قصة راس المملوك للكاتب محمد شعبان العارف
لو فاكر ان الموت هو اصعب مرحلة ممكن يمر بيها الإنسان، فاسمحلي اقولك لا، اللي
أصعب من الموت هو الحياة وانت مُغيب، او بمعنى أصح، إنك تعيش وانت بين البينين..
لا منك عايش ولا منك ميت، والأحساس ده عامل بالظبط زي القرار.. ما هو اللي أصعب
من إنك تاخد القرار او ترجع فيه؛ هي اللحظات اللي بتفكر فيها وتسأل نفسك.. ياترى
أخد القرار ولا هتراجع عنه؟.. سؤال صعب انا عارف، خصوصًا لو في حاجة مصيرية، بس
تعرف؛ الأصعب من ده كله هو الغريب اللي بتقابله في اللحظات دي.. الغريب اللي ممكن
يخليك بكلمة واحدة، تتنقل من حياتك اللي بتعيشها، لجحيم جهنم.. ومن عند الغريب
والليلة اللي ظهرلي فيها، والقرار اللي فكرت فيه.. بتبتدي حكايتي.
يومها كنت بجيب أكل ليا وللي شغالين معايا من مطعم فول وطعمية، الساعة وقتها كانت
١٢ ونص صباحًا، يعني وبالبلدي كده، اتناشر ونص بعد نص الليل.. بس مش مهم، الوقت
مش مهم بالنسبة لي، انا كل اللي كان يهمني في الوقت ده هو اللي سرحت فيه.. وقتها
قعدت على كرسي قصاد باب المحل، ووقت ما كنت مستني الساندوتشات تتعمل، بدأت اراجع
شريط حياتي وافكر في همومي.. ايوه، حياتي وهمومي، ما الاتنين عمرهم ما افترقوا عن
بعض، ما انا ببساطة راجل ارزُقي، بشتغل عامل باليومية، عندي ٢٧ سنة، ورغم سني ده،
لسه لحد النهاردة ماتجوزتش بسبب فقري وقلة تعليمي، عايش لوحدي على اوضة في سطوح
بيت عيلتنا اللي في منطقة شعبية في القاهرة.. طب انا بعمل ايه هنا في حي
الحُسين؟!.. الحقيقة ان من فترة كده، جه المقاول اللي متعود اشتغل معاه وجمعني
انا واربعة من اصحابي، وبعد ما جمعنا وقعدنا على القهوة، قالنا انه عايزنا في
مصلحة، ولما سألناه ايه هي، سحب شفطة طويلة من كوباية شايه، وبعدها ابتدا يشرحلنا
واحنا مركزين معاه..
-بالمُختصر كده يارجالة، انا جايبلكوا شغلانة لوز اللوز، شغل ميري، مع الحكومة،
يعني قرشيناته مبشبشة، واللي ربنا هيكرمه فيه، يبقى خطف لقمة طرية.
لما قالنا كده، بصيتله وانا مش فاهم حاجة!
-ما توضح ياعم جمل.. شغل ايه ده اللي مع الحكومة وقرشيناته مبشبشة، هي فزورة دي
ولا ايه، وبعدين من امتى والشغل الميري بقى لقمة طرية؟!
-لا ياخفيف.. مش فزورة، ما هي المصلحة مش هتجيلكوا من الحكومة طوالي كده، هم
جابوني انا، لإني عدم المؤاخذة مقاول انفار، وبعد ما جابوني قالوا لي ياواد
يامعلم جمل، هات لنا ناس تهد.. طب الناس اللي هتيجي دي، هتهد ايه؟!.. سؤال وجيه،
ومن حقكوا عليا اني اجاوبه، وانا هجاوبه.. الناس او الرجالة اللي هيجوا يهدوا، او
انتوا يعني لما توافقوا بإذن الله.. هتهدوا بيوت قديمة في منطقة الحسين عشان
بتتجدد.. وعشان المنطقة تتجدد، فالحكومة بترمم البيوت اللي بينفع فيها ترميم،
والبيوت اللي بايشة خالص وماينفعلهاش مرمة، بيجيبوا عمال يهدوها من الباطن عشان
بعد كده يبنوا مكانها بيوت جديدة.. ها.. فهمتوا المقصد؟!
وقتها كان سامبو فاتح بوقه ومبرق، اما سعيد ورشدي ومغاوري، فدول كانوا مركزين
وعينيهم بتلمع، زيهم زيي بالظبط، ايوه، ما احنا التلاتة اللي فهمنا اللي فيها،
وبسبب فهمنا لكلام الريس جمل، رد عليه واحد مننا، او بالتحديد يعني كان مغاوري..
-فل ياريس، بس قولنا الأول، المصلحة من امتى لامتى، واليومية قرشيناتها كام؟!
-الشغل هيبقى من ١٠ بالليل لستة الصُبح، واليومية للعامل الواحد هتبقى ٩٠٠ جنيه.
لما قال المبلغ ده كلنا فرحنا، حتى سامبو اللي ماكنش فاهم حاجة، اول ما اتقال
قدامه المبلغ، ابتسم، لكن اللي ماكنش مفهوم هو وقت الشغل، اشمعنى من ١٠ بالليل
لستة الصبح، وبسبب غرابة الوقت، اتعدلت في قعدتي وسألت المعلم جمل عن السبب، وبعد
ما سألته، جاوبني وقالي..
-عادي ياسيدي، الحكومة مش عايزة تضايق اصحاب المحلات بتراب التكسير والطوب اللي
هيخرج من البيوت، وعشان كده خلوا شغل الهدد في المنطقة دي من بالليل لحد الصبح
بدري.
وبس.. بعد ما شرح لنا الريس جمل كل حاجة، وافقنا واتوكلنا على الله، والنهاردة،
كان تاني يوم لينا في هدم بيت قديم جوة حارة عتيقة من حواري الحسين.. او بالظبط
يعني، احنا كنا بنهدم البيت الأخير جوة حارة شيخون.
فوقت من سرحاني في حياتي وفي يوم قعادنا مع المعلم جمل، على صوت عامل المطعم..
-اتفضل ياعمهم، الشاندوشتات خلصت.
قومت من مكاني وخدت منه الساندوتشات ومشيت، حارة جوة حارة جوة زقاق، لحد ما لقيت
نفسي قربت من حارة شيخون، بس قبل ما اخلص الزقاق اللي انا فيه ووقت ما المكان
حواليا كان ضلمة وساكت.. فجأة سمعت صوت كلب!.. اترعبت وقلبي وقع في رجليا لإني
بخاف من الكلاب، وبسبب خوفي ورعبي من الكلب اللي انا ماشوفتوش اساسًا، طلعت اجري،
ومع جريتي وسعجلتي وخوفي، غصب عني اتكعبلت في طوبة واتقلبت على وشي.
