📁 آخر الأخبار

قصة سمسار الموت بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي

 قصة سمسار الموت بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي



انا بشتغل شغلانة غريبة شويتين، سمسار متكامل زي ما بيقولوا، بيطلب مني الشخص انه عايز مثلا بيت في القرية أو في المكان الفلاني، وببدأ أنا أدور على حتة أرض كويسة، واتفاوض مع صاحبها عشان اشتريها، وبعدها بتفق مع المقاولين عشان نبني البيت، وبعدها مع العمال والصنيعية عشان نشطب البيت ونخليه حاجة كويسة، وبعدها بسلم البيت لصاحبه بعد ما بنقله العفش بتاعه فيه، واخود النسبة المتفق عليها....


الموت,قوارب الموت,احذر هذا ماستراه وتسمعه لحظة الموت,الموت بالقطارة ... القصة الكاملة | من بغداد مع نجم الربيعي,أخبار اليوم في ألمانيا,الموجز الرياضي,فيلم قصير طفل يقفز في البحر (قفزة الموت),#سمسار_الموت,حلقة محمود سعد اليوم فى قناة النهار,قصص جن كتاب شمس المعارف,الزيت,الكويت,اسرار من عالم اخر,الشيخ سار,أزمة الزيت,دولة الكويت,قصص جرائم بالدارجة,اخبار العراق,مجلس الوزراء,برامج النهار,تقارير القبس,مسلم,باب الخلق اليوم,محاربة الفساد




الشغلانة الواحدة بتجبلي من دول فلوس تكفيني أعيش سنة كاملة على الآقل، كل حاجة كانت ماشية كويس وبعمل شغلي على أكمل وجه، لحد ما للأسف مع مرور الوقت الشغلانة دي بقت صعبة، وبقت فيه شركات متخصصة في البناء بتعمل ده أحسن مني، غير ان مع ظروف الناس الاقتصادية بقوا بيوفروا تمن السمسار ويعملوه هو، سنين عدت وانا مش لاقي حد بيطلبني في شغلانة زي دي، الفلوس اللي كنت شايلها عشان تسندني انا وولادي خلاص بقت بتشطب، وحسيت اني بعد شوية مش هلاقي أجبلهم أكل..


فضلت مشتت كتير اوي، شايل الهم وقاعد حزين، لحد ما جالي طوق النجاة في مكالمة تليفون من شخص أعرفه, كان حمايا، قالي ان اخوه اللي عايش برة عايز يبني بيت في البلد بتاعته يعيش فيه هو ومراته العجوزة وكفاية غُربة بقا، ومحتاج تبنيله بيت في البلد عندهم في أربع شهور بس، ومعاك لحد ٤ مليون جنيه، وبيقولك النسبة اللي هتقول عليها لنفسك مش هيفاصلك فيها..


روحي ابتهجت من الكلام حرفيا، تواصلت مع الراجل ومضينا مع بعض عقود ترانزيت تضمن حقه في بناء البيت، وتضمن حقي في النسبة وانه يبعت فلوس كل ما احتاج عشان البناء ميوقفش..


نزلت البلد وبدأت رحلة البحث عن مكان كويس يصلح لبناء البيت، ودي بتبقا دايما خطوتي الأصعب للأسف، لأني بتعب اوي على ما بلاقي أرض مناسبة في مكان مناسب..


كنت من تاني يوم بتواصل مع ناس في البلد عشان نلاقي حتة أرض كويسة ينفع يتبني عليها بيت، بس للأسف أهل البلد كانوا متحفظين أوي في حتة بيع الأراضي، كأننا لسة في العهد القديم، لما كان الفلاح بيعتبر ان الأرض دي زي شرفه..


فضلت اسبوع كامل بدور هنا وهناك مش لاقي خالص، يمكن الحاجة الوحيدة اللي كانت مفيدة ان بيت حمايا كان في نفس البلد، فكنت قاعد عندهم طول الفترة دي, وللأسف حمايا مقدرش يفيدني في شراء حتة أرض مناسبة..


