📁 آخر الأخبار

جثة ترفض الغسل بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي

 جثة ترفض الغسل بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي



بقالي ٢٠ سنة بشتغل مغسلة اموات عمري ما شوفت حاجة شبيهة باللي شوفته ده، ويمكن ده كان اكبر لغز واجهني في حياتي، معرفش ايه اللي ممكن يوصل جثة انها تخاف تروح قبرها للدرجة دي..



جثة رفضت الغسل,خشبة الغسل,فتاة تعذب على خشبة الغسل,جنازة ترفض الخروج من المسجد,فتاة تصرخ على خشبة الغسل,تشريح جثة,تشريح جثة فرعون في المتحف,جثة في شارع ابها,جثة في وسط طريق ابها,رفض القبر,خرج النمل من جسدها,رفض القبر جسدها,العمل السيئ,مغسل الموتى,مغسل الأموات,كيف يغسل الميت,الجثث,رفضت دخول القبر,رفض اهلها دفنها,نعش يرفض الخروج من المسجد,جمل يرفض الخروج من المسجد,هل يعذب الجسد ام الروح,الاحتضار,رفض جسدها دخول القبر,رفضت النزول فى القبر
جثة ترفض الغسل بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي




جتلي مكالمة من واحدة بتستغيث، ابوس ايدك يا ستنا تعالي بسرعة، سألتها عن العنوان واللي كان في بلد بعيدة عني شوية، نصف ساعة تقريبا..


لبست بسرعة ووقفت توكتوك عشان يوصلني لحد بيت المتوفية، وبعد نصف ساعة تقريبا ويمكن اكتر وصلت، الغريب اني دايما بدخل اي مكان فيه ميت بيبقا الجو العام هو الحزن، البكاء، ويمكن الصراخ..


انما المكان هنا كان مختلف، الجو العام كان بيدعو للاستعجال وبس، وكأن البيت كله عايز الميت يتغسل ويتكفن في ثواني معدودة، وكأنهم فرحانين في موته، او وجوده هيسبب فضيحة كبيرة..


وده بقدر المسه بسهولة لأني قديمة جدا في المجال ده، دخلت بهدوء ووقار وطلبت واحدة من اهل الست اللي ماتت تدخل معايا، كان تقريبا فيه تلت ستات، كلهم بصوا لبعض بخوف، في النهاية انا ماليش دعوة، انا جاية اغسل وامشي..

فتحولي باب الاوضة ودخلت، قفلت عليا الباب وقربت من الجثة، بس بدأت اشم ريحة بشعة، ريحة شبيهة بروث الحيوانات، ايه ده؟؟؟


تجاهلت الريحة بالعافية وكشفت وجه الجثة، وكان اصعب مشهد شوفته في حياتي، فيه شعر كتير اوي طالع من فم الجثة، وشها شكله مخيف، مخيف اوي، كانها ماتت وهي بتتعذب بالنار، عنيها جاحظة ومفتحة وفيها الف نظرة ألم، الشعر كان خارج من فمها في منطر بشع، رهيب..


جسمي كله اتلبش، لساني اتشل عن النطق، جريت على باب الاوضة ومقررة اني مش هغسل خلاص، جيت افتح الباب لقيته مقفول بالمفتاح، خبطت بهيستريا وسمعت صوت راجل من برة بيتكلم بتهديد..


- مش هتمشي من هنا غير لما تغسليها

رديت عليه من جوة بخوف:

- مش هعرف اغسلها

- ماليش دعوة اتصرفي، كفنيها اي حاجة عشان ندفنها وخلاص


وعرفت اني اتحبست مع اسوأ جثة شوفتها في حياتي، لبست جوانتي وقربت من فمها، وبكل تقزز فضلت اشيل الشعر من بقها، سمعت وقتها اهات، وجع، كأن حد عايز يطلع حاجة من فمه ومش قادر..


جسمي فضل يترعش وعلى اد ما اقدر كنت بحاول اشيل الشعر، في النهاية شيلته كله وبدأت اكشف جسمها، جسمها اللي كان مكرمش على بعضه كأنها عجوز عندها مليون سنة، رحماك يارب..


وقبل ما اصب عليها المية سمعت الصوت تاني، كأنها عايزة ترجع حاجة من بطنها، ببص لقيت الشعر ظهر تاني في الفم كله..


جسمي حرفيا بدأ ينهار، مش عارفة اتصرف ازاي، حطيت الكفن في ثواني ولفيتها بيه اي كلام وربطه عشرين عقدة عشان حاسة انها ممكن تهرب من الكفن..


