📁 آخر الأخبار

قصة يوسف للكاتب محمد شعبان العارف

 قصة يوسف للكاتب محمد شعبان العارف


في يوم شتوي لذيذ بالنسبة لي، وعلى الساعة ١٢ بالليل كده، كنت قاعد في أوضتي اللي في بيت جدتي وبخلص شغل.. كان قصادي اللاب توب اللي بشتغل عليه، وجنبي الموبايل اللي بتاعي اللي كنت مشغل عليه سورة يوسف بصوت واطي.. بس وانا قاعد شغال وسارح في اللي في ايدي وفي صوت الشيخ محمود على البنا، اتفتح باب الأوضة ودخلت جدتي، قربت مني من غير ما تتكلم وقعدت قصادي، وقتها مسكت التليفون وفصلت القرأن اللي كنت مشغله..



قصة يوسف للكاتب محمد شعبان العارف




-صدق الله العظيم.. ايه ياست الكُل.. ايه اللي مصحيكي لدلوقتي؟!


بصت لي وابتسمت وبعد كده بصت للتليفون اللي كنت مشغل عليه القرأن..


-انت كنت مشغل سورة يوسف، مش كده؟!


-اه.. بحبها اوي ياستي، بحسها مش بس قصة عظيمة ربنا عزوجل نزلها في كتابه، لا، دي كمان بتلمس قلبي، بحس كده ان كلماتها وتفاصيلها والحكم اللي فيها، بتلمس قلبي وبتصحصح عقلي وبتخليني ابص للعلاقات وللناس بشكل مختلف.


-ازاي يعني؟!.. ايه اللي في السورة دي بالذات بيخليك تبص للناس بشكل غير شكلهم.. او بشكل مختلف زي ما انت بتقول ياواد يامثقف!


-لا لا لا.. انا ولا مثقف ولا حاجة، انا بس بحب اشوف كل حاجة على حقيقتها، حتى الناس والعلاقات، أما سورة يوسف العظيمة، فبالنسبة لي اكبر دليل على إن الناس مش دايمًا واضحين، اوقات كتير بيبقى جواهم غير اللي باين، عندك اخوات سيدنا يوسف مثلًا.. طول الوقت باينين قدام اهلهم انهم ابرياء، لا وايه، ظلموا الذئب وقالوا انه هو اللي قتل اخوهم سيدنا يوسف عليه السلام، حتى الست اللي آوت سيدنا يوسف عليه السلام في بيتها؛ بعد الظلم اللي ظلمتهوله، بانت قصاد الناس مظلومة وبريئة، اما هو.. فاتسجن، طب اقولك، حتى البير اللي اترمى جواه في البداية، هو كمان كان مختلف، هو كمان كان اللي براه غير اللي جواه... مين يقول ان البير اللي من برة شكله عادي، او بس جواه مايه وضلمة، مين يقول انه كان مخبي في بطنه الجميل، سيدنا يوسف!


سرحت جدتي لثواني وبعد كده بصت لي وضحكت..


-ايه ياواد الكلام الكبير ده كله؟!... جرى ايه؟.. هو انت كبرت وبقيت بتفكر بالشكل ده بجد، ولا انت في حد ملسوعك وضاحك عليك وعشان كده تفكيرك متغير؟!


-لا والله ياستي، انا زي الفل وحياتي تمام، بس المشكلة في طباع الناس، ومن غير استثناء، كل الناس والله ياستي.. كلهم بقوا بيجاهدوا عشان يِظهروا غير اللي جواهم.


-والله معاك حق ياابني، بس اقولك.. سيبك من الناس وخلينا في كلام ربنا الجميل، كلام ربنا اللي الناس زمان ماكنوش بيعتبروه كلام بيتسمع او بيتقري، دول كانوا بيعتبروه كل حاجة، يعني عندك مثلًا سورة يوسف اللي بتحب تسمعها، تعرف انها اتكررت اكتر من مرة وبأكتر من شكل؟!


-اه طبعًا ياستي، أكيد، ما هو كلام ربنا عزوجل مانزلش عشان وقت معين، ده لكل الاوقات والأزمان، وأكيد القصص اللي بين سطوره، هي عبر وجواهر، حكايات حصلت وبتحصل وهتحصل، بس انا عن نفسي، ورغم إيماني بكل حرف في الحكاية، الا اني ماشوفتش ولا عدت عليا حكاية زيها.


-بس انا شوفت وسمعت.. شوفت وسمعت حكاية شبه حكاية سيدنا يوسف مع اخواته؛ هي اه مش بنفس التفاصيل، بس شبهها في حاجات، ده غير طبعًا انها مليانة حكم ومواعظ.


ركنت اللاب توب والتليفون على جنب واتعدلت في قعدتي..


-ياسلاام.. شكلي هسمع حكاية جديدة.


-ايه؟!.. مش كان وراك شغل؟!


-ياستي الشغل مش هيطير، كده كده الشغل موجود وهيفضل موجود لحد ما اموت، المهم حكاياتك انتي، حكاياتك اللي بالنسبة لي بقت اجمل شغل.


-ياسلام عليك ياواد ياحلنجي، بتعرف تاكل عقلي بكلمتين عشان احكيلك، بس اقول ايه، ماشي، هحكيلك وأمري لله.


وبعد ما قالتلي كده، اتعدلت جدتي في قعدتها وابتدت تحكيلي حكاية غريبة، حكاية من اغرب الحكايات اللي مش بس سمعتها من جدتي، دي من اغرب الحكايات اللي مرت عليا في حياتي...



