📁 آخر الأخبار

قضية شاكر غانم بقلم الكاتبة لمياء الكاتب

 قضية شاكر غانم بقلم الكاتبة لمياء الكاتب



بصيت في ساعتي اللي  قربت على 11 قبل نص الليل، الجو كان فيه لسعة برد وتيار هوا غريب، من شدته خلا شباك المكتب مش مستقر في مكانه، كان عمال يخبط خبطات خفيفة، وده سببلي شوية قلق وتوتر، مش عارف احدد مصدره بالظبط، يمكن بسبب الجو الغريب ده اللي حبسني جوه المكتب، او يمكن عشان المكان جديد عليا، او يمكن بسبب شكل الادراج الكتير المتقفله حواليا، عارفين.. هي ادراج معدن ملمسها ببرودة الجو، بس جواها  حكايات بشر بين سطور مجموعة ملفات، بتقلب المعدن ده لجزء حي بيتنفس.. او يمكن ده نوع من تفكيري الفلسفي الخاص بيا.



قضية شاكر غانم بقلم الكاتبة لمياء الكاتب





قطع سرحاني مع نفسي صوت رنة تليفوني، بصيت في شاشته اللي كان مكتوب عليه الدكتور"سليم عرفان"، رديت عليه:


ـ انت بتعمل ايه عندك في العيادة لدلوقتي؟


ارتبكت من سؤاله، وفي نفس الوقت اتعجبت هو عرف منين اني لسه موجود في العياده، رديت عليه بالمبرر اللي جه في دماغي:


ـ الهوا بره شديد يا دكتور، يهدى شويه واقفل العيادة وامشي.


سكت لثواني بعدها قال:


ـ طيب ما تنساش يا حسام تقفل كهربة العيادة، ما هو انا عرفت انك لسه موجود، لما شاف البواب النور منور.. فاتصل بيا وبلغني.


وقتها جزيت على سناني من غيظي من بواب الغبرة، اللي اكتشفت خلال فترة بسيطة انه لسانه اطول منه، وقبل ما ارد على الدكتور، ظهر على شاشة التليفون ان في اتصال تاني، ف اتوترت.. وكنت عاوز اقفل الاتصال بأقصى سرعة مع الدكتور، قبل ما الحرب العالمية التالتة تقوم، ولسه هتكلم قاطعني الدكتور وقال:


ـ بقولك ايه يا "حسام"، صحيح انا لسه بمرنك على الشغل معايا، بس انت شاب نبيه وبتركز في كل معلومة بقولها، ودي اكتر حاجة مريحاني في شغلك معايا.


سكت للحظات كان بيتنفس فيهم، في اللحظات دي بصيت في شاشة موبايلي، كان لسه التليفون بيديني تنبيهات بوجود اتصال تاني، وقتها كمل الدكتور كلامه:


ـ في قصادك ادراج كتير مترقمة بأكتر من لون شايفهم؟

ـ طبعا يا دكتور شايفهم.


ـ طيب تمام، ركز بقى في اللي هقوله كويس، تروح ناحية الادراج دي، وتدور بينهم على درج مكتوب عليه باللون الاحمر"عنبر 8".. تفتحه وتدور  بين الملفات اللي موجوده جواه، على فايل مكتوب عليه قضية "شاكر غانم".. تفتح الملف وتقرا القضية كويس، عشان تكون تجهزها لبكرة، اهو تسلي وقتك في شئ مفيد لحد ما تمشي.


هزيت راسي بالموافقة على كلامه، ونسيت مع توتري ان ارد عليه بالكلام، فقال:

ـ انت سامعني يا ابني، ولا نمت وانا بكلمك.


رديت بسرعة:

ـ سامعك، سامعك يا دكتور، حاضر هعمل اللي قولتلي عليه.


بعد ما خلصت كلامي، قفل معايا الدكتور المكالمة، وبسرعة البرق رديت على الاتصال التالت او الرابع من التوتر ما انتبهتش للعدد، وكان اتصال من خطيبتي"تسنيم".. اللي بمجرد ما رديت، اعصار تسونامي ثار عليا:


ـ ربع ساعة يا حسام بتتكلم في التليفون؟

ابتسمت من طريقتها وغيرتها اللي ملهاش حد او كنترول:


ـ ربع ساعة ايه بس، دول كلهم 10 دقايق او يمكن 8.

ـ وكمان بتهزر.. كنت بتتكلم مع مين في الوقت ده؟.. وسايبني ارن وازن مع نفسي.


ـ تزني!.. الغيرة بتخلي مصطلحاتك غريبة، بس بحبها منك صراحة.

اتعصبت اكتر وقالت:


ـ مافيش مجال لهزارك دلوقتي لو سمحت، كنت بتكلم مين يا "حسام"؟

ـ هكون بكلم مين يعني، صاحبي "مصطفى".. ما انتي عرفاه لما قولتله انك بتتصلي عليا، حب يرخم علينا وماكنش راضي يقفل المكالمة.


ردت عليا بعدم اقتناع:


ـ اممم "مصطفى"، وماله.. ان غدا لناظره قريب، بكره بأذن الله اكلمه واعاتبه على رخامته دي.

رديت عليها بلهفة الكداب اللي بيحاول ينقذ نفسه من ورطة وقع نفسه فيها:


ـ عيب عليكي يا "تسنيم".. لو عملتي كده هتخلي شلة صحابي يتسلوا عليا، وياخدوني تريقتهم باقي الاسبوع، يرضيكي الكلام ده!.. ولا انتي مش واثقة فيا؟


ردت بأريحية واجابة صدمتني:

ـ اكيد مش واثقة فيك، انت وسيم وكاريزما في نفسك، ممكن واحده تيجي وتخطفك مني.