كنت طول عمري بكره البلد دي رغم انها جمب بلدي، ودلوقتي كرهتها اكتر, عدى اسبوعين لللأسف وكنت لسة متعاقدتش على شراء الأرض، وده كان بينذر بخسارة الشغلانة كلها، ودي تقريبا عمرها ما حصلت في حياتي..


فضلت ادور هنا، واغري ده بفلوس زيادة، واتحايل على ده، بس لا حياة لمن تنادي، كأن الأرض مش موافقة ان يتبني عليها بيت من الأساس، لحد ما عدى الشهر الأول..


وتواصل معايا الراجل من برة عشان يعرف انا بدأت في البناء ولا لسة، وبقيت في موقف لا أُحسد عليه اطلاقا، في اليوم ده حد من أهل البلد توفى، وحمايا طلب مني أروح معاه الجنازة، مشينا في الجنازة لحد ما دفنا الراجل، بس اللي لفت نظري كان شيء غريب..


ايوة انا عنيا تقع على الأرض كأنها وقعت على عروسة مناسبة، كانت فيه حتة أرض جمب المقابر مناسبة جدا للبناء، وهتبقا في منطقة هادية زي الراجل ما طلب بالظبط، حتة أرض عاملة زي الدهب..


رجعت مع حمايا للبيت وبعدها هربت منه وطلعت أجري ناحية المقابر عشان أعرف الأرض دي تخص مين من أهل البلد، لحد ما وصلت ليها وفضلت اتأمل المكان، ووسط شرودي وتفكيري فوجئت بيافطة مكتوب عليها:


"الأرض للبيع"


قلبي طار من الفرحة، حاولت ادور على رقم تليفون في اللوحة القديمة المتهالكة، لقيت الرقم بس من كتر الصدأ اللي على اللوحة معرفتش أقرأه كامل:


حسيت بإحباط كبير، فضلت ادور يمين وشمال لحد ما لمحت البيت الصغير اللي على أول المقابر، ده بيت عم عياش حارس المقابر، جريت على البيت من لهفتي وخبطت على الباب بقوة..


فتحلي الباب راجل عجوز وكان مستغرب جدا، استفسر عن سبب وجودي وعرفته اني عايز اتواصل مع صاحب الأرض دي، بصلي بصة مخيفة وقال:


- ليه

- عايز اشتري الأرض دي


عنيه بدأت تحمر اوي وقالي:


- ابعد عن الأرض دي مش ناقصين مشاكل

- مشاكل ايه بس، انا جاي اشتري مش جاي اتخانق

- وانا بقولك يا غبي الأرض دي ملعونة، ومش هينفع تبني عليها، دم سال عليها وجثث اتدفنت فيها ظُلم


جسمي اترعش من كلامه وسبته ومشيت، اتكلمت مع شخص كبير في البلد وحكيت معاه، وفعلا أكدلي ان الأرض دي مدفون فيها جثث كتير، ومينفعش يتبني عليها ابدا..


رجعت بيت حمايا وانا مُحبط، حزين، واستمر الحال من سيء لأسوأ، محدش راضي يبيع أرضه، والوقت بيجري، وجالي انذار من الراجل المسافر انه هيشوف حد غيري، وقتها مقدرتش أقاوم، اي يعني أرض ناس اتدفنت فيها، فين المشكلة..


مانا مش هضيع شغلانة كبيرة زي دي عشان الكلام الفاضي ده، ووصلت في النهاية لصاحب الأرض، استفسرت عن السعر وكانت الصدمة، الأرض مخسوف بسعرها في الأرض، السُمعة اللي مطلعينها عليها خلت صاحبها عايز يبيعها بأي ثمن..