قومت من عالأرض ونفضت هدومي وابتديت الم السندوتشات اللي وقعت مني، لكن وانا
بلمها وبرفع عيني، فجأة لقيت قصادي بني أدم، كان لابس جلابية سودا وليها غطا
للراس، او باللغة الدارجة يعني، زعبوط.. ملامحه في الأول ماكانتش باينة، بس لما
دققت فيه وبسبب النور البسيط اللي كان جاي من على أول الزقاق، قدرت اشوف وشه بشكل
أوضح، كان راجل عجوز، دقنه طويلة وبيضا ووشه رفيع وشاحب، بصيتله باستغراب وبلعت
ريقي..
-مش تتنحنح ولا تعمل أي صوت.. خضتني ياعم الحاج.
لما قولتله كده ضحك وهو بيرد عليا..
-انا برضه اللي خضيتك ولا صوت الكلب اللي خلاك اتقلبت زي الكورة الكاوتش هو اللي
خضك؟
-جرى ايه ياعمنا.. هو انا عشان غريب عن منطقتك هتهزقني يعني ولا ايه؟!
-لا لا.. انت مش غريب ولا حاجة، انا اللي غريب، او بمعنى اوضح، اسمي غريب.
لما قالي كده اتاخدت، ماعرفش ليه، هل عشان قال اللازمة بتاعتي واللي هي جملة
"بمعنى اوضح"، ولا عشان اسمه اللي كان مناسب اوي لحالته وحالتي!.. الحقيقة مش
عارف، بس اللي انا متأكد منه كويس اوي، هو اني اتاخدت وحسيت بقبضة في قلبي، وقبل
ما اتكلم او اقوله اي حاجة، قرب مني فجأة وحط ايده على كتفي وبص في عينيا، ومع
نظراته ليا حسيت ان الزمن وقف وان كل الاصوات من حواليا سكتت ومابقتش سامع غير
صوته هو وبس..
-شوف... الحياة دي عبارة عن فرص.. فرصة شغل، فرصة جواز، فرصة مصلحة حلوة، او فرصة
غالية اوي اوي تطلعك لسابع سما، وانا بقى تقدر تقول عليا اني صاحب الفرصة دي،
نجاتك، فرصتك انت والهلافيت اللي شغالين معاك في إنكوا تغيروا حياتكوا وتبقوا
باشاوات والقرش يجري في إيديكوا.
بلعت ريقي وسألته وانا ببربش..
-و و و.. والفرصة دي تيجي ازاي؟!
لف حواليا ووقف ورايا، وبمجرد ما بقى واقف في ضهري، حط إيده على كتفي وهمس في
ودني..
-البيت اللي انتوا بتهدوه.. اخر بيت في حارة شيخون، جواه، وتحت اخر أوضة عالشمال
في الدور الأرضي، وبالظبط عند الركن اللي عاليمين وانت داخل، هتيجي عند الحيطة
وهتخلع اخر بلاطة في الزاوية، ومن بعدها، هتخلع شوية بلاط من اللي حواليها وهتبدأ
تحفر.. ولما تحفر وتوسع الحفرة لتحت، هتلاقي صندوق، صندوق خشب مقفول، الصندوق ده
جواه كنز، جواه راس بني أدم معمولة من الدهب، تقدر تقول كده انها حتة أثار نادرة،
وقبل ما تسألني وتقولي عرفت منين، هقولك ان الموضوع معروف بين اهالي المنطقة،
الكل عارف ان الراس دي، مدفونة تحت البيت ده، بس للأسف، ماحدش يقدر لا يحفر ولا
يطلعها، ما هي الحكومة لو شمت خبر وعرفت ان حد حفر وطلع أثار وباعها، هتوديه في
ستين داهية.
-طب وانا مالي؟!
-مالك ازاي بس، ده مالك انت واللي شغالين معاك كمان، اصل انتوا لما تطلعوا
الصندوق ده، هجيلكوا بعد اسبوع من النهاردة عند البيت، وبعد ما استلم منكوا
الصندوق واتأكد ان الراس جواه، هدي لكل واحد فيكوا أرنب اخضر.
فتحت بوقي وبرقت اول ما قالي كده..
-ياليلة مش فايتة!.. مليون دولار!
-ايوه.. مليون دولار، وماتخافش، كده كده انتوا بتشتغلوا بالليل وماحدش بيشرف
عليكوا، ده غير انكوا اصلًا بتشتغلوا مع الحكومة وماحدش هيشك فيكوا، وحتى لو حد
شك فيكوا.. حلني بقى على ما يثبت، ما هو المثل بيقول، الحرامي بشيلته، وانتوا مش
هتشيلوا حاجة، انتوا هتحفروا على قد ما تقدروا، وبعد ما تطلعوا الصندوق في اي
وقت، هتخبوه في مكان أمان لحد ما اجيلكوا بعد اسبوع.
-طب ولو اتمسكنا وحد عرف وقدر يثبت؟!
-ما انا قولتلك، الحرامي بشيلته... برة عني.
-بس.. بس دي أثار، يعني من حق الحكومة والناس والغلابة وال..
-وال ايه؟!.. وال ايه ياعربي؟!.. هو مش انتوا كمان غلابة ولا ايه؟!
-عربي!.. انت عرفت اسمي منين؟!
-انت لسه واخد بالك دلوقتي؟!، معلش، انا عاذرك، مليون دولار يقلبوا الدماغ برضه،
بس ماهيمكش، اهجاوبك، انا ياسيدي عرفت اسمك من مراقبتي ليك انت والاربعة اللي
معاك، سامبو وسعيد ورشدي ومغاوري.. اه ماتستغربش، انا حاطط عيني عليكوا من بعد ما
عرفت ان الحكومة هتجيبكوا عشان تهدوا البيت، وبقولك ايه، ماتوجعش قلبك بقى وتقولي
عرفت منين، انا برضه راجل كُبارة وليا مصادري.
-طب ولو طلعت بتشتغلني؟!
-براحتك.. ماتحفرش، ماتحفرش وانسى كل اللي قولتهولك.
-بس انا..
-انت جعان وفقير ومش لاقي اللضا، لكن دي.. دي فرصتك عشان تبقى بني أدم وتقب بقى
على وش الدنيا.
لما وصل في كلامه لحد هنا، سرحت، حلمت بالفلوس وبالعربيات وبالعروسة وبكل اللي
هقدر اعمله بالمليون دولار بتوعي..
-ها ياعربي.. عربي.. قولت ايه.. دول مليون دولار.. سامع ياعربي.. مليون دولار.
