📁 آخر الأخبار

حكاية سيدة الغجر بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي

 حكاية سيدة الغجر بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي



كل تلت شهور تقريبا بتنزل بلدنا واحدة ست عجوزة اسمها دهب, بتلف في البلد بتاعتنا وهي راكبة فوق جمل ضخم والناس من وراها بيفضلوا يرحبوا بيها ويعزموا عليها عشان تدخل أي بيت ويكرموها, وده لأن دهب كانت أشهر عرافة بتقرأ الطالع والفنجان, وكانت شيخة وليها كرامات كتير أوي, وسمعنا عنها ألف حكاية وحكاية كمان, بس أشهر حكاية بتقول إن دهب كانت بنت لقيطة ومحدش عارف مين أهلها إطلاقا, وكانت دايما بتروح تنام عند الضريح اللي فوق الجبل, لحد ما لاقاها الشيخ جابر أشهر راجل في المحافظة كلها وبدأت تتعلم على إيديه لحد ما تفوقت عليه وبقا ليها خُدام من الجن بيساعدوها واتكشف عنها الحِجاب كمان..



حكاية سيدة الغجر بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي
قصة سيدة الغجر



ومن وقتها وهي بتظهر في أكتر من بلد على فترات محددة, تلف في البلد بالجمل الضخم بتاعها واللي كان عليه هَودج ضخم بتقعد فيه, والستات يفضلوا يرحبوا بيها ويزغرطوا لحد ما توصل بيت في آخر البلد بتقعد فيه 7 أيام تستقبل الزيارات وطبعا أغلبهم بيكونوا ستات, وبعدها تسيب البلد وتروح بلد تانية..


في اليوم ده كنت بنضف البيت مع مرات أبويا وسمعت صوت الزغاريط والهيصة برة, وعرفت إن دهب معدية من قدام البيت بتاعنا, شوية واختفت الأصوات, لقيت مرات أبويا بتقترح عليا أروح لدهب بما إن كتب كتابي اتكتب وفرحي بعد شهر واحد عشان تعملي حِجاب أو حاجة تمنع عني الحسد أو الشر, خاصةً إني هتجوز ابن عمي اللي كل بنات البلد يتمنوا بس انه يبص في وشهم..


فكرت في كلامها شوية لقيته كلام منطقي, بس بعد تفكير أكبر حسيت إني ممكن أشيل ذنب لو عملت كدا, وتاني يوم لما لقيت مرات اويا بتفكرني بالموضوع قولتلها إني صرفت نظر تماما عنه ومش هروح لدهب, في النهاية بعض الشيوخ بيقولوا عنها انها دجالة كبيرة وحرام اننا نستعين بيها..


مرات أبويا وقتها بصتلي بصة استهزاء وسكتت, وتاني يوم وبالصدفة البحتة تحصل مشكلة بيني وبين ابن عمي, وجه البيت وقعد معايا انا وابويا ومرات أبويا وفضل يشتكي كتير أوي من أفعالي, مرات أبويا قالت اننا محسودين وكلت دماغه عشان يهدى شوية والأمور نوعا ما اتحلت وساب البيت ومشي, وقتها بصت لابويا وقالتله:


- بنتك مش هتم جوازتها لو مراحتش لدهب عشان تحصنها بحاجة


أبويا بصلي بصة طويلة وقال:


- أيوة انتي لازم تروحي لدهب عشان انا مش ضامن الناس وقرفهم


رديت عليه وقولت:


- الشيخ عبد الوهاب قال إنها دجالة ومينفعش نروحلها من الأساس


أبويا متكلمش بس حسيت انه ممكن يزعل لو مروحتش, خاصةً إن وشه قلب مرة واحدة كدا, وفي النهاية قولتله إني هروح عشان خاطره هو وبس, مرات أبويا ابتسمت وطمنته وقالت انها كمان هتروح معايا, في الحقيقة انا وعيت على الدنيا ملقتش غيرها, ومشوفتش منها أي حاجة وحشة, وبرضه حسيت انها ممكن تزعل مني لو معملتش كدا لأنها عارفة كويس أوي الستات في بلدنا بيفكروا ازاي, وكمية الكوارث اللي بتحصل للبنات بعد ما الست دي بتمشي..


وفعلا خدنا ميعاد من الست دهب ولبسنا هدومنا وطلعنا على البيت اللي في آخر البلد, كان الجو ليل وكنا قاصدين ده عشان محدش يعرفنا, وده لان وجودك عند الست دي مهما كان شُبهة, دخلنا على الست اللي كانت جايبة حلة كبيرة وحاطة فيها مية وعمالة تقلبها بطريقة غريبة, طلبت مننا نقعد قدامها, ببص في الحلة وأول ما بصيت صرخت من الخضة, بصتلي بغضب فكتمت نفسي وسكتت, كان فيه قرموط اسود شكله بشع جوة الحل وعمال يتحرك, طلبت مننا نتكلم وبدأت مرات عمي تتكلم, قالت اني مكتوب كتابي وهتجوز ومحتاجين أي حاجة تحميني من نظرات الناس..


