراجل ابتسم وقالي:
-أبوك!... الهواري مابيخلفش والبلد كلها عارفة.
-دي قصة طويلة يابن عمي.
ضرب كف على كف وهو بيرد على كلامي:
-يا حلاوة يا ولاد... الهواري بقى بيجيب عيال من الجن كمان.
قال كده ومشي، انما أنا بقى، ف دخلت البيت، خبطت على الباب، ماحدش رد، وقتها
سمعت حد بيقولي من برة إن مافيش حد هنا، والهواري الكبير في بيت أخوه، مُسعد...
ولما سألته على البيت واتحركت على هناك، خبطت على الباب، ومع خبطتي، فتحتلي
واحدة ست، قبل ما تتكلم ركزت معاها وقولتلها:
-عاملة ايه يا عمتي.
بصيت لي من فوق لتحت:
-عدلي!... كبرت يابن الغالية.
-والسنين ماكنتش قليلة يا عمتي، بس نقول ايه.
-خش يا ولدي وبلاش نفتح في القديم، وألا نعمة هتبقى خسرانه فيه، حبها زي ما هي
كده، مش لازم نقلب في الماضي... خش.. الهواري قاعد على فرشته جوة، في الأوضة
اللي في وشك على طول.
ثواني وكنت واقف على باب الأوضة، وقبل ما أخطي برجلي جوة، قلبي اتقبض، جسمي
كله اتنفض من مكانه كأني اتكهربت، بلعت ريقي وساعتها سمعت صوت حد بيهمس في ودني
بصوت مكتوم:
-اسمع كلامه يا عدلي، الطريق واحد، والنهاية كمان واحدة... الفكرة في الوقت،
الوقت والطريقة.
قبل ما أرد على الصوت حسيت بـ ايد لمست كتفي، ومعاها سمعت ست كبيرة وهي
بتقولي:
-ايه يا ولدي، مالك، اتسمرت مكانك كده ليه؟
جسمي هدي زي الأول وقلبي رجع ينبض طبيعي، بعدها بصيت للست:
-معلش يا عمتي، افتكرت حاجة كده.
ردت عليا وهي باصه في عيني:
-لو سيبنا نفسنا للذكريات، القلب هيقسى يا ولدي... دول هم يومين مافيش غيرهم،
وكل حاجة هتنتهي، أكيد قالولك كده.
-هم مين دول يا عميتي.
(خش يا عدلي... خش يا ولدي)
الصوت ده ماكنش صوت عمتي ولا ردها على كلامي لأنها مالحقتش ترد، انما ده كان
صوت أبويا... الهواري الكبير، كان بيناديني من جوة الأوضة، في اللحظة دي عمتي
بصت لي:
-ايه يا ولدي، هتفضل واقف متسمر مكانك، ده المشوار طويل من مصر ومايخلصش على
عتبة باب.
ماردتش عليها ودخلت الأوضة، بعدها قفلت الباب ورايا ومشيت، ومع دخولي، قعدت
على كرسي خشب قديم جنب السرير، كان نايم قدامي راجل كبير في السن، باين عليه
الكِبر، بصيتله وأول حاجة قولتهاله:
-شوفتي ليك وأنت راقد دي، بالدنيا يا هواري، نسيت الماضي ولا أفكرك، بس مش
مهم... المهم ان ربنا كتبلي إن أشوفك وأنت بين ايدين ابليس، وأظن إنك عارفه
كويس، ماهي أعمالك كلها تحت طوعه وأمره، ولو ماكنش كده... كنت سيبتني في حضنك،
ايه.. مش كفاية اللي شوفته في ليلة البدر.
رد عليا بصوت تعبان:
-الغيلان يابني مش ابليس، هم السبب في كل حاجة، في التعب قبل المال والمكانه،
وهم برضه اللي جايبينك هنا، أصله مش بمزاجك ولا بمزاجي، كله متخطط ومكتوب يابن
الهواري.
-يعني ايه متخطط ومكتوب؟
ضحك ضحكة خلته يكح وهو بيرد عليا بالعافية:
-يعني مصيرنا كلنا واحد، وزي ما اتكتب عليا في الماضي، هيتكتب عليك وهتعيشه،
والأهم... إنك تستمتع بالخير اللي هيجيلك، هو الوحيد اللي هيصبرك على أذاهم في
حياتك، وقلبك ده، انساه، عشان هيموت مع الليلة الأولى.