اتنفست بعمق وقولتلها:

ـ ايوه كده يا شيخه كلمه حلوة تطلع الشمس في عز الليل والبرد ده، وهو في غيرك يا قمر انت يملى عيني.


ـ ما انا فعلا هوريك الشمس في نص الليل، والنجوم في عز الضهر لو بصيت لغيري.

ضحكت وكملنا باقي المكالمة هزار، على كلمتين حب لحد ما قفلنا المكالمة.


 سرحت للحظات مع نفسي وانا بقول في عقلي "ما كنش ينفع اقولها ان بشتغل مساعد في عيادة نفسية، صحيح الشغل مايعبش صاحبه، بس مش وقته دلوقتي ياض يا"حسام".. لما تظبط امورك الاول في الشغل، ساعتها ابقى احكيلها عملت كده ليه".. لحظة كلامي مع نفسي اتقطعت لما عيني جت على الادراج، افتكرت اللي طلبه مني الدكتور، قومت من على الكرسي وروحت ناحيتها، لفيت بعيني ادور على الدرج اللي حدده الدكتور ولقيته.. انتبهت لحاجة غريبة، صحيح العيادة بمحتوياتها واقعة في زمن اواخر الستينات، وده طبعا بحكم سن الدكتور واحتفاظه بكل حاجة تخص الفترة دي، من اثاث لألوان وحتى شكل ادراج الدولايب اللي جواها شغله، لكن الدرج ده كان غريب ومميز.. مدهون باللون الاسود ومكتوب عليه زي ما قال باللون الاحمر "عنبر 8".



في فترة بسيطة جدا قدرت اكسب ثقة الدكتور، يمكن بسبب عمره كان فعلا محتاج مساعد معاه، او يمكن انا فعلا شاطر ونبيه زي ما قال، المهم في الاخر النتيجة.. النتيجة اللي خلتني دلوقتي بفتح درج مليان بحكايات بني أدمين، المادة الخام للخير والشر على الارض، جبت كرسي وقعدت عليه قصاد الدرج، فتحته.. كان متقسم لملفات بعدد كبير جدا، كان في مجموعه عليها اثار تراب وخارج منها ريحة رطوبة، فهمت من شكلها انها ملفات قديمة ومتقفلة، بمعنى مش هي الغرض المنشود التدوير ما بينها، فمديت ايدي ودورت في بداية الملفات، لحد ما وقعت عيني على ملف مكتوب عليه قضية النزيل"شاكر غانم".. خرجته من بين الملفات، قفلت الدرج وروحت ناحية المكتب وحطيته عليه، فتحت الملف كان جواه ورق كتير فهمت  بلمحة سريعة انها تحقيقات.. اقصد يعني محاضر نيابة واقوال شهود، وفي نهاية الورق كان في صور.. خدتهم من الملف وسيبته على المكتب، وزعت الصور قصادي على المكتب، الصور كانت صعبة.. صور لجثة واحدة ست في اوائل التلاتينات، برغم ان بشرتها بهتانه وشاحبه.. بس واضح عليها العمر، هدومها كانت غرقانه مايه، وشعرها كان مبلول.. خط دم خفيف خارج من زواية بوقها، وكان في صور تانية.. لجثة راجل من ملامحه يبان انه اكبر من الست في العمر، مسكت صورته وركزت فيها اكتر.. كان لون بشرته مايل للون الازرق، لا.. هو ازرق فعلا.



فضلت لدقايق اركز في الصور، بعدها جيبت نوته صغيرة خاصة بيا وبدأت ادون فيها كل ملاحظة، حتى لو كانت بسيطة.. البسيط ده بالنسبالي مهم،  اوقات بيكون وراه حلول الغاز كتير، بعد ما خلصت.. جيبت موبايلي فتحت الكاميرا وخدت لقطات للصور اللي على المكتب، وقتها رن في وداني صوت الدكتور لما قالي" ممنوع خروج اي معلومة تخص اي مريض، بره باب العيادة دي".. بس هديت ضميري لما قولتله "المعلومة في موبايلي مش بره العيادة".. بعد ما انتهيت من كل حاجة، افتكرت حاجة مهمة وسط الفضول اللي سحلني وراه.. هو ايه اصلا "عنبر8"؟



عرفت اجابة سؤالي تاني يوم بعد المغرب، وده وقت استلام شفتي في العيادة، كنت قاعد مع الدكتور وسألني:

ـ قريت الملف زي ما قولتلك امبارح، او على الاقل اتطلعت عليه.

هزيت راسي بالايجاب، بعدها سألته:

ـ عاوز بس استفسر من حضرتك على حاجة يا دكتور"سليم"، عاوز بس افهم اكتر عن "عنبر8".



رجع ضهره لورا على الكرسي وقال:

ـ معنى كلامك انك ماقرتش الملف، لو كنت قريته كويس وفهمت اللي مكتوب جواه، كنت هتعرف ايه العنبر ده، هسألك سؤال.. انا بشتغل ايه؟

ردت بعفوية:

ـ حضرتك استشاري امراض عصبية ونفسية.


