قصة ذهب فضة للكاتب محمد شعبان
اول ما جيت اخبط على الباب، لقيته اتفتح! زقيته بالراحة ودخلت، كنت حاسس إني داخل مدبح مش بيت!.. ريحة الدم كانت نفاذة اوي للدرجة اللي خلتني دخلت بسرعة عشان اعرف سببها، وبمجرد ما دخلت، شوفت كارثة!.. مدبحة، اقل وصف يتقال عليها إنها مدبحة؛ جثث لستات ولرجالة وحواليهم الدم مغرق المكان.. فضلت مبرق للمنظر وانا في إيدي الشنطة، لحد ما في لحظة فوقت من الصدمة وكنت هطلع جري عشان ابلغ عن اللي شوفته، بس قبل ما اخرج، وبعد ما اديت ضهري للجثث، وقفت فجأة في مكاني لما سمعت صوت واحدة ست بتقولي..
-ال.. ال.. الحححقني، الحقني.
ف لفيت عشان اشوف مين مصدر الصوت، وبمجرد ما بصيت شوفتك انتي....
اول ما فتحت عيني لقيت نفسي على سرير في المستشفى، كنت حاسة بألم قوي في بطني.. ألم من شدته ماقدرتش اتكلم ولا حتى اتوجع، انا سكتت.. سكتت وفضلت ساكتة وانا ببص حواليا، الدموع نزلت غصب عني اول ما عقلي افتكر كل اللي مريت بيه وعيشته من يومها، والبداية كانت من تالت يوم بعد العزا... في اليوم ده كنت قاعدة انا.. (سماح).. البنت الكبيرة للحاجة فضة، وجوزي عبد المنعم، ومعانا كانت اختي الأصغر مني (هدى).. وجوزها استاذ معتصم، واختنا الصغيرة خالص (رانيا).. وجوزها (عمرو)...
كلنا كنا قاعدين في صالة بيت امي الله يرحمها، السواد كان لون لبسنا كلنا وسط السكوت، وبرغم صمتنا وحزننا، إلا إننا كنا مركزين مع الصوت الوحيد اللي كان طالع من سماعات صَب قصادنا، والصوت ده كان صوت قرأن.. وبمجرد ما السورة اللي بتتقري ما انتهت، قام عمرو من مكانه وشال الفلاشة من السماعات وهو بيقول بصوت مسموع...
-صدق الله العظيم.
بصيتله باستغراب وفي نفس الوقت بقرف، وقبل ما اتكلم او اقوله ايه اللي انت عملته ده، اتكلم جوزي وسأله وهو بيبصله اوي...
-ايه اللي انت عملته ده، طفيت القرأن ليه، ما السورة اللي بعدها هتشتغل لوحدها!
رجع عمرو قعد مكانه وبص لنا كلنا وهو بيرد على جوزي..
-ما انا صَدقت قبل ما اشيل الفلاشة، وبعدين احنا لازم نتكلم في المهم لأن انا ورانيا عاوزين نرجع القاهرة في اقرب وقت.. انا بقالي ٣ تيام قافل الدكانة وقاعد جنبكوا هنا، ف أيه بقى!
بص له معتصم وقال له بتريقة..
-وايه يعني.. هي دكانة الأملة ياخي.. ده انت حيالله حلاق!
اتعصب عمرو وكان هيزعق لمعتصم لولا إن انا اتدخلت..
-حقه.. حقه يا استاذ معتصم، أكل عيشه ولازم يرجع يفتح بابه، وبما إنكوا بقى سألتوا عن المهم، فانا هجاوبكوا.. امنا فضة الله يرحمها، سابت لنا البيت ده ومعاه ورثنا من ابونا اللي مات من سنين، والورث كله واي فلوس كانت معاها او اراضي حتى.. كل حاجة باعتها وبفلوسها اشترت دهب، وأظن دي حاجة كلكوا عارفينها، وأظن كمان إنكوا عارفين هي كانت بتحب الدهب قد ايه، اما الدهب ده بقى واللي هو كل الورث او معظمه يعني، ف المفروض إنه متشال في..
قاطعتني هدى قبل ما اكمل...
-في السحارة بتاعت الكنبة اللي في أوضتها، عارفين دي كمان يا سماح.
هزيتلها راسي..
-صح.. هي تملي كانت بتشيل دهبها في السحارة.