زمان اوي، وفي حي فقير وشعبي من احياء اسكندرية، كان في تاجر كبير في السن والمقام اسمه (مغاوري).. عمك مغاوري وقت ما ابتدت الحكاية كان عنده يجي ٥٥ سنة او اكتر، وقتها كان متجوز اتنين وعنده بيت ملك، لكن مع الزمن، مراته التانية ماتت واتبقت مراته الأولانية، كانت ست طيبة وقلبها عَمران بالخير، اما جوزها، الحاج مغاوري، فكان عنده ٥ عيال، ٤ منها، وواحد من مراته التانية، والاربعة اللي كانوا من مراته الأولانية، كانوا تلات صبيان وبنت؛ اكبرهم هو (بكر) اللي كان عنده وقتها ٢٦ سنة، واللي تحته كان (رفعت) اللي عنده ٢٣.. واللي تحت رفعت كانت (غالية)، ودي كان عندها ٢٠ سنة، واخر واحد في الاخوات الشققا الاربعة، كان (سمير)، واللي كان عنده وقتها ١٨ سنة.. اما الابن الاخير لمغاوري واللي كان مخلفه من مراته التانية اللي ماتت وهي بتولده، فكان اسمه (مكرم).. مكرم من يوم ما عنيه فتحت على الدنيا وهو مالوش ام، امه ماتت وهي بتولده زي ما قولتلك، بس مرات ابوه واللي تبقى مرات مغاوري الأولانية، كانت زي ما قولتلك برضه، ست اصيلة وطيبة، خدت مكرم وربته وكأنه عيل من عيالها، لكن مع مرور الوقت ولما (مكرم) قرب يجيب ال ١٦ سنة.. الاحول ابتدت تتشقلب.



 مغاوري كان متعلق بالواد هو ومراته (محروسة) بشكل غريب، ولو هتقولي ايه السبب، هقولك مليون سبب، مش سبب واحد بس.. مغاوري ومحروسة كانوا شايفين في مكرم عوض ربنا اللي بجد، الواد كان محترم وملتزم وكان تملي بيحب محروسة وبيرعاها، ده غير كمان معاملته مع ابوه.. ماهو مكرم ورغم انه كان اصغر اخواته، إلا انه كان شايل معظم الشغل مع ابوه.. طب ابوه كان بيشتغل ايه بقى؟!.. ابوه كان عنده محلات بقالة، والمحلات كان اللي ماسك حساباتها كلها هو مكرم.. متخيل!.. عيل عنده يجي ١٥ سنة وكام شهر، ماسك حسابات محلات كبيرة زي محلات مغاوري، طب واخواته!، ولاد مغاوري من محروسة كانوا فين؟!.. هقولك.. بكر وقتها كان متجوز واحدة ابوه مش راضي عنها، وبسبب عدم رضاه عن الجوازة، اضطر بكر انه يسيب الشغل معاه ويروح يشتغل في مجال تاني، بالتحديد في مجال الصيد، مع الريس (أدهم) اللي اتجوز بنته، اما رفعت، فكان لاسع، كان حلمه انه يبقى مغنواتي رغم انه ماعندهوش الموهبة ولا حتى صوته حلو... وبسبب جريه وسعيه الكداب ورا حلم صعب انه يتحقق، وبسبب عدم رضا ابوه عن السكة اللي هو ماشي فيها، اتخانق رفعت هو كمان مع ابوه وبقى بيبات عند اصحابه، ده غير انه كان بيلف طول الليل على الكازينوهات والكباريهات عشان يلاقي اي فرصة تطلعه لعالم المغنا.. اما بقى البت غالية، فدي من ساعة ما اتجوزت ابن عمتها وهي قوى قلبها على ابوها، من وقتها وهي دايمًا في خلاف معاه، وبالنسبة للأبن الرابع؛ سمير..




 فسمير كان مركز مع اصحابه اللي جروه لسكة الشرب، السكة اللي أول ما ابوه عرف انه ماشي فيها، ضربه علقة موت ورماه في الشارع، وبعد ما رماه، حلف طلاق تلاتة انه مش هيدخل البيت غير وهو مبطل تعاطي وبيع.. ولحد هنا اقدر اقولك ان الاربعة سابوا ابوهم وامهم، لكن مكرم، لا، ده كان واد غلبان وطيب وطوع لابوه وللست محروسة اللي ربته، وبسبب اخلاقه وحبه ليهم ولمصلحتهم، حبه مغاوري بزيادة، وطبعًا محروسة كانت طايرة بيه لأنه عايش معاها وواخد باله منها عكس ولادها، دي حتى كانت تملي تقول.. انا ماليش عيال غير مكرم، هو اللي لما اعيا بيسهر جنبي وبيخاف عليا.. ده غير انها كمان كانت بتقول انه احن عليها من ولادها اللي حملت فيهم وربتهم، بس تفتكر الوضع ده استمر او اخوات مكرم رضيوا بيه مثلًا!... لا ياابني، دول الاربعة اللي كانوا خاربين الدنيا فساد، في يوم اجتمعوا بعد ما اخوهم الكبير طلب انه عاوز يتكلم معاهم، ومن عند كلامهم والقعدة دي، التصورات كلها اتخلقت، اللي يشتكي من ضيق الحال، واللي تحت عنيه بقى ازرق من كتر الشرب، دي حتى البنت الوحيدة اللي فيهم، واللي المفرض اختهم، كانت قاعدة وهي وشها متغير، ما هي كمان حظها مال في الدنيا بسبب معاملة جوزها ليها!.. بس، ومع قعدتهم وهم مهموين وشايلين الهم على كتافهم، اتكلم بكر وقالهم..



-بنقولكوا ايه، انا مش جايبكم هنا عشان نقعدوا نولوا زي النسوان، احنا لازمن نلاقي حل للي احنا فيه!

رد عليه سمير وهو بيفتح عينيه بالعافية من كتر الشُرب..


-يعني انت عاوزنا نعملوا ايه، هو الهم اللي احنا فيه شوية؟!، وبعدين انت عايزنا في ايه من اساسه؟!


-عايزكوا عشان انتوا اخواتي، وزي ما اللي بيجمعنا دم واحد، فاحنا برضه بتجمعنا حقوق ومصالح واحدة، حقوق ومصالح بتقول ان ابونا وامنا، احنا أولى بيهم، مش الواد الحلنجي ابن نرجس بياعة الخضار.