وخرجت، خرجت عشان الاقي اللي بيشدني بحزم برة البيت، قبل ما اسال او انطق، ولقيت توكتوك مستني، ركبني فيه وقاله بغضب:


- اطلع


وطلع التوكتوك وانا في قمة خوفي واندهاشي، مين دي وليه بيحصل معاها كدا، ماتت زانية ولا على معصية كبيرة..


حاولت اسأل سواق التوكتوك بيت مين ده بس مردش عليا، في النهاية رجعت بيتي، رجعت وانا منهارة، اتطلب مني اجي اغسل حد تاني بس مقدرتش اطلع من بيتي..


حالة اكتئاب وحزن مسكتني بكل عنف، فضلت شهر كامل

مش قادرة ابعد شكل الجثة عني، وشها المخيف وعنيها الجاحظة، فمها اللي كله شعر خشن، شكله مقزز، جلدها المتيبس بطريقة رهيبة..


شهر وانا مش قادرة حتى اخرج من بيتي، بسمع صوت الجثة اللي سمعته يومها، لحد ما قررت احارب، اواجه، واول مواجهة لازم تكون في بيت الست دي..


ركبت توكتوك يومها وروحت لحد بيتها، راقبته من بعيد لقيت ستات كتير بتدخل وتخرج، كأنه فرح، مع ان العزاء خلص من شهر كامل، حاولت اقرب وابعد لحد ما لقيت طفل ماشي، قولتله وانا مبتسمة


- هو بيت مين ده يا حبيبي

رد بلهجة طفولية:

- ده بيت الشيخة باتعة

- شيخة ازاي يعني


بصلي ومعرفش يرد، لسة مش فاهمة حاجة، استنيت واحدة خرجت َقربت منها وانا بوزن كل كلمة بقولها:


- صباح الخير ياختي

- صباح النور يا حبيبتي

- ألا قوليلي والنبي عشان محتاجة حد يساعدني

- اؤمريني

- الواد ابني مشلول ومش عارفة اوديه لمين ولا مين

- امممممم، طيب ما تروحي للمرسي

- مين المرسي ده

- ده شيخ سره باتع، الشفا هيكون علي ايده ان شاء الله

- امال الشيخة باتعة

- الشيخة باتعة ماتت ياختي واللي مكملة الشغل اختها بديعة، بس دي بتقرأ بس

- مش فاهمة


لقيتها طلعت فنجان وضحكت ضحكة رقيعة، وفهمت، فهمت ويارتني ما فهمت، وبكل حزم دخلت وسط الستات جوة، لقيت صالة البيت اللي عرفاها مليانة ستات، والبخور في كل حتة..


لقيت واحدة بتقولي سجلي اسمك، وكتبت اسمي، واستنيت يجي ساعتين لحد ما دخلت على بديعة..

ست عجوزة لسة فكراها من يوم الغسل، قاعدة علي كنبة خشب قديمة وقدامها مبخرة، ابتسمت وقالتلي:


- اؤمريني يا حبيبتي

- مش عارفة اقول ايه

- معاكي الفنجان ولا هتقري الكف

- اعوذ بالله من شرور ابن آدم، انتي مخدتيش العظة من موت اختك


لقيتها اتكلمت بغضب وقالت:


- مالها اختي بقا

- مهو انا اللي غسلتها وشوفت

اتحولت نظرتها لخوف وهي بتقول:

- اختي معملتش حاجة غلط وكلنا مبنعصيش ربنا

- يعني مش ناوية تتوبي


لقيتها ثارت مرة واحدة وقالت:


- انتي جاية تعمليلي شيخة هنا، امشي من هنا بدل ما اموتك

- ربنا هو اللي بيموت، وان شاء الله لما تموتي انا اللي هاجيلك برضه، وموعدنا عند الله يا دجالة، يا حليفة الشيطان..


وسبت المكان كله، سبته وانا ببكي، ببكي من ظلم ابن آدم لنفسه، رغم اللي شافوه لسة مكملين، الفلوس عمتهم عن رؤية الحقيقة المطلقة، الموت، القبر، الحساب، رحماك يارب..


وفهمت، فهمت ليه كان فمها مليان شعر، كل كلمة فاسدة قالتها وهي بتقرأ الكف والفنجان، كل كلمة تعدت بيها علي حدود الله، ربنا رزقها لسان وهي استخدمته في اسوأ ما تتخيل..

أحمد محمود شرقاوي

"مقتبس من أحداث حقيقية"






تعليقات