بعد ما قولت كده، اتدخلت رانيا في الكلام..
-حلو اوي.. وبكده يبقى أن الأوان إننا نفتح السحارة، بينا عالأوضة.
قومنا كلنا وروحنا ناحية الأوضة، وبعد ما دخلناها، قربنا من الكنبة وشيلنا فرشها وفتحنا السحارة، وهنا بقى كانت الصدمة!
-يا نهار مش فايت!.. الدهب راح فين يا سماح؟!
لما هدى قالت كده، جِريت رانيا ناحية الدولاب وفتحته وهي بتحاول تطمننا وتطمن نفسها..
-لا لا.. ماراحش، الدهب ماراحش.. انتوا.. انتوا هتلاقوه في الدولاب ولا.. ولا امنا شايلاه في اي حتة هنا ولا هنا، دوروا بس معايا في الأوضة، دوروا.
سمعنا كلام رانيا وابتدينا ندور في الأوضة، ومش بس في الأوضة، ده احنا دورنا في البيت كله، وبرضه الدهب مالهوش أي أثر!
وبعد التدوير في كل حتة في البيت، وقفنا احنا الستة وبصينا لبعض بنظرات شك.. او ماقدرش اقول إنه شك بالمعنى الواضح، ممكن اقول عدم ثقة.. وفي وسط وقفتنا ونظراتنا دي، اتكلم عمرو وهو بيبصلي انا وجوزي بخبث..
-دلوقتي انا ورانيا عايشين في القاهرة، واخر مرة زورنا فيها الحاجة فضة كانت من فترة بعيدة، وقت ما رجعت من العمرة، وأظن ان استاذ معتصم اللي قارش ملحتي من وقت ما شافني هو ومراته، أظن يعني إن هو وهي ماجوش البلد هنا من مدة.. يعني اكتر اتنين من اللي موجودين، كانوا جنب الحاجة فضة قبل موتها، هو انت يا عبد المنعم انت ومراتك.. اه، ماهو انتوا الاتنين اللي ساكنين معاها في نفس البلد، ومراتك كانت كل فترة بتزورها، يعني الدهب ده أكيد اللي خدوه هم انتوا الاتنين...
قاطعه جوزي لما قرب منه وقاله بصوت عالي..
-جرى ايه ياض انت.. اسمي الحاج عبد المنعم، وبعدين انت بتسرَقنا في الدهب ولا ايه!
بلع معتصم ريقه وبص لعمرو وهو بيعدل نضارته...
-مش كده يا اسطا عمرو.. الكلام أخد وعطا، احنا لازم نفكر بالعقل عشان نعرف الدهب راح فين.
رفعت رانيا حاجبها اليمين وهي بتبصلي انا وهدى...
-عقل ايه يا اخويا.. هي بقى فيها عقل، ده ورثي.. والورث زيه زي رضعة الأم عدم اللامؤاخذة.. وبصراحة كده انا اه مخوناكوا، ومش قصدي سماح وجوزها بس.. انا اقصد سماح وجوزها وانت ومراتك.
اتعصبت هدى لما سمعت الكلام ده من رانيا وردت عليها بزعيق...
-مراته مين اللي مخوناها يا مرات الحلاق، مش جايز تكوني انتي اللي..
قطع كلامهم عبد المنعم جوزي لما اتكلم بصوت عالي...
-بس.. بس الله يرضى عليكوا، احنا نجيب مصحف والكل يحلف عليه بأنه مايعرفش مكان الدهب، ولو ماحدش مننا طلع يعرف مكانه بجد، يبقى لازم نبلغ.. الدهب كده ممكن يكون اتسرق.
بصوا كلهم في الأرض، وفي اللحظة دي، روحت بحركة سريعة ناحية المصحف وحطيته على الترابيزة وحطيت إيدي عليه وانا بقولهم بصوت عالي..
-وحياة كتاب الله ده، انا ما اعرف مكان دهب امي الحاجة فضة فين.
