قضية شاكر غانم بقلم الكاتبة لمياء الكاتب
بصيت في ساعتي اللي قربت على 11 قبل نص الليل، الجو كان فيه لسعة برد وتيار هوا غريب، من شدته خلا شباك المكتب مش مستقر في مكانه، كان عمال يخبط خبطات خفيفة، وده سببلي شوية قلق وتوتر، مش عارف احدد مصدره بالظبط، يمكن بسبب الجو الغريب ده اللي حبسني جوه المكتب، او يمكن عشان المكان جديد عليا، او يمكن بسبب شكل الادراج الكتير المتقفله حواليا، عارفين.. هي ادراج معدن ملمسها ببرودة الجو، بس جواها حكايات بشر بين سطور مجموعة ملفات، بتقلب المعدن ده لجزء حي بيتنفس.. او يمكن ده نوع من تفكيري الفلسفي الخاص بيا.
قطع سرحاني مع نفسي صوت رنة تليفوني، بصيت في شاشته اللي كان مكتوب عليه الدكتور"سليم عرفان"، رديت عليه:
ـ انت بتعمل ايه عندك في العيادة لدلوقتي؟
ارتبكت من سؤاله، وفي نفس الوقت اتعجبت هو عرف منين اني لسه موجود في العياده، رديت عليه بالمبرر اللي جه في دماغي:
ـ الهوا بره شديد يا دكتور، يهدى شويه واقفل العيادة وامشي.
سكت لثواني بعدها قال:
ـ طيب ما تنساش يا حسام تقفل كهربة العيادة، ما هو انا عرفت انك لسه موجود، لما شاف البواب النور منور.. فاتصل بيا وبلغني.
وقتها جزيت على سناني من غيظي من بواب الغبرة، اللي اكتشفت خلال فترة بسيطة انه لسانه اطول منه، وقبل ما ارد على الدكتور، ظهر على شاشة التليفون ان في اتصال تاني، ف اتوترت.. وكنت عاوز اقفل الاتصال بأقصى سرعة مع الدكتور، قبل ما الحرب العالمية التالتة تقوم، ولسه هتكلم قاطعني الدكتور وقال:
ـ بقولك ايه يا "حسام"، صحيح انا لسه بمرنك على الشغل معايا، بس انت شاب نبيه وبتركز في كل معلومة بقولها، ودي اكتر حاجة مريحاني في شغلك معايا.
سكت للحظات كان بيتنفس فيهم، في اللحظات دي بصيت في شاشة موبايلي، كان لسه التليفون بيديني تنبيهات بوجود اتصال تاني، وقتها كمل الدكتور كلامه:
ـ في قصادك ادراج كتير مترقمة بأكتر من لون شايفهم؟
ـ طبعا يا دكتور شايفهم.
ـ طيب تمام، ركز بقى في اللي هقوله كويس، تروح ناحية الادراج دي، وتدور بينهم على درج مكتوب عليه باللون الاحمر"عنبر 8".. تفتحه وتدور بين الملفات اللي موجوده جواه، على فايل مكتوب عليه قضية "شاكر غانم".. تفتح الملف وتقرا القضية كويس، عشان تكون تجهزها لبكرة، اهو تسلي وقتك في شئ مفيد لحد ما تمشي.
هزيت راسي بالموافقة على كلامه، ونسيت مع توتري ان ارد عليه بالكلام، فقال:
ـ انت سامعني يا ابني، ولا نمت وانا بكلمك.
رديت بسرعة:
ـ سامعك، سامعك يا دكتور، حاضر هعمل اللي قولتلي عليه.
بعد ما خلصت كلامي، قفل معايا الدكتور المكالمة، وبسرعة البرق رديت على الاتصال التالت او الرابع من التوتر ما انتبهتش للعدد، وكان اتصال من خطيبتي"تسنيم".. اللي بمجرد ما رديت، اعصار تسونامي ثار عليا:
ـ ربع ساعة يا حسام بتتكلم في التليفون؟
ابتسمت من طريقتها وغيرتها اللي ملهاش حد او كنترول:
ـ ربع ساعة ايه بس، دول كلهم 10 دقايق او يمكن 8.
ـ وكمان بتهزر.. كنت بتتكلم مع مين في الوقت ده؟.. وسايبني ارن وازن مع نفسي.
ـ تزني!.. الغيرة بتخلي مصطلحاتك غريبة، بس بحبها منك صراحة.
