📁 آخر الأخبار

قصة جثث الغربان للكاتب احمد محمود شرقاوي

 قصة جثث الغربان للكاتب احمد محمود شرقاوي


بنتي الصغيرة لقتها نازلة مخضوضة من على السطح وعمالة ترتعش بطريقة غريبة, جريت عليها وانا قلقانة وحاولت أستفسر عن سبب خوفها ده بس كانت مبتنطقش إطلاقا, اللهم إلا كانت بتشاور على فوق ناحية السطح وايديها عمالة تترعش, بصيت على رقبتها لقيت فيه دم ممسوح, اتخضيت أكتر وحاولت أعرف مصدر الدم بس مكانش من جسمها هي..


قصة جثث الغربان للكاتب احمد محمود شرقاوي




طلعت على السطح وانا في قمة التوتر والخوف وبدأت أفتش هنا وهناك لحد ما لفت نظري حاجة سودة مرمية في الأرض وحجمها متوسط نوعا ما, قربت منها بهدوء عشان اتفاجئ بيها, غراب, غراب ميت ومتيبس بطريقة مشمئزة جدا, وعلى عنيه كانت فيه نظرة الثبات المُخيفة..


استعذت بالله من الشيطان الرجيم ومسكته بكيس بلاستيك عشان أرميه, بس الغريب إني أول ما لمسته صحي, وبدأ يضربني بجناحه وينعق بغضب شديد, صرخت من المفاجأة وبكل قوتي رميته من على السطح وانا عمالة أستعيذ بالله..


كل الطيور ممكن تتقبل منها أي حاجة حتى النسر الجارح, إنما الغراب متفهمش إحنا ليه بنكره شكله, وبنكره صوته, وكأنه شيطان متنكر, بصيت على إيدي لقيت اثار دم زي اللي كانت على رقبة بنتي, نزلت غسلت إيدي وطمنت بنتي بابتسامة إن اللي كان مخوفها أنا مشيته خلاص..

وعدى اليوم وانا حاسة بقبضة غريبة ماسكة في صدري, فضلت أذكر الله كتير لحد ما رجع جوزي من الشغل واتغدينا ودخلنا عشان ننام, بس قبل نومنا جت مرات أخو جوزي اللي ساكنة تحتينا تقعد معايا شوية كالعادة وفضلنا نتكلم لحد الساعة 12 تقريبا لحد ما رجعنا ننام..


وعلى الساعة 10 الصبح تقريبا صحيت مستغربة جدا, بنتي مكانتش لسة صحيت, ودي حاجة غريبة لأنها مع شروق الشمس بتملى الدنيا صياح عشان تستمتع بالأجازة بتاعتها والحِجة بتاعتها انها نجحت بتقدير كويس جدا كمان, دخلت أصحيها وفوجئت بالبنت مريضة جدا جدا, تحت شفايفها شاحب وعنيها باهتة أوي, ولمحت خط أزرق أوي في رقبتها, حضنتها من خوفي عليها وهي كانت عمالة تهلوس وتقول انها تعبانة أوي..


كلمت جوزي وروحنا كشفنا عليها والدكتور كتبلها على شوية مسكنات وقال انها هتكون كويسة, حمدت ربنا ان الموضوع طلع بسيط ورجعنا على شقتنا, جوزي رجع على شغله وقال انه هيتأخر عشان يعوض غياب الساعتين دول وانا رجعت بالبنت, هي دخلت تستريح شوية وانا وقفت في المطبخ أعمل الأكل..


بس وسط انشغالي بعمل الأكل سمعت صوت حركة في المنور, تجاهلتها لعله يكون فار مثلا, بس الحركة فضلت مستمرة بطريقة مستفزة, فتحت شباك المنور العالي وشبيت بكل طاقتي وطلعت راسي منه, وفجأة


نعيق, نعيق وغراب ضخم ضرب وشي بجناحه, لدرجة إني اتراجعت من الخضة وخبطت حلة المية المغلية ولولا ستر ربنا كانت وقعت عليا سلختني, خدت نفسي بالعافية وفضلت أتشاهد لحد ما هديت شوية, وفضلت قعدة في الصالة حاسة بخوف شديد ومستنية جوزي يرجع من تاني..


وعلى بالليل جالي اتصال منه بيقولي انه هيسهر لحد 3 بالليل ويمكن أكتر, كنت محتاجة وجوده أوي خاصةً إني بدأت أحس بخوف غريب اليومين دول, اطمنت على بنتي اللي كانت لسة نايمة ودخلت عشان أنام..


ومسافة ما نمت بدأت أحس إني مكتفة بطريقة صعبة, شلل نوم بس واصل لمرحلة إني مكنتش عارفة أتنفس, شهقت مرة واتنين عشان أتحرر من الجاثوم ده, بس الغريب إن فيه مشهد بدأ يظهر قدام عنيا, شوفت بنتي الصغيرة نايمة فوق مقبرة مهجورة عريانة, وفيه قطيع من الغربان عمال يهجم عليها وينهش في لحمها وهي بتتألم بدون حركة..