وبعدي قرب عبد منعم وحلف هو كمان، ومن بعده هدى وجوزها ووراهم رانيا وجوزها، وبعد ما حلفنا كلناعلى المصحف واتأكدنا إن مافيش ولا واحدة فينا، سواء هي او جوزها، يعرفوا مكان الدهب فين، خدنا بعضنا وروحنا على المركز وبلغنا، وطبعًا بعد البلاغ، جت الحكومة وفتشت البيت بتاع امي ومن بعده بيتي وبيوت الباقيين، وللأسف برضه.. الدهب ماكنش له أي أثر، واستمرت محاولاتنا في إننا نلاقي الدهب وتدويرنا عليه، لمدة أيام، وبعد ما يآسنا كلنا.. اتجمعنا تاني في صالة البيت وقعدنا قصاد بعض، كنا ساكتين زي اللي واكلين سد الحنك، ماحدش فينا كان له نفس يتكلم او ينطق، لحد ما في لحظة اتكلم جوزي..
-كده قَفلت.. دور دومنة وقفل، الدهب اختفى وماحدش مننا يعرف مكانه، يعني من الأخر كده اتسرق زي ما قولت، وحتى الحكومة مش لقياه.
رفع معتصم راسه وبص لجوزي بتركيز وبعد كده بص لي بابتسامة..
-ألا قوليلي يا سماح.. هو انتي لما دخلتي على الحاجة، ماكنش في أي أثار لسرقة او اقتحام للبيت مثلًا؟!
هزيتله راسي بالنفي، وفي اللحظة دي بص له جوزي بقرف وهو بيرد عليه..
-وهو انت بقى يا عم المُفتش كورمبو بعقلك كده، لو واحد دخل يسرق الدهب، هيسيب وراه أثر؟.. وبعدين ما اسمهاش سماح حاف كده، اسمها الحاجة سماح يا.. يا عم المستر، مش العيال اللي بتديهم دروس خصوصية في بلدكوا، بيقوا لك يا مستر برضك؟
بلع معتصم ريقه واتحرج كده وهو بيعدل نضارته وبيبص لمراته، بعد كده قام عمرو من مكانه وقرب من عبد المنعم جوزي وقال له بغل، وكأنه واثق اوي من إن احنا اللي سارقين الدهب...
-فُل.. معاك حق في اللي قولته يا حاج عبد المنعم، بس ماتأخذنيش يعني، هو مين كان معاه مفتاح بيت الحاجة فضة غير الحاجة سماح!.. ماهو اللي معاه المفتاح، يقدر يفتح ويدخل وياخد الدهب ويخرج، من غير ما يسيب وراه أي أثر ولا حتى يخلي حد يشك فيه.
برقت له وقومت وقفت وانا خلاص هنفجر من الغضب ومن طريقته المستفزة...
-انت بتقول ايه يا جدع انت، انت جاي من القاهرة عشان تهزقنا في بلدنا ولا ايه.. انت بتسرَقني انا في دهب؟!
مسح مناخيره بإيده زي الشمامين اللي بنشوفهم في الافلام وهو بيقرب مني بحذر..
-مش شرط.. مش شرط يكون اللي معاه المفتاح هو اللي سرق يا حاجة، جايز المفتاح اتقلب منه واتعمل عليه نسخة، واللي عمل النسخة دي سرق بيها البيت.. وأظن اقرب حد للبني أدم هو اللي عايش معاه، لأن هو الحد الوحيد اللي يقدر ياخد المفتاح ويروح يطلع عليه من غير ما حد ياخد باله ويرجعه تاني مكانه، وكمان يقدر يفتح وياخد اللي هو عاوزه بسهولة من غير ما...
قام جوزي وقف ومسك عمرو من هدومه بكل قوته وهو بيزعق فيه..
-وااالا... جرالك ايه ياعم المزين، انت فاكرني ياض عشان انا راجل بجلابية ومن الأرياف، وانت قاهراوي ومن منطقة شعبية، إنك هتصيع عليا بقى وانا هبقى محترم معاك!.. ده انا وديني ادغدغك وابعتك لمنطقتك حتت، اظبط ياض وحاسب على كلامك، انتوا كلكوا كده على بعض لو ُتقلكوا دهب، ولا تسوو في نظري تعريفة.
قام معتصم حاش عبد المنعم وبَعده عن عمرو، عمرو اللي عَدل هدومه وهو بيبص لجوزي بقرف..
-ولما احنا مانسواش.. لازقلنا ليه؟!
بص له معتصم بقرف..