الهواري خلص كلامه من هنا وملامحه اتبدلت من هنا، بقت ملامح شيطان، مرعب، جلده
بقى أحمر وعينه اتحولت لعين ديب مسعور، وبسرعة، قام يهجم عليا وأنا على الكرسي،
وبسبب هجمته وفي ردة فعل سريعة مني، مسكته من رقبته ورجعته على السرير وأنا
بخنق فيه، فضلت اخنقه غصب عني لحد أخر حاجة قالها قبل ما يقطع النفس:
-هتموت، هتموت يابن الهواري.
وأول ما قطع في النفس رجعت كل حاجة زي ما هي، بعدها طلعت برة لعمتي وقولتلها
بحزن:
-الهواري الكبير.. مات... ابويا مات.
صرّخت بصوت عالي، من الصوت الجيران اتلموا، بعدهم عمي مسعد وصالح ابن عمي جُم،
عرفوا الخبر والحزن مافارقش وشهم حتى ولو حاولوا يداروه، طب وأنا.. أنا كنت
فاهم وعارف اللي حصل، أنا اللي انتقمت وقتلت الهواري الكبير، خدت حق أمي وحق كل
اللي ظلمهم، لكن ماكنتش اعرف إني بالطريقة دي هعيش أيام صعبة، وبدايتها من أول
ليلة ليا في البيت... بيت أم الدهب.
↚
غسلنا الجثة وكفناها، بعدها دفناها في المقابر، ولما كل واحد راح لحاله
والعزا خلص، اتمشيت أنا وصالح لبيت أم الدهب عشان أبات هناك الليلادي، وفي
وسط ماحنا ماشين، صالح فتح في سيرة البيت:
-بص يابن عمي عشان تبقى عارف وواعي على اللي بيحصل، في الفترة الأخيرة، قبل
ما الهواري يقعد عندنا، البلد كلها كانت بتسمع أصوات صريخ من جوة البيت،
والكلام كتر عليه، في اللي قال أثار وبيتحفرلها، واللي قال ان الهواري مخاوي
من صغره، وإن البيت ده تحتيه دهب ياما مابيخلصش، أصل العز ده مايجيش من
شغلانة ولا اتنين، العز ده محتاج كرامات، وأهي الأساطير مكملة وعايشين عليها
ولاد البلد، وبيقولوها على كل كبير من كبراتهم، وأخرهم الهواري الله يرحمه،
فلو عايزني أبات معاك الليلة... أنا موافق.
وقفت في نص الشارع وبصيت لصالح في عينه وحطيت ايدي على كتفه:
-ارجع انت بيتك يا صالح، الطريق سهل والبيت بعد خطوتين، أنا عايز أنام
الليلة على فرشة أمي، ولوحدي.
-اللي يريحك يابن عمي، بس لو احتاجت حاجة، بيت مسعد الهواري مفتوح.
-كان نفسي أقولك خيرك سابق، بس للأسف... عيلة الهواري ماشوفتش منها غير
الشر... الشر وبس.
-وأنت من أهل الخير يابن عمي... وانت من أهل الخير.
صالح مشي وأنا خطوتين ووصلت البيت، لما رجلي خطت عتبته وعتبة باب الجنينة،
الحزن اتملك قلبي، كل اللي حصل في ليلة البدر اتعاد قدامي بدل المرة ألف، لحد
ما طلعت الكام سلمه اللي قدام البيت، وفتحت الباب ودخلت، الغريب ان ريحة
المكان كانت زي ما هي، كأني كنت هنا امبارح ومافيش حاجة اتغيرت، غصب عني
الدموع نزلت من عيني، ما اللي حصل ليلتها ماكنش قليل على طفل عنده خمس سنين،
طفل كان شايف أمه بتتصفى زي الدبيحة قدامه، وكل اللي كان يقدر عليه وقتها هو
الصمت، صمت عاش معايا سنتين من التوحد، لحد ما خالتي خرجتني من الحالة اللي
كنت فيها وابتديت اعيش، ودلوقتي، اهو، كل حاجة بتتعاد، الفرق بس ان انا
دلوقتي أقدر أخد حقها، ولو قدرت أجيب واحد منهم، هيبقى موتهم على ايدي، عشان
يبقوا عبرة... عبرة لكل واحد مافيش في قلبه رحمه.
