📁 آخر الأخبار

قصة طلسم زئير للكاتب محمد شعبان

 قصة طلسم زئير للكاتب محمد شعبان


وسط ضلمة أوضتي وانا قاعد فيها لوحدي بالليل، افتكرت معاملتهم معايا.. ابويا وامي، عمري ما حسيت إنهم أهلي، وده ببساطة لأن ابويا كان متعود يضربني بخرطوم بلاستيك او بحزامه الجلد على جسمي وانا عريان، ضرب بيعلم مايموتش.. ضرب بيسيب علامات في الروح اكتر من الجسم، أما امي بقى؛ ف دي كانت المعنى الحرفي لكلمة سلبية، كانت مُتفرجة وبس، دي حتى كانت بتخاف تقول له حرام اللي انت بتعمله ده او كفاية ضرب الواد هيموت في إيدك.. او يعني اي كلام من الأمهات بيقولوه للأبهات وقت ما بيضربوا عيالهم..



قصة طلسم زئير للكاتب محمد شعبان




افتكرت كل ألم حسيت بيه وانا قاعد في ضلمة أوضتي، كل الذكريات دي خلتني اتشجعت للي هعمله أكتر، ولعت الشمعة اللي كنت ماسكها في إيدي وحطيتها على الأرض، ومن ورايا مسكت الورق اللي اشتريته من واحد صاحبي معايا في الجامعة، بصيت على الطلسم اللي في الورقة من فوق كويس ورسمته حوالين الشمعة، كان عبارة عن دايرة جواها مربع.. وجوة المربع دواير ومربعات صغيرة مكتوب فيها أرقام وحروف!



وبعد ما خلصت الرسمة ابتديت اقرا العزيمة اللي مكتوبة تحت الطلسم زي ما زميلي قال لي...



"حصينٍ حصينٍ كوتيدٍ كوتيد... دهشٍ دهشٍ دهشٍ.. تهوشٍ تهوشٍ... رايؤسٍ رايؤسٍ رايؤسٍ.. أدريوث أدريوث.. بحق تلك الأسماء وبحق الدم السائل.. أحضر أيها الأمير زئير.. يا سيف وأسد المهاقشة وحاميهم، أحضر إلى مجلسي هذا، فقد تَلوت عزيمتك في ليلتك وأهديت إليك دمائي وروحي.. فما عليك إلا الحضور والطاعة"



قريت العزيمة سبع مرات مضروبين في سبع مرات؛ يعني قريتها ٤٩ مرة بالنطق الصحيح، وبعد ما تميت عدد المرات، طلعت من جيبي موس حلاقة، وبدأت اشرح في دراعي لحد ما نزف دم، وبالدم ده بدأت اغرق الطلسم المرسوم والشمعة، وفضلت اقرب الدم من نار الشمعة لحد ما انطفت، ومع أنطفاء نار الشمعة الدنيا من حواليا بقت ضلمة، ثواني بسيطة من الصمت بعدهم سمعت صوت غريب في وداني.. عارف لما تحس إن ودنك بتصفر!.. ده بالظبط اللي كنت حاسس بيه، ف غصب عني من شدة الصوت واستفزازه، بدأت اخبط على وداني بكل قوة لحد ما الصوت راح وبدأت اسمع حواليا في الأوضة أصوات خبط وأزاز بيتكسر، ومع سماعي للأصوات دي، بتاعت احس بحكة غريب في نص جبهتي، بالظبط يعني في المكان اللي بين حواجبي، ف غصب عني حطيت ايدي على المكان ده وبدأت ادلكه بإيدي لحد ما فجأة حسيت ان عنيا بتتقل شوية بشوية لحد ما غمضتها، ومع تغميضة عنيا دي بدأت اشوف الأوضة من حواليا بوضوح، وده لأن المكان مابقاش ضلمة، الأوضة من حواليا ماكانتش أوضتي لأ.. دي كانت أوضة من أوض الجحيم، العفش كان في مكانه أه، لكنه كان محروق بالكامل، والنار اللي فيه كانت هي اللي منورة المكان ومخلياني اشوف كويس، بس مش دي الحاجة الغريبة ولا الحاجة اللي تخض.. اللي كان يرعب بجد هي الكلاب اللي شوفتها واقفة في صفين قصادي، كانوا حوالي ٩ كلاب.. ٤ منهم كانوا واقفين في صف، واربعة تانين واقفين في صف جنبهم، وفي الأخر خالص كان في كلب تاسع لكنه أكبر منهم، اشكالهم كانت مش مرعبة، اشكالهم حرفيًا خلتني قاعد بترعش لدرجة إنِ ضميت رجليا ناحية جسمي وانكمشت في نفسي، اسنانهم كانت خارجة لبرة وبتلمع زي الفضة وسط النار، جسمهم كان لونه أسود سواد كئيب وغامق بدرجة غريبة، أما عن عيونهم.. ف كانت ماتختلفش كتير عن الأوضة من حواليا، عيونهم كانت عبارة عن جمرات من الجحيم، كلهم كانوا في حالة تأهب واستعداد علشان في أي لحظة ممكن يهجموا عليا.. بس وسط تأهبهم ده وخوفي وفزعي منهم، فجأة سكتوا خالص لما الكلب اللي واقف ما بينهم في الأخر ده ابتدى يقرب مني، ومع كل خطوة كان بيقربها شكله كان بيتغير، كان بيطول وبياخد شكل البني أدم، لكنه ماكنش بني أدم، هو كان عبارة عن دخان أسود باين إن جواه نار.. عينيه بس هي اللي ماختلفتش وفضلت واخدة شكل النار زي جسمة من جوة.