-ماحدش لازق لحد.. واتعدل بقى عشان انا كمان قربت اجيب أخري منك، احنا كلنا بندور على حق مراتتنا اللي بالتباعية يبقى حقنا، وانا شايف بقى وبصراحة كده، إن حدوتة إننا نشك في بعض دي بايخة اوي، ما الراجل هو ومراته لو واخدين الدهب، ماكنش زمانهم قاعدين معانا دلوقتي، او على الأقل كان بان عليهم، وفي نفس الوقت برضه، انا حاسس إن الدهب ده ماتسرقش من اساسه، الدهب ده الحاجة فضة شالته في حتة قبل ما تتوفى.
ردت عليه هدى بسرعة اول ما قال كده..
-طب ما احنا دورنا في كل البيت يا معتصم، ومش بس احنا، ده البوليس كمان فتش تفتيش ميري وبرضه الدهب مالوش أثر!
سرحت لثواني لما فكرت في كلام معتصم، ايوه.. امي فعلًا كانت ست حريصة وبتخاف على حاجتها، يعني ممكن تكون خبت الدهب وماحدش سرقه ولا حاجة، بس هي لو خبته، ممكن تكون خبته فين؟.. او ايه المكان اللي احنا مادورناش فيه!
بصيت لجوزي وقولتله بصوت مسموع..
-هو معاه حق يا اخويا، انا لما فتحت ودخلت البيت ولقيتها ميتة على سريرها، ماكنش في أثر لأي حاجة تقول إنها اتسرقت، يعني الدهب ده ممكن اوي تكون امي فعلًا شالته في مكان واحنا مش عارفينه.
قامت رانيا وقفت ورا جوزها عمرو وقالتلي بلهفة..
-سهلة.. نشوف حد يقدر يعرف مكان الدهب، ده لو متشال يعني او لو مسروق حتى، بصوا.. احنا ممكن نجيب شيخ يفتح لنا المندل ويعرف لنا مكان الدهب، وممكن اوي نديله نسبة، ولا ايه؟!
بص لها جوزي وبعد كده بص لي وهو بيبتسم..
-هو.. نبيل.
-نبيل!.. نبيل مين يا اخويا؟!
-نبيل يا حاجة ابن عم جوز اختي، الشيخ نبيل اللي بيعالج الملبوسين بالقرأن.
اول ما فكرني بيه عنيا لمعت..
-ايوة صح.. هو ازاي كان تايه عن بالي، ده راجل متدين وواصل وكل اهل البلد بيحلفوا أن مافيش جن يقدر عليه.
بص جوزي لاخواتي ولجوازهم وقالهم بجدية..
-انا هجيب الشيخ نبيل واجي، وبأذن الله يقدر يساعدنا، حد يجي معايا عشان يتأكد بنفسه ان الحوار مش لعبة ولا الراجل نصاب؟!
بَعد عمرو وراح وقف جنب مراته، اما معتصم بقى، فقرب من جوزي وقال له..
-انا هاجي معاك.. مش عشان شاكك فيك لا سمح الله، انا كده كده عاوز اخرج عشان اشتري سجاير، واهو بالمرة اروح وارجع معاك.
واللي قاله معتصم حصل، خرج هو وجوزي وبعد حوالي تلت ساعة او ازيد بشوية، رجعوا هم الاتنين وهم باين على وشهم الضيق، قربت من جوزي وسألته باستغراب..
-في ايه، مالك.. مالكوا انتوا الاتنين متضايقين كده ليه؟!
رد معتصم بتلقائية..
-الراجل بيعالج بالقرأن، لما دخلناله قال إنه مالوش في شغل المندل والكلام الفارغ ده، ومن الأخر كده قالنا استعوضوا ربنا ولعله خير وكل الكلام اللي يندرج تحت معاني كلمة معلش ده.
بعد ما معتصم خلص كلامه على طول، قامت رانيا وقفت واتكلمت بسرعة..
-لا.. مافيش حاجة اسمها معلش ولا غيره، انا اعرف حد ساكن في الشارع اللي انا ساكنة فيه انا وعمرو.. راجل.. إنما ايه، روحاني على ابوه.. لا شيخ ولا له في المشيخة، هو راجل سنه كبير بس بيصرف الجن وبينقل الحيطة على الحيطة، صيته مسمع في المنطقة كلها وياما عالج ناس، ما انت عارفه يا عمرو.
بص لها عمرو جوزها وبرق..
-تقصدي الحاج مصطفى اللي بيحلق عندي؟!