رد بهدوء:

ـ جميل، المرض النفسي له جوانب كتيره كلها بتتغلغل جوه الكيان البشري، اهمهم واسوءهم الجانب الاسود منه.. اصحابه بقى موجودين جوه "عنبر8"، بالمختصر.. ده يا "حسام" عنبر الحالات النفسية الخطرة، وخطورتهم مش بس على نفسهم، لكن كمان على اللي حواليهم، فبيتحولوا بعد ارتكابهم لجرائم للعنبر ده.. اللي متقسم عنبر رجال، وسيدات.. بس في النهاية موجودين تحت مسمى واحد "عنبر8".. فهمت معناه.

هزيت راسي بتوتر، لاحظ عليا الارتباك والقلق، فابتسم وهو بيبص في ساعته وقال:

ـ يلا دلوقتي عشان عندنا زيارة، هو الافضل بالنهار، بس انا بفضل زيارتي له بعد غروب الشمس، ماتنساش تجيب الملف اللي شوفته امبارح.



قومت من قصاده وروحت عشان اجيب الملف، خرج الدكتور من العيادة وخرجت وراه.. ماخدناش وقت طويل وكنا قصاد المستشفى، ومن البوابة اللي كان واقف عليها افراد الامن، كان واضح من تعبيراتهم وابتسامتهم للدكتور "سليم"، انهم يعرفوه من فترة طويلة.. رفعوا ايدهم تحية لحضوره ومن بعدها وقفت العربية قصاد مبنى جانبي، نزلنا من العربية ودخلنا المبنى.. كان قديم الى حد ما، كام مكتب جنب بعض، وفي نهاية طرقة طويلة باب كبير مقسوم لجزءين.. بس عليه يافطة واحدة مكتوب عليها "عنبر8"، كنت متوقع ان الدكتور هيدخل العنبر، بس خالف توقعاتي.. لما دخل اوضة جنب العنبر، اوضة كبيرة مايقلش شكلها عن شكل المبنى نفسه، جواها مكتب كبير وقديم وكام كرسي موجودين بدون ترتيب.. شاورلي الدكتور اقعد على كرسي منهم، نده بصوت عالي:

ـ عم سيد، يا عم سيد.

لحظات ودخل من الباب راجل كبير، فهمت من هيئته انه عامل المبنى، واتأكدلي ده لما قاله الدكتور:

ـ فنجان قهوة سادة الله يكرمك.






هز راسه لتنفيذ طلبه، لف عشان يخرج من المكتب، اتصادف بدخول راجل في نفس عمره، واضح من طريقة دخوله ولبسه، انه صاحب مركز مش قليل في المستشفى، حط ايده على كتف الراجل قبل ما يخرج وقاله:

"خليهم اتنين".

كمل كلامه وهو بيتفحصني بريبة وتحفظ:

"الاستاذ يشرب حاجة؟".

رديت عليه وانا بحاول اسيطرعلى اعصابي اللي بدأت تتوتر:

ـ لا لا شكرا حضرتك، الدكتور"سليم" سألني من شويه وشكرته.


خبط خبطتين على كتف العامل، معناهم يخرج.. بعدها راح ناحية دكتور "سليم"، قرب منه بدرجة كبيرة وهمس جنب ودنه وهو مركزبعينه عليا، قاله كلام ماسمعتوش.. بس الكلام اللي قاله غير ملامح الدكتور، بشكل ماعرفتش افسره، بصله بتركيز ورد عليه بثقة: 

ـ "حسام" هيساعدني في شغلي، انا واثق فيه كويس.



بعد ما خلص جملته حصل بينهم نقاش، برغم اني مش سامع اللي بيقولوه، بس كان نقاش حاد في شد وجذب، فهمت منه بسبب نظراتهم ناحيتي انه يخصني، نهاه دكتور "سليم" لما قال:


ـ فهمت حضرتك ان واثق فيه يا دكتور "عامر"، حضرتك مدير المستشفى.. لكن اختصاصاتك ليها حد معين، بتقف عند ازاي امارس شغلي بالطريقة المناسبة والمكلف بيها من النيابة، بعد أذنك عندي شغل،  ودلوقتي هنده على واحد من الممرضين يجبلي المريض اللي اتحول من يومين.


بان على ملامحه الضيق، بس مااعلقش على الكلام واكتفى بتوزيع نظراته بيني وبين الدكتور، واللي ماكنتش مريحة بالمرة، بعد خروجه نده الدكتور على واحد من الممرضين، وطلب منه يجيب المريض "شاكر غانم".. بعد دقايق قليلة، اتفتح باب المكتب ودخل منه الممرض ساحب واحد من دراعه، الراجل اللي معاه كان في حالة استسلام غريب، مش زي بسمع عن المرضى النفسيين، انهم يعني في حالة هياج نتية للأضطرابات النفسية اللي موجودين تحت تأثيرها، ده بالعكس جدا، الراجل من الهدوء الغريب اللي كان محاوطه.. اي حد هيشوفه انه مريض بمرض عضوي، المرض ناحل جسمه مخليه هزيل، ملامحه شاحبه شحوب واحد ماشفش الاكل ايام، اطراف ايده بتترعش كل لحظة والتانية رعشة خفيفة، وده دليل على توتره او خوفه من حاجة معينة، المعنى اللي طلعته منه من الشكل العام للمريض ده، اتلخص في سؤال واحد بيلح في عقلي "ازاي ده قتل اخواته؟".



