الحكاية الثالثة من حكايات دار المسنين حكاية الست سميرة
بعد حكاية عم رأفت ومعتز بشهور، كنت لسه داخله المكتب وقعدت وطلبت من طنط فتحية كوباية شاي تقيلة لأني كنت مصدعه جداً.. كتر خيرها جابتلي الشاي وشكرتها، لسه بشرب اول بوء منه.. سمعت من بعيد صوت هيصة وزعيق، بصيت من الشباك بتاع المكتب لقيت لمّة عند بوابة الدار.. ووسط اللمة شايفة دكتورة علياء زميلتي ومكتبها جنب مكتبي، خرجت وروحت وانا بقرب لقيتها هي اللي بتزعق وبتصرخ فـ وش ست في الخمسينات لابسة اسود في اسود وعلى وشها كدمات.. باصة على علياء بثبات، مسكت علياء من ايديها لقيتها بتقول وهي بتعيط:
_ منك لله .. حسبي الله ونعم الوكيل فيكي .. ولسه ربنا هيعمل فيكي اكتر بسبب اللي عملتيه .. حسبي الله ونعم الوكيل.
سحبتها من ايديها وكان غرضي اني افض اللمة دي بسرعة قبل ما المدير يشوفها، لكن ملحقتش لاننا سمعنا صوته وهو بيقول بنرفزة :
_ ايه الصوت العالي ده .. احنا ف الشارع هنا!!.
بسرعة الكل رجع على شغله ووقفت انا وعلياء والست العجوزة، قرب علينا بغضب وقال:
_ دقيقة وتبقي على مكتبي يا دكتورة علياء .
قالها بنبرة فيها وعيد، علياء مشيت ..لسه هروح وراها لقيت (مختار) عامل بيشتغل معانا في الدار، قولتله يرجع الست لغرفتها، قالي:
_ انا معرفهاش .. شكلها لسه جاية.
قولتله يخليها قاعدة في الاستراحة لحد ما اشوف تصاريحها عند المدير، ومشيت بسرعة ودخلت مكتب المدير بعد ما استأذنت.. لقيت علياء بتقول وكأنها بتكمل اللي كانت بتحكيه للمدير :
_ من ساعتها امي بقت تصحى كل يوم تصرّخ وتمسك دماغها من الوجع .. لدرجة انها كانت بتخبط دماغها في الحيطة علشان الالم يهدى بس مافيش فايدة.. كل يوم من الساعة ١٢ بيبدأ الوجع ومش بتهدى غير بعد اذان الفجر.. يومياً يا استاذ مصطفى على الحال ده .. والسبب هي الست اللي برة دي .. لما شوفتها محستش بنفسي الا وانا بنفجر في وشها .. ولو محدش كان مسكني كنت موتها بإيدي.
بان على ملامحه الحيرة بعد ما كان متنرفز، قلع نضارته وهو بيقول لعلياء :
_ حطي نفسك مكاني واحكمي بما يرضي الله .. هينفع اطردها من الدار ؟.. انا مقدر طبعاً وجهة نظرك بس ايه بإيدي اعمله قوليلي.
سكتت شوية ورجعت قالت :
= انا مش ضامنه ممكن تعمل في الناس اللي هنا ايه.. دي شيطانة عايشة ما بين البشر.. انا بعالج ف امي لحد دلوقتي ومافيش دكتور عارف عندها ايه.. مصيبة لو نفذت اللي عملته في امي هنا .
بدأ القلق يبان على وش المدير، كنت واقفة وبحاول افهم اللي بيتكلموا عليه بس من غير ما اقاطع كلامهم، استاذ مصطفى قام من على الكرسي وفضل يتمشى يمين وشمال وهو بيحك دقنه، وبعد طول تفكير قال :
_ هي بتقول ان ملهاش حد .. ممكن نديها فرصة اسبوع بس.. لو عملت حاجة زي اللي بتقولي عليها يا علياء .. ساعتها نخرجها برة واهو نكون عملنا اللي علينا قدام ربنا .
في اللحظة دي قولت لعلياء :
_ انا اسفة اني هدّخل .. بس ممكن تقوليلي يا علياء ايه اللي حصل بالظبط واهو نفكر بصوت عالي مع بعض.