-ايوة.. هو ده، ايه رأيك لما نجيبه ونحكيله ونخليه يساعدنا، ما انت عارف إنه واصل والناس كلها بتخاف منه في الشارع.
سرح عمرو شوية وبعد كده بص لنا وقام وقف تاني..
-هي صح.. انا هسافر القاهرة اجيب الحاج مصطفى واجيلكوا، بس قبل ما يجي، الراجل ده لا يعرف قرأن ولا بيعالج بالشرع، ده بتاع سحر واعمال، ابوه وامه الجنيه، يعني هيساعدنا عشان الفلوس، غير كده لا.
رد عليه معتصم من غير ما يفكر..
-وانا ماعنديش مانع، اظن يعني انه لو رجع الدهب، يبقى من حقه ياخد فيه نسبة، ولا انتي رأيك ايه يا هدى؟!
ردت عليه اختي هدى وهي بتشاور علينا..
-انا لو عليا، ماعنديش مانع، الدور والباقي عليهم، شوفوا رأيهم ايه.
واللي حصل بعد كده إننا وافقنا على الكلام اللي اتقال، وفي خلال ساعة كان سافر عمرو عشان يجيب الراجل اللي اسمه مصطفى ده، وفعلا.. تاني يوم على طول جابه، لكن من الساعة اللي دخل علينا فيها، واحنا حياتنا ابتدت تتقلب.. يتبع
قامت رانيا وطلعت الدور اللي فوق عشان تنادي جوزها، اما انا بقى، فدخلت انا وهدى المطبخ وابتدينا نحضر العشا، بس واحنا واقفين في المطبخ، فجأة سمعنا من الدور اللي فوق، صوت صريخ رانيا...
(يا عمرو.. يا عمرو.. الحقووني.. الحقوني.. جوزي مات!)
طلعنا كلنا جري على الأوضة، ومع وقوفنا على الباب اتصدمنا من اللي شوفناه.. عمرو كان نايم على السرير وجنبه طبق فيه بودرة، عينيه كانت مبرقة ووشه كان ازرق، وطبعًا مش محتاجة اوضح إنه مات بسبب تذكرة بودرة مستممة، ايوة.. ده كان كلام البوليس والطب الشرعي، عمرو اصلًا مدمن وعادته إنه بيشرب حشيش وبرشام وغيرها من المخدرات، بس الجديد بقى واللي ظهر عليه في الفترة الأخيرة واللي عرفناه من رانيا، إنه بدأ يشم بودرة.. والظاهر كده إنه لما نزل القاهرة عشان يجيب الراجل اللي اسمه مصطفى، اشترى تذكرة بودرة مغشوشة، والتذكرة دي كانت هي السبب في موته لما شمها.
عدا اليوم.. وتاني يوم استلمنا جثته من المشرحة ودفنناه في تربنا لأنه مالوش أهل، مقطوع من شجرة.. ابوه وامه ميتين ومالوش اخوات، حتى قرايبه كانوا بُعاد عنه بسبب الشرب اللي بيشربه، وبعد ما دفنناه ورجعنا البيت وقعدنا كلنا سوا، بص معتصم لعبد المنعم جوزي وقال له..
-بقولك ايه يا جدع انت.. انا مش هقعد ولا يوم زيادة في المخروب ده، وسواء بقى جه اللي اسمه مصطفى ده النهاردة او ماجاش، ف انا مش هقعد.. انا عاوز ورث مراتي عشان اخدها ونغور من هنا، الظاهر إن عمرو كان معاه لما شك فيك.. وانا بصراحة بقى مش هستنى لما اموت في البيت ده زي ماهو مات، اه.. ماهو الله اعلم هو مات ازاي، جايز يكون حد هو اللي حطله تذكرة بودرة مغشوشة بدل التذكرة اللي معاه عشان يخلص منه، حد له مشاكل معاه وتملي واقف له زي الديك الشركسي.
اتنرفز جوزي وقام وقف قصاد معتصم..
-ما تغوور.. غور يا عم وسيب مراتك قاعدة في بيت امها لحد ما نلاقي ورثها وتاخده، انت قارفنا ليه.. وبعدين انت بتتهمني بقتل عمرو!.. طب يا أخي انا لو هقتل حد، يبقى على الأقل اقتل بتاع الحريم اللي كان بيبص على مراتي من ورا الباب في عز الليل، مش هقتل حتة عيل برشمجي مايسواش تلاتة ابيض في سوق الرجالة، طب والله ده الظاهر إن مصطفى كان معاه حق في كل اللي قاله عنكوا.