قرب مني بخطوات بطيئة وفجأة سمعت صوت أجش او زي ما يكون مجموعة أصوات لرجالة متداخلين في بعض، سمعت الصوت ده جوة راسي بيقول باللغة العربية الفصحى..



"تلك الحكة التي شعرت بها.. هي فتح لعينك الثالثة، كي تستطيع رؤيني أيها الطيني... لماذا قمت بدعوتي إلى مجلسك.."


أول ما سمعت الصوت ده، رهبتي راحت، انا ماحستش وقتها إلا بالألم، ومافتكرتش أي حاجة غير السبب اللي حضرته عشانه، وعشان كده اتشجعت وقولتله...


"جيبتك عشان تقتلهم وتريحني من العذاب اللي انا فيه.. انا عاوز انتقم منهم.. وأقل انتقام بالنسبة لي هو الموت، بس ماينفعش أقتلهم وألا هتسجن او هتعدم، وعشان كده كلمت واحد صاحبي في الجامعة ابوه ساحر، هو اللي جاب لي الورق ده وهو اللي عرفني طريقة تحضيرك، وقال لي إنك انت الوحيد اللي هتعرف تنفذ لي اللي انا عايزه..."


قرب مني الدخان اللي على شكل بني أدم ده أكتر، وقتها سمعت نفس الصوت اللي في راسي بيقول...


"تقتلهم!... من هَم!"


رديت عليه بكل ثقة...


"أمي وابويا.. هو عذبني عذاب ماحدش يتحمله، وهي كانت شيطان أخرس.. كل اللي طالبه منك إنك تموتهم وبس"


رد عليا نفس الصوت...


"أجل.. سأفعل ذلك، لن أقتلهم.. ولكنني سوف أقوم بتيسير ذلك الأمر، وفي النهاية سأحقك لك ما طلبت، ولكن قبل أن أفعل.. ما المقابل الذي ستقدمه لي؟!"


سرحت شوية في سؤاله، وبعد كده قولتله بكل حزم..


"مش عارف... نفذ الأول وانا هقدملك اللي انت عايزه"


سكت الصوت، وبعد كده رجع اتكلم تاني وقال لي..


"ليس هناك مجال للمماطلة.. ف أنا قبلت عهدك، وما سأحتاجه سأخذه بعد التنفيذ.. والأن.. هل تقبل بالعهد؟!"


رديت عليه بقلة ذكاء او بغباء كبير مني..


"تمام.. موافق على اي حاجة، بس يموتوا.."


سكت وقتها الصوت خالص، وفجأة بدأت اسمع نفس صوت الصفارة الغبي ده في وداني من تاني، ومع استمرار الصوت لفترة طويلة وانا حاطط إيديا على وداني، فجأة حسيت إن جسمي بيترعش او بيتنفض بقوة لحد ما غيبت عن الوعي..


فوقت بعد فترة على نفس الصوت وهو بيقول كلمة واحدة...


"الروح"


فتحت عيني لقيت نفسي نايم على الأرض، الشمعة اتحرقت، والطلسم اختفى، والورقة اللي كنت بقرا منها، لقيتها مكان الطلسم، بس كانت محروقة وعبارة عن الرماد!


والأغرب من ده كله بقى إن إيدي لقيتها سليمة، والموس اللي استعملته، لقيته جنبي وهو غرقان دم!