سحب سمير نفس من سجارته ورد على بكر...


-ده كلام سليم، بس احنا هنعمله ايه يعني؟.. هنخطفوه ولا هنكهربوه؟!

بصت له اخته من فوق لتحت بقرف..


-ونبي ما حد عايز يتكهرب غيرك، اهو جايز تفوق ولا تموت ونخلص منك..

وكملت كلامها وهي بتبص لبكر..


-سيبك من المسطول ده وكلامه، وارمي اللي في عبك يابكر، ناوي على ايه؟!


-على كل خير يابنت ابويا، على كل خير.. الواد ده مش سهل، تعبان زي امه الحية، فضل يتدحلب لابوكوا وامكوا لحد ما بقى هو الكل في الكل، واهو.. اخرتها ايه، هو قاعد على مكتب طول النهار وماسكلي الورقة والقلم وعاملي فيها الباشكاتب، وانا طالع عين اللي جابوني في المالح، ومش انا وبس، ده انتي كمان ياختي، انتي كمان على طول في مشاكل مع جوزك بسبب ان ابوكي مش راضي يسلفه بضاعة عشان يفتح الدكان بتاعه، ده غير رفعت، رفعت اللي كعوب رجله باشت من اللف على الكازينوهات والقهاوي، اما انت بقى ياسمير، فانت اكتر واحد صعبان عليا، طول النهار مغيبب ونايم، ولما يجي الليل، تقف عالنواصي عشان تبيع الزفت اللي بتتعطاه.. طب لحد امتى وليه!.. كل ده ليه وبسبب مين؟!.. ما هو بسببه، مكرم، مكرم اللي مكوش على كل حاجة ولافف دماغ اللي جابونا.


رفع رفعت حاجبه وبص لبكر..

-طب والحل؟!


رد بكر وهو بيقف ورا رفعت وبيضحك زي الشيطان...

-نغرقوه.. نخلصوا منه ونغرقوه.


يتبع...


الجزء الثاني



رفع رفعت حاجبه وبص لبكر..

-طب والحل؟!

رد بكر وهو بيقف ورا رفعت وبيضحك زي الشيطان...


-نغرقوه.. نخلصوا منه ونغرقوه.

ردت عليه غالية وهي مبرقة..


-ونتسجنوا؟!


-لا ياختي، سجن ايه بس، فال الله ولا فالك، انا حاططله خطة ماتخرش المايه.. والخطة هتكون مترتبة واولها رفعت، رفعت هيعدي عليه في الدكان وقت ما ابوكوا يبقى بيتغدا، وبصنعة لطافة ومسكنة كده، هيقوله انه عاوز يتكلم معاه في مشكلة هو واقع فيها، ولو قاله ما نتكلم هنا، هيرد رفعت ويقوله لأ، اخاف لا ابويا يشوفنا، ما انت عارف انه لو شافني هيبهدلني عشان موضوع المغنى اللي انا ماشي وراه.. ولأن مكرم بيحب رفعت اكتر واحد فينا وبيحترمه، فهيسمع كلامه، وهنا يجي المهم.. انت يارفعت هتقوله انك هتقابله بعد المغربية بالظبط عند المرسى اللي جوة الشط القديم، وهناك، هكون مستنيه، اما الباقي، ف عليا انا وسمير.. احنا الاتنين هنكممه في الضلمة وهنسحبه لمركب قديم وهنخش بيه البحر، ولما نغوط، هنرميه، وانتوا طبعًا عارفين انه بيخاف من المايه ومابيعرفش يعوم.


بعد ما بكر قالهم خطته، اتنفض رفعت وقام وقف..


-لا يابكر لا.. لا.. انا مش هشارك في ملعوبكوا ده، انا مش هشارك في أذية مكرم، ده مهما كان برضه اخونا.

رفعت غالية حاجبها وقامت وقفت..


-ما عنك ما اتنيلت، انا اللي هروح لابن نرجس وهعمل دورك، ما هو برضه بيحبني وبيسمع كلامي، ولو سألني ايه المشكلة، هقوله ان المشكلة ليها علاقة بجوزي وبمعاملته معايا، اه، انا هعرف اسحبه من الدكان، بس على شرط يابكر، الواد ده مايظهرش تاني، ولو حصل وظهر بالغلط، يظهر جتة... اه، ما هو بموته ابونا هيتكسر، وساعة كسرته، نتجمع كلنا حواليه، وبكده هينساه وهيفرح بلمتنا وكل واحد هينوبله من الحب جانب.



-معلمة زي اخوكي الكبير يابت غالية، على بركة الله، اتفقنا وهننفذ بكرة.

بص لهم رفعت وهو مبرق..


-هو ايه ده اللي هننفذ بكرة وعلى بركة الله، هو انت طالع طلعة بمركب!، ده انت هتقتل اخوك!

قام سمير وهو بيطوح وقرب من رفعت..


-ااه.. هيقتله، وانا هساعده، وغالية هي كمان هتساعدنا، اما انت، فهنسيبك تيجي وتاخدلك من العكمة، وده بس عشان انت اخونا، ابن امنا وابونا، أما بقى لو دماغك وزتك وفكرت بس انك تهلفط بأي كلمة كده ولا كده، وديني لا هخلي اسمك يتكتب في الجرانين زي ما كنت بتحلم، بس مش في صفحة المغنى والمغنواتية، لا يارفعت، هخليه يتكتب في صفحة الحوادث.. وتخيل بقى بيع الجورنال من بعد ما اسمك يتكتب بالبنط العريض.. رفعت مغاوري، مطرب مغمور، لقوا جتته متقطعة وراسه مفصولة عن جسمه، والفاعل، في علم الغيب، مجهول.


حط رفعت ايده على رقبته وهو بيترعش..

-هتموت اخوك ياسمير؟!