اول ما جوزي قال لمعتصم كده، معتصم اتعصب ومسك فيه، وابتدت ما بينهم بقى خناقة كبيرة وصوتهم بقى عالي، لحد ما اتدخلت انا وهدى ورانيا وبعدناهم عن بعض، بس معتصم لما بِعد عن عبد المنعم ماسكتش، ده راح ناحية السكينة اللي كانت موجودة جنب طبق فاكهة على الترابيزة اللي قصادنا، وابتدا يهاجم جوزي بيها بعد ما زق مراته ورانيا، وقتها وقفت انا قصاده وفي حركة غبية منه قرب السكينة من بطني وخدت انا الضربة بدل جوزي!
وقعت على الأرض وانا بتوجع وبنزف.. اما رانيا، فكانت اتخبطت في الترابيزة لما وقعت وراسها وفقدت الوعي، وبالنسبة لهدى، فهدى قربت من جوزها وحاولت تاخد منه السكينة، لكنه مسكها بعصبية وفضل يضرب فيها بهيستريا وهو بيقولها..
(منك لله انتي واخواتك والدهب بتاعكوا.. انتي السبب.. انتي اللي خلتيني قاتل، انا كنت عاوز اقتله هو.. هو اللي اتهمني بمصيبة ماعملتهاش لما قال إني بصيت على مراته).. وبعد ضربه ليها، وقعت هدى وغابت عن الدنيا هي كمان، بس في الوقت ده قام جوزي من جنبي وخد السكينة منه وضربه بيها في بطنه، وبعد ما معتصم اتضرب بالسكينة، مسك رقبة عبد المنعم وفضل يخنقه بكل قوته وهو بيقاومه، لحد ما الاتنين وقعوا من طولهم.. واحد اتخنق وتقريبًا مات، والتاني وقع بسبب السكينة اللي انضرب بيها في بطنه وتقريبًا مات هو كمان، اما انا بقى.. فانا فقدت الوعي بعد ما نزفت كتير اوي، وحقيقي مش فاكرة من اللي حصل بعد كده الا صور.. صور لشخص دخل البيت وكان في إيده شنطة سودة.. شاورتله وقولتله يلحقني، فسابني وطلع يجري، ولما فوقت تمامًا، لقيت نفسي في المستشفى والحمد لله الدكاترة لحقوني، اما معتصم، فعرفت إنه موجود في المستشفى هو ورانيا وهدى، بس حالته خطرة على عكس حالتي انا واخواتي، اما جوزي بقى.. فده بسبب إنه كان عنده مشكله في التنفس، وبسبب سنه الكبير وتدخينه بشراهة، فماستحملش لما معتصم خنقه بكل قوته وقطع النفس!
عدت فترة بعد ما فوقت وابتديت استوعب الدنيا من حواليا، واللي عرفته بعد كده كان هو العجب بعينه.
انا بعد ما فوقت جه ظابط واستجوبني، وبصراحة انا ماخبتش عنه حاجة، حكيتله كل اللي حصل بالظبط من اول ما اتجمعنا لحد الخناقة واللي حصل فيها، وبعد ما خلصت كلامي، بص لي الظابط وقال لي...
-شوفي يا ست سماح.. الراجل اللي دخل عليكوا البيت ده وبلغ البوليس، هو مش حرامي ولا الراجل اللي اسمه مصطفى جار اختك رانيا، ده دكتور من اسكندرية اسمه دكتور خالد، بيقول إنه قريبكوا وإنه كان جاي عشان يديكوا الدهب اللي والدتك الحاجة فضة الله يرحمها، كانت سايباه أمانة مع والدته.
لما الظابط قالي كده، كنت مذهولة ومش فاهمة، وفضلت في حالة الذهول دي لحد ما خرجت من المستشفى وروحت البيت انا ورانيا وهدى، وبعد ما روحنا وجالنا اللي اسمه خالد ده، واللي بالمناسبة يعني تبقى امه مرات ابن عم امي، وهي عايشة في اسكندرية من بعد موت جوزها.. قعد خالد قصادنا وفتح شنطة سودة كانت معاها، وبعد ما فتحها وشوفنا جواها الدهب قال لنا...