شد الممرض كرسي وقعد عليه "شاكر".. قعد بهدوء بدون ما يبص علينا، او حتى الفضول العادي لمكان جديد يخليه يبص حواليه، لكن بالعكس عيونه اتكسرت وراسه مالت على راسه، خرج الممرض وقفل وراه باب المكتب، فضلت ساكت مجرد متفرج، مستني احداث المشهد الجديد، خاصة ان السكون والهدوء اللي كان بيحيط بالمكان زود قلقي، خلاني متحفز لأي رد فعل من "شاكر".. بعكس دكتور"سليم" اللي كان على ملامحه هدوء مايتناسبش مع الموقف، لاحظت انه بيدقق في "شاكر" بطريقة مبالغ فيها، او يمكن انا اللي شايفها كده.. حسيت للحظة انه بيقرأ انفعالاته، حركة ايده، هزة رجله السريعة، حتى نفسه اللي بياخده بصعوبه، قطع تركيزي، الاهتزاز الفجائي لجسم "شاكر".. بدون مقدمات، رفع وشه وبص جنبه بذعر.. في اللحظة دي شاورلي دكتور "سليم" وقال:



ـ شغل مسجل الصوت اللي جايبه معاك.

حسيت وقتها بشوية توتر، بس نفذت اللي طلبه الدكتور، وجه كلامه "لشاكر":

ـ مالك يا "شاكر" خايف من ايه؟

فضل يبص جنبه بخوف اكبر، برق عينه ورفع ايده كأنه بيحمي نفسه من حاجه، بعدها قال بكلام مهزوز:



ـ ابعده عني هيقتلني.

رد عليه الدكتور بنفس هدوئه:

ـ هو مين ده اللي هيقتلك؟.. مافيش حد واقف جنبك.



رجع يشاور بأيده، وعلى وشه علامات خوف مش عادية، الخوف ده خلاني هصدق فعلا انه شايف حد احنا مش شايفينه، بس الاتزان اللي كان فيه الدكتور وهدوء الاعصاب وقعوني في لخبطة، خاصة اني مش خبير بخبايا النفس البشرية، اللي فزعني اكتر.. لما اتنفض من مكانه ووقع الكرسي ع الارض، جري بسرعة ناحية الحيط وبدأ يدخل في نوبة هيسترية غريبة، صراخ، بيضرب بأيده وبقوة في الحيط، بعدها سند بضهره على الحيط، رفع كفوف ايده وبدأ يخنق نفسه لدرجة ان لون بشرته بدأ يتغير، وكأن في روتين معتاد في الحالة دي، مد الدكتور ايده على مكتبه وضغط على زرار، على اثره.. اتفتح باب الأوضة ودخل منه الممرض ومعاه واحد تاني شبه اللي بيلعبوا مصارعة حرة، بدون اي تعليق.. جريوا ناحية "شاكر" واحد منهم مسكه من دراعه، وطبعا كانت في مقاومة منه غير طبيعية، اما الممرض التاني كان معاه حقنة، غرزها في دراع "شاكر"، قطع اللحظاات الغريبة دي صوت الدكتور بيقولي:



ـ اقعد مكانك يا "حسام"، التمريض ادوه حقنة مهدئة دقايق واعصابه تهدى.

ـ تقصد هينام؟

ـ لا هينام ايه، هو هيهدى بس عشان اقدر اتكلم معاه.



بعد ما قعد الممرض "شاكر" على الكرسي، استأذنوا عشان يخرجوا، بس وقفهم الدكتور بسؤال:

ـ مين بيلاحظ حالة "شاكر" من وقت تحويله عنبر الحالات الخطر؟

اتكلم واحد منهم وقال:



ـ انا يا دكتور، حضرتك تؤمرني بحاجة؟

ـ في اي ملاحظات على حالته، انتبهت ليها؟

لف الممرض وشه ناحية اللي كان واقف جنبه، بعدها قال:



ـ انا كنت عاوز اتكلم معاك في الموضوع ده، طول الليل بسمعه بيتكلم مع حد.. واوقات كنت الاقيه يقوم من على السرير ويقعد، يفضل قاعد مكانه بدون اي حركة، وفجأة.. يمسك رقبته ويفضل يخنق في نفسه زي ما حصل من شويه، وقت ما كنت بروح ناحيته عشان الحقه، كان بيقول جملة واحدة "ارحمني يا طاهر".



ضيق الدكتور عينه وقال بأستغراب:


ـ تقريبا الاسم ده مر عليا في ملفه.

خد الدكتور ملف المريض وفتحه، قبل ما يعقب ويكمل الحوار مع الممرض، سمعنا صوت ضعيف بيتكلم، كان بيقول:


ـ "طاهر" اخويا الصغير.



كان صوت "شاكر".. شاور الدكتور للمرضين انهم يخرجوا، بعد ما خرجوا.. قام الدكتور من مكانه، لف من ورا المكتب ووقف قصاد "شاكر"، اللي كان في حالة هدوء كأنه اتبدل بشخص تاني، سأله الدكتور بمحاولة منه يفهم اللي جوه عقله، وتقريبا معلوماتي عن الدكاترة النفسيين، خاصة اللي بيعالجوا الحالات الشبيهة لشاكر، بيكون تخمينهم ان اي تصرف بيصدر منهم، مش اكتر من تمثيل في تمثيل.. يعني، بيعتبروه نوع من الدفاع عن النفس عشان يفلتوا من جرايمهم، فبدأ الدكتور يتعامل معاه على الاساس ده، الا اذا بقى لو ثبت العكس، وللسبب ده سأله:



ـ قولتلي بقى "طاهر" ده يبقى اخوك.. طيب تمام.

فتح الملف اللي كان في ايده، قلب في اوراقه وكمل كلامه:


ـ بس انت قت*لت اخوك "راضي" واختك "نورا".. ده اللي مكتوب في تحقيقات النيابة، بعد ما الشرطة قبضت عليك.