-اه هموته، ما اللي يخليني اموت مكرم، يخليني اموتك انت كمان، واموت ابوك وامك عشان الفلوس لو حكمت، هااا.. هترغي، ولا هتتكتم وتسيبنا نعمل اللي بنخططله وبعد كده تبقى تيجي تقُش على الجاهز؟!


-ماشي، هسكت ياسمير، هسكت يابكر، هسكت ياغالية، هتكتم ومش هفتح بوقي يااخواتي، بس خليكوا فاكرين، انا مش راضي ومش مسامح في اللي انتوا هتعملوه.


-ما عنك ما رضيت ولا سامحت يارفعت، عنك ما رضيت ياحبيبي، بس صدقني، لما ترجع تاني لبيت ابوك وتمسك قرش حلو من تجارته، واللي هي حقك وحقنا بالمناسبة ومكرم واقف بيننا وبينه.. صدقني، صدقني يارفعت نظرتك للموضوع هتتغير، ومش هتتغير وبس، ده انت هتدعيلنا كمان.


-طب وابوكوا!.. ابوك يابكر، مافكرتش في اللي ممكن يجراله هو وامك؟!

لما رفعت سأل بكر، رد عليه سمير بصوت عالي..


-ياعم ما يجراله اللي يجراله، مش هو اللي رمانا وفضل يطبطب على ابن نرجس!.. يبقى خلاص، اللي هيجراله مش مهم، المهم دلوقتي هو اللي هنعمله بكرة..


وفي وسط ما رفعت كان بيبصلهم وهو مستغرب، كانوا الاخوات التلاتة بيتفقوا على تفاصيل اللي هيحصل، واللي اتفقوا عليه عملوه.. غالية راحت الدكانة وقت ما مغاوري كان بيتغدا والدنيا كانت هادية، وبطريقتها ومسكنتها قربت من مكرم ووقفت قصاده وهي بتتلفت حواليها..


-غالية!.. مالك يابنت ابويا؟!


-جوزي يامكرم، في مشاكل كبيرة بيني وبين جوزي، وطبعًا انت عارف ان ابويا مابيحبوش، وانا عشان مش عاوزة اطلق ولا اخرب بيتي، فانا جيتلك، جيتلك عشان نتكلم ونلاقي حل للي انا وهو فيه.


-اقعدي طيب واحكيلي، مشاكل ايه اللي بينك وبين جوزك؟!

-لا مش هينفع اقعد، ابوك لو شافني او لو عرف اني جيت هنا، هيعمل مشكلة كبيرة، وانا يااخويا مش حمل مشاكل.


-طب ما انا عايز اعرف منك تفاصيل المشاكل عشان نعرف نحلها.


-حلو.. احنا نتقابل في مكان بعيد عن عيون ابويا وجوزي.. اقولك، النهاردة بعد المغربية ومع غروب الشمس، تيجي لي عند المرسى القديم اللي فيه المراكب المتكسرة.

-المرسى اللي جوة الشط القديم؟!


-ايوه يااخويا، هو، ودلوقتي هستأذن بقى قبل ما ابويا يشوفني، بس خلي بالك، هستناك يامكرم، اوعى تتأخر، واه.. اوعى تقول لابوك اي حاجة قبل نتكلم وافهمك.. ولا حتى تقوله انك جاي تقابلني، اتحججله بأي حجة وتعالى.

-حاضر ياختي، حاضر.. مش هتأخر ولا هجيب سيرة لابويا.


وبعد ما خلصت غالية كلامها مع مكرم، خرجت من الدكان، وعلى بعد المغرب كده، استئذن مكرم من الحاج مغاوري وقاله انه رايح يتمشى على البحر شوية لانه مصدع من كتر الشغل، ولأن مغاوري كان بيحب مكرم ومابيرفضلوش طلب، سابه يخرج.. لكن بعد خروجه، ولما وصل عند المراكب ووقف يدور على غالية، ظهروا من وراه الشياطين الاتنين، بكر وسمير، لفوا حواليه وضربوه لحد ما غاب عن الدنيا، وبعد ما مكرم بقى جتة ومش دريان بأي حاجة، حطوه جوة مركب صغير واستغلوا ان الدنيا كانت هادية في المكان ده بعد المغرب، وبسرعة دخلوا البحر وغوطوا، ومرة واحدة، ولما بعدوا عن الشط، رموه في البحر.. رموه ورجعوا بسرعة وكل واحد فيهم عاش حياته، اما ابوهم، الحاج مغاوري، فبعد ساعات من غياب ابنه، قلق عليه، وعلى نص الليل وفي نفس اليوم، خرج يدور عليه وبلغ الاقسام باختفاءه.. كان عامل زي المجنون، بينادي على مكرم في شوارع اسكندرية زي المجاذيب، ومع مرور الأيام ولما اتأكد الكل من اختفاء مكرم.


 الحاج مغاوري شوكته اتكسرت، وهنا، نفذ بكر الجزء التاني من خطته.. هو وغالية وسمير ورفعت، ظهروا من تاني في حياة مغاوري بحجة انهم بيدوروا معاه على اخوهم، ولما الايام مرت ومكرم برضه ماظهرش ولا ظهرتله جثة، اعتبروه ميت، وبموت مكرم، الاخوات الاربعة لفوا على ابوهم وامهم زي التعابين، البت قعدت جنب امها عشان تواسيها، والصبيان وقفوا مع ابوهم في شغله عشان يسدوا مكان مكرم.. بس تفتكر ان الاربعة بعد موت اخوهم اتعدلوا؟!.. لا ياابني، ماحصلش، ده كل واحد فيهم كان شيطان نفسه بيتملك منه اكتر واكتر، واستمر حالهم المعوج ده لحد ما في يوم جه الزلزال وكل حاجة اتهدت فوق دماغهم.

-ازاي ياستي.. وزلزال ايه ده اللي هد كل حاجة؟!


-زالزال ياواد.. زلزال ضرب مصر ووقع البيوت والمباني القديمة، ومن ضمن البيوت والمباني دي، كان بيت الحاج مغاوري.