مسحت دموعي وجمدت قلبي ودخلت أوضة امي القديمة، الأوضة اللي كانت تحب تقعد
فيها لوحدها، كانت في الأرضي، بس الغريب إن المكان كان مترب، كأنه ماتفتحش من
ساعة الحادثة، ودي حاجة مازعلتنيش، حتى لو الأوضة ماتنضفتش من ساعتها، على
الأقل هتبقى لسه بريحة المرحومة، وعشان كده، دخلت واترميت على السرير بترابه،
فردت جسمي ووشي للسقف، وساعتها قولت لنفسي(حاسس بيكي يا غالية، من يومها
وانتي مش سايباني لوحدي، دايما معايا)..
-أنا معاك وهفضل معاك يا حبيبي.
الصوت ده ماكنش غريب عليا، ده صوت أمي الله يرحمها، كان جاي من ضهري، بصيت
ناحية الصوت، لاقيت أمي قاعدة على السرير، جنبي، بصت في عيني وهي مبتسمة،
وواحدة واحدة مدت ايديها وحطيتها على شعري:
-مش هسيبك يا عدلي.. مش هسيبك يا حبيبي.
حاولت انطق، لساني كان معقود من الصدمة، بلعت ريقي ورفعت ايدي، مسكت ايديها
وبصيت في عينيها، وبتلقائية الدموع نزلت من عيني، ولما حاولت أنطق مرة تانية،
سكتتني بسرعة:
-ماتقولش حاجة يا حبيبي، أنا عارفة وحاسة بكل اللي جواك، بس أنت لازم تسمع
كلامهم، هم مش هيسكتوا غير لما تنفذلهم طلباتهم، وفي المقابل هيعملولك كل
حاجة أنت عايزها.
ملامح وشي اتغيرت من كلامها، قومت من على السرير وأنا باصص لها باستغراب،
ازاي تقول حاجة زي كده وهي معوداني من زمان إني ماسمعش كلام أبويا في الغلط،
في اللحظة دي بدأت أستوعب كل اللي بيحصل حواليا، دي مش أمي... أمي اتقتلت من
زمان، وروحها، روح طاهرة، ماتظهرش في شر، إلا لو...:
-إلا لو هم اللي عايزين منك كده.
أمي أو شبحها قال كده واتبدلت ملامحها، وشها بقى مليان تجاعيد، ضهرها انحني
وكأنها كبرت خمسين سنة، ضوافرها طولت وبقت قد دراعها، قامت من مكانها واتحركت
ناحيتي، حاولت اهرب، جسمي اتخشب مكانه، ماكنش فيه مجال إني أتحرك، فاستسلمك
للأمر الواقع، ولما الكائن المقزز ده قرب مني، لمس وشي بضوافره وقرب من ودني
وهمس لي بصوت واطي:
-الدم... مش عايزين منك غير الدم، 3 جثث لناس قريبين منك، وأنت عارفهم
كويس.
قالت كده والأوضة وسعت، شموع كتير ملت المكان، ونفس الكائنات اللي ظهرولي في
مصر... ظهرولي تاني، كانوا واقفين على شكل نص دايرة قصادي، واحد منهم اتقدم
خطوتين وخبط خبطة بالعصاية اللي في ايده رجت المكان، بعدها قالي بصوت
مكتوم:
-قبيلتنا... قبيلة غنية عن التعريف، مهابة الغيلان هتفضل موجودة للأبد،
وسيطرتنا عمرها ما هتقف، وأنت، اللي عليك الدور تكمل، مطلوب منك 3 جثث أنت
عارفهم كويس، لا وعايز تخلص منهم قبل أي حد، المهمة سهلة... لكن الصعب فيها
انهم ممكن يسبقوك، لأن السر اتكشف، والمستور بقى معلوم.
لساني اتفك هو وجسمي، إنما فكرة الهروب، هي اللي اختفت من دماغي، فماكنش
قدامي غير إني أواجه:
-ولو رفضت.
خبط خبطة بالعصاية اللي في ايده:
-هيقتلوك... ووقتها كل حاجة هتكمل زي ما هي، وزي ماقولتلك.. المستور بقى
معلوم.