وفي خلال يوم واحد بس كنت بمضي عقود شراء الأرض وببشر الراجل المسافر، وتاني يوم كنت بتفق مع مكتب مقاولات عشان يبني البيت بطريقة شبيهة بالقصور، وفعلا بدأ اللودر يضرب في الأرض ويصب قواعد البيت, وكنت مخبي عن حمايا كل حاجة, غير انه راجل كبير وغلبان جدا فمكنش بيسأل أصلا..


كنت قلقان من ان تحصل حاجة بس كل حاجة مشيت تمام، اللهم الا من غضب أهل البلد لما كانوا بيشوفوني ببني في المكان ده، حصلت معانا شوية مشاكل وفيه عامل وقع من على سقالة، والتاني رجليه كان هتطير بس كل حاجة كملت، البيت اتبنى، واتدهن، وبقا حاجة فخمة تشرح القلب، وكل المريب اللي حصل ان عياش عدى من قدامي وبص على البيت بصة طويلة اوي وقالي:


"لعنة وهتصيبك ومش هتفارقك أبدا"


تجاهلته تماما وكملت التشطيبات وتقريبا شطبته مع رجوع صاحبه هو ومراته من البلد اللي هو كان فيها، سلمته المفاتيح وخدت نسبتي ورجعت بيتي وشي منور حرفيا، سكنت الفلوس مع اخواتهم في الخزنة، تحويشة عمري..


مراتي كانت فرحانة أوي، شغلانة جابتلي مبلغ وقدره بعد شهور من قلة الفلوس وضيق الحال، بصراحة فضلت متوتر كام يوم وحاسس اني عملت غلطة كبيرة، بس لما عدى أول اسبوع لقيت ان كل حاجة ماشية أحسن من الأول كمان..


مراتي اقترحت اننا نروح نزور اهلها من باب الشُكر انهم وقفوا جمبي وفضلت عندهم وقت البناء وكمان هما اللي جابولي الشغلانة، كان كلامها منطقي، خدنا زيارة حلوة وروحنالهم، وكان يوم لذيذ جدا وكله ضحك وهزار, بس الصدمة جتلنا لما جلنا خبر مخيف جدا..


أخو حمايا اللي انا كنت ببنيله البيت من أيام مات هو ومراته في ظروف غامضة, جرينا زي المجانين ناحية بيته ولقينا الراجل ميت هو ومراته, خدنا الجثمانين للمستشفى عشان نعرف سبب الوفاة وكانت النتيجة "هبوط حاد في الدورة الدموية"


كنت مصدوم اوي, خايف اتشاف بمشهد اللي كان نذير شؤم في بيت حمايا, بس هما اعتبروها قضاء وقدر, كان راجل مؤمن وكل اللي قاله عن اخوه


"طلب ييجي بلده عشان يتدفن فيها"


كنت مستني يلومني أو حتى يوبخني على فكرة اني بنيت البيت في المنطقة اللي واخدة سمعة دي, بس الراجل كان من الناس الكبيرة اوي اللي قلوبهم بيضا اوي, ومش هيلومك مهما حصل, دفنا أخو حمايا ومراته ورجعنا للبيت والحزن مكبر ملامحنا عشرين سنة على الأقل..


وكانت الصدمة الأكبر, بيت حمايا بيولع, والبلد كلها تقريبا واقفة عند البيت بيحاولوا يطفوا الحريق, الستات بتصرخ, والأطفال بتبكي, مشهد مخيف بيشع بريحة الموت والدمار, اقتحمت النار زي المجنون وطلعت مراتي وابني الصغير وبنتي, بس لما طفينا النار كانت حماتي مخنوقة بسبب الدخان وماتت, وتاني يوم كنا بندفنها في حالة من الحزن الرهيب, حاسس ان فيه لعنة رهيبة نزلت على حياتي..


