أخر الاخبار

قصة كفر الخندق بقلم الكاتب محمد شعبان العارف

 قصة كفر الخندق بقلم الكاتب محمد شعبان العارف


من امتى والصدف مابتلعبش دور في التاريخ او في الكوارث الكبيرة؟!.. ما ياما في حوادث كتير اتسببت في بلاوي سودة، وكان سببها سوء فهم او صدفة مش مقصودة.. عادي، الصدف او سوء الفهم بيحصلوا، عادي.. لكن اللي مش عادي، إنهم يتسببوا في لعنة دم لقرية بحالها.



رعب العارف,العارف,فهد العارف,محمد جويلي رعب المحكمه,يوسف شعبان,خاسرني فهد العارف,فهد العارف خاسرني,فهد العارف - خاسرني,رعب محمد جويلى,الجن العاشق,محمد رجب,خاسرني فهد العارف مع الكلمات,رجل عمره 101 عام يعيش مع ثعبان,باب الحارة,المس العاشق,العالم العربي,عادل إمام العراف,عادل امام العراف,العراف عادل امام,العراف,فيلم العراف,مسلسل العراف,طريق الخير العجوز التي ادهشت العالم,حلقات مسلسل العراف,مشاهد مسلسل العراف,مقاطع مسلسل العراف,بالعالم




طب لو كلامي مش واضح او مش فاهم القصد منه، ركز مع حكايتي وانت هتفهم.. حكايتي اللي بتبدأ من عند كلام مهم قالهولي عمار...



-يامولانا احنا اتلعننا وكل الطرق اتسدت قصادنا، بلدنا خلاص بتموت، الكفر بقى عامل زي المدافن، بالنهار الناس الغنية بتهرب منه وتروح لأي مكان تاني، وبالليل الفقرا والغلابة بيتجمعوا في بيوت قليلة وبيقعدوا يتحاموا في بعض.. ااه عاللي حط فوق نفوخنا ااه.. احنا في مرار يامولانا، ده حتى الكهربا طول الوقت فاصلة، وياريت الكهربا وبس، ده لا راديو شغال ولا اي حاجة ممكن تونسنا شغالة، وادينا اهو، على الوضع ده بقالنا تلات أيام، ولما غلُبنا ومابقيناش عارفين نعمل ايه، قولت اجيلك، ما انت برضه ابو صاحبي وفي مقام ابويا الله يرحمه.



لما عمار قالي كده، مديت ايدي ناحية كوباية عصير كانت محطوطة على الترابيزة قصادنا، اديتهاله وانا ببتسم في وشه وقولتله..


-طب اهدى طيب وامسك.. خد اشرب العصير ده واهدى كده واحكيلي من الأول خالص وبالتفاصيل، ماهو ماتقنعنيش يعني ان البلد بين يوم وليلة كده حالها اتقلب ومن غير سبب.



خد كوباية العصير وشرب منها شوية، وبعد ما حطها قصاده، بص لي وابتدا يحكي..



-لا طبعًا، البلد حالها ماتقلبش كده إلا من الليلة اياها.. اصل من أيام، الكفر كله صحي على صوت صويت جاي من عند بيت العمدة، عم جامع، الناس استغربوا وراحوا ناحية البيت، ومن ضمن الناس اللي راحوا كان عم راشد، الاخ الصغير للعمدة، وعم مراد، عمهم هم الاتنين.. ساعتها الناس فضلوا يخبطوا ويخبطوا عشان يطمنوا عاللي جوة، ولما ماحدش فتح، عم مراد وعم راشد كسروا الباب، وعينك ما تشوف إلا النور.. الدم كان مغرق الفسحة بتاعت البيت!، النسوان فضلت تصوت والرجالة بقوا في حالة ذهول، لكن الذهول اتحول لصدمة ورعب لما لقوا العمدة ومراته والبنتين بناته اللي ماكملوش عشر سنين، ميتين، وياريتهم كانوا ميتين موتة طبيعية او حتى مقتولين بطريقة من طرق القتل العادية، دول كانوا مدبوحين ومتعلقين من رجليهم في سقف الاستراحة اللي بابها كان مفتوح.. الصويت زاد، والهرج والمرج انتشروا بين الناس، اللي جري يتصل بالأسعاف، واللي جري يبلغ الناس في بيوتهم باللي حصل، واللي واقف مذهول ومش قادر ينطق زي عم مراد، وفي كل اللي بيحصل ده، مشي عم راشد ناحية حد كان متكوم في ركن من اركان الفسحة، والحد ده كان ابن العمدة الوحيد، الواد ضياء اللي عنده ١٥ سنة وبيقطع في الكلام، كان متكوم ياولداه على نفسه وقاعد عمال يعيط، جري عليه عمه وحاول يفهم ايه اللي حصل، لكن مافيش، كل اللي قاله كلمتين..



 (هم.. قتلوهم).. وبعد دقايق جت الأسعاف ونقلت الجثث عالمشرحة، ومن بعدهم جت الحكومة وابتدت تحقق، ولما الجثث اتشرحت وبعد كده اتدفنت، العُمودية اتنقلت من عم جامع الله يرحمه، لعم راشد، وطبعًا كملت الحكومة في التحقيقات وماوصلتش لحاجة واتقيدت القضية ضد مجهول، وفي الاخر اتقال انهم بلطجية او مطاريد او حد بيكره العمدة، لكن مين، ماحدش يعرف، ده حتى الواد ضياء زي ما يكون اتقلب اخرس من بعدها، وبس.. راشد والمتبقين من أهل العمدة، رفضوا ياخدوا العزا فيه لحد ما يجيبوا تاره وتار مراته وعياله، وابتدا راشد بنفسه يحقق ويطقس عن اللي عمل العملة المنيلة بنيلة دي، وبعد ما بقى العمدة وبعد ما بيت العُمودية اتنضف، اتنقل راشد وعاش فيه هو واهله، وبس يامولانا، من يومها بالليل والدنيا اتقلبت، الكهربا اتقطعت عن البلد والجو بقى لبش، ولما روحنا اشتكينا وقولنا ان الكهربا مش واصلة لنا، شركة الكهربا قالت ان العيب مش من عندهم، هم توصيلاتهم سليمة والدنيا تمام، لكن تفتكر ان الموضوع وقف عند الكهربا وبس؟، ياريت.. ده الكفر بدأ يحصل فيه حاجات غريبة ومالهاش تفسير؛ زي مثلًا خيالات بنشوفها بتجري بالليل، وأصوات صويت بتيجي من الحمامات، واللي زاد وغطا إن الماية كمان اتقطعت اول امبارح، ولما اشتكينا، قالوا لنا نفس الكلام اللي قالوه بتوع الكهربا، وياريتها وصلت لحد كده وبس، ده عفش البيوت بدأ يتكسر، زي ما يكون جماعة من الجن واتطلقوا على البلد من بعد ما راشد قعد في بيت العمدة.