طب الأصابات اللي كانت في إيدي والدم والطلسم راحوا فين!


كنت بسأل نفسي وانا قاعد على الأرض، لكني فجأة اتفزعت لما لقيت مراية التسريحة متكسرة ١٠٠ حتة.. والأوضة مش محروقة!


قومت من على الأرض ولسه هروح ناحية المراية، فجأة سمعت الباب بيخبط بكل قوة، ومعاه كان صوت ابويا وهو بيقول لي برعب وفزع..


"افتح يا زفت.. انت قافل الباب على نفسك من جوة ليه؟!"


وقتها روحت جري على بقايا الشمعة وخبيته تحت السرير هو والموس وبقايا الورقة المحروقة، روحت بسرعة على الباب، وأول ما فتحت لقيت ابويا واقف قصاد الباب وهو بيعيط وبيقول لي بغضب وبارتباك..


"ام ام امك.. امك صحيت لقيتها واقعة في الحمام وراسها مخبوطة في البانيو.. انا كنت نايم زي القتيل وماسمعتهاش لما وقعت.."


سيبته بيتكلم ودخلت جري بصيت على الحمام، امي كانت واقعة في الأرضية، الدم كان مغرقها وعامل بقعة كبيرة حواليها، وحرف البانيو كان عليه أثار لدم، بس الملفت في ده كله بقى، إن تحت رجل أمي، لقيت صابونة الحمام.. معنى كده إنها اتزحلقت في الصابونة اللي وقعت على الأرض..


وقتها افتكرت كلام الجن، اه.. "سوف أقوم بتيسير ذلك الأمر"


فوقت من سرحاني على صوت ابويا اللي قال لي إنه طلب الاسعاف، وفعلًا بعد شوية الأسعاف جت وخدت أمي اللي كانت خلاص ماتت، تحقيقات وطب شرعي انتهوا بأن اللي حصل كان قضاء وقدر.. وفي النهاية استلمنا جثة امي من المشرحة وغسلناها دفنناها ورجعنا على البيت، وبعد ما خدنا العزا، قعد ابويا قصادي وقال لي وهو بيبص لي من فوق لتحت..


"الله يرحمها.. ارتاحت منك ومن قرفك.."


وقتها الدم غلي في عروقي، لكني سكتت وحاولت امسك اعصابي لأبعد الحدود، بس هو بقى ماسكتش وقرب مني وقال لي بصوته الوحش وبريحة بوقه اللي مليانة ريحة البيرة والكحول اللي اتعود يشربهم..


"انا هوريك الويل يا ابن سنية.. وديني هجيب أجلك"


وقتها غصب عني قومت من مكاني وقولتله وانا بمسك في هدومه...


"طب وديني ده انا اللي هجيب أجلك.. مراية أوضتي اللي اتكسرت دي، اتكسرت بسبب إني حضرت جن.. والجن ده هيموتك زي ما كان سبب في موتها.. اه انا اللي عملت فيها كده عشان كانت بتشوفك وانت بتضربني وبتسكت.. انت كمان هتحصلها يا خمورجي.. انت ماتنفعش أب... أنت.."


قاطعني وهو بيزقني بعيد عنه...


"انت هتعمل لي فيها مجنون ياض يا ابن الكلب، جن ايه اللي موتها وهيموتني.. وبعدين ما هي غارت في الداهية، وانا بقى مش هحلك غير لما تحصلها، وساعتها كل الفلوس اللي شايلاها في البنك، والشقة دي.. وكل حاجة هتبقى بأسمي.. ثم إنك محموق اوي كده ليه وبتقول إن انا مانفعش أب.. أه انا فعلًا مانفعش أب، ولا يمكن هبقى أب.. انا مابخلفش يا حيلتها، مابخلفش واتجوزت امك لما كانت حامل فيك عشان استرها، جت لي وهي بطنها لبوقها.. كانت هي صاحبة المحل اللي انا واقف فيه ده، وانا كنت راجل عامل.. شقيان، إنما هي غلطت مع واحد كان خاطبها، وقبل ما يتجوزوا ويستر عليها.. هو مات.. خافت من الفضيحة ف طلبت اني اتجوزها واكتبك على أسمي.. بصراحة وافقت لأني مابخلفش، وكمان عشان اشتغل في المحل ويبقى لي شغلانة عدلة وشقة، فضلت مخبي عليك السر ده لأنها كانت عايزة كده، ولما كنت بضربك، ف انا كنت بضربك لأنك ابن حرام.. وهي ماكانتش بتقدر تفتح بوقها وألا هفضحها.. ودلوقتي بقى أنا هفضل وراك لحد ما اجيب أجلك واخليك تسيب لي المحل والفلوس والشقة و..."