في نفس اللحظة كلهم خبطوا بالعصيان اللي في ايديهم على الأرض، ومع الخبطة
الجماعية دي، كل حاجة اختفت ورجعت طبيعية، وفي لحظة، سمعت الباب بتاع البيت
وهو بيخبط.. قومت من على السرير واتحركت لبرة، فتحت الباب، عمي هو اللي
بيخبط، كان متوتر وعمال يبص يمين وشمال كأنه خايف من حاجة، وقبل ما ينطق،
بدأت انا بالكلام:
-ايه اللي جابك دلوقتي؟
-والكلام ينفع على الباب برضه يابن الكبير.
اتحركت خطوتين بعيد عن الباب:
-البيت مش بيتي، عشان كده مش همنعك، بس هصحح على كلامك حاجات بسيطة، الهواري
مابيخلفش.
عدى عتبة الباب وقفله وراه وبعدها قالي:
-كلامك يمس شرف اعز الناس لقلبك.
اتعصبت عليه:
-الحادثة كانت بعد موت أمي، المرة الشؤم اللي اسمها صباح هي اللي نحسته،
انما ابنه، عدلي، مات، واللي قدامك ده... يبقى حد تاني، اتبدل حاله عن عشرين
سنة فاتوا.
-وهم عارفين باللي أنت بتقوله ده؟
اتبدلت ملامح وشي واتوترت:
-هم مين اللي عارفين؟
-هم... القبيلة... قبيلة الغيلان.
وقت ما كان بيتكلم باب البيت اترزع وملامح عمي اتغيرت، بقت ملامح خبيثة،
بعدها طلع سكينة من جيبة، رجعت خطوتين لورا واتلزقت في الباب:
-ايه ياعمي، أنت بتعمل ايه؟؟... اللي في دماغك ده هيوديك في داهية.
قرب مني بدل الخطوة أربعة، بقى بيني وبينه خطوة واحدة بس:
-العز اللي عاش فيه الهواري، والسلطة اللي أخدها منهم، كانت كفيلة انها
تهمشني السنين دي كلها، وبدل ما يتقالي الهواري الكبير عشان فرق السن اللي
بيني وبينه، بقى هو الكبير في كل حاجة، وانا مسعد، زيي... زي أي عيل من عيال
العيلة، لكن السر خلاص اتكشف، ومرض الهواري خلاه يخطرف في الكلام بليل، بقى
بيحكي عن القوة والسلطة اللي خدها بعد ما عرف السر المدفون تحت البيت من دهب
وياقوت وخيرات، والأهم من كل ده، هم.. القبيلة.
-اهدى يا عم مسعد، الحل مش في موتي، أنا لا عايز دهب ولا سلطة... أنا عايز
أعيش، واللي أنت عايزه هعملهولك.
قرب السكينة من رقبتي وقالي:
-اللي أنا عايزه مش هيجي غير بالدم... دمك أنت يابن الهواري.
وفي لحظة ما قرب السكينة من رقبتي، عينه اتحولت لعين ديب، وشه اتملى تجاعيد،
بعدها ظهروا مرة تانية، كانوا واقفين على شكل نص دايرة ورا عم مُسعد، واحد
منهم اتقدم وقالي بنفس الصوت المكتوم اللي ماحدش بيسمعه غيري:
-هيقتلك، لو ماتحركتش دلوقتي وحاولت تدافع عن نفسك، هيبقى مكانك معانا، بس
مش في صفنا.
عروق جسمي كلها اتنفخت كأنها هتنفجر، وغصب عني، غريزة القتل عندي اتحركت لما
الغضب اتملكني، وبحركة سريعة وبإيد واحدة، بعدت السكينة عني، بعدها مسكت عمي
مسعد من رقبته وفضلت أخنق فيه بإيدي الاتنين، وماكفانيش موته وقتها، انا هديت
لما شوفت الدم بيسيل من عروقة المقطوعة بعد ما دبحته بالسكينة اللي كانت وقعت
منه.
-حلو الدم، مش كده؟
ده كلام الغول، اما ردي عليه فكان غريب، رد انا نفسي استغربته.
-ريحته.. ريحته فيها لذة مش طبيعية!