-ده الورث بتاعكوا.. امكم الحاجة فضة لما راحت العمرة اخر مرة، كانت امي معاها، وفي رحلتهم سوا.. الحاجة قالت لأمي إنها عايشة لوحدها وخايفة لا حد يدخل يسرق الدهب منها وهي نايمة، او يعمل فيها حاجة، وعشان كده قالت لامي إنها تخلي الدهب معاها كأمانة، ولأنها بتثق في امي وفيا وبتحبني زي ما بتحبكوا تمام.. فهي ادتني الدهب لما جيت وصلتها بعد العُمرة وانا روحت اسكندرية اديته لامي، وبعد كده جت لي سفرية تبع شغلي وفضلت برة مصر لفترة، وبعد ما رجعت على تعب امي فجأة، قالتلي إنها عرفت بموت الحاجة فضة، بس ماقدرتش تيجي تعزي لأنها تعبانة اوي، وطبعًا بعتتني بالدهب ليكوا.. بس اول ما جيت البيت وجيت اخبط على الباب، لقيته اتفتح!
زقيته بالراحة ودخلت، كنت حاسس إني داخل مدبح مش بيت!.. ريحة الدم كانت نفاذة اوي للدرجة اللي خلتني دخلت بسرعة عشان اعرف سببها، وبمجرد ما دخلت، شوفت كارثة!.. مدبحة زغللت عيني، اقل وصف يتقال عليها إنها مدبحة؛ جثث لستات ولرجالة وحواليهم الدم مغرق المكان.. فضلت مبرق للمنظر وانا في إيدي الشنطة، لحد ما في لحظة فوقت من الصدمة وكنت هطلع جري عشان ابلغ عن اللي شوفته، بس قبل ما اخرج، وبعد ما اديت ضهري للجثث، وقفت فجأة في مكاني لما سمعت صوت واحدة ست بتقولي.. (ال.. ال.. الحححقني، الحقني).. لفيت عشان اشوف مين مصدر الصوت، وبمجرد ما بصيت شوفتك انتي يا ست سماح، كنتي بتنازعي الموت وانا مش عارف مين اللي عمل فيكوا كده، وقتها جريت على برة وندهت لأهل البلد وبلغت البوليس، والحمد لله إنهم جم في الوقت المناسب ولحقوا منكوا اللي قدروا يلحقوه.
بصيت لخالد والدموع في عينيا وانا بقول جوة راسي.. (وقت مناسب ايه ولحقوا مين.. احنا ضيعنا واترملنا)
بص لنا خالد وسكت بعد ما خلص كلامه، وبعد سكوته لثواني، سألنا لو عاوزين حاجة وبعد كده عزانا وسابنا ومشي، مشي وسابنا في البيت انا واختي هدى واختي رانيا، كنا كلنا بنبص لبعض وبنبص للدهب والدموع في عنينا.. مش دموع الفرح بأننا لقينا ورثنا اللي كنا بندور عليه، لا.. دي دموع الحسرة والموت.. دموع خلتني قومت وقفت وقولت لهدى..
-انا هدخل انام في أوضة امك شوية ومش عاوزة حد يصحيني، ولما اقوم نبقى نشوف هنقسم الزفت ده ازاي.
دخلت أوضة امي وحطيت راسي على مخدتها وانا ببكي، وفضلت ابكي بحرقة لحد ما غفلت، بس تغفيلتي مادامتش كتير لأني صحيت من النوم على صوت هدى اللي كانت بتصحيني...
-يا سماح.. يا سماح.. قومي شوفي المصيبة اللي حطت على دماغنا.
قومت وانا متوقعة اي بلوة، اه.. ما خلاص بقى، مهما كان اللي حصل، فبالتأكيد مش هيبقى أبشع من اللي عيشناه، لكن اللي حصل فعلًا كان بلوة... هدى لما دخلت المطبخ عشان تعملنا لقمة نتقوت بيها بعد ما رجعنا من المستشفى، وسابت رانيا قاعدة جنب الدهب، خرجت مالقتهاش ولا لقت الدهب!