ردت عليا علياء وقالت :
_ في يوم واحدة صاحبة ماما قالتلها تعالي معايا مشوار .. امي راحت معاها ومكنتش تعرف صاحبتها رايحة فين.. المهم امي لقت صاحبتها بتدخل بعربيتها لمنطقة مهجورة .. وفي نهاية المنطقة دي بيت كبير عبارة عن حوش ودورين فوق منه.. امي سألتها ايه اللي جايبنا هنا .. صاحبتها قالتلها احنا رايحين للبركة كلها .. وساعتها اعترفت لأمي ان حماة ابنها قرفاه في عيشته ومش سايباه في حاله علشان كدا عايزة تعملها عمل .. امي رفضت تنزل معاها بعد اللي سمعته وقررت تروّح وتسيبها .. وبالفعل نزلت ومشيت بعد ما امي زعقت فيها وانتهى بينهم الحوار ان امي قالتلها متتكلميش معايا تاني .
اليوم ده امي رجعت البيت متعصبة ولما هديت حكيتلي على كل حاجة.. مكنتش شايفه ان في مشكلة بس بعد كام يوم اكتشفت الكارثة.. لما سألتني امي على الطرحة وقولتلها ان اخر مرة شوفتها كانت في شنطتها.. فكرت شوية ولقيتها بتقولي يا خبر اسود ومهبب.. يارب ميحصلش اللي في بالي .
مفهمتهاش وحاولت استفسر منها مقالتليش غير بعد اسبوع لما بدأ الوجع يمسك راسها ولما حالها اتقلب .. وقتها عرفت ان صاحبتها عملتلها عمل والطرحة كانت الأطر!!.
قولت لعلياء :
= طيب اهدي يا حبيبتي مافيش مشكلة ان شاء الله.. المهم بس تأكدي ان مافيش دكتور هيحللك مشكلة امك .. لازم شيخ يقرأ عليها قرءان.
قاطع كلامي استاذ مصطفى لما قالي :
= دي مشكلة ومحلولة .. انما اللي احنا بنتكلم فيه ان صاحبة والدتها اللي بتحكي فيها تبقى نفس الست اللي بنتكلم عليها دلوقتي واللي الدكتورة زعقت فيها تحت.
هنا انا من صدمتي سكت، مكنتش متخيلة ان الموضوع كدا، انا قولت ممكن الست اللي شوفتها تبقى الدجالة اللي عملت العمل، شكلها وهيئتها المريبة خلوني افكر ف كدا.. قولت للمدير :
_ لو الحكاية كدا يا استاذ مصطفى يبقى لازم تمشي من هنا وماتسمحلهاش تعيش وسط الناس الغلابة اللي في الدار .. الناس مش ناقصين.
في اللحظة دي بصينا احنا التلاتة تجاة الباب بعد اما سمعنا صوت خبطات عليه، وصوت ست بنبرة مبحوحة بتقول :
= معلش سامحوني انا سمعت كل اللي قولتوه واسمحولي ادافع عن نفسي ولو بشوية كلام افضفض بيه عن نفسي .
في الوقت ده علياء لما شافتها قامت وهي مغلولة وقالتلها :
_ ليكي عين تيجي لحد هنا قدامي .. غوري من هنا يا شيطانة انتي.
مسكتها قبل ماتوصل للست وقولتلها بصوت واطي :
= استني يا علياء .. سيبيها تتكلم .. روحي انتي على مكتبك وانا هبقى اجيلك.
بالفعل مقدرتش تقعد ومشيت وهي بتحسبن على الست.. استأذنت المدير اني هاخدها ونقعد بعيد علشان مانعطلوش، لكن ولاول مرة يلغي مواعيده وأصر انه يسمعها بنفسه، وقد كان بدأت الست تتكلم قدامنا وانا قعدت ومسكت الورقة والقلم علشان ادون شوية ملاحظات، وقالت:
_ محدش فينا بيختار ابوه وامه .. انا اسمي سميرة ..من وانا صغيرة وطول عمري مغصوبة على كل حاجة.. عيشتي .. اكلي .. شربي .. حتى جوازتي ابويا الله يسامحه غصبني عليها .. وليه؟.. علشان الفلوس .. ايوة بالظبط كأني شاروة واتخلص مني لأني كنت عبء عليه زي ما كان بيقولي .. بُخله الزيادة عن اللزوم ضيعني ومن قبلي اختي ياسمين ومن قبلنا اختنا رضوى.. احنا التلاتة ضيعنا بسبب اب كل همه ازاي يجوزنا جوازات من غير ما يدفع مليم واحد.. علشان كدا انا واخواتي اتجوزنا اغنيا وكبارات بلد وكل ده ليه؟.. لان ابويا بيشتغل في السحر والدجل.. ربطهم بينا وبسحره القوي خلوهم يتجوزونا ومهمهمش ان كنا من العشوائيات ولا لا .. مكنتش بحب جوزي لانه اتجوزني عِند في مراته الاولى.. يا دوب قضّى معايا اسبوعين بس وبعد كدا سابني و رجعلها تاني ..