خدنا حمايا يقعد معانا للحد ما نشوف هنعمل ايه في بيته اللي اتحرق, وصدقني لو قولتلك ان بعد يوم واحد شقتي كلها اتحرقت, وحمايا مات بنفس الطريقة اللي ماتت بيها حماتي, وشقتي اتحرقت, والخزنة دابت وكل الفلوس اللي فيها راحت, بيتي حرفيا اتخرب..


وقعت وقتها على الأرض وفضلت أصرخ زي المجنون, مش عارف انا هعمل ايه في المصايب اللي بتنزل على حياتي دي, روحنا قعدنا عند ناس جيران لحد ما نشوف هنعمل ايه في الكارثة دي..


وبعد مناوشات وكلام كتير اوي وتقريبا كل معارفي محدش فيهم سأل فيا, وبعد تفكير مرعب اني هودي مراتي وعيالي فين ملقتش غير بيت اخو حمايا, ايوة البيت اللي انا بنيته على الأرض إياها, البيت اللي اتقالي من عياش اني هتلعن بسببه..


البيت اللي كان سبب في موت أعز شخص عندي, البيت اللي عرفت حكايته تفصيلا وعرفت أد ايه انا عملت كارثة في حق نفسي وفي حق الناس, كارثة لا تغتفر..

لسة معانا حكاية مخيفة اوي، حكاية الأرض نفسها، وليه اتلعنت بالشكل ده، وكمان هنعرف نهاية حياة بطلنا كانتازاي مع البيت المخيف ده..


روحت البيت، ايوة روحت البيت، البيت اللي بنيته بإيدي على أرض ملعونة الكل حذرني منها، بس انا عاندت، وبنيته، وكان الجزاء إن بيت حمايا اتحرق، وحمايا وحماتي ماتوا، وشقتي اتحرقت، ولقيت نفسي معايا مفتاح البيت ورايح أعيش فيه..

كنت حاسس اني داخل غرفة الاعدام، بس حرفيا كانت كل الظروف بتدفعني اني أروح هناك، بعد ما اتحرقت كل فلوسي، وصلنا يومها بالليل، الجو كان كئيب، والمقابر جمب البيت شكلها مُرعب، ابني الصغير كان بيترعش، ومراتي مكسورة من موت ابوها وامها، وانا لسة خايف..

مشاعر قادرة تدمرنا قبل ما تحصل أي حاجة جديدة، دخلنا اوضة اخو حمايا اللي مات عشان ننام فيها انا ومراتي، وخليت ابني الصغير مع اخته في الاوضة التانية، طفيت النور وغرقت في بحر من التفكير والظلام، بتخيل ايه اللي ممكن يحصل تاني بعد ما كل حاجة راحت..

في اللحظة دي سمعت صوت خطوات جاية من الممر برة، من الضلمة، خطوات تقيلة، وصوتها منتطم..

طق
طق
طق

قمت من مكاني وانا حاسس ان جسمي متخدر من الخوف والرهبة، طلعت للممر ملقتش أي حاجة، فضلت واقف شوية وبعدها رجعت، ومسافة ما غطيت نفسي بالبطانية..

طق
طق
طق

قمت من مكاني تاني، ادور، مفيش أي حاجة اطلاقا، يارب..

مسافة ما رجعت..

طق
طق
طق

اتكرر الموضوع كتير اوي، مراتي نايمة جمبي مش حاسة بحاجة، لحد ما قررت اني مش هقوم..

طق
طق
طق

ومسافة ما بصيت جمبي صرخت، مراتي اتنفضت من مكانها، كان ابني الصغير واقف قدام السرير بيبصلي بعيون جاحظة، شديته عليا وحضنته بقوة، سألته وانا لسة بتنفض من الخضة:

- واقف كدا ليه يا بدر

لقيته بيهمس بصوت واطي وبيقول:

- فيه راجل عجوز في الاوضة بتاعتي، وفيه ولد صغير بيناديلي عشان أطلع العب معاه على السطح، وقتها حسيت بخوف رهيب على ولادي، روحت صحيت اخته وجبتها، وقررت اننا كلنا ننام في اوضة واحدة..