رانيا سرقت الدهب ومشيت من البيت، بس ياريتها لحقت تتهنى بيه، ده في نفس اليوم بالليل، عرفنا إنهم لقوها مقتولة في الطريق المقطوع اللي على أول البلد، ولما الحكومة حققت في الموضوع وفتشوا تليفون رانيا اللي كان معاها، عرفوا عن طريق تسجيلات كانت عليه إنها كانت على علاقة باللي اسمه مصطفى ده وإنها حكياله كل حاجة من الأول، وملخص المكالمات اللي البوليس سمعمهم لنا كان كالأتي..
(ايوة.. انا قولتلهم زي ما اتفقنا إن عمرو هيروح يجيبك، ولما انت تيجي بقى تبقى توقعهم في بعض لحد ما نعرف إذا كان الدهب معاهم ولا لا.. هتوحشني يا حبيبي)
وده كان ملخص اللي دار في المكالمة الاولى، اما المكالمة التانية بقى فكانت قايلة له فيها..
(ايوة مات.. مات يا مصطفى، انا اللي حطيتله السم في الشاي وغسلت الكوباية، وبعد كده فتحت تذكرة البودرة وحطيتها جنبه عشان يبان إنه مات اوفر دوس او متسمم بالبودرة المغشوشة اللي بيشمها وسيبته ونزلت، النجس ابن الأنجاس قام بالليل يبص على سماح اللي عينه عليها من وقت ما جينا.. مش كفاية، مش كفاية إنه على قده وعامل زي اختي وانا مستحملاه وماطلقتش منه، لا.. ده كمان بيبص على اختي، اه.. ماهو اخره فُرجة، بس بقولك ايه.. انت تيجي وتحاول تخلص موضوع الدهب ده وتعمل اي حاجة وتخلي اللي واخده منهم او مخبيه يعترف، وانا لما اخد نصيبي في الدهب بعد ما نلاقيه، ونصيبي في البيت لما نبيعه، هتجوزك وهعيش معاك)
وبعد كده كانت اخر مكالمة ما بينهم، ملخصها إنها هتسرق الدهب وهتقابله عند اخر البلد، والظاهر كده إنه كان بيلعب بيها واول ما اتقابلوا قتلها وخد الدهب وهرب.. وطبعًا الحكومة لما سمعت المكالمات دي راحتله البيت، والمصيبة بقى إنهم لقوهفي بيته، بس لقوه مقتول.. واللي عرفناه عن طريق الحكومة إن اللي اسمه مصطفى ده لا ساحر ولا دجال ولا نيلة، ده راجل نصاب وبتاع ستات وعلاقاته بيهم كتير، ومن ضمن الستات دول كانت اختي رانيا اللي استغل إن جوزها كان ضايع بسبب اللي بيشربه، وكان على علاقة بيها، وكمان من ضمن الستات دول، واحدة كانت عنده في البيت، وأكيد لما لقت الدهب معاه ولأنها أصغر منه زي اختي.
خدته منه وقتلته زي ما قتل رانيا.. والحقيقة إن الست اللي عملت كده ماقدروش يوصلوا لها ولا قدروا يوصلوا للدهب لأنها اختفت وماحدش فاكر ملامحها.. واتقفل موضوع الدهب على كده، بس تعرفوا، انا مش مستغربة من إن الدهب ده راح.. الدهب ده كان ورثنا من ابونا الراجل البخيل اللي كان بيسلف الناس فلوس وكان بيرجعها منهم أضعاف.
الله يرحمه ويسامحه هو وامي بقى.. هم الاتنين الربا كان لعبتهم وقدروا عن طريقه وطريق بخلهم وحرماننا من اي حاجة نحتاجها، إنهم يجمعوا فلوسهم اللي حولتهم امي لدهب وبعد كده راح.. اما بقى عن الوضع الحالي، فانا دلوقتي عايشة في البيت انا واختي هدى وعيالها وحماتي وعيالي، وبالنسبة لمعتصم، فمافضلش في المستشفى فترة كبيرة لأنه مات بعد كده، واهو.. ادي الحياة ماشية واديني بشتغل وبراعي ارض جوزي وبربي عيالي وعيال هدى.. بشتغل بربيهم على حبهم لبعض، وكمان على إنهم يحطوا الدهب والفلوس تحت رجليهم والحب فوق راسهم، وده عشان لما السنين تجري ويكبروا، مايعيشوش نفس اللعنة اللي احنا عيشناها، لعنة دهب فضة، لعنة ميراث الدهب والدم.