-يعني ايه؟!.. البيت وقع فوق دماغ مغاوري ومات هو ومراته وعياله؟!


-لا ياابني، ده البيت لما وقع، وقع فوق دماغ مغاوري ومراته وبس، ولما شالوا الأنقاض بتاعت البيت، لقوا مغاوري عايش وأنقذوه، بس كان متبهدل ياولداه، اما مراته، فماتت، لكن تفتكر العيال عملوا ايه مع ابوهم بعد ما خرج من تحت حطام البيت وهو متبهدل واعمى؟!


-مش قادر اتصور هم ممكن يعملوا معاه ليه؟.. بس المفروض عليهم يعني انهم كانوا يقفوا جنبه ويشيلوه.


-لا ياابني، ماحصلش، العيال الاربعة عملوا العكس، رموا ابوهم في الشارع وخدوا كل فلوسه واملاكه، ومع الوقت، بكر وقف في الدكاكين ورمى لكل واحد قرشين، اما سمير، فرجع تاني لسكته، والبت غالية، خدت من اخوها فلوس وبضاعة وخلت جوزها فتح دكانته.. طب ورفعت؟!.. رفعت فضل يلف ورا حلمه لحد ما حصل اللي ماكنش يخطر على باله ولا على بال حد...


الواد رفعت في مرة وهو بيلف في القاهرة على شغل، ووقت ما كان بيحاول وبيدور في الكازينوهات وقهاوي شارع محمد علي بالليل، وبالنهار بيلف على أي شغلانة تانية، دخل محل قماش في شارع الازهر بالنهار، كان لابس لبس مبهدل وجزمة مفتحة من الجنب، وقف في نص المحل وفرك إيديه في بعضهم وضرب بعينه على المكتب اللي بيقعد عليه صاحب المحل.. بلع ريقه وبكل كسرة نِفس وحزن، قرب من الراجل وقاله..


-صباح الخير ياحاج.


بص له اللي كان قاعد على المكتب بعد ما قلع نضارته...


-انا مش حاج، انا لسه شاب زي ما انت شايف، بس ماشي، حاج حاج، هو احنا نطول.. اؤمرني؟!


ارتبك رفعت، عينيه برقت وغصب عنه اترمى على كرسي من الكرسين اللي قصاد المكتب..


-ايه ده؟!.. لا لا لا.. مش معقول، ازاي؟!.. نفس الصوت ونفس الملامح، ايوه انا متأكد، انا مش مسطول ولا عبيط.. هو اه فات على اللي حصل يجي عشر سنين، بس لأ، انا مش هتوه عن اخويا.


يتبع..


 الجزء الثالث





 الواد رفعت في مرة وهو بيلف في القاهرة على شغل، ووقت ما كان بيحاول وبيدور في الكازينوهات وقهاوي شارع محمد علي بالليل، وبالنهار بيلف على أي شغلانة تانية، دخل محل قماش في شارع الازهر بالنهار، كان لابس لبس مبهدل وجزمة مفتحة من الجنب، وقف في نص المحل وفرك إيديه في بعضهم وضرب بعينه على المكتب اللي بيقعد عليه صاحب المحل.. بلع ريقه وبكل كسرة نِفس وحزن، قرب من الراجل وقاله..


-صباح الخير ياحاج.


بص له اللي كان قاعد على المكتب بعد ما قلع نضارته...


-انا مش حاج، انا لسه شاب زي ما انت شايف، بس ماشي، حاج حاج، هو احنا نطول.. اؤمرني؟!

ارتبك رفعت، عينيه برقت وغصب عنه اترمى على كرسي من الكرسين اللي قصاد المكتب..


-ايه ده؟!.. لا لا لا.. مش معقول، ازاي؟!.. نفس الصوت ونفس الملامح، ايوه انا متأكد، انا مش مسطول ولا عبيط.. هو اه فات على اللي حصل يجي عشر سنين، بس لأ، انا مش هتوه عن اخويا.


بص له صاحب المحل باستغراب...


-انا مش فاهم منك حاجة، اخوك مين اللي هتتوه عنه وعشر سنين ايه!.. هو انت عيان ولا مجذوب وبتهلفط في الكلام!.. ايوه ايوه، بس انا عرفت، انت شكلك مجذوب وعاوز حاجة لله.. استنى استنى... يابدوي، يابدوي.


رد واحد من اللي واقفين وهو بيقرب لصاحب المحل..


-ايوه يااستاذ يوسف، اؤمرني؟


-تاخد الاخ ده وتجيبله أكل وتديله ظرف من الأظرف اللي بنطلعها كل اول شهر.


لما رفعت سمع الكلام ده من صاحب المحل، قام وقف واتكلم معاه بعصبية..


-ياعم انا مش مجنون ولا جاي اشحت منك، انا راجل غلبان ومن اسكندرية، كان حلمي اني ابقى مطرب، ولما بيتنا وقع وامي ماتت وابويا اتعمى واخواتي رموه في الشارع، خدت من ورثي ملاليم ونزلت على شارع محمد علي عشان الاقي فرصتي، واديني اهو، بالليل بنزل في الكازينوهات والملاهي الليلية، وبالنهار بدور على شغلانة تانية تسند معايا، وعشان كده انا كنت داخل لك، انا كنت داخل اسألك على شغل في المحل ده بالنهار، لكن لما قربت منك ودققت في ملامحك وسمعت صوتك، اتصدمت.. انت مكرم اخويا.. اقسم بالله انت مكرم اخويا اللي.. اللي..



بص له بدوي اللي بيشتغل مع يوسف في المحل وركز معاه..


-اللي ايه؟!.. ما تكمل التمثيلية اللي مالهاش اخر دي.

وبعد كده بص ليوسف وكمل كلامه..


-بقولك ايه يااستاذ يوسف، الواد ده شكله نصاب وجاي يعمل علينا حركة من اياهم.

اتعصب رفعت اكتر..