بعد ما قولت الكلمة دي، خبطة واحدة من العصيان اللي في ايديهم واختفوا،
بعدها كل حاجة رجعت طبيعية، إلا أنا.. جسمي كان بيرتعش والخوف اتملك من قلبي،
عنيا دمعت واتكومت قدام الباب وحطيت راسي بين رجليا، عيطت بهستيرية، كأن
الدموع محبوسة بقالها كتير وجه الوقت عشان تخرج دلوقتي، ومع عياطي، قررت إني
لازم أمشي وكفاية لحد هنا، خفيت أثار جريمتي ونضفت مكانها، بعدها اتحركت
ناحية الباب وفتحته، بس اول ما فتحت، لاقيت عمتي، او بمعنى تاني هي بنت عمة
ابويا ومرات عمي، المهم انها كانت واقفة قدامي ولسه كانت هتخبط الباب!، واول
ما شوفتها، دخلت من غير ما تستأذن.
-عمك قال إنه جايلك هنا يا ولدي، والوقت اتأخر وهو لسه مارجعش.
رديت عليها بتوتر:
-قال إنه جاي هنا ازاي يعني، أنا كنت نايم ولسه صاحي دلوقتي.
-ورايح فين على كده وأنت لسه صاحي؟
-راجع مصر... المكان ده بيفكرني بحاجات مش عايز افتكرها.
-وهم عارفين بكده يا ولدي؟
-هم!!!.. هم مين يا عمتي؟
-المساخيط.
-أنا ماعرفش أنتي بتتكلمي عن ايه والبيت قدامك أهو، عايزه تدوري فيه على
جوزك، اتفضلي، مش همنعك.
-جوزي مات، طالما أنت لسه حي يبقى جوزي مات، وأنا مش هسيب دم مسعد يروح هدر
يا ابن دهب.
أول ما نطقت اسم امي الغضب اتملكني مرة تانية، والمرادي كان أقوى، غضبي
خلاني مسكت عمتي من رقبتها بكل غل:
-ماتنطقيش اسم الطاهرة مرة تانية على لسانك، انتي فاهمة ولا عايزة تحصّلي
جوزك؟
أول ما اتأكدت إن مُسعد مات الدموع نزلت من عينيها، فضلت تصرخ وتولول.
-اخرسي، هو اللي كان عايز يقتلني وأنا دافعت عن نفسي، وكلمة كمان هخليكي
تحصليه.
لما قولتلها كده وانا حاطط ايدي على بوقها، زقت ايدي ومشاعرها اتبدلت، من
حزن لفرح... فرح ماكنش مفهوم في الأول، ووسط ما هي بتضحك بهستيرية ملامحها
اتغيرت والتجاعيد ملت وشها، كأن كل حاجة بتتكرر ونفس القبيلة ظهروا من تاني،
ووقت ظهورهم، واحد منهم اتقدم وقالي بصوته المكتوم:
-اقتلها... الفريسة سهلة المرادي.
حطيت ايدي على وداني ورديت عليه:
-ابعد عن دماغي، أنا مش هقتل حد تاني... انتوا ملاعين ولعنتوني
معاكوا.
وعلى الرغم من إني حاطت ايدي على ودني، لكن صوتهم كان واصلي، كأنهم بيتكلموا
جوة دماغي وقاعدين فيها:
-الاختيار مش اختيارك يابن الهواري.
حطيت ايدي على دماغي وفضلت أصرخ بصوت عالي:
-ابعدوا عنييي، أنا مش قاتل... أنا عايز أعيش.
بخبطة واحدة منهم على الأرض المكان اترج، ومع رجته، وقعت جوة حفرة ضلمة،
وقعت فيها اه، بس وقعت وانا واقف على رجلي، بصيت حواليا لاقيت القمر بدر،
وأمي كانت واقفة قدامي وبتهجم عليا وبتصرخ في وشي:
-سيب الواد بقولك... عايزين تقتلوني اقتلوني، بس ابني لأ.. عدلي لازم
يعيش.
زقتها بعيد عني فوقعت على الأرض، بصيت على ايدي لاقيت سكينة مليانة دم... دم
أمي، نزلت على ركبتي عشان اتطمن عليها
↚
زقتها بعيد عني فوقعت على الأرض، بصيت على ايدي لاقيت سكينة مليانة دم... دم
أمي، نزلت على ركبتي عشان اتطمن عليها:
-فوقي يا دهب، مش انا اللي قتلتك... والله مانا، هم... هم اللي
قتلوكي.