اتعصبت اكتر وقالت:
ـ مافيش مجال لهزارك دلوقتي لو سمحت، كنت بتكلم مين يا "حسام"؟
ـ هكون بكلم مين يعني، صاحبي "مصطفى".. ما انتي عرفاه لما قولتله انك بتتصلي عليا، حب يرخم علينا وماكنش راضي يقفل المكالمة.
ردت عليا بعدم اقتناع:
ـ اممم "مصطفى"، وماله.. ان غدا لناظره قريب، بكره بأذن الله اكلمه واعاتبه على رخامته دي.
رديت عليها بلهفة الكداب اللي بيحاول ينقذ نفسه من ورطة وقع نفسه فيها:
ـ عيب عليكي يا "تسنيم".. لو عملتي كده هتخلي شلة صحابي يتسلوا عليا، وياخدوني تريقتهم باقي الاسبوع، يرضيكي الكلام ده!.. ولا انتي مش واثقة فيا؟
ردت بأريحية واجابة صدمتني:
ـ اكيد مش واثقة فيك، انت وسيم وكاريزما في نفسك، ممكن واحده تيجي وتخطفك مني.
اتنفست بعمق وقولتلها:
ـ ايوه كده يا شيخه كلمه حلوة تطلع الشمس في عز الليل والبرد ده، وهو في غيرك يا قمر انت يملى عيني.
ـ ما انا فعلا هوريك الشمس في نص الليل، والنجوم في عز الضهر لو بصيت لغيري.
ضحكت وكملنا باقي المكالمة هزار، على كلمتين حب لحد ما قفلنا المكالمة.
سرحت للحظات مع نفسي وانا بقول في عقلي "ما كنش ينفع اقولها ان بشتغل مساعد في عيادة نفسية، صحيح الشغل مايعبش صاحبه، بس مش وقته دلوقتي ياض يا"حسام".. لما تظبط امورك الاول في الشغل، ساعتها ابقى احكيلها عملت كده ليه".. لحظة كلامي مع نفسي اتقطعت لما عيني جت على الادراج، افتكرت اللي طلبه مني الدكتور، قومت من على الكرسي وروحت ناحيتها، لفيت بعيني ادور على الدرج اللي حدده الدكتور ولقيته.. انتبهت لحاجة غريبة، صحيح العيادة بمحتوياتها واقعة في زمن اواخر الستينات، وده طبعا بحكم سن الدكتور واحتفاظه بكل حاجة تخص الفترة دي، من اثاث لألوان وحتى شكل ادراج الدولايب اللي جواها شغله، لكن الدرج ده كان غريب ومميز.. مدهون باللون الاسود ومكتوب عليه زي ما قال باللون الاحمر "عنبر 8".
في فترة بسيطة جدا قدرت اكسب ثقة الدكتور، يمكن بسبب عمره كان فعلا محتاج مساعد معاه، او يمكن انا فعلا شاطر ونبيه زي ما قال، المهم في الاخر النتيجة.. النتيجة اللي خلتني دلوقتي بفتح درج مليان بحكايات بني أدمين، المادة الخام للخير والشر على الارض، جبت كرسي وقعدت عليه قصاد الدرج، فتحته.. كان متقسم لملفات بعدد كبير جدا، كان في مجموعه عليها اثار تراب وخارج منها ريحة رطوبة، فهمت من شكلها انها ملفات قديمة ومتقفلة، بمعنى مش هي الغرض المنشود التدوير ما بينها، فمديت ايدي ودورت في بداية الملفات، لحد ما وقعت عيني على ملف مكتوب عليه قضية النزيل"شاكر غانم".. خرجته من بين الملفات، قفلت الدرج وروحت ناحية المكتب وحطيته عليه، فتحت الملف كان جواه ورق كتير فهمت بلمحة سريعة انها تحقيقات.. اقصد يعني محاضر نيابة واقوال شهود، وفي نهاية الورق كان في صور.. خدتهم من الملف وسيبته على المكتب، وزعت الصور قصادي على المكتب، الصور كانت صعبة.. صور لجثة واحدة ست في اوائل التلاتينات، برغم ان بشرتها بهتانه وشاحبه.. بس واضح عليها العمر، هدومها كانت غرقانه مايه، وشعرها كان مبلول.. خط دم خفيف خارج من زواية بوقها، وكان في صور تانية.. لجثة راجل من ملامحه يبان انه اكبر من الست في العمر، مسكت صورته وركزت فيها اكتر.. كان لون بشرته مايل للون الازرق، لا.. هو ازرق فعلا.