رفع وشه "شاكر" وبص للدكتور وقال بنبرة فيها حزن، مستحيل يكون الحزن ده تمثيل.. ده وجع مدفون والدكتور بدأ ينبش فيه.. وواضح ان في حاجات كتير مستخبية جوه الشخص ده، وكانت البداية لما رد وقال:



ـ ماحصلش، انا ماقت*لتش اخواتي، مستحيل اعمل كده.. اللي قت*لهم "طاهر"!

اندهش الدكتور من كلامه، السبب ادعى للاستغراب صراحة، ملف قضيته كان فيه معلومة مهمة، ان اصغر اخوات "شاكر" اتوفى بعد موت ابوه بسنة..






اندهش الدكتور من كلامه، السبب ادعى للاستغراب صراحة، ملف قضيته كان فيه معلومة مهمة، ان اصغر اخوات "شاكر" اتوفى بعد موت ابوه بسنة.. وعشان كده، قرب منه الدكتور ولبس روح محقق في قسم شرطة، مسك الصور اللي كانت في الملف وبدأ يضغط عليه نفسيا، قربهم قصاده وقال:


ـ  "طاهر" ميت.. وانت متهم بقتل الموجودين بالصور، بدليل قاطع مافيش عليه جدال، كاميرات الفيلا بتاعت والدك صورتك وانت بتق*تلهم، وشرايط الفيديو حرزتها النيابة كدليل اتهام يوديك حبل المشنقة.


رد عليه وهو بيترسم على وشه ابتسامة مختلطة بألم، رد وقال:

ـ والدي!.. كل اللي حصل من وراه، صنع بعملته وحوش.. وكانت النهاية ايه، جزاء الظلم ظلم اكبر منه يا دكتور.. انا اكبر اخواتي، من وقت ما خلصت دراستي شيلت الشغل كله على كتافي مع ابويا، حبيت اريحه من تعب وشقا سنين في تربيتنا وتعليمنا، مانكرش فضله عليا او على اخواتي، وبالخصوص "طاهر".. طاهر كان اصغر واحد فينا سنه كان مقارب للعشرين، في سن صغير تعب، لف بيه ابويا على الدكاترة، وكان كلامهم واحد، عرفته لما قعد معايا وقالي:


ـ اخوك "طاهر" هيفضل باقي عمره كده، كل ما اروح لدكتور يقولي ابنك عنده "توحد".
سكت شويه وبعدها سألني:


ـ مش فاهم كلامهم، هو ايه التوحد ده، لو مرض يتعالج بعملية اعملهاله ولو هتكلفني ملايين، لا.. ثروتي كلها، بس يبقى زيك انت واخواتك، ده امانة امك ليا قبل ما تم*وت.


رديت عليه بمعلومات بسيطة كنت اعرفها عن المرض:
ـ لا يا بابا ده مش مرض عضوي، اقصد مش علة بالجسم، ده مرض نفسي جوه عقله، بيخليه يحب العزلة وقليل الكلام، وزي ما قالولك الدكاترة هيتعالج بس على فترات بعيدة.


حسيت ان كلامي شيله الهم اكتر ما كان شايله، بس كان لازم اقوله حقيقة تعب "طاهر".. وياريتني ما كنت قولت، من اليوم ده حاله ابويا اتقلب.. كان "طاهر" بالنسباله مركز الكون، واي حد يدور حوالين مركزه بالنسبة لبابا تحصيل حاصل، مرت السنين والفجوة بينا وبين بابا بتزيد، بأستثناء طبعا علاقته "بطاهر" اللي كان الكل ملاحظ انها مختلفة، فكان الحل الوحيد قصادي مواجهته، خدت قرار ونفذته.. لما قعدت معاه وبدأت الكلام:


ـ حضرتك بعيد عننا، وقريب من اخونا ودي حاجة مضايقاني انا واخواتي.
وكانت قعدة فتحت بير كان مقفول، ابويا كان مخزن جواه حاجات ضدي انا واخواتي، مش ناسي لعب اطفال كانوا بيتعاملوا بفطرتهم مع اخوهم، بس هو شافها لؤم ومكر.. لما قال:



ـ وانتوا صغيرين كنتوا بتبعدوه عنكم، ولو لعب معاكم بتضربوه، بحميه من قسوتكم.


الكلام كان صادم، ماكنتش مصدق ان ابويا شايل في قلبه من ناحيتنا، بحاجات مش اكتر من لعب اطفال، حصل بينا نقاش طويل. قفله بابا وهو مصر على اللي في راسه، وبسبب النقاش ده بابا ما اتحملش بعده بيومين ضغطه علي وتعب.. طلب الدكتور نقله للمستشفى اللي كانت محطته الاخيرة في حياته، وبدل ما يرجع البيت، مات وخرج منها على المقابر.. بعد الدفنة والعزا، مر على موت ابويا اسبوعين، في الوقت ده جالي اتصال من محامي الشركة، كان محتوى المكالمة انه عاوز يقابلني في اقرب وقت، فاديته ميعاد في نفس اليوم بعد المغرب، في الميعاد المحدد جه المحامي الفيلا، وكنت في استقباله ومعايا اخويا "راضي" واختي "نورا".. بعد ما قعدنا عزانا في وفاة ابويا وقال:



ـ استنيت منك مكالمة استاذ "شاكر"، ماحبتش اقطع فترة حزنكم على الوالد، بس لما لقيت الموضوع طول فكان لازم ابادر انا بالمكالمة لامر هام وضروري.