نيمتهم جمب والدتهم، ونمت انا على الأرض، الغريب ان الصوت اختفى وكل حاجة بقت تمام، والأغرب اني نمت بعمق شديد، وقتها شوفت حلم غريب أوي..

شوفت اني واقف قدام البيت اللي انا فيه ده وحوليا أطفال كتير متعورين، متبهدلين، كل واحد منهم متشوه، اللي عنيه متدمرة، واللي مد-بوح واللي عضو منه مقطوع، كنت واقف وسطهم خايف، وهما كانوا بيحاولوا يمسحوا الدم بتاعهم في جسمي..

وانا بصرخ وبحاول أهرب منهم، في اللحظة دي لمحته، ابني بدر، كان واقف معاهم، ومن راسه كان فيه دم كتير نازل بسبب جرح عميق، صرخت بإسمه واتنفضت من نومي صحيت، بصيت جمبي ملقتش بدر نايم جمب والدته..

جريت زي المجنون عشان ادور عليه في البيت كله، بس مكانش موجود، ابني اختفى، كنت بنادي بإسمه بكل هلع

يا بدرررر
بدرررررر

طلعت للدور التالت. دورت زي المجنون هنا وهناك، لحد ما سمعت صوت حد بيتكلم في الاوضة اللي بتبص على الشارع، جريت على الاوضة عشان أشوف اغرب مشهد ممكن تشوفه في حياتك، ابني بدر واقف قدام سور البلكونة، وقدامه طفل الدم بيسيل من جرح في رقبته، الطفل كان زي الطيف طاير في الهوا، واقف في وش ابني من برة سور البلكونة وبيمد ايده ناحيته، و

واتحبست صرختي جوايا لما ابني اتقلب كله لبرة ووقع من الدور التالت، وقع وارتطم في الأرض بكل قسوة وعنف، نزلت زي المجنون للشارع، وشوفته

ايوة

شوفت ابني وجرح كبير في راسه والدم بيسيل منه، نفس مشهد الحلم، وقتها صرخت صرخة قهر مصرختهاش في حياتي..

انا اتجننت، ايوة اتجننت، مشيت في جنازة ابني..

اصرخ
اصيح
أبكي

بقيت بهيم في الشوارع زي المجانين، مراتي وبنتي معرفش راحوا فين اصلا، بقيت بنام في الشوارع واروح هنا وهناك، مشرد عايش في البلد، لحد الليلة اللي فوجئت بنفسي فيها قدام البيت. وقتها فضلت انادي على اللي قتل ابني
"اطلعلي"
"تعالى عشان اقتلك زي ما قتلت ابني"

بعدها بكيت، بكيت كتير اوووي، لحظتها حسيت بكف تقيل نزل على كتفي، بصيت برعب لقيته عياش، عياش اللي خدني لبيته الصغير، خدني عشان يحكيلي كل حاجة، وعشان أعرف حكاية الأرض الملعونة دي..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
..........
جن المقابر يا ولدي جن غدار، مُخيف، قوي، أي حد من اللي بيمارس السحر يتمنى انه يكون له خدام منهم، ولو حتى واحد بس، وده لأنه فعلا بيساعد، بيساعدك في كل حاجة تقريبا..
بس لو دخل حياتك واحد منهم اعرف انك هتعيش في جحيم تام، لحد ما تبقا نهايتك هي الموت بأبشع وسيلة ممكنة، ومن ١٠٠ سنة تقريبا كان فيه بيت صغير فوق الأرض دي لراجل اسمه "ثابت" اتقاله من كذا شخص ان البيت بتاعه تحته أثار، وراوده حلم انه يبقا غني، وبدأ يجيب الناس من كل مكان عشان حد منهم يقدر يحفر ويطلع الكنز..