من بعدها مبقاش بيجيلي البيت و راميني مش بيسأل حتى عليا.. وكنت كل ما اروح لأبويا يطردني ويقولي ارجعي بيتك ومتجيش هنا تاني.. لحد ما حصل وحملت وقولت لجوزي فرح جداً ومبقاش يسيبني عكس الاول خالص.. ولقيته فجأة اهتم بيا .. ومش هو وبس ابويا كمان بدأ يزورني ويهتم بيا وطبعاً ده شيء غريب بالنسبالي بس مهتمتش.. لاني عارفه انه بيعمل كدا علشان ياخد فلوس من جوزي.. وفـ كل مرة ييجي ياخد منه ومني فلوس كتير .. وخلفت وجبت محمود.. زاد اهتمام جوزي بيا لدرجة خليتني انساله كل اللي عمله معايا وقولت خلاص هيفضل كدا معايا ومش هيتغير.. لكن بعد ما كبر محمود بقيت الاحظ ان جوزي بياخده كتير عند مراته الاولى.. ولما اسأله عليه يقولي ملكيش دعوة محمود ابني وانا حر في تربيته .. ورجع مرة تانية زي الاول بس اسوأ بكتير .. وبعد سنين محمود اتجوز وبدأ هو نفسه يتغير عليا ومبقاش يحب يقعد عندي ..ومع الوقت بقى يعاملني معاملة جافة اوي ولا كأني امه اللي تعبت في خلفته وتربيته .. وكان بيرفض يودي مراته عندي او يعزمني حتى عنده ف بيته!.
حسيت انه ممكن يروح مني علشان كدا قولت اروح لابويا.. لما روحتله وحكيتله لقيت عيونه لمعت وقالي هساعدك ترجعي ابنك في حضنك مرة تانية بس بشرط ).
لقيناها بصت في الارض والكلام اتحشر في زورها، كان واضح انها بتستجمع قوتها علشان تكمل، قولتلها علشان ارفع عنها اي حرج:
_ احكي يا ست سميرة .. وبأكدلك اننا في ضهرك لو محتاجة مساعدة طبعاً.. علشان كدا لازم نسمع حكايتك للاخر .. اتفضلي كملي.
وكأن كلامي ليها اداها دافع، وحكت باقي الحكاية :
= ابويا في يوم لما كان بيزورني.. عزة كانت قاعدة معايا بعد ما طلبتها لاني كنت مخنوقة الفترة دي وكنت محتاجة اتكلم مع حد..وهي كانت صاحبتي الوحيدة اللي بحكيلها على كل حاجة وكانت كتر خيرها بتقف جنبي وبتشورني اعمل ايه .. مكنتش اعرف انه شافها وعجبته .. ولما روحتله علشان يساعدني ارجع ابني ليا شرط عليا انه علشان يساعدني في اللي عايزاه .. اساعده الاول انه يعمل عمل ل عزة علشان تحبه ويتجوزها بعد ما عرف طبعاً ان معاها فلوس كتير.. في الاول رفضت طبعاً لدرجة اني سيبته ومشيت.. بس لما الحال بقى بيزداد سوء واتطور بإبني الحال انه يشتمني ويبقى مش طايق حتى يكلمني في الموبايل.. رجعت لأبويا وبوست على ايده ووافقت على طلبه.. قالي لازم تجيبيها لحد عندي ..مكنتش عارفه اسحبها ليه ازاي علشان كدا كلمت عزة وقولتلها تيجي معايا مشوار .. ولما شافت البيت شكت ان في حاجة .. كدبت عليها وقولتلها ان حماة ابني خنقاه في عيشته وعايزة اعملها عمل.. كانت فكرة وحشة بس اللي جيه في دماغي وقتها لاني مكنتش محضرة اي خطة او كلام اقولها عليه.. لما سمعت كدا فضلت تزعق وفتحت شنطتها وخرّجت موبايلها وسابتني ومشيت .. مقدرتش انزل وراها واتضايقت اوي بس لما بصيت جنبي على الكرسي اللي كانت قاعدة عليه لقيت طرحتها واقعة واكتشفت انها وقعت وهي بتطلع موبايلها .. مسكت الطرحة ودخلت لابويا اللي لما شافني داخلة لواحدي استغرب ولسه هيسأل عنها اديتله الطرحة بتاعتها.. غضب وشتمني وقالي ( لازم هي اللي تيجي).. بعد ما حكيتله اللي حصل لقيته هز دماغه وبان عليه الشر وقالي بالنص ( انا هخليها تجيلي راكعه ).. ومن ساعتها معرفش عنها اي حاجة وعايز اقولكم ان ابني معاملته معايا متغيرتش للاحسن .. لقيته هو وابوه بيدخلوا عليا الشقة وبيطردوني منها!!.. جوزي مسكني من شعري بقوة وبيقولي ( انا كنت شاكك فيكي من البداية ..بقى بتعمليلي انا عمل علشان اتجوزك .. فاكراني مش هعرف ).. وفضل يشتم فيا ويضربني وابني واقف مش بيعمل اي حاجة.. مدانيش فرصة اقوله حاجة وهو بيجرجرني من شعري برة الشقة قالي ( ابوكي قالي على كل حاجة وقالي كمان انك هددتيه لو قالي هتقتليه .. بقى عايزاني اخليكي تربي ابني .. كويس انه كبر وعرف اصلك ).
