📁 آخر الأخبار

قصة ساحر الضريح للكاتب أحمد محمود شرقاوي

 قصة ساحر الضريح للكاتب أحمد محمود شرقاوي


من وانا صغيرة وعندنا عادة شهرية ثابتة ومقدسة تقديس رهيب من أمي، كنا يوم ١٥ في الشهر لازم نزور ضريح الشيخ بركة ونصلي هناك وندعي ونتصدق على المساكين اللي هناك وبعدها نرجع للبيت، عادة استمرت لمدة سنين طويلة، ويا ويل اللي كان يرفض يروح مني انا واخواتي، كانت أمي بتضربه لحد ما تكسر عضمه وتفضل تردد..


قصة ساحر الضريح للكاتب أحمد محمود شرقاوي





"عاوزين تحرمونا من بركة الشيخ بركة يا ولاد ال..."


وفضلنا على الحال ده كتير أوي لحد ما كبرت ونوعا ما بدأت أشوف ده موروث فاسد وكله دجل وفساد كبير، وبدأت أعارض أمي في كل زيارة باستماتة، لدرجة إن أمي قاطعتني شهر كامل عشان مروحتش معاها مرة، بس مع إصراري ومع سنها اللي كبر مبقتش بتعرف تجبرني إني أروح للضريح تاني، وكانت دايما مبسوطة من اختي الكبيرة اللي كانت بتقدس العادة دي زي أمي، بل وكانت قبل الزيارة بيوم بيصرفوا ثروة ويعملوا وليمة كبيرة للناس هناك، عشان البركة طبعا..


والاسوأ كمان إني عرفت ان جدتي كانت برضه بتقدس العادة دي اللي خدتها من أمها، سلسال طويل من موروث غريب مكنتش مقتنعة بيه إطلاقا، وكبرت أكتر وبدأت الدنيا تاخدني من ناحية الدجل ده، لحد ما جالي عريس كويس وكنت مبسوطة جدا لأنه هيخرجني من وسط البيت اللي بيقدس الخرافات ده..


وطبعا أمي من يوم الخطوبة بدأت تلح عليا عشان أزور الضريح واخود البركة عشان جوازي يتسهل والدنيا تكمل، وكنت لسة على إصراري وشايفة إن كل ده مالوش أي لازمة إطلاقا..


وكملت خطوبتي لحد ما اتجوزت ومشيت من البيت كله، كنت متجوزة في نفس المنطقة بس كنت مبسوطة إني خرجت من المحيط المعتوه ده، ومع ذلك كنت ببر أمي ومحافظة على صِلة الرحم، وكمل جوازي لمدة شهر واحد بس وبعدها بدأت الأمور تاخد منحنى غريب أوي..


ليلتها شوفت في الحلم إن فيه تعبان اسود ضخم بيزحف على السرير بتاعي، صحيت مخضوضة من النوم وبدأت أطمن نفسي انه مجرد كابوس وهيروح لحاله، بس للأسف مكنش مجرد كابوس، لأن حالتي الصحية بدأت تتدهور بطريقة غريبة..


والأسوأ إن التعبان ده مبقاش ظهوره في الحلم وبس، جوزي لما كان بس بيفكر يقرب مني كنت بلمح التعبان على السرير وبيبص ناحيتي بعيون دموية، وطبعا كنت بصرخ واتنفض وكان بيفشل الموضوع تماما..


ومع كثرة المحاولات الفاشلة بدأ جوزي يمل مني ويزهد فيا، بل وبدأت المشاكل تكتر ما بينا لأتفه الأسباب، ببساطة هو شهر جواز وكل حاجة في حياتي بقت من سيء لأسوأ، لحد ما جت ليلة تعبت فيها أوي وحسيت بصداع غريب، ومن شدة الصداع خدت مسكن ودخلت عشان أنام..


وقدام عنيا وانا مشوشة شوفت واحد واقف قدام سريري في الضلمة، كانت هيئته بتقول انه جوزي، بس وقفته طولت بطريقة غريبة، وانا من كتر الصداع والدوخة مكنتش قادرة أنادي عليه، مديت ايدي وولعت نور الأباجورة وفوجئت بمشهد بشع قدام عنيا..


شوفت جوزي ماسك تعبان في ايده وبياكله بطريقة فظة جدا ووشه مليان دم، وراح الصداع في ثانية وصرخت بهيستريا عشان اتفاجئ بجوزي بيدخل من باب الاوضة وهو مخضوض، واختفى التاني، اختفى تماما، اتصل بأمي وقتها وانا فضلت في اوضتي ببكي من شدة الخوف والتعب اللي كنت فيه..