مرة مع مرة بس كانت كل المحاولات بتفشل، وهو كان مصمم لدرجة انه كان بيحفر بنفسه، وده اترتب عليه إن الرصد غضب عليه، غضب لدرجة انه بقا بيظهرله في البيت جهارا نهارا عشان يخوفه، لأن الرصد اللي بيحرس الكنز مكانش حابب ان الكنز يطلع ابدا..

ومع اصرار ثابت، الرصد طلع لأمه في ليلة، الست خافت ومقدرتش تستحمل وقلبها وقف، وماتت أم ثابت، رغم ان الرصد مش بيأذي ابدا غير لما انت تستفزه..

وبدأ ثابت يفكر في الانتقام حرفيا، عايز ينتقم من الرصد ويطلع الكنز كمان، وفي محادثة طويلة مع شخص من الدجالين، قاله ان اللي هيساعده على الرصد هما جن المقابر،. بما ان المقابر جمبه فيحاول يسخر منهم كام واحد وهيساعدوه..

وراح ثابت يجيب بعض الكتب من ساحر مشهور في حي الحسين في القاهرة، بل وجاب كُتب خاصة في تسخير جن القبور، وبدأ يتعلم السحر وفنونه، وعمل خِلوة لمدة ٤٠ يوم قدر فيها يسخر تلاتة من جن المقابر..

وقامت الحرب في بيت ثابت بين جن الرصد اللي بيحمي المقبرة الفرعونية وبين جن المقابر اللي سخرهم، الناس بقت بتسمع أصوات زئير مخيف بتيجي كل ليلة من بيت ثابت، كأن فيه حيوانات جوة البيت، وفضلت الحرب دايرة، هو يحاول يحفر، والرصد يمنعه، وجن المقابر يهاجم الرصد..

كانت كل ليلة فيه نار سودة تمسك في البيت كله، ومع طلوع النهار النار بتهدى خالص وكأن مفيش حاجة حصلت، وبقا المكان كله مهجور، الناس بتخاف تقرب منه بالنهار وحتى بالليل..

اللي اتقال ان قوة الرصد كان قريبة من قوة الخدَّام، وبالتالي الحرب كانت شبه دايرة يوميًا، لحد ما في جلسة استرضاء لزعيم قبيلة جن المقابر، الزعيم طلب دم بشر، وبالأخص دم أطفال، عشان يسخر جن اكتر لثابت، وعشان يقدر يتغلب على الرصد ويفتح المقبرة..

والتضحية بتبقا بطرق معينة، مرعبة، منها فقع عين الطفل قبل التضحية بيه، ومنها قطع دراعه، ورجله، بل ومنها التضحية بقلوب الأطفال..

ثابت وقتها ارتكب مجزرة حرفيا، قدر يجمع ٢٠ طفل عنده في البيت الصغير ده، وحطهم في أقفاص زي الحيوانات، وفضل ٧ أيام يقدمهم قرابين للجن، عشان يتغلب على الرصد ويفتح المقابر..

كل ده وأهل البلد بعيد خالص، طالما مقربش من اطفالهم، وطالما ميعرفوش اصلا ايه اللي بيدور جوة، فكل حاجة ماشية تمام، لحد ما في ليلة تلت أطفال من أهل البلد قرروا يغامروا ويروحوا بالليل يحدفوا حجارة على بيت ثابت من باب المغامرة..

الأطفال قربوا من البيت فعلا، بل ومن فرط الاثارة واحد منهم طلع على البيت واتعلق في الشباك القديم، وقدام عينه، شاف طفل بيتصفى دمه في اناء صغير، وشاف ثابت عاري وبيكتب على جسمه وجسم الطفل طلاسم بالدم ده..

الولد صرخ، والاتنين التانيين جريوا، ثابت خرج ومسك الطفل قبل ما يهرب، وقتل الطفل عشان ميفتنش عليه، بس الطفلين التانيين كانوا بيحكوا اللي حصل لأهاليهم..