خدت مني شعرتين, حطت واحدة منهم على القرموط اللي بدأ يتحرك بسرعة لحد ما حسيت بقشعريرة غريبة في جسمي, وجابت قطعة قماش كتبت عليها ومسحت بيها جسم القرموط وعقدتها وقالتلي اعملها سلسلة واعلقها في رقبتي, والشعرة التانية هتعمل بيها حجاب وتدوبه في المية عشان الحماية تبقا مضاعفة..


شكرناها واديناها مبلغ مالي كبير ومشينا فورا من المكان, مرات أبويا بشرتني وفعلا كنت حاسة إني أمنت نفسي كتير, بعد ما اقتنعت إن فعلا ممكن حد يعملي حاجة ويبوظ فرحتي كلها..


وطلعت على أوضتي عشان أنام, بس وانا نايمة حسيت بهبدة قوية على أرض الأوضة, كأن فيه حاجة تقيلة أوي بتدب جمب السرير, فتحت عيني وقمت وانا مخضوضة, ومسافة ما فتحت عيني لقيت وش ضخم اوي قدام وشي بالظبط, وش شبه وش الجمل الضخم, ولسانه عمال يلعق في وشي, من قوة الخضة صرخت صرخة رهيبة وفقدت الوعي كله, معرفش فضلت على كدا أد يه بس في النهاية صحيت, صحيت لقيت الجو نهار, افتكرت اللي حصل وقولت يمكن كابوس, وحمدت ربنا إن محدش جه على صوت صرختي, وعدى اليوم عادي وكنت تقريبا نسيت الكابوس إياه تماما..


وعلى بالليل سمعت نفس صوت الهبدة من تاني, فتحت عيني وانا بترعش ومتخيلة إني ممكن أشوف نفس الجمل ده تاني, بس الغريب إني مشفتش أي حاجة, غير إني كنت جوة مكان غير الأوضة بتاعتي, مكان قديم أوي بالطوب اللبن عامل زي الزريبة, وقفت وانا بترعش في قلب المكان وعقلي هيولع من كتر التفكير, أنا جيت هنا امتا وازاي..


وقبل ما أتحرك سمعت صوت زمجرة وحركة غريبة, ببص قدامي لقيت جمل ضخم, ومن فمه بتنزل المادة اللي عاملة زي لرغوة, بس كان لونها اسود وشكلها مقزز جدا, وقبل ما أتحرك الجمل خبطني ووقعني في الأرض وبدأ يعض بأسنانه الضخمة في جسمي, كان بياكلني حرفيا وبيقطع لحمي, صرخت بهيستريا, صرخت وحاولت أهرب منه بس مقدرتش, وفضل يقطع في جسمي وفي هدومي ويهرسني برجله وانا حاسة ان عضمي بيتكسر ولحمي بيتقطع والدم بيسيل مني, لحد ما فقدت الوعي تماما وقولت أنا خلاص مُت..


بس الغريب إني صحيت لقتني نايمة على سريري عادي جدا, بس كان جسمي عليه علامات خربشة كتير أوي, ووجع في كل حتة في جسمي كأني مضروبة علقة موت, بكيت كتير أوي وفضلت في الأوضة بتاعتي طول اليوم, حاسة إني عملت مصيبة في حق نفسي, وان الست دي عملتلي حاجة ويمكن تأذيني أكتر وأكتر..


وفي الليلة التالتة كان الحلم واقعي أكتر, وشوفت نفسي جوة تابوت ضيق أوي والغطا بتاعه مفتوح, ومن فوقي الجمل بينهش فيا ويدك في جسمي برجليه, لدرجة إني سمعت صوت عضمي وهو بيتكسر حرفيا, وصحيت وانا حاسة إن فعلا جسمي كله اتكسر, وكأني طالعة من حادثة موت..


صحيت ومشيت في الشوارع وانا ببكي زي المجنونة ومش عارفة أنا ممكن أروح فين, ووسط حيرتي ودموعي خبطت واحدة ست غصب عني, بصتلها وحسيت برهبة غريبة, كانت ست عجوزة أوي وعنيها فيها ثبات رهيب, لقتها بتهمس في ودني وبتقول:


"السر في الجمل روحيله"


قالت الكلمتين دول ومشيت من قبل ما أنطق بنص كلمة, رجعت على البيت وانا حاسة برعب غريب, هي تقصد الجمل بتاع دهب, طيب هروحله ازاي, واقصدها أروح اقتله ولا أروح أخليه يموتني, وفضلت طول الليل ببكي وخايفة لحد ما نمت قبل الفجر, ومسافة ما نمت حسيت بحاجة بتشدني بقسوة من هدومي وبترميني في الأر بعنف شديد, وقضيت نصف ساعة من الرعب كبروني سنين طويلة, وبدون وعي مني خدت سكينة وطلعت على بيت دهب, لما روحنا كان الجمل بتاعها, مربوط ورا البيت وشوفته, كان الجو ليل والفجر خلاص هيأذن, وأول ما وصلت عند بيتها لقيت الفجر بيأذن, حسيت بسكينة مع صوت الآذان واتشجعت أوي, كأن صوته حماية كبيرة ليا..