وجت أمي مخضوضة وفضل يحكيلها كل حاجة بالتفصيل, وبدأت ملامحها تتغير للغضب, وجت الاوضة وافتعلت معايا مشكلة كبيرة, والاتهام الرئيسي إني مباخدش بركة الشيخ وان دي لعنة نزلت على حياتي بسبب كدا, كنت لسة مصدومة من اللي شوفته ومعنديش طاقة للخناق ولا للجدال, وأقسمت عليا يومها اننا لازم نروح بكرة لضريح الشيخ ندعي ونلتمس البركة..


وانا للأسف كنت في حالة ضعف كبيرة, مكنتش هقدر أقول لا للأسف, ولما سألتها طيب ده هيجيب نتيجة ازاي قالتلي إن عباد الله اللي بيساعده الناس كتير أوي هناك, مفهمتش كلامها غير لما روحنا تاني يوم, دخلنا للضريح وطلبت مني أمي أقف أدعي قدام الضريح لحد ما تزور حد معين وتجيلي..


وقفت قدام الضريح حاسة بتوتر كبير, بقالي كتير موقفتش الوقفة دي, وكمان المشاهد هنا مريبة جدا, اللي بيتحسس الضريح واللي بيقبله, واللي بيدعي بإسم الشيخ, مناظر مكنتش حاسة إنها صح إطلاقا, في الوقت ده جت أمي وسألتني دعيت ولا لسة, قولتلها إني دعيت, خدتني بعيد عن الناس وروحنا لواحدة ست عجوزة لابسة شال اسود, أمي عرفتها بيا وبدأت الست تبصلي بصات غريبة أوي في عنيا, بعدها طلبت من أمي تستنا هنا وخدتني ناحية باب جانبي ودخلنا منه, وفوجئت في لحظة إني جوة قاعة كبيرة أوي منورة بشموع كتير على الحوائط..


قالتلي إني هدخل لشيخ مبروك ورث العِلم عن مشايخه اللي ورثوه عن صاحب الضريح نفسه, وإني لازم أكون مطيعة ومؤدبة في الكلام مع الشيخ, وخدتني لأوضة صغيرة ودخلت منها, لقيت راجل خمسيني بلحية بيضا ولابس جلباب أبيض وعِمة خضرا قاعد جوة وماسك عود بخور..


طلب مني أقرب منه, قربت منه وانا بترعش وخايفة, اداني عود البخور أمسكه في ايدي وبعدها طلب مني أغمض عيني واتنفس ببطئ وابدأ أحكي كل حاجة بالتفصيل, تمالكت نفسي بالعافية وبدأت أحكيله عن اللي بشوفه, التعبان الاسود, والموقف اللي حصل بيني وبين جوزي, والفراش اللي مبقاش يجمعنا وغيره وغيره..


بس وانا بحكي بدأت أشم ريحة غريبة أوي, كأن فيه حاجة بتتحرق, بعدها بدأت أشوف وانا مغمضة حاجة زي قماشة ملفوفة وفيها حاجة بتتحرك, لقيته بيسألني:


- شايفة ايه

- شايفة قماشة ملفوفة وفيها حاجة بتتحرك


طلب مني أقرب منها وافتحها وحذرني من إني أفتح عنيا مهما كان, ولقيت نفسي بمشي وكأني في حلم, مديت ايدي وفتحت القماشة المعقودة عشان اتفاجئ بثعبان اسود جواها, صرخت واتنفضت وفتحت عيني, وأول ما فتحت عيني شوفت الشيخ عينه بيضا زي التلج, كأنه من الأموات..


صرخت بأعلى صوت وطلعت أجري من المكان كله, بل وفضلت أصرخ في قلب الضريح قدام الناس وانا في قمة الفزع, خرجت الست العجوزة ورايا بسرعة وقالت:


- مجنونة وكانت عايزة تتبول في الضريح وتنجس المكان الطاهر, اضربوها يا زوار الشيخ


وهجم الناس وكأنهم كانوا مستنيين اللحظة دي, أمي وقفت حائل بيني وبينهم واتضربنا, واداس علينا يالجزم, واتمسح بأجسادنا الأرض, وخرجنا والدموع في عنينا بتسيل زي السيل, والدم مغرق وشوشنا وجسمنا بيأن من الوجع..


رجعنا البيت وفضلت طول اليوم أبكي بهيستريا شديدة أوي, كانت نفسي صعبانة عليا أوي, ومن جوايا كنت عارفة إني استاهل اللي بيحصلي ده, من جوايا كنت عارة ومتأكدة إن اللي عملته ده كان غلط كبير أوي ومع ذلك عملته, دخلت اتوضيت وملقتش غير المصلية, قعدت عليها وفضلت أستغفر ودموعي مبتقفش عن النزول..