وطلع أهل البلد يومها بالسلاح على بيت ثابت، وهناك اكتشفوا المجزرة اللي اتعملت في حق الأطفال، طلعوا طفلين بس أحياء وولعوا في البيت كله، ولعوا فيه وثابت جوة، اللي شهد الواقعة دي مرض بعدها لأسابيع طويلة..

الناس شافوا تعابين سودة ضخمة بتخرج من النار، وسمعوا أصوات ناس بتتعذب، كأنهم جوة نار جهنم، النار كلت البيت كله ومتبقاش غير رماد، وبعدها البيت كله اتزال والأرض فضلت مكانها، مهجورة، ملعونة، محدش عايز يقرب منها إطلاقًا..

وبدأت أحداث اكثر رعبا، كلها ليها علاقة بالأطفال، الأرض دي كانت يوميا بيظهر فيها أطفال مشوهين بيلعبوا، اللي بيعدي بيشوفهم، واللي ساكن قريب بيسمعهم، واللي بيدخل الأرض بيهاجموه..

رعب وفزع خلى الناس تعتزل المنطقة كلها، ويوم ما بييجوا بيكون لدفن جنازة وبس، بس انت جيت، وقررت تبني البيت، وناس تسكن فيه، بنيت بيت فوق جثث أطفال، فوق مقبرة فرعونية، وفوق جن متسخر من سكان المقابر، وفوق رصد غضبان، وفوق رماد نار مخيفة..

انت بنيت البيت في اكتر مكان مخيف في العالم، انت قررت تدخل مكان مكنش ينفع أبدا انك تدخله، ودي كانت النتيجة، لعنة مسكت فيك..

حماك وحماتك ماتوا
وقبلهم الراجل اللي بلغك تبني البيت ومراته
وبعدها ابنك

غير ان كل العمال اللي بنوا البيت ده منهم اللي اتشوه ومنهم اللي مات، انت بقيت مطارد من الرصد، ومن جن المقابر، ومن قرناء الاطفال اللي ماتوا، انا حذرتك بس انت مسمعتش كلامي..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
............

انتهى عم عياش من الحكاية ووقعت انا في الارض، حطيت ايدي على راسي زي المجنون وفضلت ساكت، مش قادر انطق، ومش هقدر ادور على مراتي وبنتي، لأني ملعون بلعنة غريبة، ولو قربت منهم هتسبب ليهم في أذى كبير اوي..

بصتله بصة رجاء وقولتله:

- طيب والحل
- الحل غريب
- قولي عليه ابوس ايدك
- الحل انك تعيش هنا، ايوة تعيش هنا، جمب الأرض والبيت، تعتني بالبيت والأرض، ومتخليش أي حد من البشر يقرب من البيت او من حياتك، وقتها هيعتبروك حارس للمكان، ومش هيعملوا معاك حاجة

كان كلامه غريب، بس للأسف كان صحيح، انا دخلت البيت تاني، وعشت فيه، وبقيت بتسول الأكل من الناس، دقني طلعت وشعري بقا طويل وشكله مخيف، بقيت مجنون رسمي، واديني مستني الموت بفارغ الصبر..

غلطة، غلطة بسيطة دمرت كل حاجة، لو كنت بس سمعت للدين اللي بيحث على اتقان العمل، لو بس سمعت لصوت ضميري، يمكن كانت كل حاجة بقت كويسة، بس انا استهترت، ومأتقنتش عملي، وعملت حاجة غلط تضر ناس تانية عشان بس مصلحتي.. ودي كانت النتيجة..

عزيزي، لو جيت المقابر بالليل في يوم، ولقيت بيت فخم مبني جمبها اياك تقرب منه، لأني هكون جوة، انا والأطفال والجن، ومش هنرحمك، ابعد عن الأرض، وابعد عن البيت..







تعليقات