ببص لقيت الجمل مربوط ورا البيت وعليه الهودج الكبير اللي بتقعد فيه, أول ما الجمل شافني بدأ يزوم بس مقامش من مكانه, قربت منه وانا مرعوبة بس كان لسة صوت الآذان شغال في كل حتة..


كنت بقرب منه بالسكينة وبفكر إني هقتله, بس, بس جالي هاجس غريب, وجريت أفتش في الهودج الكبير اللي عليه..


"حي على الفلاح"


فتشت ودورت مرة واتنين بس مفيش حاجو خالص


"حي على الفلاح"


وفجأة لقيت زي فتحة في الهودج من تحت وفوق سنام الجمل


"الله أكبر الله أكبر"


وفجأة لقيت, لقيت كمية أعمال ممكن توصل لألف عمل في المكان ده


"لا إله إلا الله"


ومسافة ما الآذان خلص الجمل قام يزوم بهيستريا ووقعت من فوقه, وبدأ يصرخ وكأنه إنسان حقيقي, وسمعت صوت جاي من جوة بيت دهب, ومستنتش لحظة, لحظة واحدة ورجعت على البيت وانا بترعش, كان باقي يومين تقريبا ودهب تسيب البلد, يومين قضتهم في رعب رهيب بسبب الجمل اللي بيظهر ده كل ليلة..

واستنيت, استنيت لحد ما سمعت الزغاريط إياها, كانت دهب ماشية بالجمل بتاعها, وقتها بصيت, بصيت فوق سطح من السطوح للواد الصغير اللي يعتبر انا مربياه, وبدون تفكير مسك حجر ضخم وحدفه في دماغ دهب اللي صرخت ووقعت من فوق الجمل, الناس كلهم اتجمعوا على صريخها, ولقينا راسها تنزل في دم كتير, الكل كان مشغول معاها إلا انا, وفي لحظة كنت مديت ايدي في الهودج بعد عناء وطلعت الأعمال اياها ورمتها في الأرض..


الناس وقفوا مصدومين حرفيا, رغم علمهم انها أكيد بتاعت أعمال, بس محدش يعرف انها بتخبي أعمالها في هودج الجمال وتروح وتيجي بيها, وانا مستنتش لحظة, وقولت انها بتعمل أعمال عشان تموت الناس, وكل حد من البلد له عمل وسط دول, الناس مستنوش لحظة, مسكوها بغضب رغم انهم عارفين ده, بس وقت الحقيقة اللي بتتشاف بالعيون بيكون رد الفعل مختلف, طلعوا من هودج الجمل أكتر من الف عمل في حجم الحصى, وكل عمل كان بإسم حد من أهل البلد, وسلموها للمركز كمان..


ومن وسط الاعمال كان فيه عمل ليا فيهم, بس قبل ما تختفي من قدامي قالت كلمة غريب أوي, قالت "مرات أبوكي اللي خلتني أعملك عمل انتي كمان"


ومن حسن حظي أبويا كان واقف وسط الناس, مسكها وكان هيموتها, وعرفنا انها بتكرهني ومش عاوزة جوازتي تتم, حقد وغيرة, وأوهمتني انها بتساعدني عشان تبعد الشبهات عنها واتفقت مع دهب وودتني بكامل إرادتي عشان اتوهم واتسحر بمزاجي وبشعر من راسي كمان, حمدت ربنا انها عدت على خير, ومعرفش ليه في خطبة الجمعة سمعت ميكروفون الجامع والشيخ بيقول حديث وصف حالتي كلها


"من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"


فعلا انا عملت المعصية دي وروحت لدجالة عشان أرضي ابويا ومراته ابويا, واكتشفت اني عملت ده عشان ربنا يسخط عليا وكانت نهايتي صعبة أوي, يمكن فهمت بعد عناء ان انت لازم تعمل الصح ولو الدنيا كلها هتسخط عليك, قول الحق ولو هتزعل صاحبك, انصح بالخير ولو هيتضايقوا منك, لأن ربنا وعدك لو عملت ده عشانه هو هيرضى عنك وهيجبرهم يرضوا عنك, والعكس صحيح..


بقلم: أحمد محمود شرقاوي



تعليقات