فضلت لدقايق اركز في الصور، بعدها جيبت نوته صغيرة خاصة بيا وبدأت ادون فيها كل ملاحظة، حتى لو كانت بسيطة.. البسيط ده بالنسبالي مهم، اوقات بيكون وراه حلول الغاز كتير، بعد ما خلصت.. جيبت موبايلي فتحت الكاميرا وخدت لقطات للصور اللي على المكتب، وقتها رن في وداني صوت الدكتور لما قالي" ممنوع خروج اي معلومة تخص اي مريض، بره باب العيادة دي".. بس هديت ضميري لما قولتله "المعلومة في موبايلي مش بره العيادة".. بعد ما انتهيت من كل حاجة، افتكرت حاجة مهمة وسط الفضول اللي سحلني وراه.. هو ايه اصلا "عنبر8"؟
عرفت اجابة سؤالي تاني يوم بعد المغرب، وده وقت استلام شفتي في العيادة، كنت قاعد مع الدكتور وسألني:
ـ قريت الملف زي ما قولتلك امبارح، او على الاقل اتطلعت عليه.
هزيت راسي بالايجاب، بعدها سألته:
ـ عاوز بس استفسر من حضرتك على حاجة يا دكتور"سليم"، عاوز بس افهم اكتر عن "عنبر8".
رجع ضهره لورا على الكرسي وقال:
ـ معنى كلامك انك ماقرتش الملف، لو كنت قريته كويس وفهمت اللي مكتوب جواه، كنت هتعرف ايه العنبر ده، هسألك سؤال.. انا بشتغل ايه؟
ردت بعفوية:
ـ حضرتك استشاري امراض عصبية ونفسية.
رد بهدوء:
ـ جميل، المرض النفسي له جوانب كتيره كلها بتتغلغل جوه الكيان البشري، اهمهم واسوءهم الجانب الاسود منه.. اصحابه بقى موجودين جوه "عنبر8"، بالمختصر.. ده يا "حسام" عنبر الحالات النفسية الخطرة، وخطورتهم مش بس على نفسهم، لكن كمان على اللي حواليهم، فبيتحولوا بعد ارتكابهم لجرائم للعنبر ده.. اللي متقسم عنبر رجال، وسيدات.. بس في النهاية موجودين تحت مسمى واحد "عنبر8".. فهمت معناه.
هزيت راسي بتوتر، لاحظ عليا الارتباك والقلق، فابتسم وهو بيبص في ساعته وقال:
ـ يلا دلوقتي عشان عندنا زيارة، هو الافضل بالنهار، بس انا بفضل زيارتي له بعد غروب الشمس، ماتنساش تجيب الملف اللي شوفته امبارح.
قومت من قصاده وروحت عشان اجيب الملف، خرج الدكتور من العيادة وخرجت وراه.. ماخدناش وقت طويل وكنا قصاد المستشفى، ومن البوابة اللي كان واقف عليها افراد الامن، كان واضح من تعبيراتهم وابتسامتهم للدكتور "سليم"، انهم يعرفوه من فترة طويلة.. رفعوا ايدهم تحية لحضوره ومن بعدها وقفت العربية قصاد مبنى جانبي، نزلنا من العربية ودخلنا المبنى.. كان قديم الى حد ما، كام مكتب جنب بعض، وفي نهاية طرقة طويلة باب كبير مقسوم لجزءين.. بس عليه يافطة واحدة مكتوب عليها "عنبر8"، كنت متوقع ان الدكتور هيدخل العنبر، بس خالف توقعاتي.. لما دخل اوضة جنب العنبر، اوضة كبيرة مايقلش شكلها عن شكل المبنى نفسه، جواها مكتب كبير وقديم وكام كرسي موجودين بدون ترتيب.. شاورلي الدكتور اقعد على كرسي منهم، نده بصوت عالي:
ـ عم سيد، يا عم سيد.
لحظات ودخل من الباب راجل كبير، فهمت من هيئته انه عامل المبنى، واتأكدلي ده لما قاله الدكتور:
ـ فنجان قهوة سادة الله يكرمك.
هز راسه لتنفيذ طلبه، لف عشان يخرج من المكتب، اتصادف بدخول راجل في نفس عمره، واضح من طريقة دخوله ولبسه، انه صاحب مركز مش قليل في المستشفى، حط ايده على كتف الراجل قبل ما يخرج وقاله:
"خليهم اتنين".
كمل كلامه وهو بيتفحصني بريبة وتحفظ:
"الاستاذ يشرب حاجة؟".
رديت عليه وانا بحاول اسيطرعلى اعصابي اللي بدأت تتوتر:
ـ لا لا شكرا حضرتك، الدكتور"سليم" سألني من شويه وشكرته.