بصينا لبعض انا واخواتي باندهاش، احنا كنا فاهين ان اكيد كلامه هيكون عن تقسيم الميراث، لكن كلمة هام ووراها ضروري، خلت عقولنا تروح لمنحنى تاني خالص، في توتر وقلق لحاجة احنا مش فاهمين اسبابها، لاحظ علينا سكوتنا فقال وهو بيتلفت حواليه بتفحص:
ـ اومال فين اخوكم الرابع "طاهر"؟


رديت عليه وقولتله:


ـ اخونا حضرتك عارف حالته الصحية، هو نادر لما بيقعد معانا عشان يقابل اي حد غريب، ودايما جوه اوضته.
هز راسه وهو بيزوم بشفايفه، بطريقة عدم اقتناع:


ـ اممم غريب، تمام.. دلوقتي الحج "غانم" كتب وصية قبل موته بتلات شهور، ووثقتها بأمضاء منه.



كلام المحامي كان كله مفاجأت، حوار الوصية دي كان غريب على سمعي، خاصة زي ما قولتلك في بداية كلامي، ان كنت شايل الشغل كله، ف ازاي يخبي عليه حاجة زي دي، الا اذا لو كان في الوصية حاجة مش مرضية لعقلي، بس اللي عرفته بعد كده، انها ماكنتش مرضية لأي مخلوق ع الارض، كمل المحامي كلامه بعد ما خرج اوراق من شنطته وقرا اللي مكتوب فيها:



ـ اوصي انا "غانم الزيني" وانا بكامل قواي العقلية، ان تؤؤل كل ممتلكاتي وثروتي بالكامل لأصغر ابنائي "طاهر".
من صدمة اللي سمعته ما تحركتش من مكاني، حطيت راسي بين كفوفي، وقفت عقلي اللي كان هينفجر من التفكير ولو للحظات.. بعكس اخواتي اللي قاموا من مكانهم في حالة ثورة على الوصية، فضلوا يزعقوا وهم بيوجهوا كلامهم للمحامي..
"ده ظلم بين، لعب بالشرع.. ده اسمه تهريج".


رد المحامي وهو بيعمل محاولة انه يهديهم، من خلالي:
ـ ما تقول حاجة يا استاذ "شاكر" مش انت الكبير في اخواتك برضه؟
رفعت راسي وبصيتله بنظرات فارغة، قولت بيأس واحد حاسس بضياع حقه ومجهوده:
ـ بابا ماسبليش حاجة اقولها، لازم تعذرهم حضرتك في تصرفهم، بابا ظلم وحق الدفاع عن الظلم بيكون باطل، وياعالم بقى نتيجة ظلمه هتكون ايه.
كنت قايم من مكاني، بعد ما خلصت كلامي، فلحقني المحامي وقال:




ـ اسمحلي بس اكمل باقي الوصية.
ابتسمت بأستهزاء وسخريه، فكمل باقي اللي مكتوب في الوصية:
ـ اي ابن من ابنائي سييقوم برعاية طاهر حق الرعاية، توجب له رعاية املاكه وامواله.
قاطع "راضي" المحامي بسؤال:


ـ مش فاهم معنى الكلام ده.
رديت عليه بتريقه:
ـ يعني اللي هيشتغل دادة لطاهر بيه، هو الوحيد اللي هيكون له الحق يصرف من ماله، فهمت اللي قاله ابوك.
وزي ما يكون دي شرارة، ولعت في البركان اللي كان خامد جوايا، كنت بتناسى حوار الوصية، بس جه باقيها واستهزائه بينا خلاني فوقت.. فضلت ازعق في المحامي،  اللي ماتحملش طريقة كلامي وقام خرج من الفيلا بسرعة.. بعد خروجه قعدنا انا واخواتي نبص لبعض في صمت تام، صحيح الالسنة كانت ساكتة، بس العقول كانت شغالة اسرع من ماتور عربية، افكار كتير وكلام المحامي وجُمل الوصية اللي عماله تتعاد بتكرار ممل، قطع الصمت صوت "راضي" لما قال:



ـ لازم نخلص منه.
ضيقت عيني ورديت عليه بقلق:
ـ نخلص من مين؟
اتدخلت "نورا" في الحوار:
ـ ما تفوق يا "شاكر" هيكون من مين يعني؟.. طاهر طبعا.
رديت عليهم برفض قاطع لكلامهم:



ـ انتوا اكيد اتجننتوا، هتموتوا طاهر.
رد "راضي" بهدوء، وكان في صوته نبرة سخرية:
ـ احنا اللي هنموته!.. ابوك هو اللي حكم عليه بالموت مش احنا، جزاء الظلم ظلم اكبر منه يابن ابويا.
سكت ثواني وبعدها كمل كلامه:



ـ على العموم ماحدش هيموته، هو اللي هيخلص على نفسه.
مش عارف ليه وقتها، اتسحبت ورا كلامهم وافكارهم، يمكن بسبب احساسي بأني اتظلمت.. ما هو المظلوم اوقات بيدور على اي حاجة ينتقم بيها، عشان بس يتخلص من احساسه بالظلم، بيمشي وقتها على مبدأ "البادئ اظلم".. وده السبب اللي خلاني كملت وسألته:
ـ ده اللي هو ازاي؟