-انا مش زفت نصاب، واللي انت بتقوله يااستاذ يااستاذ يوسف ده، يبقى اخويا، هو اه شكله اتغير وكبر شوية، بس انا مستحيل اتوه عنه، ده انا كنت اقرب واحد له.. جرى ايه بالعالم، ده انا كنت الاقرب له من كل اخواته.

في اللحظة دي بص يوسف لبدوي..


-طب يابدوي، سيبني معاه، وماتقلقش، انا هعرف اتصرف.. يلا، روح انت شوف شغلك.

مشي بدوي وهو بيبرطم، اما يوسف؛ فبص لرفعت وشاورله يقعد..

-اقعد واحكيلي اللي عندك.. احكي كل حاجة بالظبط وبالتفاصيل... انا عايز اسمعك.


وفعلًا.. قعد رفعت وابتدا يحكي ليوسف كل حاجة، من اول القعدة اللي جمعت بينه هو واخواته واللي كان خامسهم فيها الشيطان، ومرورًا باللي عملوه وباللي حصل بعد كده، لحد ما وصل للحظة اللي جمعتهم دي، اما يوسف، فكان ساكت، كان بيسمع وبس، وبعد ما رفعت خلص كلامه، خده يوسف معاه من غير ولا كلمة وخرجوا من المحل، وبعد خروجهم وطول ما هم ماشين، يوسف كان ساكت، مابيردش على أي اسئلة رفعت يسئلها، بس بعد ما مشيوا لفترة، وقف يوسف ودخل هو ورفعت لبيت من بيوت حي الحسين، وبعد دخولهم، طلعوا الدور التاني، خبط يوسف عالباب وفتحتله ست زي القمر ورحبت بيه، وبعد ما دخل ووراه رفعت، قعدوا في الصالون هم التلاتة.. الست كانت ساكتة ومستغربة، حالها كحال رفعت، اما يوسف، فبص لرفعت وشاور عليها وقال له..

-دي ياسمين، مراتي، احكيلها كل اللي حكتهولي في المحل.


بص لها رفعت وابتدا يحكي، حكى كل اللي حكاه ليوسف، لكن ياسمين، ماكنش حالها زي حال يوسف وهو بيسمع، دي غصب عنها ابتدت تدمع، وبعد ما رفعت خلص، مسحت دموعها وبصت لجوزها..

-معقول!.. معقول يايوسف؟!


رجع يوسف بضهره لورا ورد عليها وهو بيدمع هو كمان..

-مافيهاش يوسف ياياسمين، خلاص، ما انا اهو، وبحسب كلام اخويا، طلع اسمي مكرم.


بص له رفعت وهو مش فاهم حاجة...

-يعني ايه؟!.. يعني انت مكرم اخويا!.. يعني.. يعني انت ماموتش؟!.. طب ازاي؟!


بص يوسف، او مكرم بقى لياسمين، وشاور على رفعت..

-احكيله ياياسمين.. قوليله احنا اتقابلنا ازاي.


وابتدت ياابني ياسمين تحكيله وهي لسه مذهولة وعينيها مليانة دموع...


-انا ياسمين بنت الحاج محمود ناجي، تاجر القماش، ابويا ورث من ابوه محل قماش في شارع الازهر، وبشطارته وحبه لشغله، خلى المحل اتنين وتلاتة، بس وقت انشغاله بشغله وبعد ما اتجوز وخلف، كان بيضطر انه يسافر كتير اوي عشان يستورد خامات جديدة، وفي سفرية من السفريات اللي بيسافرها، عمل حادثة وبقى قعيد، ده غير كمان انه مابقاش.. مابقاش قادر انه يخلف، اما امي، فكانت بتحبه اوي، وعشان كده استحملت حالته وفضلت قاعدة جنبه، لكن وسط ده كله، ابويا كان جبل، رغم اللي حصله ورغم ان كل تحركاته بقت بالكرسي المتحرك، الا انه ماستسلمش، ده كان بينزل شغله وكان بيتابع مع العمال لحد ما في مرة حصلت حاجة حزينة ومؤلمة اووي.. انا ابويا لما خلف من امي، ماخلفنيش انا وبس، ده كان له ابن صغير جه بعدي بخمس سنين، كان اسمه يوسف وكان زي القمر، وفي مرة من المرات وهو عند زيارة لخالتي اللي عايشة في اسكندرية، نزل من وراها، وللأسف، نزل البحر وغرق فيه، كان عنده وقتها يجي ١٢ سنة، الله يرحمه، من بعد موته ولمدة سنين، وكمان من بعد اللي حصل لابويا، المصايب غيرتني، بقيت قافلة على نفسي وبتعامل مع الناس في أضيق الحدود، بس امي ربنا يديها الصحة.



 لما لقت ان السنين وقعدتي في البيت بيخلوني ادبل، اقترحت عليا اني اروح زيارة لخالتي، وفعلًا روحت، بس لما روحت وقعدت قصاد البحر، ارتاحت، حسيت ان ريحة هواه، فيها من ريحة يوسف، وبس.. من وقتها وانا بقيت كل فترة اسافر لخالتي وانزل اقعد قصاد البحر، بس من حوالي عشر سنين، ووقت ما كنت قاعدة قصاد البحر بالليل، لمحت عند الشط شاب، شاب خرج من ضلمة المايه ومشي شوية، كان بيتطوح وبيمشي بالعافية لحد ما مرة واحدة وقع!.. اتنفضت من مكاني وجريت عليه وندهت على الناس، اتلموا بسرعة وخدوه وروحنا بيه على مستشفى، وهناك، عملوا له اللازم، لكن الشاب ده بعد ما فاق، ماكنش فاكر حاجة، لا فاكر اسمه ولا فاكر هو مين ولا ايه اللي رماه في البحر من اساسه!.. استغربت، ازاي مش فاكر!.. لكن وقتها الدكاترة قالوا انه اتضرب على راسه، وبسبب الضرب اللي اتضربه ووجوده في الماية لفترة طويلة وقلة الأكسچين في جسمه، فقد الذاكرة، وده من حسن حظه، هو عاش بمعجزة.. بس.. بس هو كده مش عايش، الإنسان من غير كيان وذكريات بيبقى مسخ، وعشان كده البني أدم اللي قابلته يومها وماكنش فاكر هو مين، بعد ما خف والحكومة مالقتش معاه حاجة تثبت شخصيته، قالوا له انهم هيدوروا على اهله، بس هو ماكنش حابب، هو قال انه هيخرج ويدور عليهم بنفسه، وفعلًا خرج من المستشفى وابتدا يدور، لكن لما خرج.. خرج وهو مش عارف نفسه ولا عارف يدور فين.. ولما دور وماوصلش لحاجة لأن اسكندرية كبيرة، فقد الأمل، كان هيتجنن، عقله كان هيشت، بس انا وقتها قولتله انسى، اكيد ربنا خلاك تفقد الذاكرة لحكمة، وعشان كده ابدأ من اول وجديد، انزل معايا القاهرة واشتغل هناك وابدأ من اول وجديد... وفي الحقيقة انا مش عارفة قولتله كده ليه، بس كل اللي كنت محتاجاه هو وجوده جنبي، اه.