خبط خبطتين على كتف العامل، معناهم يخرج.. بعدها راح ناحية دكتور "سليم"، قرب منه بدرجة كبيرة وهمس جنب ودنه وهو مركزبعينه عليا، قاله كلام ماسمعتوش.. بس الكلام اللي قاله غير ملامح الدكتور، بشكل ماعرفتش افسره، بصله بتركيز ورد عليه بثقة:
ـ "حسام" هيساعدني في شغلي، انا واثق فيه كويس.
بعد ما خلص جملته حصل بينهم نقاش، برغم اني مش سامع اللي بيقولوه، بس كان نقاش حاد في شد وجذب، فهمت منه بسبب نظراتهم ناحيتي انه يخصني، نهاه دكتور "سليم" لما قال:
ـ فهمت حضرتك ان واثق فيه يا دكتور "عامر"، حضرتك مدير المستشفى.. لكن اختصاصاتك ليها حد معين، بتقف عند ازاي امارس شغلي بالطريقة المناسبة والمكلف بيها من النيابة، بعد أذنك عندي شغل، ودلوقتي هنده على واحد من الممرضين يجبلي المريض اللي اتحول من يومين.
بان على ملامحه الضيق، بس مااعلقش على الكلام واكتفى بتوزيع نظراته بيني وبين الدكتور، واللي ماكنتش مريحة بالمرة، بعد خروجه نده الدكتور على واحد من الممرضين، وطلب منه يجيب المريض "شاكر غانم".. بعد دقايق قليلة، اتفتح باب المكتب ودخل منه الممرض ساحب واحد من دراعه، الراجل اللي معاه كان في حالة استسلام غريب، مش زي بسمع عن المرضى النفسيين، انهم يعني في حالة هياج نتية للأضطرابات النفسية اللي موجودين تحت تأثيرها، ده بالعكس جدا، الراجل من الهدوء الغريب اللي كان محاوطه.. اي حد هيشوفه انه مريض بمرض عضوي، المرض ناحل جسمه مخليه هزيل، ملامحه شاحبه شحوب واحد ماشفش الاكل ايام، اطراف ايده بتترعش كل لحظة والتانية رعشة خفيفة، وده دليل على توتره او خوفه من حاجة معينة، المعنى اللي طلعته منه من الشكل العام للمريض ده، اتلخص في سؤال واحد بيلح في عقلي "ازاي ده قتل اخواته؟".
شد الممرض كرسي وقعد عليه "شاكر".. قعد بهدوء بدون ما يبص علينا، او حتى الفضول العادي لمكان جديد يخليه يبص حواليه، لكن بالعكس عيونه اتكسرت وراسه مالت على راسه، خرج الممرض وقفل وراه باب المكتب، فضلت ساكت مجرد متفرج، مستني احداث المشهد الجديد، خاصة ان السكون والهدوء اللي كان بيحيط بالمكان زود قلقي، خلاني متحفز لأي رد فعل من "شاكر".. بعكس دكتور"سليم" اللي كان على ملامحه هدوء مايتناسبش مع الموقف، لاحظت انه بيدقق في "شاكر" بطريقة مبالغ فيها، او يمكن انا اللي شايفها كده.. حسيت للحظة انه بيقرأ انفعالاته، حركة ايده، هزة رجله السريعة، حتى نفسه اللي بياخده بصعوبه، قطع تركيزي، الاهتزاز الفجائي لجسم "شاكر".. بدون مقدمات، رفع وشه وبص جنبه بذعر.. في اللحظة دي شاورلي دكتور "سليم" وقال:
ـ شغل مسجل الصوت اللي جايبه معاك.
حسيت وقتها بشوية توتر، بس نفذت اللي طلبه الدكتور، وجه كلامه "لشاكر":
ـ مالك يا "شاكر" خايف من ايه؟
فضل يبص جنبه بخوف اكبر، برق عينه ورفع ايده كأنه بيحمي نفسه من حاجه، بعدها قال بكلام مهزوز:
ـ ابعده عني هيقتلني.
رد عليه الدكتور بنفس هدوئه:
ـ هو مين ده اللي هيقتلك؟.. مافيش حد واقف جنبك.