ابتسم "راضي" ابتسامة فاهمها كويس، ترجم معناها لما قال بأريحية،  وهو بيسند ضهره لورا على الكرسي:
ـ سؤال جميل، بس الاجمل انك بدأت تندمج معانا عشان نرجع حقنا، بص بقى.
وبدأ يحكي اللي هيعمله مع طاهر.. واللي قرر تنفيذه بعد نهاية شرح الفكرة اللي في راسه، قام من مكانه وطلع الدور التاني، الدور اللي فيه اوض نومنا.. وصل قصاد اوضة "طاهر" وخبط على الباب، كنا متابعينه من مسافة قريبة، لحد ما خرج طاهر من الاوضة، بص لراضي وقاله:



ـ عاوز ايه يا راضي؟
ابتسم راضي وقال:
ـ اخواتك ناموا والتلفزيون صورته مش مظبوطة، اطلع فوق السطح وحاول تظبط طبق الدش، وانا هستنى جنب التلفزيون.
رد عليه طاهر بتفكيره المحدود:

ـ اطلع فوق عشان اقع من فوق السطح واموت، لا ماليش دعوة اتصرف انت براحتك.
خلص جملته دخل اوضته وقفل الباب في وش "راضي"، من مفاجأة تصرفه فضل "راضي" وقف مكانه للحظات، لحد ما ندهت عليه عشان يتحرك وييجي ناحيتنا، فاق من صدمته وجه مكان ماكنا واقفين، وقتها طلبت منهم كل واحد يروح اوضته ولما يطلع النها، نشوف هنعمل ايه.. وفعلا، كل واحد راح اوضته، تاني يوم الصبح قومنا عشان نفطر.. بعد الفطار بدأ روتين اليوم المعتاد، لحد بعد الضهر اتصلت عليا "نورا" وطلبت مني ارجع البيت، عشان عوزانا في موضوع مهم.. خرجت من الشركة ورجعت ع البيت، بمجرد ما وصلت سحبتني من ايدي ودخلت بيا اوضة وقفلت الباب، كان قاعد جوه راضي منتظر وصولي، بعد ما قعدت بدأت الكلام:



ـ عارفين طبعا "ام السعد".
هزينا راسنا بالتأكيد على استفسارها، "ام السعد" واحدة بتشتغل عندنا من فترة ف أكيد يعني عارفينها، فكملت كلامها:



ـ قعدت معاها النهاردة بعد الفطار، وسألتها اذا كان ليها معرفه بالناس اللي ليها في جو السحر الاسود، والاعمال والحاجات دي، وبررتلها ان واحده صاحبتي عاوزة عنوان حد منهم عشان حوار كده مع خطيبها.
قاطعت كلامها:


ـ وانتي عاوزة ايه من ناس زي دي؟


ـ هم دول اللي هيخلصوا الليله، جن بقى وعفاريت.. يجننوا طاهر وطيروا عقله فيخلص على نفسه، ونبقى احنا بعيد.. خاصة لو مات مقتول او ايا كانت الموته، هنكون احنا اول المتهمين بقتله، وعلينا بدل الشاهد اتنين.. المحامي وورقة الوصية اللي فتحها قصادنا وقراها، واكيد هيشهد ضدنا عشان احنا المستفادين من موته، ولو قدرنا نبرأ نفسنا هيفضل العيار اللي مش بيصيب بس يدوش، وانا بكره الدوشه.. ها ايه رأيكم في الكلام؟


رد راضي وهو في حالة اقتناع كامل باللي قالته:


ـ موافق طبعا، لو واثقة ان الحوار ده نتيجته اكيد فموافق اوي كمان.
لف وشه ناحيتي وكمل كلامه:
ـ ولا ايه رأيك يا شاكر؟


رديت عليه:
ـ رأيي ان اختك هوس قراية قصص الرعب والعفاريت، طيرت مخها.
قاطعتني "نورا":


ـ طيب بكرة تشوف العفاريت دول هيعملوا ايه، على العموم انا خدت عنوان واحد من "ام السعد"، هاخد "راضي" ونروحله، هتروح معايا يا راضي مش كده؟


هز راضي راسه بالموافقه، وفي خلال ربع ساعة كانوا خارجين من بوابة الفيلا، عدا ساعة وكام دقيقة، ولقيتهم داخلين عليا وعلى وشهم ابتسامة من الودن للودن، قربت مني "نورا" وحكتلي على الانجاز المميت اللي عملوه، واللي بدأت تنفذه برضه بمساعدة "راضي"، حاجات شربهاله في العصير، وطلاسم شكلها غريب كتبوها في مكان متداري بأوضته، وكانت النتيجة اغرب مما كنت اتخيل، بدأت بعد 3 ايام من اللي عملوه، كنت طول الليل اسمع صوت حد بيصرخ، وبعد الصرخات اسمع في خبط على الحيط الملازم لأوضة "طاهر"، وفي نفس اليوم كنت لسه بحاول انام، سمعت خبط على باب اوضتي، قومت فتحته كان واقف "طاهر"، عيونه زايغة وبيبص حواليه وشمال ويمين، كانت عيونه مليانه خوف وذعر، قال بهمس:


ـ الحقني يا "شاكر" هيقتلوني.
رديت عليه وانا ببص مكان نظرات عيونه:


ـ انت بتبص على ايه؟.. ومين دول اللي هيقتلوك؟
اتكلم بصوت بيترعش:
ـ هم، هم يا شاكر.. بقالهم كام بيظهرولي جنب الدولاب، لابسين اسود في اسود، شكلهم مخيف.


قطع كلامه وبص جنبه، برق عينه برعب، صرخ وبدأ يرجع لورا خطوات وهو بيقول:
ـ اهم يا "شاكر" جايين ناحيتي مش هيسيبوني.