لما عمار وصل لحد هنا، سألته..


-طب وراشد، بيشوف حاجة غير اللي انت بتشوفوها؟، وضياء، ضياء ابن العمدة، اتكلم؟!


هز راسه بالنفي وهو بيجاوبني..


-لا ياعم الشيخ، راشد ساب البيت من بعد قطع الكهربا ورجع بيته، ولما اتسأل عن السبب، قال انه شاف عفريت العمدة وقاله امشي من البيت، اما ضياء بقى، ف راح قعد مع عمه وحاله لسه زي ما هو، لا بينطق ولا بيتكلم.. اما عن ناس الكفر بقى، فالغني منهم زي ما قولتلك، خد ديل جلابيته في سنانه وقال يافكيك، اما الغلابة اللي زي حالاتي، فبالنهار بيخرجوا يقضوا حاجتهم، وبالليل كل عيلة بتتلم في بيت حد منهم وبيناموا عنده، لكن امبارح لما حصلت حاجة غريبة والمواشي اللي في البلد كلها ماتت، كبارات الكفر الغلابة اتجمعوا وانا كنت معهم، اتجمعوا في بيت عم راشد على نور الكُلوبات، وكلمة من هنا على كلمة من هناك، العقول وقفت، ماحدش لا لقى تفسير ولا لقى حل، احنا عملنا كل حاجة، الناس المُتعلمة مننا قعدوا يقروا قرأن في قعدة تلاوة جماعية، لكن وقتها، حسوا انهم بيتخنقوا، فسكتوا، ولما جُم يكرروها تاني، واحد منهم كان هيموت، فبطلنا نعمل كده خالص، ده حتى المسجد، المكرفون بتاعه باظ، ولما جيبنا غيره بالنهار، باظ برضه، وبقى الشيخ بيأذن جواه وقت الصلاة، لكن تعرف، في حاجة غريبة، المسجد هو المكان الوحيد اللي لما بيجي الليل عليه بيكون هادي، لدرجة ان في ناس مننا ماكنوش بيعرفوا يناموا بالليل إلا جواه.. بس ازاي، ازاي يعني كلنا هننام جوة المسجد، وبعدين احنا مش هنعيش عمرنا كله بالنهار وبس يامولانا، ولا حتى هنعيش ليلنا كله جوة المسجد... لكن تعرف، رغم ان في القعدة بتاعت الكبارات دي، كل الناس كانوا مقفلين وماعندهمش حلول، إلا إن انا كنت بفكر، وفضلت افكر واعصر في دماغي لحد ما افتكرت وَليِ، ابنك وصاحبي من ايام ما كنا سوا في المدرسة الثانوية اللي في بلدكوا، وطبعًا لما افتكرت وَليِ افتكرتك معاه ياعم مُخلص، انت اقرب حد اعرفه بيعالج بالقرأن، وكمان اكتر حد ممكن أثق فيه، ولما قولت للناس المتجمعين على اقتراح انك تيجيلنا البلد وتشوف ايه اللي صابنا، رحبوا وقالوا لي اجي اجيبك، واديني اهو قدامك وحكيتلك على اللي حصل.



سكتت لثواني، ثواني كنت بفكر فيهم في اللي سمعته، الكلام اللي عمار بيقوله ده كبير.. يعني ايه كفر بحاله يتلعن بالشكل ده؟!.. وبعد تفكير مادامش كتير، قومت وقفت وانا بقوله..



-طيب، يلا بينا ياابني على عندكوا، بس استنى خمس دقايق، هغير الجلابية اللي عليا دي وهجيب المسك والمصحف الصغير اللي مابمشيش من غيره، وهجيلك.



هز راسه وانا دخلت غيرت وخدت ازازة المسك من الدولاب، وحطيت المصحف في جيب الجلابية وخرجت معاه، ركبنا عربية من الموقف اللي في بلدنا لحد اقرب بلد ليهم، وده لأن بلدهم او الكفر بتاعهم مكان متطرف، مافيهوش موقف، وعشان تركب منه وتوصل لأي مكان، لازم تخرج على رجلك للبلد اللي بعيدة عنهم بحوالي تلت ساعة مشي، وتركب من هناك.



وبعد ما نزلنا من العربية اللي ودتنا للموقف في البلد اللي جنبيهم، اتمشينا انا وهو لحد ما وصلنا قصاد يافطة البلد.. (كفر الخندق).. دخلنا في الطريق اللي محطوط على يمينه اليافطة، اتمشينا انا وهو وسط الضلمة لحد ما دخلنا وسط البيوت، ومن عند وصولنا للبلد من جوة، قلبي اتقبض، مش بس من الضلمة الكُحل ولا من أصوات الكلاب اللي بتعوي كل دقيقة والتانية، لا.. انا سبب قبضة قلبي كان الهدوء، هدوء غريب، الكفر كأنه مهجور، سكووت.. ضلمة، هوا سخن غريب بيخبط في وشي كل كام ثانية.. بلعت ريقي وجمدت قلبي وكملت مشي، كنت شايف طريقي بسبب كشاف ماسكه عمار ومنور بيه، وفي وقت ما احنا ماشيين ومركزين في الأرض قصادنا، سمعنا من مكان ما صوت حركة!