وبسبب سرحاني وخيالي الواسع، غصب عني لقيت لساني بيتكلم وانا لسه سرحان...
-موافق.. هحفر، هقول لبقية الرجالة وهحفر انا وهم وهنطلعلك الصندوق.
-اتفقنا.. نتقابل بعد اسبوع زي دلوقتي.. وماتقلقش ولا تشغل بالك بيا ولا حتى تدور
عليا، انا هجيلك لحد عندك انت والرجالة اللي معاك، هجيلكوا جوة البيت..
واختفى!.. قالي كلامه ده واختفى من قدامي، زي ما يكون اتبخر او الأرض اتشقت
وبلعته!.. لكن بعد اختفاءه بشوية، وبعد ما وقفت سرحان في كلامه لدقايق، خدت بعضي
وطلعت اجري عالبيت، دخلت وانا متسربع على زمايلي، سامبو وسعيد ورشدي ومغاوري..
وقتها كانوا قاعدين بيرتاحوا من الشغل، وفي نفس الوقت كانوا مستنيني اجيبلهم
الأكل، لكن اول ما شافوني وانا داخل عليهم جري، بصوا لي باستغراب، وقبل ما ينطقوا
ولا يقولوا لي اي حاجة، بدأت انا بالكلام..
-انا.. انا قابلت كنز.
قام سامبو وقف وقالي بتريقة..
-كنز ايه ياابو عمو.. فين العشا!
-الأكل اهو.. بس قبل ما تاكلوا تعالوا نحفر في مكان جوة، اخر اوضة عالشمال، ولو
حفرنا ولقينا صندوق خشب جواه راس دهب، يبقى الغريب معاه حق.
سعيد اول ما سمع كلامي، قام وقف هو كمان وقرب مني وحط ايده على قورتي..
-لا إله إلا الله.. انت سخن ياض ياعربي ولا في حاجة قرصتك.
اتدخل مغاوري ونزل ايده من على قورتي..
-اتقل ياسعيد.. غريب مين وراس دهب ايه وهنحفر فين!.. ما تفهمنا قصدك ياعم.
بلعت ريقي وقعدت على الأرض وابتديت احكيلهم، وبعد ما خلصت، بص رشدي لكل اللي
واقفين وقالهم بصوت واطي..
-الواد ده لو بيتكلم صح، تبقى طاقة القدر اتفتحت لنا.
لكن سعيد رد عليه وهو مش قادر يصدق..
-ياعم صندوق ايه بس وغريب مين، ده تلاقي عربي رفع نص حباية وهي اللي عملت فيه
كده.
ومن بعد كلام سعيد، رد عليه سامبو وهو عاقد حواجبه..
-ومن امتى يعني عربي بيبلع حاجة، وبعدين ما المايه تكدب الغطاس، احنا نخش جوة
الأوضة ونروح عند المكان اللي الغريب ده وصفهوله، ولو لقينا الصندوق ولقينا جواها
الدماغ الدهب دي، يبقى عربي معاه حق.
والكلام اللي قاله سامبو اتنفذ، ما هو بالرغم من ان سعيد ماكنش مصدق وبيقول على
كلامي تخاريف، إلا ان سامبو ورشدي ومغاوري، كانوا مصدقين وابتدوا يحفروا معايا،
وبعد ما حفرت انا وهم لمدة ساعة تحت الأرض، وفي نفس المكان اللي الغريب قالي
عليه، مرة واحدة لقيت مغاوري بيرمي الجاروف بتاعه من ايده وبيقولنا بلهفة..
-ياجدعان، الجاروف صدر في حاجة، ولما جيت ازيحها، لقيت انها مش حاجة.. ده صندوق
صغير!
اتلمينا كلنا حواليه، وعلى نور اللمبة الحمرا اللي كانت متعلقة في الأوضة، شوفنا
الصندوق.. الصندوق اللي بعد ما طلعناه وكسرنا القفل العجيب بتاعه، لقيناها جواه!
راس بني أدم، او بمعنى اوضح، جمجمة بني أدم بس معمولة من دهب!
وقفنا كلنا وبصينا عليها واحنا فاتحين بوقنا من الصدمة والذهول، ماحدش كان مصدق،
الكل كان ساكت وبيرتب لحياته الجديدة، وبعد سكوت دام لدقايق، اتكلم رشدي اللي
يبقى اكبر واحد فينا.
-وبعدين؟!.. هنعمل ايه في البلوة دي دلوقتي؟!
رد مغاوري وهو بيمسك الراس وبيدخلها في الصندوق..
-هنحطها في مكانها ونرجع الصندوق في مكانه، وبعد أسبوع هنحفر ونطلعوا للغريب.
بس وقتها سعيد رد بكلام موزون..
-وتيجي ازاي دي ياعم مغاوري، الراس دي ماينفعش ترجع مكانها تاني، ما هو احنا لو
رجعناها زي ما كانت، وردمنا الحفرة، مش بعيد الراجل يجي واحنا مش موجودين ويحفر
وياخدها، ولو ماحصلش والراجل خاف يجي عشان الحكومة وعشان النهار له عينين، فممكن
اوي حد غيره يجي وياخدها، هو مش قالك ان اهالي المنطقة هنا عارفين الحوار ده!
وقبل ما ارد، رد سامبو على كلام سعيد بسؤال..
-طب وهنوديها فين؟!
لكن اللي جاوبه ماكنش سعيد، ده كان رشدي..
-ودي محتاجة سؤال، طبعًا هناخدها وهنخبيها عند أي واحد فينا.
وبعد كلام رشدي، اتدخلت وانا ببصلهم هم الاربعة..
-هو رشدي معاه حق، بس أكيد الواحد ده مش انا.
وقتها سعيد ماستناش، ده حط الراس جوة الصندوق وقفله، وبعد ما قفله خده وراح ناحية
شنطة العدة بتاعته وحطه جواها..
-انا اللي هاخده معايا، كده كده الولية مراتي مسافرة عند أهلها في البلد ومش
هترجع قبل أسبوعين.
بس كلام سعيد ماعداش على سامبو عادي كده، ده اول ما سمع اللي اتقال، راح ناحية
شنطة العدة وزق سعيد..
-واشمعنى يعني انت اللي تشيله عندك، ما انا عايش لوحدي وماحدش بيفتح شقتي غيري.
وقبل ما الخناقة تقوم وسعيد يمسك في سامبو، اتدخل رشدي وجابلهم مالأخر..
-بس انت وهو.. من ابو ناهية، سعيد اللي هيخلي الصندوق معاه لحد ما الأسبوع يعدي..
وقبل ما سامبو يقاوح او يتكلم، اتدخل مغاوري وسكته..