دعيت ربنا يرفع عني الكرب اللي انا فيه ده, ووسط دعواتي سمعت جرس البيت بيرن, أختي فتحت الباب وشوية ولقيت أمي بتنادي عليا, روحتلها لقيت واحدة ست شكلها غريب عننا ومش معروف هي مين إطلاقا, قعدت وبكل هدوء قالتلي:


- انتي معمولك سحر بالتفريق


بصتلها بخوف شديد لقتها بتكمل وتقول:


- واختك دي هي اللي عملتلك السحر ده


بصيت لأختي بذهول لقتها قامت بغضب ومسكت في الست وهي بتتهمها بالكذب, بس في لحظة وكأن الست اتحولت لمصارع قوي, ضربت أختي ضربة وقعتها في الأرض وطيرتها لمسافة تلاتة متر على الأقل, وبصت ناحيتنا بصة جمدت الدم في عروقنا ومشيت, أمي تجاوزت الصدمة ومسكت أختي من شعرها, وبعد صراع طويل اعترفت أختي انها في مرة وهي في الضريح كلمت واحدة وعملت سحر ليا لأنها كانت بتحقد عليا إني اتجوزت وهي لا مع انها هي اللي بتيجي تاخد البركة كل شهر وانا قاطعت الضريح..


أمي خدتها وراحوا طلعوا السحر ده من بيت مهجور جمبنا بس مكانوش عارفين هيعملوا بيه ايه غير انهم يروحوا للضريح ويشوفوا حد يبطل السحر, أقسمت بالله إن ده مش هيحصل واني مش هستسلم للدجل والشعوذة دي تاني, وكنت هقتل أختي لولا إن أمي مسكتني بالعافية, وفي النهاية قررت اننا نروح لإمام مسجد كبير في بلد جمبنا مشهور بالصلاح والتقوى, روحناله وحكينا الحكاية كلها من بدايتها لنهايتها, طلب مننا السحر وحطه في مية بملح وقرأ عليه آيات معينة وبشرنا بالشفاء, بس قبل ما نمشي قالنا انه عنده كلمتين..


قالنا اننا كمسلمين مميزين عن أصحاب الديانات التانية اننا مبنشركش مع الله في عبادته أي حد إطلاقا, وان الناس على مر الزمن عبدوا وقدسوا الأموات والبشر والأضرحة, وان كل دي شركيات بالله ممكن تخرج الشخص من المِلة كلها, قالنا إن حتى رسولنا الكريم اللي هو أعظم شخص في الدنيا مبينفعش ولا يضر من دون الله, واننا لو دعينا عند قبره بنية انه يشفعلنا والدعوة تتقبل بسببه فده شرك بالله, ربنا محطش بينا وبينه أي وسيط أبدا..


عشان كدا الديانة بتاعتنا هي ديانة الوحدانية, الله واحد أحد, الاستعانة والشُكر والدعاء والمدد كله بنطلبه منه بدون أي شفيع مهما كان مين الشفيع ده, قال لأمي اني استسلمت على مدار سنين لطريق الشيطان وانها السبب في اللي حصل, وان الأضرحة دي مكان ملائم لكل السحرة والدجالين وبيروحوا يكسبوا من هناك واني ربيت في بنتي الكبيرة التعود على الشرك لحد ما نفسها فسدت وسحرت أختها, طلب من أمي التوبة لله وحده والشهادة من أول وجديد, كلمنا عن معنى كلمة "لا إله إلا الله" وازاي ان ربنا واحد أحد, ومفيش بينا وبينه أي وسيط إطلاقا..


ولأول مرة أشوف أمي بتبكي بندم شديد, باست على ايدي وطلبت مني أسامحها, أقسمت انها من انهاردة بدل ما كانت بتروح تشرك بالله كل يوم 15 في الشهر انها هتخلي اليوم ده للصدقات والصلاة, وان الوليمة اللي بتتعمل للضريح هتتعمل للفقراء في المنطقة..


ومن يومها مشكلتي مع جوزي اتحلت نهائيا وأختي سامحتها بس بعد وقت طويل لما قدرت أصفى ناحيتها, وكل يوم بقيت بحمد ربنا اللي نجاني بسبب تمسكي بالتوحيد ومعارضتي للأمور دي..


بس الغريب واللي عرفته بعد فترة ان الست اللي جتلنا ودلتنا على فاعل السحر مكانتش من الإنس, وبيقال ان ده بيبقا جن صالح بيكره الأضرحة والأعمال, وبيحاول يساعد الناس لوجه الله, لأن زي ما فيه ناس من الإنس بيحاربوا الشركيات ففي جن صالح بيحاربه هو كمان, والحمد لله رب العالمين..


"وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ"


بقلم: أحمد محمود شرقاوي




تعليقات