وقتها وقف عمار وقال بصوت عالي..



-بسم الله الرحمن الرحيم.. اااا.. اااعوذب بالله من الشيط...


قطع كلام عمار صوت صرخات غريبة، كأن حد متضايق من وجودنا!، بلعت ريقي وابتديت اقرأ قرأن في سري، لكن في وسط ما انا بقرأ، اتكلم عمار وهو بيحط ايده في جيب جلابيته..


-انا معايا ووكمن بحجارة كنت بشغل عليه قرأن عشان اعرف انام، هطلعه واشغله، جايز القرف ده يخف شوية ونعرف نوصل لبيت عم راشد من غير مشاكل.


طلع الووكمن من جيبه وشغله..


بسم الله الرحمن الرحيم



(قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا (1) يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا (2) وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا (3) وَأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطٗا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا (5) وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا)



واول ما وصل صوت المُقرئ لحد الأية دي، الووكمن صوته سكت، ومع سكوته سمعنا صوت حد بيجري قدامنا بس ماكناش شايفينه، استغرب عمار ورفع الكشاف ناحية مصدر الصوت، وبمجرد ما وَجِه الكشاف قصادنا بالظبط، اتسمرنا في مكاننا لما شوفناه؛ خيال أسود، طويل، طوله يجي مترين، مالوش هيئة ولا ملامح ولا باين منه اي حاجة غير عينيه اللي لونهم احمر، كان واقف بعيد عننا بحوالي ١٠ متر، رجع عمار كام خطوة لورا، اما انا، ففضلت واقف مكاني وقريت قرأن بصوت واطي، ومن غير أي مقدمات، الووكمن اللي كان في ايد عمار التانية، اتسحب منه وراح ناحية المخلوق او الجن اللي واقف قصادنا ده، وحرفيًا سمعنا صوت الووكمن وهو بيتدغدغ، اترعب عمار وكان لسه هيجري لورا، بس قبل ما يسيبني ويجري، مسكته بسرعة من دراعه وقولتله بصوت واطي..



-انت هتروح فين، ماينفعش حد فينا يسيب التاني لوحده، احنا هنمشي بكل هدوء ونكمل زي ما دخلنا البلد، الظاهر ان صوت القرأن بيغضبهم، واحنا لازم نتجنب غضبهم لحد ما نوصل للبيت اللي احنا قاصدينه، هو فاضل عليه قد ايه؟


ماردش عليا، كان فاتح بوقه ومبرق للمخلوق اللي قصاده، لكن في لحظة، المخلوق ده صرخ صرخة عالية وبعدها اختفى!


بلع عمار ريقه وبص لي وهو بيترعش..


-انا.. انا اول مرة اشوف واحد منهم يامولانا، شوفت عينيه كانت عاملة ازاي؟.. ده.. ده.. ده..

قاطعته وانا بحاول افوقه من نوبة الهيسترية اللي جتله..


-سيبك منه دلوقتي وركز.. ركز معايا ياعمار، فاضل قد ايه على بيت العمدة راشد؟

ماكنش مركز معايا، الواد حرفيًا كان بيخرف وبيهذي وكأنه مُغيب..

-انا شوفته وسحب مني الووكمن، سحبه مني و..

وقبل ما يكمل كلامه ضربته بالقلم عشان يفوق وقولتله بزعيق..

-فوق بقى وركز معايا، فاضل قد ايه عالبيت؟



بص براسه ناحية الشمال وقالي وهو لسه تايه..


-الشمال اللي جاي، سابع بيت عالشمال.


سحبته من ايده وفضلت ماشي انا وهو بكل هدوء، ماكُناش تقريبًا بنطلع اي صوت غير بس اصوات خطواتنا، حتى القرأن اللي كنت بقراه في سري وقفته خالص، وبعد ما وصلنا عند البيت اللي هو قال عليه، لقينا بابه مفتوح وفيه كُلوبات كتير على الأرض في الصالة، وحوالين الكُلوبات، كانوا قاعدين رجالة على دكك خشبية، دخلت البيت وانا ساحب عمار من إيده وقولت بصوت عالي..


-سلامو عليكوا يااهل الدار... انا الشيخ مُخلص اللي قالكوا عنه عمار.


كل اللي قاعدين ردوا عليا السلام، وبعد السلامات، اتكلم واحد من وسطهم وقالي..

-يامرحب بيك يامولانا، اتفضل اتفضل.



دخلت وقعدت على الدكة اللي على يمينه، وقبل ما اتكلم في اي حاجة، اتكلم هو وقالي وهو بيمد لي إيده..

-انا راشد الوكيل، عمدة الكفر.

سلمت عليه وانا بقوله..



-اتشرفت بيك ياجناب العمدة، انا عمار حكالي عنك وعن اللي حصل للعمدة جامع اخوك الكبير الله يرحمه، البقاء لله اولًا، وثانيًا انا عاوز اشوف ضياء.

سحب إيده من إيدي وقالي بهدوء..



-أوامرك يامولانا، مع إن ضياء يعني مافيش منه فايدة، الواد لا بينطق ولا بيقول اي حاجة من ساعة اللي حصل لاخويا ومراته وبناته، بس قبل ما اجيبلك ضياء، قولي الأول، عمار حكالك عن اللي بيحصل لنا من وقت ما روحت وقعدت في بيت اخويا جامع؟!

هزيت له راسه..