.انا كنت محتاجاه اكتر ما هو محتاجني، انا حسيت ان البحر بعتلي عوض عن اخويا اللي مات جواه، وهو ما صدق، اقتنع بكلامي وجه معايا القاهرة، ومع نزولنا لهنا، روحت لبابا وحكيتله واقنعته انه يشغله معاه، ولما اشتغل وعاشرنا وابويا شاف انه طيب وبيفهم في الحسابات كويس، طلعله بطاقة بأسم جديد.. يوسف رضوان.. أسم جديد بشخصية جديدة عشان يعرف يعيش بين الناس، وكمان عشان يعرف يتجوزني، ايوه، ما هو بابا لما لقى يوسف بيحبني وشاف ان انا مبسوطة وسعيدة طول ما هو موجود، قرر اننا نتجوز، ومش عشان الحب اللي بينا وبس، ده ابويا جوزنا لانه قالي بالنص كده.. "رغم ان شكله اصغر منك، الا انه محترم وشكله كان ابن ناس قبل ما يفقد الذاكرة، وبصراحة كده، انا مش هلاقي أحسن منه عشان آمنه على بنتي وتجارتي".. وادينا اهو، انا ويوسف متجوزين من يجي ٨ سنين وعندنا ولد وبنت، وشهادة حق، انا عمري ما شوفت منه غير كل خير، حتى بعد ما بابا مات وهو مسك كل شغله، فضل يعاملني انا وامي بما يرضي الله وكبر لنا فلوسنا وكبر معاها، والحقيقة ان الحياة كانت هتمشي وكانت هتفضل مكملة زي ما هي من غير ما اعرف حقيقة يوسف، لحد ما انت ظهرت وحكيت اللي حكيته، لكن صدقني يااستاذ رفعت، بعد اللي انت حكيته ده انا اقتنعت اني كنت صح، احسن حاجة ان يوسف ماكملش تدوير عليكوا وبدأ حياة جديدة، ما هو مين عارف، يمكن لو كان رجع لحياته القديمة او لحياته كمكرم، كنتوا ممكن تعملوا فيه ايه!


بعد ما ياسمين خلصت، رد عليها رفعت..


-ماتجمعنيش معاهم، انا ماكنتش هعمله حاجة، لا، ماكنتش ايه، انا اصلًا ماعملتلوش حاجة ولا كنت موافق على اللي هم عملوه.

بص له يوسف وهي لسه الدموع في عينيه..



-بس سكتت.. سكتت وكملت حياتك عادي وهم كملوا حياتهم والدنيا مشيت، حتى دنيتي انا كمان مشيت، ما هو اللي خلقني وسابني عايش، هو اللي رزقني وغَير حياتي، وفي نفس الوقت كتب لي طريق بعيد عنكوا عشان اعيش حياة احسن، حياة كنت استاهلها بعيد عن الكره والغل اللي فيكوا.. لكن تعرف، والله العظيم انا ما فاكرك ولا فاكر اخواتي ولا ابويا ولا حتى فاكر اسمي، انا اه حاسس ان ملامحك مألوفة بالنسبة لي، وده من أول ما شوفتك على فكرة، بس انا حقيقي مش فاكرك ولا فاكرهم، وبصراحة كده، انا مش هتعب نفسي ولا افكر عشان افتكرهم، كفاية اللي انت حكيته، بس انا كل اللي يهمني دلوقتي هو حد واحد بس، الحاج مغاوري، والدك.. او.. او ابويا يعني، عامل ايه دلوقتي؟!


بص رفعت في الأرض وهو بيرد على يوسف او مكرم بقى...


-في الشارع، بيلف يشحت من الناس، وبالليل بينام في أي حتة.


بعد ما رفعت قال كده، قام يوسف وقاله بحزم..

-يلا.. يلا بينا على اسكندرية، انا عاوز اشوف ابويا واعوضه عن كل القرف اللي عملتوه فيه.


وفعلًا.. خده رفعت ونزلوا لمنطقتهم في اسكندرية، كانت منطقة بعيدة عن المنطقة اللي ياسمين لقت فيها يوسف طالع من المايه، لكن بعد وصولهم، مالقوش الحاج مغاوري.. الحاج مغاوري ياابني الناس قالوا انه تعب ونقلوه المستشفى، ومافيش، يادوب قعد فيها تلات أيام ومات، اما بكر، فبعد اللي عمله، الفلوس غرته واتجوز تاني، وبعد جوازته التاهية، مراته الأولانية طلبت منه الطلاق، ولما مارضيش يطلقها وضربها، راحت واشتكت لابوها، الريس ماهر.