ملامح وشها اتغيرت لملامح عمتي، والمكان اللي انا كنت فيه ماتغيرش كتير، نفس
البيت، وعمتي.. عمتى بقت جثة قدامي، رفعت عيني لاقيت أفراد القبيلة واقفين
مكانهم، جزيت على سناني وقومت اهجم على واحد فيهم، بس جسمي اتشل، وفي لحظة،
فرد منهم كان واقف قدامي، ريحته كانت وحشة اووي، ريحته عفن!
-فاضل واحد، المهمة بقت عادلة، كله في ايدك انت وبس.
خبطوا خبطة على الأرض واختفوا، بعدها وقعت في مكاني والدموع رجعت تنزل من
عيني، لكن مافيش وقت للخوف، أنا دلوقتي قاعد في بيت موجود فيه جثتين لسه دمهم
سخن، والجثتين دول أنا اللي قتلتهم، حتى لو تحت سيطرة قبيلة من الجن، فالشرطة
مش هتصدق كلام زي ده، عشان كده قومت اخفي الجثة على سطح البيت، جوة كنبة
قديمة، وده لأن مكان جثة عمي ماكنش يساع حد تاني، وبعد ما خفيت الجثة، نزلت
عشان انضف مكانها، لكن حظي الزفت، خلاني نسيت الباب مفتوح، وكده صالح ابن عمي
دخل البيت ولقى دم في كل مكان، اتسمرت مكاني على السلم، اما هو فقالي
بخوف:
-انت... انت عملت ايه يابن الهواري.
صمت حل على المكان، ماكنتش عارف أرد أقوله ايه، أقوله أبوك وأمك ماتوا، ولا
الجن هو اللي قتلهم، بس هو وفر عليا كلام كتير لما قالي:
-كنت عارف انك هتقتلهم، بس مش بالسرعة دي، انا نمت وصحيت لاقيت البيت فاضي،
مافيهوش نفس، ولمل جيت اشوف مين اللي هيكسب، لاقيتك كسبان من بدري.. بس لا،
انت كسبان من لحظة ما بقيت ابن الكبير والوريث الوحيد له، بس السر اتكشف،
وانا اللي هقدر عليك.
-صالح... انا ماكنتش اقصد يابن عمي، هم السبب، كانوا عايزين يقتلوني، وانا..
انا دافعت عن نفسي، وهقولها تاني... انا لا عايز سلطة ولا دهب... انا.. انا
عايز اعيش.
-انت قاتل... ابن الهواري هيطلع ايه غير قاتل، مهما حاولت تنكر نسبك له، مش
هتقدر تغير الدم اللي بيجري في عروقك، بس انا هخلصك منه وهصفي دمك زي ما قتلت
الحبايب.
بخطوة سريعة طلع على السلم، وقبل ما يمسك فيا جريت على السطح وهو حصلني على
فوق، واللي اتأجل من لحظات حصل، صالح مسك رقبتي بـ ايديه الاتنين واستمر في
خنقي، حاولت أبعده عني ماقدرتش، لطن القدرة اللي كنت بحس بيها، رجعتلي مع
ظهور القبيلة، المرادي الموضوع كان مختلف وماحدش فيهم اتقدم خطوة واتكلم، كل
اللي كانوا بيعملوه انهم بيخبطوا على الأرض بالعصيان، بس انا ماكنتش عايز
اكتر من كده، انا حسيت بغضب خلى قدرتي اضعاف، قدرة خلتني اشيل ايد صالح عن
رقبتي وزقيته بعيد عني.. الزقة كانت قوية لدرجة ان صالح وقع من على السطح،
لكن في أخر لحظة مسك في السور، لما بدأت أهدى وأركز، لاقيت صالح بيستنجد
بيا:
-عدلي... الحقني يا عدلي، معقول.. معقول هتموت ابن عمك؟
سندت على ايدي وقومت من على الأرض، اتمشيت لحافة السور وبصيت في عين صالح
لاقيتها مليانه شر، وقتها سمعت صوتهم وهم بيهمسوا في ودني:
-خلص نفسك واقتله... اقتله زي ما كان عايز يقتلك.
دوست على صوابعة وشوفته وهو بيقع قدامي البطيء، ومع لحظة لمسه الأرض، كل
حاجة اختفت وناس كتير بانوا في الصورة، أهل الشارع كانوا واقفين بيضربوا كف
على كف وراجل كبير منهم اتكلم وقال:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، الراجل مات.