-خلصت ياسامبو.. كلام رشدي نافذ.
وبس.. اللي اتفقنا عليه اتعمل وروحنا، لكن بعد ما مشينا من الحسين، كل واحد فينا
ماروحش على بيته، احنا وصلنا لسعيد لحد باب شقته عشان نطمن انه وصل بالسلامة هو
والصندوق، وبعد ما دخل الشقة ومشينا كلنا، طلعت أوضتي اللي في سطوح بيت عيلتنا
عشان انام.. وبمجرد ما دخلت وفردت جسمي على السرير، غمضت عيني، زي ما اكون اتخدرت
او حد خبطني على نفوخي، بس التغميضة اللي غمضتها مادامتش كتير، مادامتش لاني فجأة
فَتحت عيني على صوت حد بيصرخ!
الدنيا كانت مزغللة، ماكنتش شايف كويس، انا يادوب بس كنت شايف قصادي حد قاعد على
الأرض في ركن من أركان أوضة، وجنبه كان واقف خيال اسود طويل.. ومن غير أي مقدمات،
لقيت الشخص اللي قاعد ده، قام وقف وراح ناحية مكان ماقدرتش احدده وجاب حاجة،
وبحركة غريبة ومش مفهومة، لقيته جاب كرسي ووقف عليه، وبالحاجة اللي جابها مد
دراعه ناحية المروحة.. ماكنتش شايف كويس، فغصب عني فركت في عيني وحاولت افتح عشان
اشوف اكتر، لكن للأسف، كان فات الآوان.. الشخص اللي كان واقف عالكرسي، في اقل من
دقيقة كان زق الكرسي و شنق نفسه بحبل ربطه في المروحة!
الدنيا بدأت تضلم، والرؤية اللي كانت ضبابية ابتدت تنعدم واحدة واحدة لحد ما
اختفت خالص، وبمجرد ما اختفت، صحيت من النوم.
مسكت موبايلي وبصيت فيه، الساعة كانت تسعة بالليل!
برقت من خضتي، معقول، انا نمت كل ده!.. ده انا نايم من الساعة ٨ الصبح تقريبًا!
قومت وغسلت وشي ولبست ونزلت، ومع وصولي للقهوة اللي بنتجمع عندها احنا الخمسة
عشان نمشي سوا، لقيت الرجالة قاعدين، بس الحاجة الغريبة اللي لاحظتها، ان سعيد
ماكنش قاعد وسطهم!
-شوفت ياعم رشدي، مش قولتلك، اهو ماجاش ومابيردش على تلافونه.. شكله ضرب عالراس
وخلع.
بعد ما دخلت وقعدت جنبهم، وسامبو قال لرشدي كده، بصيت لسامبو بقلق بسبب الحلم
اللي شوفته وانا نايم..
-لا ياسامبو.. انا حاسس ان سعيد في مصيبة.
لما قولت كلامي ده، قام رشدي وهو بيقولنا..
-واحنا هنفضل نضرب اخماس في اسداس، ما ننهي ام الحوار ده ونروحله البيت..
وروحناله البيت احنا الاربعة، بس لما خبطنا كتير وماحدش فتح، اتخضينا، ولما فضلنا
نخبط اكتر واكتر ورنينا على تليفونه، سمعنا الرنة من جوة!.. في اللحظة دي الجيران
كانوا اتجمعوا، ومع لمتهم وصوت الموبايل، اتكلم مغاوري وقالهم..
-ياجدعان، احنا اصحاب سعيد وبنشتغل معاه، ولما لقيناه ماجاش الشغل ورنينا عليه
وماردش، قلقنا، ودلوقتي اهو، بنرن عليه وتليفونه بيرن جوة وهو مش طالعله حس..
كتفك معايا ياعم، كتفك معايا يااخينا الله يرضى عليك، بينا نكسر الباب لا تكون
حصلتله مصيبة وهو نايم.
اتلموا الجيران حوالين الباب وكسروه، وبمجرد ما الباب اتكسر ودخلنا، شوفنا
مصيبة!.. سعيد كان متعلق في حبل غسيل مربوط في جنش المروحة اللي في اوضة من
الاوض، وكان ميت!
الجزء التاني
↚
-ياجدعان، احنا اصحاب سعيد وبنشتغل معاه، ولما لقيناه ماجاش الشغل ورنينا عليه
وماردش، قلقنا، ودلوقتي اهو، بنرن عليه وتليفونه بيرن جوة وهو مش طالعله حس..
كتفك معايا ياعم، كتفك معايا يااخينا الله يرضى عليك، بينا نكسر الباب لا تكون
حصلتله مصيبة وهو نايم.
اتلموا الجيران حوالين الباب وكسروه، وبمجرد ما الباب اتكسر ودخلنا، شوفنا
مصيبة!.. سعيد كان متعلق في حبل غسيل مربوط في جنش المروحة اللي في اوضة من
الاوض، وكان ميت!
اصوات صويت وهرج مرج، اللي بيبلغ البوليس واللي بيقول لا حول ولا قوة الا بالله
وبيستعجب من اللي شافه، لكن وسط ده كله، اتسحب سامبو وراح ناحية المطبخ، ده
المكان اللي تملي سعيد بيشيل فيه شنطة العدة بتاعت الشغل، وفي وسط ما الناس مش
واخدة بالها، خد سامبو الشنطة وحطها جوة شنطة العدة بتاعته.
طب واللي حصل بعد كده؟!.. اللي حصل ان الحكومة جت والموضوع اتقال انه انتحار
بسبب ان حالته المادية صعبة وانه مخلف كتير، وبعد ما الحكومة خدت اقوالنا
والواد سامبو خفى الشنطة في بيته قبل ما الحكومة تيجي، موضوع سعيد اتقفل، لكن
موضوع الصندوق لأ، موضوع الصندوق كان لسه مفتوح، او بمعنى اوضح، اللي فتحه هو
مغاوري وقت ما كنا قاعدين عالقهوة تاني يوم..
-بس حركة صايعة منك ياض ياسامبو.. بقى يافاجر تدخل وسط الزحمة وتسلت الشنطة
وتجري تخبيها في شقتك، لا وايه، كل ده وماحدش واخد باله.
-اومال انت مفكر ايه ياعم مغاوري، العقل في الراس المليان، مش في الجسم
الهفتان.. وبعدين اخونا سعيد الله يرحمه، كان قايلي واحنا بنوصله قبل اللي حصل،
انه هيشيل الشنطة بالصندوق جوة دولاب المطبخ.
ووقت ما سامبو كان بيتكلم، حط رشدي كوباية الشاي اللي كانت في ايده على
الترابيزة وقالنا..