-اه.. حكالي كل حاجة بالتفصيل تقريبًا، بس انا برضه في شوية حاجات عايز اعرفها منك، هو العمدة كان بيعمل حاجة غلط في حياته.. واقصد هنا حاجة غلط بس كبير اوي.. سحر او غيره، او حتى حاجة شبه كده؟!

سكت شوية وهو بيفكر، وبعد كده رد بحزم..



-لا يامولانا، ما افتكرش، اخويا جامع طول عمره راجل دوغري، لا له في اللف ولا في الدوران، ولو على الغلطات يعني، فهو ماكنش ملاك، ماحدش فينا اصلًا ملاك، هو كان بني أدم زيه زي الناس، بيغلط غلطات عادية وبيستغفر وبيصلي، لكن حاجات كبيرة بالمعنى اللي تقصده، ف لا.. جامع ماكنش كده، وبجد انا لحد دلوقتي مش لاقي سبب لطريقة موته دي، ولا حتى عارف اربط بين اللي حصل له وبين اللي احنا فيه دلوقتي ده، تفتكر انت ايه الرابط يا مولانا؟!



-مش عارف ياحاج راشد، بس اكيد في رابط، ما هو مش طبيعي العمدة يموت بالشكل الغريب ده هو وأهله، وبعد كده لما انت تروح وتقعد في بيته، يحصل كل ده، اكيد في حاجة، والحاجة دي مش هقدر اعرفها إلا لما اروح البيت واشوفه بنفسي، بس قبل ما نتحرك من هنا، انا عاوز اشوف ضياء.



قام راشد من مكانه وغاب لدقيقتين، بعدهم رجع وفي ايده ضياء اللي قعد جنب عمه وهو ساكت، كان ولد هادي، ملامحه اللي شوفتها على ضوء الكُلوبات زي ملامح كل اللي قاعدين، كانت ملامح هادية وساكتة، لكنه كان كل وقت والتاني بيعمل لَزمة غريبة كده، كان بيحرك رقبته ناحية اليمين بحركة سريعة وكأنه بيتكهرب او بيتنفض في مكانه، بصيت له وابتسمت، وقبل ما اتكلم معاه بصيت لعمه وقولتله..



-هو بقى كده من بعد اللي حصل؟!

-لا يامولانا، ضياء مولود كده، وهو صغير دوخنا بيه عند مشايخ ياما في كل البلاد اللي حوالينا، وكلهم قالوا انه سليم ومش ملبوس، وقالوا لنا نروح بيه لأهل الطب، وفعلا، لما روحنا بيه لدكتور في القاهرة، قالنا انه عنده حاجة اسمها متلازمة باين، وكتبوله أدوية بتخفف شوية من الحركات الغريبة اللي بيعملها.



لما راشد خلص كلامه، بصيت لضياء وابتسمت..

-ازيك ياضياء، عامل ايه؟!



بص لي وماردش عليا!.. ماستغربتش، انا عارف ومقدر اللي هو مَر بيه، بس انا لازم اعرف، لازم اعرف هو شاف ايه وقت موت اهله، وعشان كده طلعت المسك وحطيت منه على ايدي، وبنفس الايد قربت منه ومسكت ايده وانا بقوله بهدوء..


-بسم الله.. بسم الله.. بسم الله ارقيك... بسم الله الرحمن الرحيم...


وقبل ما اكمل لقيت الواد زق إيدي من ايده وابتدا يمسح ايده في هدومه بسرعة هيستيرية، استغربت وقومت وقفت، وقبل ما اقرب منه، حسيت إنه اتغير، جسمه بقى ثابت ورفع راسه وبص لي وهو مبرق، استغربت من اللي حصله، وزاد استغرابي اكتر لما اتكلم بصوت غليظ وقالي..



-ماتقربش.. ماتقربش وألا هحرقهم كلهم، هحرق كل اللي قاعدين وانت منهم.

ومرة واحدة قام من مكانه وقعد على الأرض، قعد وابتدا يخبط بإيديه الاتنين على الأرض وهو بيقول بصوت عالي..

-المخزن.. تحت المخزن.. المخزن.. المقبرة.. تحت المخزن.. تحت المخزن..



وفضل يقول تحت المخزن تحت المخزن لحد ما مرة واحدة رفع راسه وبص لي، وبعد كده جسمه ساب وغاب عن الدنيا!

اول ما ده حصل عمه قام من مكانه وشاله ونيمه على دكة من الدكك اللي حوالينا، لكن اللي لفت نظري وقتها غير ضياء واللي حصل له، هو صوت راجل من اللي قاعدين حوالينا، الراجل ده كان بيتكلم بصوت واطي وكأنه بيلوم نفسه..


(انا كنت حاسس.. كنت حاسس ان اللي بيحصل ده هو السبب فيه)


سيبت راشد وابن اخوه والموقف كله، ومشيت ناحية مصدر الصوت، قربت من الراجل اللي كان بيتكلم وسألته بجدية..

-انت كنت حاسس بايه؟!



بص لي وهو باين على وشه الحزن والضيق، ومن غير أي أسئلة مني ابتدا يتكلم..


-انا مُراد؛ عم العمدة راشد والعمدة جامع، من قبل موت جامع واهله بأيام، طلبني عنده في البيت، استغربت لأنه مش عادته إنه يطلبني، اصله تملي مشغول ووقته مش فاضي، بس قولت مش مشكلة، جايز محتاجني في مشورة ولا حاجة، لكني لما روحتله واتكلمت معاه، قالي كلام غريب؛ جامع قالي انه كان بيحفر في الأوضة اللي في اخر المخزن اللي ورا بيته، ووقت ما كان بيحفر، لقى عضمة بني أدم، وبسبب العضمة دي، افتكر ان المخزن تحته مقبرة من مقابر الفراعنة وفيها مساخيط، وعشان كده هو طلبني، طلبني عشان اشوفله شيخ او اي حد يعرف يدله على بوابتها، وقتها انا اتاخدت وقولتله اني ماعرفش، بس هبقى اسأل واقوله، ومافيش... بعدها بأيام قليلة حصل اللي حصل، وانا بصراحة خوفت اتكلم لا يقولي اني السبب في موته، او اني يعني طمعت في المقبرة، ده لو في مقبرة من الأساس، لأن انا الوحيد يعني اللي كنت اعرف بيها بحسب كلامه، وقتلته عشان اخد اللي فيها، بس اقسم بالله، اقسم بالله تاني، انا لا شوفت ولا اعرف اي حاجة غير اللي قولته ياشيخ مُخلص.



