📁 آخر الأخبار

المرأة المتحولة بقلم أحمد محمود شرقاوى

 المرأة المتحولة بقلم أحمد محمود شرقاوى


عندنا ست في شارعنا كل يوم بتدبح وبتعمل لحمة وتطبخها, بس الغريب والمُريب مش في فكرة اللحمة أد ما الغريب في فكرة انها ست مُعدمة حرفيًا, باعت تقريبا عفش البيت كله بعد ما جوزها هجرها, ولو وصفناها بالفقيرة يبقا بنجاملها, لأنها سِت تقريبا مُعدمة, ومع ذلك يوميا بترمي قدام بيتها بواقي لحمة ودم كأنها لسة دابحة, وريحة الطبيخ دايما خارجة من بيتها بطريقة ملفتة جدا للنظر, للدرجة إن عيال الشارع أكتر من مرة حاولوا يدخلوا البيت أو يتعلقوا على شبابيكه عشان يشوفوها وهي بتدبح, وكانت بتخرج تزوم فيهم وتجري وراهم بشعرها المنكوش وتهددهم اللي هيقرب من المكان هتدبحه وتاكله..



المرأة المتحولة بقلم أحمد محمود شرقاوى




وانا من حظي الجميل كان البيت بتاعنا قدام بيتها تقريبا وكاشفين السطح بتاعها اللي كله عبارة عن كراكيب ودم قديم أوي ومتجلط, بس من كتر المشاغل والتفكير اللي انا فيه مبقتش بركز معاها ولا بنتكلم عليها إطلاقا, كدا كدا الست تعبانة في عقلها, وأكيد محدش هيركز مع واحدة مريضة, لحد ما في يوم كنت سهران على السطح وسمعت ضربة قوية أوي لدرجة إني اتنفضت مكاني, بصيت بسرعة من على السطح لقيت عيل صغير خبط شباك الست المجنونة دي بقالب طوب ضخم وهو ده اللي عمل الصوت الكبير ده, لقتها طلعت من البيت وكانت عاملة زي الشيطانة بالظبط وجريت ورا الواد اللي اترعب من منظرها وفضل يصرخ ويجري بكل رعب, ولولا إني زعقت من فوق عشان تسيبه كانت هتموته..


رجعت بيتها بسرعة وقفلت الباب وكان باين عليها الغضب الشديد, وكأن الولد ده قتل ابنها مش مجرد حدف عليها طوبة, ولأول مرة بدأت أراقب سطح بيتها بالتركيز ده, شكله فعلا مُقبض وغريب, والبيت نفسه صغير وتحس انه مهجور, ولولا المية وبواقي اللحم اللي بتترمي قدام بيتها كنت قولت ان الست هجرته من زمن..


كمان فيه حاجة غريبة بتحصل مع البيت ده باستمرار, كلاب كتير من الشارع بتقف قدام البيت وتفضل تزوم وتنبح كتير, في الأول كنت فاكر انها مستنية بواقي اللحم عشان تاكلها, بس مع الوقت لقيت الكلاب مبتاكلش أصلا بواقي اللحم دي, وكأنهم واقفين في وقفة احتجاجية قدام الست دي, شوية ولقيت كلب صغير بيجري على السلم وطلع على سطح بيتها, وشوفتها بتجري وراه على السطح ومسكته ونزلت بسرعة, وهنا بدأ يزيد يقيني إن الست دي مجنونة فعلا, واني هتجنن لو فضلت أراقبها أنا كمان..


دخلت عشان أنام في أوضتي وانا عمال بفكر في الامتحانات اللي قربت وانا لسة معرفش أسماء المواد اللي عليا, شوية ونعست ونمت فعلا, وفي نومي بدأت أسمع صوت نباح كلب من بعيد أوي, بدأت واحدة واحدة أفوق من الغيبوبة اللي انا فيها دي لحد ما فهمت إن صوت النباح ده جاي من جمب السرير بتاعي, فتحت عيني وانا مخضوض ولقيت قدام السرير الست المجنونة, واقفة على أربع زي الحيوان, ومطلعة لسانها زي الكلاب وبتنبح, صُعقت مكاني واتنفضت لدرجة إني وقعت من على السرير ودماغي اتخبطت في الأرض, قمت من مكاني بسرعة وبصيت يمين وشمال ملقتش أي حاجة..


فضلت أراجع نفسي عشان اتأكد اللي شوفته ده كان حلم ولا مجرد كابوس, في النهاية ومن كتر التفكير طلعت من تاني على السطح, كان الجو لسة ليل وقتها, فضلت مركز مع بيت الست دي وإذ فجأةً شوفت تلت عيال جايين والمكان كله صامت تماما, ومسكوا طوب وحدفوه على شباك البيت, وفي لحظة أو أقل خرجت ومسكت عيل منهم دخلته معاها وكتمت أنفاسه, والاتنين التانيين سابوه وجريوا من المكان كله..