-حلو اوي، كده احنا فل، الشنطة معانا والدنيا تمام، واهو المليون بتاع سعيد
الله يرحمه، يتقسم علينا الاربعة.
اتضايقت من كلام رشدي وبصيتله بقرف..
-طب ومراته وعياله؟!
-ليهم رب يتوالهم يا عم عربي، وبعدين يلا بقى.. يلا بينا عشان هنتأخر عالشغل،
مش كفاية اننا ماروحناش امبارح، كده الناس هتشك فينا.
وفعلًا روحنا الشغل، لكن بعد ما خلصنا وروحنا وانا جيت انام، شوفت حلم تاني،
والمرة دي كان مختلف، انا المرة دي كنت واقف وسط شقة بتولع، ورغم اني برضه
ماكنتش شايف كويس والدنيا كانت مزغللة، الا اني كنت سامع صوت حد بيصرخ!
قومت من النوم مفزوع، وبمجرد ما قومت، مسكت التليفون واتصلت بسامبو، لكن للأسف،
تليفونه كان مقفول!
لبست ونزلت جري، ووانا في طريقي لبيت سامبو، اتصلت برشدي ومغاوري عشان يحصلوني
على هناك، واول ما وصلت، اللي توقعته لقيته.. بيت سامبو كان والع!
مطافي، ناس بتساعد وناس بتصرخ، وبعد ما النار انطفت وخرجوا جثة سامبو المتفحمة
قصادي انا ومغاوري ورشدي، اللي كانوا وصلوا بعدي، بصينا لبعض احنا التلاتة،
وبعد ما الدنيا هديت والحكومة والمطافي والاسعاف مشيوا، والناس كمان اتفضوا،
طلع مغاوري واتسحب لبيت سامبو، وبعد خمس دقايق، خرج وهو في ايده شنطة العدة
اللي جواها الصندوق.
خدناها وروحنا قعدنا بيها على القهوة، واول ما قعدنا واحنا متوترين، بص لنا
مغاوري وهو قلقان وقالنا..
-وبعدين ياجدعان!.. احنا كده هنتصفى واحد ورا التاني، هو الصندوق والراس اللي
جواه دول ايه، راكبهم شيطان!
رد عليه رشدي وهو بيبصلنا احنا الاتنين..
-راكبهم شيطان، راكبهم جن ازرق، مش مهم، المهم ان ماحدش مننا هيموت تاني، انا
هاخد الصندوق ده وهروح اخبيه في مدفن عيلتي، ولما يجي اليوم اللي الغريب ده قال
انه هيظهر فيه، نبقى نطلعهوله قبلها.. ها، قولتوا ايه؟!
هزينا رووسنا احنا الاتنين، وبعد ما وافقنا على كلام رشدي واتفقنا ان وانا
مغاوري هنروح معاه وهو بيدفن الصندوق، مسك رشدي الشنطة بتاعت العدة اللي كانت
عاملة زي الشوال، وبعد ما ربطها كويس وادهالي، قام هو ومغاوري وعدوا الشارع
عشان يجيبوا سجاير، لكن وقت ما كانوا بيعدوا، فجأة سمعت صوت فرملة قوية اوي،
ومع الصوت، شوفت مغاوري ورشدي وهم بيطيروا من عالأرض، بعد ما خبطهم ميكروباص
كان ماشي بسرعة!
قومت من مكاني وانا مبرق وسرحان، بصيت على مغاوري ورشدي وهم بينازعوا وبيطلعوا
في الروح، وفي خلال دقايق، كانوا ماتوا والاسعاف كانت جت وشالت جثثهم وقبضوا
على سواق الميكروباص!
ايه اللي بيحصل ده!.. انا هتجنن!!
مشيت في الشارع وانا ماسك الشنطة وهايم، ماعرفش كنت رايح فين، كل اللي انا
فاكره اني لقيت نفسي في الحسين، عند نفس المنطقة اللي فيها البيت، وعشان اقدر
الاقي احل للمصيبة اللي معايا دي، او عالأقل اخلص منها، قربت من قهوة جنب
الحارة اللي جواها البيت وسألت القهوجي اللي بيشتغل فيها..
-يااخ..
-اؤمرني يااستاذ؟
-تعرف حد ساكن هنا اسمه الغريب او عم غريب!.. هو راجل كبير كده وبيلبس جلابية
غريبة وعنده دقن و..
قاطعني القهوجي..
-والله ياعمهم انا مش من هنا، بس انا هدلك على حد قديم وخبرة في المنطقة، الشيخ
حسن حماد... شايف الحارة اللي في الوش دي؟!
-اه..
-خشها واسأل على بيت الشيخ حسن، هو اخر بيت على اليمين، هتلاقيه لابس جلابية
بيضا وبيسبح وهو قاعد على دكة خشب جنب باب بيته.
شكرته وروحت ناحية الحارة، دخلتها وسألت على بيت الشيخ حسن ووصلتله، كان زي ما
القهوجي قالي بالظبط، قاعد على دكة خشب جنب باب بيته اللي من دور واحد، وكان
ماسك سبحة وسرحان.. قربت منه بهدوء وسلمت عليه..
-سلامو عليكوا.. شيخ حسن حماد؟!
-ايوه، انا ياابني.. خير؟!
-انا كنت جاي اسألك على حد كبير في المنطقة هنا، راجل عجوز اسمه عم غريب.
-غريب!.. مافيش حد هنا بالأسم ده.
-متأكد ياعم الشيخ؟!.. دي تبقى مصيبة، طب بص، انا هقولك أوصافه، اه، ما جايز
يكون اسمه حاجة الغريب، يعني احمد غريب او محمد غريب، وهو لما قابلني اختصر
وقالي غريب على طول..
-ياابني من غير أوصاف، انا عايش في المنطقة هنا من زمن الزمن، وبعدين احنا كلنا
عارفين بعض، يعني لو الراجل ده من سكان المنطقة القُدام، او لو كان راجل كبير،
أكيد هعرفه، حتى لو اسم ابوه او جده الغريب، بس صدقني ياابني، مافيش حد هنا
بالأسم ده.
حطيت الشنطة على الأرض وقعدت جنبه على الدكة وانا مبلم..
-يانهار مش فايت، يانهارك كوبية ياعربي، يعني انا كده هموت؟!
-بعد الشر عنك ياابني، ليه الفال الوحش ده!
لما قالي كده ماعرفش ليه ارتاحتله، حسيت اني قاعد قصاد ابويا الله يرحمه واني
محتاج احكيله، وبسبب راحتي من ناحيته، خدت نَفسي وحكيتله كل حاجة، من اول
الليلة اللي ظهرلي فيها الغريب، لحد موت رشدي ومغاوري، لكن بعد ما خلصت، بص
الشيخ حسن على شنطة العدة اللي جواها الصندوق وبعد كده بص لي وهو مبرق..