جسمي رجع يرتجف من تاني، نزلت اتكومت على الأرض... سمعت صوتهم وهم بيسقفولي،
كده خلاص، كسبت الجولة والمنصب، ماهمنيش كل ده وليلة البدر رجعت تتعاد جوة
عقلي، بس مرة واحدة فوقت من اللي أنا فيه لما الشرطة وصلت وقبضوا عليا، ومع
وصولهم طبعا، اكتشفوا الجرايم اللي ارتكبتها في الليلة دي... الليلة اللي
اتسمت بعد كده في الشارع... بليلة الدم.
***
وبس.. لما وصلت القسم اتحولت للنيابة، وهناك حكيت لوكيل النيابة على كل اللي
حصل، بعدها باسبوع اتنقلت لمصحة نفسية، قالوا عني مجنون، بس أنا مش مجنون...
هم بيظهرولي، وعدوني انهم هيخرجوني بطريقتهم من هناك، بعدها هاخد كل الدهب،
عدى على الحال ده سنة من الأدوية وجلسات الكهربا، وفي الذكرى الأولى لليلة
الدم... كنت قاعد على السرير وحسيت بصداع شديد، ومعاه، حسيت ببوابة تحت
السرير سحبتني... بصيت حواليا لاقيت نفسي في بيت مسعد عمي... بالتحديد في
الأوضة اللي كان فيها الهواري الكبير، كنت قاعد قدامه وهو بيكلمني، كأني عايش
نفس يوم وفاته، بس بتفاصيل مختلفة، وأهم تفصيلة هي طريقة كلامه الهادية
ودموعه اللي كانت بتنزل من عينه وهو بيقولي بنبرة مليانة تعب:
-يابني خالتك نعمة هي السبب... اقنعتني إن قعادك معانا مش هيقدم ولا هيأخر،
وإن حالتك محتاجة واحد يراعيك ويعتني بيك طول الوقت، عشان كده عرضت إني اتجوز
صباح عشان تراعيك، فلما خالتك سمعت كده، رفضت، رفضت ومسكت في انها لازم تسافر
مصر وتاخدك معاها، ااه.. قالت ان هناك هتعرف تعالجك من الصدمة وتعتني بيك، في
البداية رفضت، بس انت كنت اهم من أي حاجة، فسيبتك، سيبتك واتجوزت صباح عشان
اجيب عيل تاني يشيل اسمي، بس ربك ما أردش، ومابقتش بخلف من بعد حادثة حصلتلي
قبل جوازها..
غصب عني صرخت في وشه:
-كداب... هتفضل طول عمرك كداب ياهواري، انت جايبني هنا عشانهم، عشان افراد
القبيلة يقتلوني.
-قبيلة ايه يابني اللي بتتكلم عنها، انا جايبك عشان استسمحك قبل ما
اموت.
بدأت أخنق فيه وانا بغلي من جوايا:
-قبيلة الغيلان يابن ابليس.
خنقت فيه لحد ما بقى جثة قدامي، بعدها طلعت برة وكل حاجة اتكررت بالظبط،
واول ما فتحت باب البيت عشان اخرج الجثة مع عمي وابن عمي، لاقيت نفسي في بيت
ام الدهب، بعدها الباب خبط، فتحت لاقيت عم مسعد واقف على الباب
وبيقولي:
-عامل ايه يابن اخويا.
-ابن اخوك... افتكرتوني دلوقتي؟
-مش هتقولي اتفضل؟
-مش بيتي عشان امنعك... عايز تدخل... ادخل، بس من غير اتفضل.
-مقبولة منك يابن اخويا، ما اللي انت مريت بيه مش شوية.
-جاي ليه يا عمي، جاي تقتلني عشان الدهب، صح؟
-دهب ايه يابن اخويا اللي انت بتتكلم عليه.
-اللي تحت البيت، ولا أنت هتعمل نفسك مش عارف.
-لا ده انت زي ما قالوا بقى، دماغك فوتت خالص من يوم قتل المرحومة.
-مش هتقدر عليا... هقتلك... هقتلك زي ماقتلتوها.
بعدها مسكت في رقبته وضغطت جامد وانا بصرخ:
-اخبطوا اكتر... مش سامع، انا اللي هورث، انا الوريث.