لبست هدومي بسرعة لأني كنت بلبس خفيف ونزلت بسرعة من البيت, قربت من بيت الست وحاولت أسمع مفيش أي صوت, خبطت على الباب سمعت صوت حد بينازع كأنه بيموت جوة, وبدون تفكير خبطت الباب كسرته ودخلت أجري, وأول ما دخلت شميت ريحة قذرة, وكأن البيت ده عامل زي المقبرة, ناديت على الست بصوت عالي مرة واتنين بس مكانتش بترد, في اللحظة دي كان فيه اتنين رجالة معديين وشافوا الموقف, قولتلهم إنها خطفت عيل جوة دلوقتي, نورنا كشافات الموبايل ودخلنا بسرعة عشان نشوف فيه ايه, وقدام عنينا شوفناها دابحة الواد بالسكينة وبتقطع في لحمه, واحد من اللي معانا جري وهو بيصرخ, واحنا الاتنين مسكناها بالعافية, بس الغريب انها فعلا كانت بتهوهو علينا زي الكلاب, لدرجة انها عضتني وقطعت حتة من فخد رجلي..


بس كان الناس صحيوا ودخلوا للبيت, ومن ضمنهم أبو الطفل اللي أول ما شاف الموقف مقدرش يتمالك نفسه وخبطها على دماغها خبطة وقعها ميتة في لحظة, وساد الهرج والمرج في المكان ومحدش فاهم الست دي عملت كدا ليه ولا بتعمل ليه كدا, ولما كملنا في باقي البيت لقينا نص كلب مدبوح, وأجزاء من لحمته مطبوخة في الحلة, مشاهد بشعة مش هنساها طول عمري اطلاقا..



وفضل الموضوع لغز, لغز كبير لحد ما ظهر راجل من برة البلد, كان عارف الست دي وعارف حكايتها الكاملة, واستغرب انها لسة عايشة, وبدأ يحكي أغرب قصة الواحد ممكن يسمعها في حياته..




قال ان الست دي كانت متجوزة وكانت هوايتها الوحيدة تقعد قدام بيتها وتراقب الناس وتتكلم على ده وعلى ده, مكانتش سايبة حد في حاله وبتأذي كل الناس بلسانها, تتكلم في الاعراض والشرف والماديات, لدرجة إن الناس بطلوا يعدوا من قدام بيتها خوفا من كلامها وعنيها, جوزها مع الوقت هجرها وسابها لوحدها, لحد ما سكنت جمبها ست اسمها منى مسلمتش برضه من لسانها إطلاقا, وفضلت تتكلم عليها وتجيب سيرتها, واتخانقوا مرة واتنين بس هي مبطلتش, وبدأت كمان تقول ان منى بتروح لدجال وبتعمل أسحار, بل وبتروح للدجال الفلاني وتبيع شرفها مقابل الأسحار..



والحقيقة إن منى كانت بتعمل كدا بس مكانتش بتبيع شرفها, فضلت تستفز فيها لحد ما منى راحت للدجال وقالتله عاقبها عقاب أبدي, وقالها محتاجها تزورني زيارة بس, وراحت منى تتودد منها وتعتذرلها, وحكتلها فعلا انها بتروح لدجال وبتعمل أعمال عشان جوزها يفضل تحت رجليها, وانها ممكن تخلي الدجال يعملها عمل وجوزها يرجعلها مرة تانية, الست فرحت وراحت معاها, والدجال عملها سحر على كلب صاحي, ومن يومها فقدت النطق, بل وبدأت تزوم زي الكلاب وتقتل الحيوانات, لحد ما أهل البلد ما قدروش يتحملوها أكتر من كدا وطردوها, وجت لبلدنا, جت وهي مجنونة, ملعونة, وبقت يوميا تطلع بالليل تمسك الكلاب وتطبخها وتاكلها, وتنبح زيهم, بل وكانت بتنام بنفس وضعية الكلب..


وكأنها رسالة للي بيغتاب الناس ويمشي بينهم بالنميمة, انت كلامك اللي بيخرج وقتها بيكون سيء زي نباح الكلاب, حاجة ربنا نهى عنها تماما, انك متتبعش عورات الناس ولا تغتابهم ولا تمشي بالنميمة بينهم, ملكش دعوة بحد, ولا تجيب سيرة حد, يمكن الست دي لو كانت في حالها كان زمانها لسة متجوزة وعايشة سعيدة, بس هي اختارت اسوأ طريق ممكن وجالها عقاب محدش يتمناه لحد إطلاقا..


"وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً"

بقلم: أحمد محمود شرقاوي



تعليقات