-ياخبر ابيض!.. لا ابيض ايه بقى، ده خبر منيل بستين نيلة..
عنيا دمعت وانا ببصله..
-انت تعرف حاجة عن اللي انا حكيته او تعرف حاجة عن الغريب؟!
-لا، انا ماعرفش لا غريب ولا قريب، انا كل اللي اعرفه هي المصيبة اللي معاك
دي.. راس المملوك!
-راس ايه؟!
-راس المملوك.. اللعنة اللي كانت مدفونة من زمن الزمن تحت بيت شيخون، وعشان
تعرف حجم المصيبة او الكارثة اللي انت فيها، هحكيلك حكاية الراس دي ايه... زمان
اوي، ايام الوالي محمد علي، حصلت مدبحة كبيرة، مدبحة طار فيها كتير اوي من رووس
المماليك اللي كانوا جوة القلعة، بس زي ما طارت الرووس جوة القلعة، فبرضه طارت
هنا، في منطقة الحسين.. ما هو مش كل المماليك راحوا العزومة اللي عملها محمد
علي في القلعة، ده كان في منهم كتير اوي ماراحوش، ومن ضمن اللي ماراحوش، كانوا
المماليك اللي عايشين هنا في الحسين، وطبعًا عشان المدبحة تكمل والوالي يخلص من
المماليك، بعت الحرس بتوعه بأمر من لاظوغلي باشا عشان يخلصوا على المتبقي من
المماليك في كل مكان في القاهرة، وطبعًا منطقتنا دي، كانت من ضمن المناطق اللي
فيها مماليك.. وبسبب وجودهم، المنطقة شافت مدبحة تانية راح فيها مماليك كتير،
مماليك اتقطعت رووسهم في الشوارع والحواري، وبعد ما الرووس.
اتقطعت والحرس خَلصوا، جمعوا الرووس اللي قطعوها وحطوها قصاد جامع الحسين
عشان يلموها ويودوها عالقلعة، بس وقت ما الرووس دي كانت متجمعة، والحرس كانوا
بيرتاحوا من تعب اليوم وغفلوا عنها، اتسلل شاب صغير، يعتبر عيل لأن كان عنده
يجي ١٥ سنة، والواد ده، بص على الحرس واستغل انشغالهم وسرق واحدة من الرووس،
وبسبب خوفه من الحرس لا يشوفوه، طلع يجري على دكانة ابوه الفكهاني ووراله
الراس، بس اول ما ابوه شاف الراس، اتخض، برق، وقبل ما يسأل الواد ويقوله، ايه
اللي انت جايبهولي ده، الواد اتكلم بسرعة وقاله انها راس مملوك، راس ممكن عن
طريقها انهم يكسبوا فلوس كتير، يعني من الأخر كده ممكن ياخدوها ويطلعوا بيها
للوالي، ويقولوا له انهم قتلوا مملوك وياخدوا قصاد راسه فلوس، لكن الأب اتضايق،
ماعجبوش كلام ابنه ولا اقتنع بيه، ده ضربه قلمين وحط الراس في شوال خيش من اللي
كان بيتحط فيهم الخضار زمان، وبسرعة البرق خرج من الدكانة وراح عشان يدفنها، بس
وهو خارج بقى، ووقت ما كان معدي بالليل من قصاد حارة من الحواري، قابله الشيخ
شيخون؛ طب مين بقى الشيخ شيخون ده؟!.. الشيخ شيخون ياابني كان راجل له اسمه
وقتها، اصله كان ساحر شديد، له اسمه والكل عارف قدراته والكبير قبل الصغير
بيخافوا منه، ولانه كان راجل شديد وقوي ومعروف، الراجل اللي معاه الراس اول ما
شافه ارتبك، خاف، وقف مكانه وهو بيترعش، وبسبب خوفه والربكة اللي ارتبكها، بص
له الشيخ شيخون وبص للشوال اللي في ايديه وسأله بخبث، هو الشوال ده في ايه
ورايح بيه على فين؟!..
الراجل بلع ريقه وحاول يرد على شيخون، بس للأسف، لسانه اتلجم وفضل ساكت
لحد ما شيخون لاحظ ان الشوال بينزل منه دم، بص شيخون على الدم وسأل الراجل عنه،
ومن عند سؤاله ولإن الراجل كان خايف ومرعوب، حكاله كل حاجة، قاله على اللي ابنه
عمله وعلى اللي هو ناوي يعمله، لكن شيخون ساعتها ضحك وجت له فكرة ماتخطرش على
بال إبليس، فكرة بسببها مسك شيخون الشوال وبص للراجل وقاله سيب الراس، انا
هدفنها بنفسي، وفعلًا الراجل ساب الشوال لشيخون وطلع يجري، لكن السؤال هنا بقى،
شيخون هيعمل ايه بالراس؟!.. شيخون بعد ما خد الراس وروح على بيته، دخل جوة
الخلوة بتاعته وابتدا يعمل اكتر حاجة حرام ممكن يعملها اي بني أدم.. شيخون
ياابني سلخ الراس، شال منها الشعر والجلد واللحم وفضل سايبها في مادة كاوية لحد
ما بقت عضم، جمجمة يعني زي ما بيتقال، وبعد ما عمل اللي عمله، خد الجمجمة وكتب
عليها طلاسم وحضر عليها جن شديد، مارد من المردة السُفليين، وبعد ما حضر المارد
وسخره عن الطريق الطلاسم وراس المملوك المقتول، طلاها بماية الدهب وبقى بيبعتها
هدية لكل واحد من السحرة الكبار اللي كانوا بينافسوه، كان بيبعتها كعربون صُلح
يعني، بس للأسف، كل واحد كانت بتروحله الراس دي، كان بيموت موتة بشعة، وبعد ما
اللي راحتله الراس ما كان بيموت، كان شيخون بيبعت حد يسرقها ويرجعها له، وفضل
يعمل كده مع كل اللي بيقفوا قصاده لحد ما كبر .