كنت ثاير، ماهديتش الا لما مات ودبحته بسكينة جيبتها من المطبخ... بعدها
اتكومت على الأرض وقولت لنفسي (مش هنسى ريحة الدم.. مش هنسى ريحة
الدم).
لما هديت قومت نضفت كل حاجة، ومن على السطح لمحت عمتي جايه من بعيد، نزلت
فتحتلها الباب قبل ما تخبط، وأول ما شافتني قالتلي بخوف:
-مسعد قال انه جايلك من بدري، ومن ساعتها ما رجعش... ماتعرفش راح فين يا
ولدي؟
ابتسمت ابتسامة شر ورديت عليها:
-جايه انتي كمان تخلصي عليا، مش كده؟
-اخلص عليك ايه يا ولدي، أنت عملت ايه في عمك؟
-قتلته... كان عايز يقتلني، فقتلته... مش انتي كمان عايزه تقتليني، بس مش
هتعرفي، عشان أنا أقوى منكوا، هم قالولي كده.
هجمت عليا لما عرفت بموت جوزها، وطبعًا هي كانت اضعف من انها تقتلني، فخلصت
عليها ورميت جثتها على السطح، وقبل ما أخفى أثار الدم، صالح كان شرّف هو
كمان، وأول ما شاف الدم، الخوف بان في عينيه وصرخ فيا:
-انت عملت ايه يا مجنون؟... أمي وأبويا راحوا فين؟
ضحكت بهستيرية ورديت عليه:
-ماتوا، وأنت كمان هتحصلهم.
بخطوة سريعة روحت ناحيته، لكنه قدر يهرب مني للسطح، فطلعت وراه، وهناك ابتدى
الصراع بيتنا، صراع انتهى بصالح وهو ماسك في السور، وأهل الشارع واقفين
بيطلبوا مني إني أنجده، وقبل ما حد يجيب حاجة تلحقه، كنت بصرخ فيه:
-أنا الوريث.
بعدها دوست على ايد صالح ووقع... ومع وقعته، سمعت كلامهم واتكومت على الأرض
عشان المراسم تكتمل، اه.. اه، المراسم لازم تكتمل والوريث يورث البيت
والدهب.
غمضت عيني وفتحتها لاقيتني على السرير في المستشفى، بعدها سمعت صوت حد بيهمس
في ودني:
-لأ، عشان المراسم تكتمل... لازم تخلع عينيك، بعدها هنلاقي الطريقة اللي
نخرجك بيها.
سمعت كلامه، اتمشيت في العنبر لحد كاميرا ملزوقه في الحيطة، وبمعلقة قديمة
خلعت عيني.
الدكتور: وبكده انتهت الحكاية اللي حكاها عدلي الهواري، عدلي الهواري اللي
الكاميرا جابته وهو بيحكي كل حاجة قدامها، بعدها طلع معلقة من جيبة وخلع
عينيه، ولما حاولنا نلحقه، كمية الدم اللي اتنزفت كانت كبيرة، وعشان كده
ماقدرناش نعمله حاجة، واهو.. في الاخر اتوفى عدلي بعد صراع مع مرض نفسي اتولد
من صدمة موت امه وهو صغير على ايدين هجامين بيوت، وعلى الرغم من عناية خالته
له، وانه بدأ يتحسن، إلا ان موت خالته كان الضربة اللي قضت عليه، وده حصل لما
اتطور عنده مرض الفصام، وكمان لما جاتله مكالمة من البلد قدر يخلق منها عالم
في دماغه كان اساسه بيت ام الدهب، تيمنًا باسم أمه دهب، ومع خلقه للعالم ده،
خلق قبيلة من الجن اخترعها في دماغه عشان يبرر قتل عيلته... قتل عيلته اللي
هو من جواه كان شايف انهم السبب في موت امه لما عملوا مشكلة معاها زمان وخلوا
ابوه ياخدها ويسكنوا في بيت بعيد عنهم، وكمان لأنهم قسوا قلب ابوه وخلوه
يتجوز واحدة تانية بعد موت امه.. وفي النهاية كل شئ انتهى، عدلي وعيلته كلهم
ماتوا، لكن الاحساس بالخوف والألم من بعد موت الأم عمره هيموت.. عمره ما
هينتهي من الدنيا، حتى لو مات ابن دهب.
تمت بحمد الله.