لما مُراد قال كده، اتدخل راشد وقال له بزعيق..


-ولما انت عارف ده كله، مانطقتش ليه من وقتها، ليه فضلت ساكت لحد ما البلد صابها اللي صابها، وانا برضه بقالي ايام بسأل نفسي، اشمعنى اللي بيحصل ده ماحصلش الا في ليلة ما فتحت باب المخزن عشان يتهوى.

رد عليه مُراد وقال له بصوت مليان ندم..


-وانا ايش عرفني ياأخي، وبعدين ما انا قولت اهو.. انا خوفت اتكلم لا اتاخد في حاجة انا ماعملتهاش، ثم انت بتلوم عليا ليه، اللوم على اخوك الله يرحمه، هو اللي نبش ودور عشان يطلع كنز كان مفكر إنه موجود تحت بيته، لا وماكفهوش اللي عنده، ده كمان بيدور وبينبش على أثارات.


قاطعت كلامهم وخناقتهم من قبل ما تبدأ لما قولت لراشد..


-ثواني بس ياعمدة، طب وانت ليه ماقولتش إنك من وقت ما فتحت باب المخزن، والكفر صابه اللي صابه؟!


قعد في مكانه واتكلم بخنقة وضيق..


-ماكنتش عارف يامولانا، ماكنتش اعرف ولا جه في دماغي والله، انا اصلًا لحد دلوقتي دماغي واقفة ومش مستوعب كل اللي حصل، ولما عمي قال على اللي كان مخبيه دلوقتي، ومع اللي قاله ضياء قبل ما يغمى عليه، ربطت كل حاجة ببعضها.. السر في المخزن يامولانا، السر في المخزن.


في اللحظة دي كان ضياء فاق، قربت منه انا وراشد واطمننا عليه، ماكنش بيتكلم ولا بيقول اي حاجة، هو بس كان بيدمع من غير ما يتكلم، ولما حاولنا نعرف منه اي حاجة تانية، ماتكلمش، بس خلاص كده، مش مهم بقى يتكلم ولا لأ، المهم ان انا عرفت اصل اللعنة جاي منين، وعشان كده، بعد ما اطمننا على ضياء، بصيت للعمدة وقولتله..


-بقولك ايه، انا عاوز اروح المخزن ده حالًا.


وفعلًا، خرجت انا ومراد وراشد من البيت اللي كنا فيه وروحنا للمخزن اللي ورا بيت العمدة جامع، كان مبنى من دور واحد، متطرف ناحية اخر البلد، قربنا منه بهدوء واحنا في إيدينا الكُلوبات، ومع وصولنا قصاد بابه، شاورلي راشد وقالي بقلق..


-اتفضل يامولانا، ده المخزن اهو.. ادخل انت، انا.. انا مش هقدر ادخل معاك، ما هو بعد اللي حصل في البلد ده كله من بعد ما فتحت بابه، مستحيل ادخله، ده إذا كان براه وبيحصل كده، اومال جواه هيبقى فيه ايه؟!


وتقريبًا مراد قال نفس كلامه هو كمان،وده لما بص لي وإيده بتترعش وقالي..


-لا لا ماتبصليش يامولانا، انا ماهدخلش جوة، انا اصلًا لا ليا في التور ولا في الطحين، الله يخربيتك ياجامع، انت السبب في كل الهم اللي احنا فيه ده.

رد عليه راشد وهو بيبصله من فوق لتحت..

-بذمتك ودينك، بقى انت عم انت؟، يعني بدل ما تدعيله وتقول ربنا يغفرله، بتدعي عليه؟!

-اه بدعي عليه لأن طول عمره طماع، وطمعه ده اللي خلاه يبعد عننا من وقت ما ورث العُمودية من ابوك، ولا انت ناسي ياابن اخويا.

سكتتهم لما اتدخلت بهدوء..



-بس بس.. مش وقت خناق دلوقتي ولا وقت مين عمل ايه او اتسبب في ايه، انا هاخد الكُلوب وهدخل، هدخل وانا معايا أهم سلاح ممكن ينفع في الموقف ده.. إيماني بالله عزوجل، وإيماني كمان بأن انا قاصد خير، ولو عليكوا، فانتوا دخُولكوا ممكن يأذيكوا بسبب نفوسكم المريضة.



وبعد ما قولتلهم كده، وطيت على الأرض ومسكت كُلوب من التلاتة اللي على الأرض ودخلت، المكان كان ضلمة، ساكن، الهوا جواه تقيل، لكن المُلفت هي الاصوات اللي سمعتها وانا بتمشى فيه، همس ممزوج بأصوات قطط جاين من مكان ما في نهاية المخزن، استعذت بالله من همزات الشياطين وفضلت ماشي ناحية الصوت، وفي وسط ما انا ماشي كنت بلمح اشولة غلة فاضية على الأرض، وجنبها كنت بحس ان التراب بيتحرك!



كملت في مشيي لحد ما وصلت عند باب خشبي صغير، تقريبًا كان باب جوة المخزن بيودي لأوضة تانية، كان موارب، فتحته بالراحة ودخلت، وبعد ما دخلت شوفت في اخر الأوضة حفرة، وجنب الحفرة لقيت حتة عضمة!، قربت منها ووجهت الكلوب ناحيتها، دي دراع بني أدم!