وعجز، وعشان يخلص من لعنة الراس وماحدش ياخدها من بعده، دفنها تحت بيته،
وبعد ما دفنها والمرض اشتد عليه، قعد مع ابنه وحكاله الحكاية بتاعتها، وطبعًا
ماقالوش هو دافنها فين تحت، البيت عشان ماحدش من نسله يطلعها ولا يتصاب
بلعنتها، وبس.. مات شيخون وابنه عاش في البيت، لكنه عاش عيشة مُرة، عيشة كلها
خوف وفزع، ماهو الواد ابن شيخون، كانت بتظهرله خيالات وجن، ولإنه ماكنش ساحر
ولا مخاوي زي ابوه، فساب البيت وقفله وخد بيت تاني وعاش حياة جديدة، حياة من
غير جن ولا شياطين، ولما اتجوز وخلف، ومع الأيام والسنين، الحكاية دي اتنقلت من
جيل للتاني لحد ما بقت اسطورة، لكن تعرف، الحكاية دي ممكن ماتكونش صح، ما هو
أصل في ناس تانية، او بالظبط يعني ناس كانت تعرف شيخون كويس، قالوا إن الراس دي
هي راس مملوك فعلًا، لكن شيخون ماجابهاش بالطريقة دي، ده بعت عيل من اللي كانوا
شغالين معاه وخلاه سرقها وجابهاله، وبعد ما جابهاله وسلخها وطلاها بماية الدهب،
حضر عليها مارد قوي عشان يخدمه، والمارد ده ماكنش ممكن يحضر بأي طريقة، إلا
الطريقة دي.. يعني عشان اوضحهالك اكتر، المارد ده ماكنش ينفع يحضر إلا على راس
واحد مدبوح او مقتول بطريقة بشعة، واهو حضر.. حضر وبقى يخدم شيخون هو وعشيرته
لحد ما شيخون مات ودفن الراس تحت بيته، والناس اللي حكوا الحكاية دي، قالوا
كمان ان اللي هيطلع الراس، هيتلعن وهيموت موتة بشعة، وده لأن المارد اللي حضر
عليها او عن طريقها، ماحدش هيقدر عليه ولا هيقدر يسخره، واهي.. الأيام جريت
والحكايات كترت، اما بيت شيخون، فاتقفل، لكنه بعد ما اتقفل، الحارة اتسمت بأسمه
لأنه كان من اقدم الناس في المنطقة، وكمان لأنه كان واصل اوي وبعض الناس كانوا
بيعتبروه مبروك، بس تعرف؛ رغم كل الحكايات اللي كانت بتتقال، إلا إن الناس كانت
بتخاف تدور عالراس او حتى تقرب من البيت، اه، ما الكل كان عارف ان الراس دي
ملعونة، وسواء بقى كانت حكاية الواد اللي سرق الراس صح، او حتى غيرها هي اللي
حصلت بجد، ففي النهاية كل الحكايات اللي انقالت عنها بتقول حاجة واحدة بس،
الراس دي، او راس المملوك اللي مات مدبوح، ملعونة، وعشان باب لعنتها يتقفل،
لازم تفضل مدفونة، الراس دي ياابني مكانها مش على وش الأرض، دي مكانها تحت
التراب.
بعد ما الشيخ حسن خلص كلامه، قومت بسرعة من مكاني وانا بقوله..
-صح، انت صح، الراس دي لعنة ولازم ترجع لمكانها، لازم تدفن وترجع لتحت الأرض من
تاني.
بعد ما قولتله كده خدت بعضي وطلعت جري على مدافن عيلتنا، ولأن انا معايا مفتاح
مدفن امي وابويا الله يرحمهم، روحت للترب وفتحت المدفن، الدنيا كانت ليل
والمكان كان فاضي، ماكنش فيه صريخ ابن يومين، استغليت هدوء المكان ودخلت وفتحت
القبر، مسكت العدة اللي جنب الصندوق في الشنطة، وفتحت بيها القبر، وبعد ما
فتحته، مسكت الصندوق ونورت بكشاف تليفوني ونزلت على السلالم، المكان كان ضلمة
وريحته مقبضة، لكن لا، انا كل ده مايهمنيش، الراس دي لازم تدفن وماتوصلش لإيد
حد.
شجعت نفسي ودخلت وسط الأكفان والميتين، ومع وصولي لنهاية القبر، ركنت الصندوق
عالأرض ولفيت، بس اول ما لفيت، لقيته واقف قدامي!.. ماكنش جن ولا شبح، ده كان
هو.. الغريب!
الجزء التالت
↚
بعد ما الشيخ حسن خلص كلامه، قومت بسرعة من مكاني وانا بقوله..
-صح، انت صح، الراس دي لعنة ولازم ترجع لمكانها، لازم تدفن وترجع لتحت الأرض من
تاني.
بعد ما قولتله كده خدت بعضي وطلعت جري على مدافن عيلتنا، ولأن انا معايا مفتاح
مدفن امي وابويا الله يرحمهم، روحت للترب وفتحت المدفن، الدنيا كانت ليل
والمكان كان فاضي، ماكنش فيه صريخ ابن يومين، استغليت هدوء المكان ودخلت وفتحت
القبر، مسكت العدة اللي جنب الصندوق في الشنطة، وفتحت بيها القبر، وبعد ما
فتحته، مسكت الصندوق ونورت بكشاف تليفوني ونزلت على السلالم، المكان كان ضلمة
وريحته مقبضة، لكن لا، انا كل ده مايهمنيش، الراس دي لازم تدفن وماتوصلش لإيد
حد.
شجعت نفسي ودخلت وسط الأكفان والميتين، ومع وصولي لنهاية القبر، ركنت الصندوق
عالأرض ولفيت، بس اول ما لفيت، لقيته
واقف قدامي!.. ماكنش جن ولا شبح، ده كان هو.. الغريب!
-من التراب وللتراب ياولاد أدم.. منه اتخلقتوا ونهايتكوا في احضانه.
-انت.. انت جيت هنا ازاي؟!
-لأ.. كده السؤال غلط ياعربي، والسؤال الصح اللي المفروض تسأله، انا ابقى مين؟
-انت.. انت.. انت الغريب اللي خلتني اطلع الراس، انت اللي وزتني وطمعتني لحد ما
خليت لعنتها تصيب اصحابي وتموتهم واحد ورا التاني، لكن لأ، انت مش الغريب، أنت
مش بني أدم من اصله!
-صح ياعربي، كده انت فهمت، بس اللي لسه مش قادر تفهمه، ان لعنة الراس دي زي ما
صابت صُحابك، هتصيبك انت كمان.
-يعني ايه؟!
بمجرد ما سألته سؤالي ده سمعت صوت تراب، ومع الصوت، ابتدا باب القبر يتقفل،
جريت، طلعت على السلم وحاولت احفر، لكن من غير فايدة.. نور الكشاف بتاع
الموبايل انطفى، نَفسي اتكتم والدنيا بقت ضلمة، كل الأصوات سكتت وماتبقاش غير
صوته وبس.... صوته اللي كنت سامعه جوة راسي..