صرخت بفزع رهيب وحاولت أروح أنقذها, بس الصدمة إني كنت جوة قبر مقفول عليا وشايفة المشهد ده من فتحة بسيطة في القبر, بدأت أصرخ وانا شايفة لحم بنتي بيتقطع في مناقير الغربان بس مقدرتش أنقذها لحد ما فيه منقار اخترق رجلي فجأة وحسيت بألم بشع..


صرخت وصحيت من نومي وانا حاسة بألم النقرة في رجلي وقلبي بيدق بهيستريا, قمت وانا بذكر الله وروحت أطمئن على بنتي, فتحت الباب بهدوء شديد بس كانت فيه حاجة غريبة أوي, كنت شايفة جسم اسود صغير واقف على جسمها وعمال يتحرك في ثبات مخيف..


ولعت النور من خوفي وشوفته, غراب صغير عمال يخربش في جسمها بمنقاره, وقبل ما أتحرك اللنضة ضربت بصوت عالي واتحرقت, وبقيت في قلب الضلمة شايفة عيون حمرة زي الدم, عيون غراب الله أعلم ده طير ولا شيطان..


مشيت بشويش ناحية الشباك وانا مرعوبة عشان أفتحه ويخرج منه, وهو بدأ يراقب حركاتي وينعق بصوت بشع, صوت عالي بيتردد صداه في الاوضة كلها, لحد ما قدرت أفتح الشباك, في اللحظة دي هجم عليا وهو بينعق بصوت أعلى وأعلى, صرخت من الخضة وضربته بالمقشة لحد ما خرج من الشباك..


أعصابي كانت منهارة تماما, قعدت على الأرض وفضلت أبكي, كنت مرعوبة, حاسة إن فيه شر كبير بيحاول يصطادني انا وبنتي, ورجع جوزي وفضلت إني محكيش على أي حاجة, وعلى الصبح روحت أطمن على بنتي ملقتهاش في سريرها, اترعبت عليها وجريت أدور عليها زي المجنونة..


وعلى السطح كانت واقفة زي الصنم, وفي ايديها جثة غراب جديدة, جثة بشعة ومُخيفة جدا, شديت منها الجثة ورمتها وحضنتها بقوة, بس البنت كانت مريضة أوي, مريضة بطريقة غريبة, وشها كان شاحب زي الأموات, خدناها وجرينا على المستشفى من تاني..


بس المرة دي الدكتور قال إن الموضوع خطير, البنت عندها أنيميا واحتمال يكون مرض في الدم, ودخلنا في دوامة كبيرة من التحليلات والإشاعات في المستشفيات الخاصة, الموضوع كان مُكلف فوق الوصف, لدرجة إننا خلصنا كل الفلوس وروحنا بعنا موبايل في البيت عشان نكفي..


واشترينا العلاج ومشينا عليه يومين, وطول اليومين كنت بسمع صوت الغربان حولين الشبابيك بتاعت الشقة للأسف, وكمان العلاج كان بيجيب نتيجة سلبية, البنت كانت بتفضل تتألم بصوت واهن أوي وتطلب مني إني الحقها لأنها هتموت, كان قلبي بيتقطع عليها ومش عارفة أنا ممكن أعمل ايه عشانها..


وفضلت البنت حالتها تسوء أكتر واكتر, اسبوع كامل عبارة عن مستشفيات وغربان في الحِلم والحقيقة, اسبوع كنت ببكي فيه ليل نهار وبدعي ربنا يرفع عننا الكرب ده, لحد ما فعلا الفلوس كلها خلصت, ومبقاش فيه غير مبلغ بسيط جدا, طلبت من جوزي يستلف من أخوه لقيته متوتر وساكت, سألته عن سبب سكوته لقيته بيقول ان بنت أخوه كمان مريضة أوي وهو حاله على آده زينا..


وقبل ما نكمل كلامنا سمعنا جرس الباب, فتح جوزي الباب وكان أخوه اللي بيخبط, بعد دقايق دخل جوزي وعنيه حيرانة أوي, سألته وقالي ان أخوه طالب ولو 100 جنيه سلف لأن البنت مريضة وعايز يجبلها الحُقنة, قلبي وجعني عليها أوي وقتها زي ما كنت موجوعة على بنتي..


فتشت في شنطتي ملقتش غير 200 جنيه آخر ما تبقى من مصروف البيت, خدت منه اسم الدواء لأني كنت شغالة في صيدلية وعارفة هجيبه منين, ونزلت بسرعة جبت الدواء اللي كان ب100 جنيه, وقتها بس مكانتش في ايدي غير آخر 100 جنيه, وبنتي وبنت أخو جوزي مرضى مرض شديد..