اول ما اتحققت منها سمعت صوت خطوات من ورايا، ولسه هلف واشوف سبب الصوت ده ايه، سمعت همس في ودني، فمارضتش الف، خوفت لا اشوف شئ انا ماحبش اشوفه، ركزت مع الهمس اكتر لحد ما فجأة لقيته ظهر قصادي، قط اسود حجمه ضخم، خرج من الحفرة، بعدت خطوات لورا وانا بقرأ قرأن بصوت عالي، لكن فجأة، بص لي القط بغضب وحسيت ان جسمه بيكبر وخد وضع الهجوم عليا، بعدت اكتر وفضلت ابعد عنه لحد ما خبطت في حيطة ورايا ووقعت على الأرض، ومع وقعتي سكتت، فالقط بقى أهدى وقرب مني بخطوات بطيئة، وقف قصادي بالظبط وفضل باصص، كان بيبص لي بطريقة غريبة، زي ما يكون بيتفحصني، لا لا زي ما يكون ايه، ده فعلًا كان بيتفحصني، واكبر دليل على كده انه مَيل راسه ناحية اليمين، ومرة واحدة، الهمس اللي كنت حاسس بيه قريب من وداني واتحول لكلام بصوت رفيع...



(مُخلص.. مُخلص اللعنة، قلب أبيض، لا هدف له ولا مصلحة، المُنتظر.. ولكن.. قبل أن ينتهي كل شئ، وقبل أن أرشدك إلى طريق نهاية اللعنة، يجب أن ترى.. يجب أن ترى يامُخلص حتى تعرف)


وعند كلمة تعرف دي، نط القط في وشي مرة واحدة، وبسبب نطته حطيت إيدي على عيني، بس بسرعة شيلتها من تاني لما لقيت المكان حواليا متغير!



انا لقيت نفسي بالنهار وواقف في مكان صحراوي، وقصادي بالظبط، حوالي عشر رجالة لابسين جلاليب وعمم شكلها غريب اوي، ووراهم، كان في خيمة!



اتكلم واحد منهم مع التسعة الباقيين وقالهم بلهجة صعيدية أصيلة شبه لغة بلدي والبلاد اللي حواليها..

-يعني ايه بنت كبير القبيلة تتخطف من ابن كبير تجار قبيلة الوادي، واحنا واقفين نتفرج، ده احنا ولاد عاصف.

رد واحد منهم عليه وقال له..



-ايوه معاك حق، الوالا خلفان قال انه اخر مرة شافها، كانت مع جبر ابن كبير تجار قبيلة وادي، ومن وقتها والبت ماظهرتش تاني.

بعد كده اتكلم واحد تالت وقال..



-احنا مش هنسيب تارنا، البت ممكن تكون ماتت بعد ما الواد ضيع شرفها، احنا هنطلع عليهم ونموتهم كلهم.

لكن اتكلم الرابع وقاله..


-ده غباء، قبيلة وادي، قبيلة كبيرة، اهلها متربين عالحروب والصيد، واحنا عشان نهزمهم لازم نرد الضربة بنفس الضربة، بس بشكل اكبر.



استغربوا كلهم وسأل واحد منهم..

-يعني نعمل ايه ياداعم؟

جاوب الرابع واللي واضح ان اسمه داعم..


-نطلع في الليل على خيمة الملك بتاعهم، غضنفر، نخطف مراته ونجيبها هنا ونعمل فيها زي ما أكيد اتعمل في اختي، نسلب شرفها ونقطعها حتت وندفنها.



بعد كده المشهد فجأة اتغير، فجأة لقيت الدنيا بقت ليل وقصادي بالظبط كان في خيمة كبيرة اوي، خرج منها راجل ضخم لابس لبس مغطي نصه التحتاني، اما عن نصه الفوقاني، فكان من غير هدوم، بس كان واضح جدًا إنه راجل مش سهل، عضلاته والندوب اللي في وشه كانت بتقول إنه راجل شديد وله شأن.. بعد ما خرج من الخيمة ومشي لبعيد، ظهروا ست رجالة من العشرة اللي كانوا واقفين في المشهد الأول، دخلوا وفضلوا جوة شوية، وبعد كده خرجوا وهم معاهم واحدة ست مغمى عليها، وبعد ما خدوها وبعدوا، المشهد اتغير، كان ليل برضه، لكنه كان مكان صحراوي ومافيهوش خيم، وقصادي بالظبط، كانت نايمة، الست اللي اتخطفت من الخيمة، وكان في رجالة كتير واقفين حواليها، ومكانها بالظبط، كان في واحد بيغتصبها، والواحد ده بعد ما خلص، بص لراجل كبير كان واقف بيتفرج وقاله..



-انا خلصت ياابوي، تحب تنول من شرفها انت كمان ولا نموتها وندفنها؟!

هز الراجل راسه بالنفي..

-لا لا.. ادبحوها وافصلوا راسها عن جسمها وادفنوها مكانها، ده اقل رد على اللي حصل مع بنتي.



قرب منها واحد من اللي واقفين وفي ايده خنجر شكله غريب، وبسرعة مشاه على رقبتها ودبحها، منظر الدم خلاني حسيت باشمئزاز وغمضت عيني، واول ما فتحتها من تاني لقيت المشهد اتبدل، بس المرة دي كانت الدنيا نهار والدم مالي رمل الصحرا، وفي وسط الدم والجثث كان واقف الراجل اللي شوفته خارج من الخيمة، وحواليه كانوا واقفين رجالة كتير لابسين لبس شبه لبسه تقريبًا، لبس مغطي نصهم التحتاني ونصهم الفوقاني مش متداري عشان عضلاتهم المفتولة تبان، لكن اللي لفت نظري غير لبسهم، كانت الجثث والحفرة الكبيرة اللي في الأرض، الجثث كانت كتيرة اوي وكان منهم جثث العشرة والراجل العجوز اللي اسمه عاصف، بص لهم الراجل ده وقال بكل غِل وحقد بلكنة قريبة جدًا من لكنتهم..