رجع يشاور بأيده، وعلى وشه علامات خوف مش عادية، الخوف ده خلاني هصدق فعلا انه شايف حد احنا مش شايفينه، بس الاتزان اللي كان فيه الدكتور وهدوء الاعصاب وقعوني في لخبطة، خاصة اني مش خبير بخبايا النفس البشرية، اللي فزعني اكتر.. لما اتنفض من مكانه ووقع الكرسي ع الارض، جري بسرعة ناحية الحيط وبدأ يدخل في نوبة هيسترية غريبة، صراخ، بيضرب بأيده وبقوة في الحيط، بعدها سند بضهره على الحيط، رفع كفوف ايده وبدأ يخنق نفسه لدرجة ان لون بشرته بدأ يتغير، وكأن في روتين معتاد في الحالة دي، مد الدكتور ايده على مكتبه وضغط على زرار، على اثره.. اتفتح باب الأوضة ودخل منه الممرض ومعاه واحد تاني شبه اللي بيلعبوا مصارعة حرة، بدون اي تعليق.. جريوا ناحية "شاكر" واحد منهم مسكه من دراعه، وطبعا كانت في مقاومة منه غير طبيعية، اما الممرض التاني كان معاه حقنة، غرزها في دراع "شاكر"، قطع اللحظاات الغريبة دي صوت الدكتور بيقولي:
ـ اقعد مكانك يا "حسام"، التمريض ادوه حقنة مهدئة دقايق واعصابه تهدى.
ـ تقصد هينام؟
ـ لا هينام ايه، هو هيهدى بس عشان اقدر اتكلم معاه.
بعد ما قعد الممرض "شاكر" على الكرسي، استأذنوا عشان يخرجوا، بس وقفهم الدكتور بسؤال:
ـ مين بيلاحظ حالة "شاكر" من وقت تحويله عنبر الحالات الخطر؟
اتكلم واحد منهم وقال:
ـ انا يا دكتور، حضرتك تؤمرني بحاجة؟
ـ في اي ملاحظات على حالته، انتبهت ليها؟
لف الممرض وشه ناحية اللي كان واقف جنبه، بعدها قال:
ـ انا كنت عاوز اتكلم معاك في الموضوع ده، طول الليل بسمعه بيتكلم مع حد.. واوقات كنت الاقيه يقوم من على السرير ويقعد، يفضل قاعد مكانه بدون اي حركة، وفجأة.. يمسك رقبته ويفضل يخنق في نفسه زي ما حصل من شويه، وقت ما كنت بروح ناحيته عشان الحقه، كان بيقول جملة واحدة "ارحمني يا طاهر".
ضيق الدكتور عينه وقال بأستغراب:
ـ تقريبا الاسم ده مر عليا في ملفه.
خد الدكتور ملف المريض وفتحه، قبل ما يعقب ويكمل الحوار مع الممرض، سمعنا صوت ضعيف بيتكلم، كان بيقول:
ـ "طاهر" اخويا الصغير.
كان صوت "شاكر".. شاور الدكتور للمرضين انهم يخرجوا، بعد ما خرجوا.. قام الدكتور من مكانه، لف من ورا المكتب ووقف قصاد "شاكر"، اللي كان في حالة هدوء كأنه اتبدل بشخص تاني، سأله الدكتور بمحاولة منه يفهم اللي جوه عقله، وتقريبا معلوماتي عن الدكاترة النفسيين، خاصة اللي بيعالجوا الحالات الشبيهة لشاكر، بيكون تخمينهم ان اي تصرف بيصدر منهم، مش اكتر من تمثيل في تمثيل.. يعني، بيعتبروه نوع من الدفاع عن النفس عشان يفلتوا من جرايمهم، فبدأ الدكتور يتعامل معاه على الاساس ده، الا اذا بقى لو ثبت العكس، وللسبب ده سأله:
ـ قولتلي بقى "طاهر" ده يبقى اخوك.. طيب تمام.
فتح الملف اللي كان في ايده، قلب في اوراقه وكمل كلامه:
ـ بس انت قت*لت اخوك "راضي" واختك "نورا".. ده اللي مكتوب في تحقيقات النيابة، بعد ما الشرطة قبضت عليك.
رفع وشه "شاكر" وبص للدكتور وقال بنبرة فيها حزن، مستحيل يكون الحزن ده تمثيل.. ده وجع مدفون والدكتور بدأ ينبش فيه.. وواضح ان في حاجات كتير مستخبية جوه الشخص ده، وكانت البداية لما رد وقال:
ـ ماحصلش، انا ماقت*لتش اخواتي، مستحيل اعمل كده.. اللي قت*لهم "طاهر"!
اندهش الدكتور من كلامه، السبب ادعى للاستغراب صراحة، ملف قضيته كان فيه معلومة مهمة، ان اصغر اخوات "شاكر" اتوفى بعد موت ابوه بسنة..