من صدمتي منطقتش بحرف.. لما روحت لابويا مأنكرش وقال ( ايوة قولتله كدا .. اومال عايزاني افوت النص مليون جنية دول علشان خاطرك.. انتي عبيطة بقى ).
اللي خرجت بيه من كل السنين دي هي العباية السودة اللي انا لابساها .. لا بقى ليا اب ولا اخوات ولا زوج ولا ابن .. ابني اللي صدق كلام ابويا وافتكر اني عملت كل ده رغم ان ابويا سبب البلاوي اللي انا فيه .. انا اه غلطت لما سمعت كلامه وخليته يأذي عزة اكتر واحدة حسيتها قريبة مني ومن وقت ما عرفتها وهي كويسة معايا .. لفيت على كعوب رجلي لحد ما ولاد الحلال دلوني على الدار هنا .. مكنتش اعرف ان الحظ الوحش ورايا ورايا ولقيت علياء بنت عزة هنا .. وحصل اللي حصل .. بس ودي كل الحكاية .. يشهد ربنا اني مكدبتش في حرف .. وانا ناوية ابلغ عن ابويا علشان امنع شره انه يكتر ويأذي ناس ملهمش اي ذنب).
فضلنا انا والمدير نبص لبعض ونظراتنا بتقول ان الموضوع اكبر مما كنا نتخيل، الست باين على وشها وايديها كدمات تبين صدق كلامها لما قالت ان جوزها ضربها، قولتلها :
_ طب يا ست سميرة محاولتيش تروحي لجوزك وتفهميه التفاصيل دي براحة .
قالت وهي بتضحك بسخرية :
= مانا روحتله .. اول ما شافتي رمى عليا الطلاق وبالتلاتة.. وقفل في وشي كل الابواب .. حتى ابني مرضاش يسمعني.. خلاص يا دكتورة .. انا مبقاش ليا حد خالص .. وصدقوني لو ناويين تمشوني زي ما سمعتكوا بتتكلموا انا هموت نفسي .. اصلي هعيش لمين واروح فين وانا اللي طلعت خسرانه من كل ده.. خسرت نفسي وابني وصحبتي الوحيدة اللي مهما قولتلها ايه مش هتسامحني.
كتبت في النوتة بتاعتي ملاحظات كتير عن الست سميرة، من حيث لغة الجسد وحركة عنيها وهي بتتكلم.. كل المؤشرات بتقول انها صادقة في كل حرف، واللي بين صدق كلامها اكتر لما المدير طلب منها عنوان ابوها وهي مترددتش، اتصل بزميل ليه ظابط مباحث وبلغ عنه وبعد يومين صاحبه جاله الدار وقاله انهم قبضوا عليه واترمى في السجن وجيه خد الست سميرة القسم علشان ياخد اقوالها، كانت خايفة يتقبض عليها.. روحت معاها وهناك اعترفت بكل حاجة، ومشيت انا وهي ورجعنا الدار.
عرّفت علياء كل حاجة واتأكدت من ده بنفسها، فـ نفس الوقت اللي قالتلي ان امها بقت بخير بعد حبس ابو الست سميرة، وعلياء حكت لأمها اللي تفاهمت وقدرت الموقف بعقلانية ومع الوقت رجعت الماية لمجاريها، وكل فترة طنط عزة ام علياء بقت تزور سميرة، واتحايلت عليها انها تخرجها من الدار وتروح تعيش معاها، بس الست سميرة رفضت بحجة انها مرتاحة في الدار، وانها ناوية تعيش في الدار لحد ما ربنا يسهل ويحنن قلب ابنها عليها.
بس ودي حكاية الست سميرة اللي كانت ضحية لأب بخيل وبيحب الفلوس، وهي دلوقتي عايشة على امل رجوع ابنها فـحضنها.
اللي اتعلمته من الحكاية دي، عدم التسرع..
لازم نفهم كل الموضوع قبل ما نحكم على اللي قدامنا لمجرد اننا (سمعنا) عليه اي كلام، والأهم اننا مانتسرعش.. علشان مانظلمش.
تمت.