-البصاصين قالوا لي انكوا قتلتوا مراتي بعد ما اغتصبتوها، واللي خطفته منكم عشان يأكدلي الكلام، قال إنكوا عملتوا كده عشان فاكرين ان بنتكم خطفها ابن كبير التجار عندي، اغبيا، عيشتوا وموتتوا اغبيا، ماكنتوش تعرفوا ان بنتكوا سابتكوا عشان بتحب ابن التاجر وانتوا كنتوا عاوزين تجوزوها منكم بالعافية، لكن اهو.. ده جزاء الغباء، ياجنود قبيلة الوادي، ياحراس شرف الملك غضنفر، ارموا جثثهم جوة الخندق ده وهاتولي كبير سحرة القبيلة.



ظهر من بعيد راجل عجوز ماسك عصاية خشب، شعره ابيض وملامحه جامدة وبشرته سمرة زي معظم الموجودين، كان لابس حتت قماش سودة مدارية اجزاء من جسمه، قرب من الملك غضنفر وقاله..



-تحت طوعك يامولاي.


بص غضنفر للخندق اللي جنوده رموا فيه الجثث، وبكل قرف قال..


-المقبرة دي تتلعن، العنها بلعنة تخليها منسية للأبد، انا مش عاوز أي حد يعرف ان كان في هنا ناس اسمهم أولاد عاصف من الأصل، ومش بس كده، انا عايز أي حد يفكر ينبش مقبرتهم الجماعية، تصيبه لعنة.

-أمرك يامولاي..



وبعد ما قال كده المكان كله بقى فاضي واتقلب النهار لليل، والخندق او المقبرة الكبيرة اللي كانت مفتوحة، كانت اتردمت، وجنبها بالظبط، ظهر الراجل العجوز او الساحر ده وهو قاعد على الأرض ومولع نار، ووهو قاعد، كان ماسك حجر وبيحفر عليه وبيقول كلام غريب، كلام مش فاكر منه غير شوية كلمات، زي مثلًا.. (الظهور ياجلجاش، الخادم المُخلص، ياابن النار).. وفضل يقول في الكلام ده لحد ما ظهر قصاده قط اسود كبير، بس ده مش أي قط، ده نفس القط اللي ظهرلي جوة المخزن، بص له الساحر وابتسم وقاله..


-المقبرة دي، مهمتك هي المقبرة دي، تلعنها انت وخدامك، وأي حد يقرب منها او ينبشها، تصيبه لعنة ويموت هو وكل اللي من دمه.

بعد ما قال كده، ظهروا قطط كتير من وراه، ومع ظهورهم، قام الراجل ومشي، مشي بعيد عن المكان اللي كان قاعد فيه، وبعد ما بقى أبعد، حفر في الأرض ودفن الحجر اللي كان بيتكتب عليه، وبعد كده ردم الحفرة، وعند ردمه للحفرة حسيت بخبطة على دماغي، زي ما يكون حد خبطني بقوة على دماغي لدرجة ان عيوني زغللت، الرؤية بقت مش مظبوطة، لكن الرؤية لما رجعتلي من تاني، لقيت نفسي زي ما انا، كنت لسه واقع على الأرض في المخزن وقصادي كان واقف نفس القط، لكن العجب، كل العجب، إن القط ابتدا يتغير، بِعد عني وراح ناحية الحفرة اللي في نهاية الأوضة ومن بعدها اتغير.. جسمه فضل يطول ويطول لحد ما بقى ظل اسود كبير، والظل ده ابتدا يخرج منه صوت، نفس الصوت الرفيع اللي سمعته بيكلمني في الأول..



(قبل ما تسأل أي سؤال، انا هفسرلك يا مُخلص، هفسرلك اللي كل انت شوفته والناس اللي ترجمتلك كلامهم القديم للغتك، وكمان هدلك على الطريق، ايه، مستغرب اني بتكلم بلكنتكوا؟، لا ماتستغربش، انا سهل عليا اتكلم اي لكنة وانا في هيئتي الأساسية، لكن ده مش المهم.. انا هقولك عالحكاية؛ من ألاف السنين كان عايش في الأرض الصحرواية اللي ورا مخزن العمدة، راجل إسمه عاصف، والراجل ده اتجوز وخلف ولاد وبنات، والولاد والبنات دول اتجوزوا وخلفوا، وفي يوم، بنته الصغيرة اختفت، وواحد من احفاده شافها لأخر مرة مع ابن كبير تجار القبيلة اللي جنبهم، كانت قبيلة اسمها قبيلة وادي، ملكها يبقى ملك شديد ومحارب عظيم اسمه غضنفر، وقتها ولاد عاصف حطوا خطة لما افتكروا ان اختهم خطفها ابن كبير التجار عشان ينول من شرفها، وبعد كده يقتلها ويدفنها، وخطتهم كانت خطف مرات الملك غضنفر والتمثيل بشرفها، وبعد كده قتلها ودفنها، ولما نفذوا الخطة، جنود وبصاصين غضنفر قدروا يعرفوا اللي حصل، وكمان خطفوا واحد من ولاد عاصف واعترفلهم بكل حاجة، وكانت النتيجة إنه طلع بجنوده وخلص عليهم كلهم، أبادهم إبادة جماعية، وبعد ما قتلهم حفر خندق في أرضهم ودفنهم فيه، وماكتفاش بكده، ده جاب اكبر ساحر عنده وخلاه يلعن قبرهم ويحط عليه حارس شديد ومعاه جنود من الجن، والساحر ده نفذ المطلوب منه واستدعاني انا وجنودي.. انا، جلجاش، مارد وجندي من جنود بني الجن، فضلت لألاف السنين بحرس لعنة المقبرة دي، مقبرة الخندق، واللي بسببها غضنفر قال لكل الناس ان حتة الأرض دي بقى اسمها خندق الوادي عشان يخفي سيرة ولاد عاصف، ومع الوقت، الناس جم المنطقة اللي ينفع تتزرع جنبها وعاشوا فيها .