-الطمع والجري ورا الفلوس، اخرتهم الموت ياعربي.. الموت.. سامع ياعربي.. الموت
ياعربي..
-ها ياعربي.. قولت ايه.. دول مليون دولار.. سامع ياعربي.. مليون دولار.
فوقت من سرحاني وفتحت عيني، المكان فجأة اتغير ولقيت نفسي لسه واقف مكاني، لسه
في الحارة اياها والغريب واقف ورايا ومستني ردي!
لكن لأ، انا مش هوافق.. انا اول ما رجعت لوعيي من تاني وفوقت من اللي شوفته،
رديت عليه بكل تحدي وغِل..
-لأ ياغريب.. لأ.. حياتي انا والغلابة اللي جوة دول لا يمكن تتباع بفلوس، انا..
انا شوفت كل حاجة، وحقيقي ماعرفش كل ده حصل ازاي، بس انا شوفت، جايز تكون رؤية
من ربنا او لحظة تجلي، مش عارف، مش عارف ولا فاهم، لكن اللي اعرفه واقدر افهمه
كويس اوي، هو ان الراس دي مش ممكن تطلع من تحت البيت.. انت مش بني أدم، انت شر،
شيطان، والشيطان مابيجيش من وراه إلا الموت والخراب.. اعوذبالله منك ومن شرك...
اعوذبالله منك ومن وساوسك.. اعوذبالله من الشيطان الرچيم..
اول ما قولت كلامي ده، حسيت بهوا سخن في ضهري لثواني، وبمجرد ما لفيت،
مالقتهوش، اختفى!
بلعت ريقي وغمضت عيني وقريت المعوذتين، وبعد ما خلصت قراية، خدت الحاجة اللي
كانت معايا ورجعت لزمايلي، لكن يومها، وبعد ما اتعشيت معاهم، قولتلهم اني تعبان
ومش قادر اكمل اليوم، ايوه، ضحكت عليهم وقولتلهم اني مش قادر اكمل لأني تعبان
بسبب الوقعة اللي وقعتها ومحتاج اروح، والحمد لله.. الحمد لله سمعوا كلامي
وشطبنا قبل الفجر وروحوني لحد بيتي، وبعد كده روحوا هم كمان، بس انا بقى من
بعدها مانمتش، انا خدت بعضي ونزلت بالعدة بتاعتي وروحت على بيت شيخون وحفرت في
نفس المكان، وبعد ما حفرت لفترة طويلة، لقيته، الصندوق، الصندوق اللي طلعته من
مكانه من غير ما افتحه، انا حطيته زي ما هو جوة شنطة العدة وخدت بعضي وطلعت على
الكورنيش، وقفت قصاد النيل وطلعته وقررت ارميه، لكن قبل ما ارميه بصيت له
وابتسمت..
-انت مكانك مش تحت البيت، كده كده البيت بعد ما يتهد اتهد ويتحفر مكانه، اكيد
اللي هيحفر هيلاقيك وهيتأذي، وحتى لو دفنتك، ممكن برضه حد يلاقيك ويطمع في اللي
جواك، بس لا، انت والراس اللي جواك مكانكوا في مكان غويط، مكان ماحدش يعرف
يوصله... جوة ماية النيل.
وبعزم ما فيا رميته وروحت لبيتي، كنت مرتاح ليلتها ونمت نوم عميق، ارتاحت، ماهو
من غير الصندوق والراس، لا في كوابيس ولا قلق.. ولا موت..
(بعد مرور شهر)
تحت كورنيش النيل وقصاد المايه، كان قاعد شاب شكله غلبان، كان سرحان وباصص
لمايه النيل وهو بيكلم نفسه..
-يارب، يارب دبرني والهمني الصبر، انا تعبت، تعبت من تُقل الشيلة اللي عندي،
هقول ايه بس، ما انت عارف اني من بعد موت امي، ومن بعد ما ابويا رماني انا
واخواتي واتجوز واحدة اصغر منه، من وقتها وانا تايه، ياارب.. الحمل بقى تقيل
اوي عليا ومابقتش عارف الاقيها منين ولا منين.. الاقيها من اختي اللي عاوزة
تتجهز عشان تتجوز، ولا من اخويا اللي مصاريف مدرسته قطمت وسطي!.. دبرني ياكريم.
وفي وسط كلامه سكت.. عينيه برقت لما شاف حاجة قصاده على شط النيل، كان هو..
الصندوق، جري ناحيته وفتحه، وبمجرد ما فتحه وشاف اللي جواه، برق..
-ايه ده!.. دي.. دي جمجمة دهب!
في اللحظة دي ظهر هو من وراه.. كان بنفس لبسه وهيئته وضحكته الخبيثة، ايوه..
كان هو.. الغريب... الغريب اللي مع نظاراته ليا قومت من النوم مفزوع، مسكت
ازازة المايه اللي جنبي وشربت منها، بس اول ما نزلتها من على بوقي وخدت نفسي،
لقيته قدامي!
-ايه ياعربي.. فاكر انها كده خلصت؟، فاكر انه عشان نجدك وخلاك ترفض عرضي يبقى
خلاص، اللعنة خلصت؟!.. غلبان، عبيط، فاكر ان اللعنة في راس المملوك، مع انها في
الأصل لعنتي، وسوستي ولعبتي عليكوا.. انا مابخلصش ياعربي الا مع نهاية
دُنيتكوا.. انا الغريب.. الغريب اللي قاعدلكوا للنهاية.. ولو بس واحد فيكوا فلت
مني، فانا قادر اغوي غيره.. انا همشي، وانت، مش هتشوفني تاني، لكن صدقني، مع كل
ذنب هتعمله انت وغيرك، هبقى موجود.. سلام، اشوفك في الأخرة..
وبمجرد ما خلص كلامه وقبل ما انطق او اقوله اي حاجة، كان نور الأوضة اترعش رعشة
خفيفة، ومع رعشة النور، الغريب اختفى..
لكن تعرف، الغريب اختفى بهيئته اللي ظهرلي بيها وماشوفتوش تاني، بس في الحقيقة
هو دايمًا موجود، موجود معايا وبيحاول يوقعني في الغلط، بالظبط زي ما موجود
جنبك ومعاك دلوقتي وانت بتسمع او بتقرا حكايتي دي.. خلي بالك.. خد حذرك منه
كويس اوي، واول بس ما تحس بوجوده، استعيذ.. استعيذ وارجع للي خلقه وخلقك، هو
اللي قادر عليه وقادر يحميك منه، ارجعله، صدقني هينجيك.... هو الكريم، الحكم،
العدل، بالتأكيد اكبر من شره ومكايده، ومهما الغريب حاول معاك، فذكره هو اللي
ينجيك..
تمت