 واحد من كُبار الصيادين، وطبعًا لانه ريس وراجل له هيبة وعيلة، فاتخانق هو وعيلته مع بكر عشان ضرب بنتهم، وفي وسط الخناقة، واحد من ولاد الريس ماهر، ضرب بكر بسكينة في بطنه وموته، اما سمير، فمات مقتول هو كمان، واحد من اللي بيشتغل معاهم في تجارة المخدرات، سَلط عليه ناس وقتله بعد ما سمير سرقه، طب وغالية؟!.. غالية جوزها بعد ما خد اللي وراها واللي قدامها وخلاها عايشة زي الخدامة تحت رجليه هو واهله، تعبت وماتت، القهرة وكسرة النفس من جوزها، وبسبب ان مالهاش حد يدافع عنها بعد ما عيلتها كلها اتفككت واخواتها تاهوا واتفرقوا، جالها امراض الدنيا وهي لسه في عز شبابها وماتت.. وبس، كل واحد من اخوات مكرم او يوسف، خد نصيبه، خد نصيبه ورب العباد اداله اللي يستحقه.



 اما يوسف نفسه بقى، فبعد ما عرف اللي حصل لاخواته ولابوه، راح وزار قبر الحاج مغاوري ومن بعده قبر الست محروسة ومن بعدهم قبر امه، الست نرجس، وبعد ما قرالهم الفاتحة وودع اسكندرية، رجع على القاهرة هو واخوه رفعت اللي بعد كده شغله معاه.. واهي، الحياة مشيت ويوسف رجع لشغله ولحياته من تاني، بس رجع وهو مش يوسف، ده رجع وهو مكرم ابن مغاوري، مكرم اللي عاش ومات وهو راجل جدع، تاجر شاطر، تاجر مع رب العباد بقلبه الطيب وبحسن نيته، وقصاد تجارته دي، ربنا بعتله أهل غير أهله وطريق جديد يمشي فيه، طريق في نهايته بقى تاجر كبير وعنده محلات قماش وذرية كبيرة.


لما جدتي وصلت لحد هنا سألتها..


-غريبة ياستي، هي الحكاية مختلفة عن حكاية سيدنا يوسف عليه السلام، بس برضه، موضوع الاخوات ده متشابه بشكل كبير.


-ايوه ياواد.. الاخوات في الحكايتين كان الشيطان متمكن منهم، كان راكب كتافهم ومعشش جوه روسهم لحد ما وصلهم لنهايتهم السودا.


-اه والله ياستي معاكي حق، الشيطان اخرة طريقه سواد، لكن في كام حتة كده انا مش فاهمها.

-زي ايه؟!


-زي الحكومة مثلًا؛ مش المفروض ان مغاوري بلغ عن اختفاء ابنه مكرم؟!.. طب ازاي لما مكرم راحلهم ودور على اهله بعد ما فقد الذاكرة، ماقدروش يوصلوه لابوه!


-الله أعلم ياابني، جايز لأن التدوير عن التايه كان مختلف زمان، ما هي الحكاية دي حصلت زمان اوي، يمكن حتى قبل ما انا اتولد.

-غريبة!.. مع إنك قولتيلي ان بيت مغاوري وقع بسبب زلزال، انا افتكرته زلزال ٩٢!


-لا مش زلزال ٩٢.. ده زلزال حصل زمان، وبعدين ده الكلام اللي الناس عرفوه من ولاد مكرم ومن رفعت وحكوه على لسانهم، والناس زي ما انت عارف، عمرهم ما حكوا الحكاية من غير ما يزودوا حاجة من عندهم، يعني ممكن مثلًا يكون بيت مغاوري وقع من غير زلزال ولا حاجة، ووقع بس لانه قديم، او جايز يكون ماوقعش وبكر طرد ابوه بعد موت الست محروسة، وجايز يكون الراجل اتعمى بسبب زعله، اه.. كل شئ في حكاوي الناس جايز، لكن الأكيد هي العبرة من القصة، والعبرة هي الناس نفسهم.. الناس اللي لما الشيطان بيتملك منهم، بيخليهم مش ناس، دول بيبقوا شياطين بقلوب حجر.


-والله معاكي حق ياستي، الناس من غير رحمة، بيبقوا شياطين، ولو كل الاخوات بقوا زي اخوات مكرم كده، او زي اخوات سيدنا يوسف، الدنيا كانت هتبقى غابة، بس تعرفي، حتى لو ده حصل، ربنا عز وجل اسمه العدل، وزي ما خلق ناس شبه اخوات مكرم، فبرضه خلق مكرم نفسه.


-مظبوط، وخلق كتير غيرهم عشان يعيشوا حكايات نتعلم منها، بس الشاطر هو اللي يتعلم.


-وانا اتعلمت ياستي.. اتعلمت ان اخواتي هم سندي وانا سندهم، ولو حصل غير كده، ميزان الدنيا هيختل. 



ولحد هنا خلصت كلام مع جدتي.. جدتي اللي حكت لي حكايات تانية وانا كتبتها من وراها، حكايات هرجع قريب وهحكيها، بس قبل ما اختم الحكاية دي، حابب اذكر حاجتين مهمين؛ اولًا القصة دي حقيقية، انا سمعت تفاصيلها بنفسي من المنطقة اللي فيها محلات (مكرم) لحد النهاردة، واللي بالمناسبة ماسموش مكرم ولا محلاته في شارع الأزهر، انا غيرت الأسماء والأماكن وبس.. لكن الحدوتة نفسها حصلت وانا اتأكدت منها، اما انت ياللي بتسمع او بتقرا، فليك الحق انك تصدق او لأ.. وصدقني، مش مهم التصديق من عدمه بالنسبة لي، المهم انك تكون استفدت حاجة، ده اولًا، اما ثانيًا، فماتنسوش تدعوا لجدتي ولخالتي ولأمواتنا بالرحمة، وبس.. استنوني قريب مع حكاية جديدة من حكايتها.. الحكايات المفضلة عندكم وعندي انا كمان.. حكايات جدتي.. سلام.


تمت





تعليقات