وفضل يرجع لورا لحد ما وصل للسلالم اللي بتطلع على الدور الاخير، جريت ناحيته وكان صحي على صوته اخواتي وكام واحد من الشغالين، جرينا وراه.. على ما وصلنا عنده، كان واقف عند السور.. فضل يشاور بأيده كأنه بيمنع حد بيقربله احنا مش شايفينه، هو بس اللي شايفهم، وفجأة.. اتقطعت حالة الرعب اللي كان فيها، بصوت صرخته العالية وهو بيقع من فوق السور، جرينا ناحيته كان واقع في حمام السباحة، الغريب بقى.. ان حمام السباحة مش بالعمق اللي يغرق، ده غير ان "طاهر" كان كويس في العوم، بس لمحته بيغرق، او بالتحديد في حد بيغرقه، في حد او شئ مش مادي موجود معاه بحمام السباحة بيشده لتحت، لفيت وشي عشان انزل الحقه.. بس مسكني "راضي" من دراعي وقال:


ـ رايح فين؟.. حواره خلص لحد هنا، واللي معاه في حوض السباحة هيخلصوا عليه.


بصتله بنظرات فاضية مش عارف ارد اقول ايه، بس سحبت دراعي من ايده ونزلت بسرعة عند حمام السباحة، بس كان فات الاوان.. وقفت قصاد جثة "طاهر" اللي كانت طافية على المية، عيونه مفتوحة على اخرها وملامح وشه متغيره.. حوالين جسمه بقعة دم مش عارف مصدر النزيف منين، وكل شئ انتهى.. في خلال نص ساعة الشرطة كانت جوه الفيلا، والكاميرات سجلت لحظة وقوعه من فوق، ده غير طبعا شهادة الشغالين، والاهم من ده كله، شهادة اخواتي اللي قالوا فيها.. "طاهر عنده توحد، ومن وقت وفاة بابا مش مستقر نفسيا، بيشوف حاجات غريبه وبيصرخ طول الليل".. وعلى اساس الكلام اللي اتقال والمطابق لشريط الفيديو، الحكاية خلصت على انه انتحر.. واتقفل موضوع "طاهر" واتدفن معاه السر الحقيقي ورا اللي حصله.



توقعنا ان كل شئ انتهى، وحقنا المسلوب رجع.. ماكناش نتوقع ان حكايتنا احنا كمان بدأت نهايتها من لحظة قتلنا "لطاهر".. بعد موته بأيام، كنا بنصحى بعد نص الليل على نفس صرخاته قبل موته، صوت رجلين بتمشي في الطرقة بين الاوض، لحد ما في يوم سمعت صوت "راضي" بيصرخ، فتحت باب اوضتي وخرجت.. لقيته كان بيجري ناحية السطوح، جريت وراه ولحقته، مسك في دراعي وقال بخوف:


ـ طاهر قتل "نورا" وغرقها في حمام السباحة، ومش هيسيبني.


حاولت اهديه وافهم اللي بيقوله، بس لقيته بيبص ورايا وعلى وشه اقوى وصف للرعب، مسك في رقبته ووقع على الارض، قربت منه وانا بحاول اشيل ايده عن رقبته، بس ماكنتش قادر.. كان بيتلوى على الارض ووشه لونه بيتحول للأزرق، لحد ما لقط اخر انفاسه وجسمه سكن مكانه، في نفس اللحظة حسيت بضربة شديدة على راسي، فوقت منها على وشوش بتبصلي، وعدد كبير من الشرطة محاوطني، خدوني للقسم ومعاهم دليل ادانتي بقتل اخواتي، الكاميرا مسجله صورتي وانا بقتلهم، بس ده ماحصلش.. اللي قتلهم شبح "طاهر".



بعد ما سكت "شاكر" عن الكلام قولت جملة طلعت مني تلقائية:


ـ بس الشرطة ما بتوجهش تهمة قت*ل لأشباح.. ولو كلامك صح ف الجزاء من جنس العمل.


سكت لما لمحت الدكتور مركز معايا، مافهمتش معنى نظراته.. او مالحقتش، عشان بدأت نوبة التشنج ترجع لشاكر، فضل يصرخ ويحاول يخنق نفسه، دخل الممرضين بسرعة.. بس المرة دي طلب منهم الدكتور ياخدوه لسريره في العنبر، بعدها قال الدكتور:
ـ كفاية لحد كده يا حسام، حاول بكره تفرغ التسجيل في فايل، وانا هراجع كلامه وبناءا على دراستي لحالته هبعت التقرير للنيابة، وليهم القرار النهائي.




سكت ثواني، بعدها خرج ملف من شتطته ومد ايده ناحيتي:

ـ وعاوزك ابقى تشوف الملف ده بلمحة سريعة، من باب العلم بالشئ.


هزيت راسي بالموافقة، استأذنته عشان امشي، خدت تاكسي ورجعت البيت، دخلت اوضتي ومن التعب رميت نفسي على السرير، بس مخي مش موقف تفكير في حالة "شاكر"، يا ترى هو اللي قتلهم فعلا؟.. او زي ما بيقول شبح اخوه.. قطع تفكيري الملف اللي ادهولي الدكتور، فتحته.. عشان اتفاجئ باللي اسوأ من اللي حصل النهاردة، عنوان التحقيق " سيدة في منتصف الثلاثينات، تق*تل رجل غريب وامها واختها، ودفاعها.. انها ليست القا*تلة ولكن هم من يريدون قت*ل ابنائها الاموات"...


"تمت"..




تعليقات