ملقتش حاجة أقدمها لله غير إني اشتريت بال100 جنيه فرخة عشان البنت تاكلها وقولت في سري ودموعي بتنازع عشان تنزل


"يارب انت فديت الناس زمان بدعوة نملة, افدينا ببركة الصدقة دي"


وروحت على شقة سلفتي, اديت البنت الحقنة ودخلنا نعمل الفراخ عشان بنتها تاكل لأن البنت كانت مريضة جدا جدا, ومسبتهاش غير لما صحيت وكلت واديتها باقي العلاج كمان, يومها شوفت في عيون أمها نظرة امتنان عجيبة, وطلعت على شقتي وانا عمالة بدعي ربنا يفدينا ببركة ال200 جنيه دول..


وعلى بالليل شوفت حلم غريب أوي, شوفت غراب أبيض بيتصارع مع غراب اسود, وفضلوا يتصارعوا لحد ما الغراب الأبيض انتصر في النهاية, صحيت من نومي وبقول يارب خير على خبط على الباب, فتحت الباب لقيت مرات أخو جوزي وبنتها على الباب, كانوا بيبشروني ان البنت بقت كويسة, حضنت البنت اللي شوفتها بتضحك ضحكة رقيقة أوي, ضحكة بتقول ان كل حاجة بقت تمام..


سبتهم ودخلت على بنتي ملقتهاش, حسيت بخوف شديد وجريت على السطح لقتها واقفة وعمالة تشاور للسما, كانت بتشاور لغراب أبيض, شديت البنت من الخوف وبدأت أبص يمين وشمال لقتها بقت سليمة, وكانت بتضحك, نفس ضحكة بنت عمها بالظبط, نزلت سجدت على الأرض ولقيت جوزي بيتصل وبيقولي ان مديره اداله مكافأة لما حكاله ظروفه وان شاء الله هنروح نكشف, وقتها كنت بضحك بهيستريا وقولتله بصوت عالي


"البنت بقت كويسة خلاص, تعالى بقا وهاتلها معاك حاجة حلوة"


ونزلت اتوضيت وسجدت لله سجدة شكر, طول عمري بسمع عن معجزات الصدقة, أول مرة أشوفها في حياتي, وعلى بالليل جت مرات أخو جوزي وطلبت اننا نقعد مع بعض, كانت واقفة قدامي بتترعش, دخلنا الاوضة وانا مش فاهمة فيه ايه وعمالة أدعي ربنا يكون خير..


وبكلام مش مترتب ورعشة كبيرة في الصوت وبكاء مفاجئ قالت:


"لما شوفتك بتعملي كدا مع بنتي استحقرت نفسي أوي, كنت بتمنى أموت ولا إني أعمل فيكي كدا"


بصتلها بتعجب وقولت

"عملتي ايه"


"انا قابلت واحدة عرافة من اسبوع, وحكتلها ان بنتي فاشلة في الدراسة وشالت مادة السنادي عكس بنت عمها اللي نجحت, فطلبت مني حاجة من أطر بنتي وأطر بنتك, وفعلا ودتلها, والله ما كنت أعرف انها هتسحرهم, كنت فاكرة انها هتخليهم الاتنين شطار, بس شكلها عملت سحر والمرض نزل على البنتين"


كنت ببصلها بصدمة كبيرة, لقتها نزلت تبوس على رجلي وتترجاني أسامحها وهي بتقسم انها مكانتش عايزة تأذي بنتي, وانها لما شافت رحمة قلبي ببنتها لعنت نفسها الف مرة ومن امبارح بتبكي وتستغفر, ورغم صدمتي الكبيرة محبتش أكبر الموضوع, اللي اتعلمته كان أكبر منها ومن عملتها..


اللي اتعلمته إن الصدقة عاملة زي المعجزة, وبالأخص صدقة المضطر, صدقة الضيق, الصدقة اللي بتطلع بآخر جنيه معايا, الصدقة اللي بتطلع بعد ما بتخلص كل أسباب الأرض, وقتها ربك بينزل ببركة الصدقة المعجزات, سحر والعياذ بالله غريب اتفك ببركة صدقة 200 جنيه بس, وانا اللي دفعت الاف وبنتي مخفتش غير بالصدقة, انا سامحتها في النهاية لأنها نوعا ما ست بسيطة مش من اللي بيلفوا ويدوروا, وعارفة انها استحالة تعمل كدا مرة تانية, يومها بالليل وعلى إذاعة القرآن الكريم سمعت اللي خلاني أبكي.. سمعت صوت الشيخ بيقول حديث عن الرسول صل الله عليه وسلم..


حديث بيقول:


"داووا مرضاكم بالصدقة"

بقلم: أحمد محمود شرقاوي



تعليقات