 ومع الزمن، اتغير الإسم، من خندق الوادي للخندق بس، وفضلت انا وخدامي لسنين وسنين بنحرس الأرض دي والخندق اللي تحتها، والحقيقة ان مافيش مخلوق قرب منها لأنها أرض صحراوية، لا تنفع للبُنا ولا تنفع للزراعة، وفضل الحال زي ماهو لحد ما العمدة جامع حفر في ضهر مخزنه عشان يغير أرضيته، وفي وقت حفره بطريقة غشيمة، وصل لعضمة من عضم الأموات، فافتكر انها سبيل او بداية دليل لمقبرة جواها كنز، ولما حفر اكتر واكتر وبدأ يوصل لبداية الخندق، ظهرت انا وقومت بمهمتي، لعنته هو وكل اهله اللي عايشين معاه، خُدامي قتلوه وقتلوا مراته وبناته ولبسوا الولد اللي معاهم، يعني قتلوا اللي من دمه واللي على ذمته)


بلعت ريقي بصعوبة وسألته..


-طب.. طب والولد، ضياء، اشمعنى سيبتوا ضياء؟!


(لإنه مش ابنه، ضياء يبقى ابن مراته، ولما ابوه مات، هو اتجوز امه واعتبره ابنه ورباه.. بس ده برضه مش المهم، الأهم يامُخلص دلوقتي ان انا خلاص، اللعنة دي أنهكتني، وده سبب لعنتي انا وخُدامي للبلد من بعد ما راشد فتح باب المخزن، انا عاوز اخرج، عاوز اتحرر، بس كنت مستني حد يجي ويدور وانا كنت هدله على سبيل حل اللعنة وطريقة صرفي، انا مش مابقاش مُحبب بالنسبة لي اني أفضل احرس لعنة ماليش فيها أي استفادة)


قومت وقفت وسألته بلهفة..


-طب وايه السبيل؟.. ازاي اللعنة تتفك وازاي انت هتتحرر؟


(الحجر اللي انت شوفت الساحر بيدفنه، مكانه برة المخزن ده بحوالي خمسين خطوة بخطواتكم، ناحية الشمال، اقف في مكان ما تنتهي الخطوات الخمسين واحفر، ولما تلاقي الحجر، طلعه وكسره حتت، وخد الكسر بتاعه وارميه في مايه جارية، وقتها بس كل شئ هينتهي وهتتحقق نبؤة انتظاري، انت.. انت المُخَلص اللي استنيته من سنين وانت نبؤة انتظاري)


اول ما خلص كلامه، خرجت جري ونفذت اللي قاله، واللي قاله طلع مظبوط، بعد خمسين خطوة من ناحية الشمال، برة المخزن، حفرت، ولقيت الحجر، كان عليه نقوشات غريبة، وكان في حجم تلات قوالب طوب تقريبًا، وبمجرد ما طلعته ماستنتش، بكل قوتي ضربت عليه بالجروف اللي كان جابهولي راشد وحفرنا بيه، وبعد ما فتفتته لحتت، جمعته في شوال وبعد كده رميته في مايه جارية، وزي ما انا توقعت، كل شئ انتهى، اللعنة اتحلت وبعد كده اتكلمت مع أهل الكفر، وبناءًا على كلامي، بيت العمدة جامع اتهد والمخزن كمان، اما عن حتة الأرض الصحراوية اللي فيها الخندق، فالناس بعدوا عنها خالص اكتر ما هم كانوا بعيد، لكن الغريب بقى إن بعد ما اللعنة اتفكت وبعد ما راشد ساب العُمودية ومراد رجع لحياته، واتأكدت منهم إن فعلًا ضياء يبقى ابن مرات جامع، مش ابنه، راشد مات.. مراته دخلت تصحيه في يوم الصبح بعد ما اللعنة اتفكت، لقته ميت ووشه شاحب، وبعده بكام يوم مراد حصله، بس مراد مات متكهرب، كان بيعدل حاجة في كهربة بيته والكهربا مسكت فيه ومات، اما عن العُمودية، فهي اتنقلت لعِيلة عمار اللي كان سبب في حل المشكلة لما جابني، اما ضياء، فده اتنقل لمستشفى العباسية بسبب مرضه والمتلازمة اللي عنده وفضل فيها لحد ما مات، وبس.. انتهت لعنة كفر الخندق وانا رجعت تاني لحياتي ولعلاج الحالات الممسوسة والمسحورة، بس مهما قابلت او شوفت، عمري ما هشوف زي اللي شوفته في الليلة اللي قضيتها هناك.



خلصت مذكرات جدي اللي كنت قاعد بقراها بعد وفاته بتلات أيام وانا مستعجب، طب انا مين؟.. انا جمال وَليِ، حفيد الشيخ مُخلص الله يرحمه، الشيخ مُخلص اللي ورثت عنه من بعد موت ابويا، سيرته الطيبة ومذكرات جواها حكاية شبه حكايات الف ليلة وليلة، حكاية يمكن ماكنتش هصدقها ويمكن انت كمان ماتصدقهاش، بس تعرف انا صدقتها ليه، صدقتها بسبب اسم البلد او القرية اللي جواها، اصل احنا في قرية بعيدة عن قريتنا بشوية اسمها (كفر عمار).. وبيقولوا انها اتسمت بالأسم ده عشان كان فيها شاب اسمه عمار، شاب كان سبب في فك كرب شديد حالل على أهلها من عشرات السنين، لكن الغريب بقى واللي خلاني اصدق الحكاية دي، ان على يافطة البلد وتحت اسمها الحالي، مكتوب بين قوسين كده جملة غريبة.. (كفر الخندق سابقًا)...


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-