كنت بسمع كلامه وانا عنيا بتدمع لوحدها، بس فجأة قاطعته لما وصل لحد هنا وقولتله...


"بسسس بسسس.. انا لا عاوز شقة ولا محل ولا فلوس.. خد كل حاجة، انا أصلًا هسيبلك الشقة ونازل.. انا ماستغربتش لما قولت إنك مش ابويا، أصل معاملتك معايا من يوم ما وعيت عالدنيا وهي مش معاملة أب لأبنه.. انا هدخل البس وهنزل.. هروح في أي مكان بعيد عنك وهسيبلك كل حاجة"


سيبته ودخلت، قعد هو على ترابيزة الصالة وفضل يشرب من أزازة خمرة كانت قدامه، بس قبل ما انزل من الشقة افتكرت حاجة مهمة اوي، الراجل ده مش ابويا.. كلامي مع الجن هيبقى باطل ومش هيموته!


وعشان كده قبل ما انزل، دخلت المطبخ، وقفلت أنبوبة الغاز بسرعة، وبسرعة كمان قطعت الخرطوم اللي بيوصل ما بينها وما بين البوتجاز بالسكينة، وبعد كده فتحتها على الأخر، كل ده عملته وهو مش دريان، ما هو الكحول مخليه مش شايف ولا دريان باللي حواليه، لدرجة إنه قاعد بينام على نفسه..


خلصت اللي كنت بعمله ونزلت الشارع، فضلت ماشي وانا مش عارف هعمل ايه ولا هروح على فين لحد ما فجأة سمعت نفس الصوت اللي سمعته في راسي وقت ما كنت بحضر الجن، صوت وداني وهي بتصفر بشكل مستمر، وبسبب الصوت ده، حطيت إيدي على وداني وبقيت بصرخ في نص الشارع زي المجنون، لحد ما فجأة وانا بتنطط وبصرخ، حسيت بخبطة قوية، بعدها ماحستش بأي حاجة، ومافوقتش الا دلوقتي... ولما فوقت لقيت نفسي هنا، ولقيتك انت قدامي، ف حبيت احكيلك كل اللي حصل، كلمة روح اللي صحيت عليها بعد ما حضرت زئير.. كان معناها روحي.. الجن قتل امي.. بس ابويا اصلًا ميت، والراجل اللي انا كنت طول عمري فاكره ابويا ومكتوب على أسمه، ماعرفش اذا كان ميت ولا حي.. انا حاسس اني خلاص هموت.


(قال كريم كلامه ده، ومات.. طب انا مين؟!


انا دكتور الطواريء اللي استقبلت حالته في المستشفى، كريم حافظ عبد الراضي، جالي الطواريء عن طريق عربية الأسعاف، خبطته عربية وهو بيعدي الطريق السريع بالليل، ولما الأسعاف جابته، قولت انه لازم يتنقل للرعاية بأقصى سرعة.. لكن للأسف.. الرعاية ماكنش فيها مكان، ف اضطريت إن انا انتظر جنبه لحد ما نفضي له مكان او حالة تخرج او حتى ننقله لمستشفى تانية.. بس للأسف برضه.. كريم وانا قاعد جنبه حكالي حكايته دي، وبعد ما حكاها مات.. وبصراحة كده بعد ما مات واندفن، انا الفضول خلاني روحت على العنوان اللي كان مكتوب في بطاقته.. ولما وصلت، لقيته شقة محروقة!



ولما سألت الناس، قالوا لي أن الأستاذ حافظ عبد الراضي، مات والع في شقته بعد ما اتفحمت بيه!



الظاهر كده وبحسب كلام كريم.. إن الكحول خلاه مايشمش ريحة الغاز وولع سيجارة ف الشقة فانفجرت بيه ومات.. بس عارفين الغريب في الحكاية دي كلها ايه!.. إن الجيران بيقولوا إنهم من وقت اللي حصل.. بقوا بيسمعوا أصوات كلاب بتنبح خارجة من الشقة.. وساعات بيحسوا إن ودانهم بتصفر.. وعلى فكرة ده نفس احساسي انا كمان وانا بكتبلك الكلام ده!)


تمت








تعليقات