أخر الاخبار

قصة لعنة صالحة للكاتبة ياسمين رحمي

قصة لعنة صالحة للكاتبة ياسمين رحمي


مكنتش متخيلة إن بيع البيت الأثري بتاع عيلتنا هيأثر عليا وهحس بالألم بالشكل ده. البيت كان بقاله أكتر من 5 سنين مهجور مع موت آخر واحد كان ساكنه وهو عمي الله يرحمه وقبل عمي أجيال عاشت في البيت من سنة 1954 ولحد من 5 سنين فاتت، عمر بحاله. وأكيد البيت شهد مشاعر كتير، منها الإيجابي ومنها السلبي. أنا بقى مشاعري كانت جافة، تقريبًا مكنتش بحس بحاجة، أو هو ده اللي كنت متخيلاه.



بشرة صافية,للفتيات,الماء في المنام للعزباء,الماسكارا,تفسير حلم شرب الماء للعزباء,شرب الماء في المنام للعزباء,الماء في المنام لابن سيرين,تحديات,للحامل,للعزباء,الماكياج,تفسير الماء في المنام للمتزوجة,كحل ايلاينر,محمود الجمل,روتين الجمال,الماء في المنام,تفسير حلم الماء,شرب الماء في المنام,تفسير حلم شرب الماء,رؤية الماء في المنام,تفسير الماء في المنام,تفسير حلم الماء الوسخ,تفسير حلم الماء الجاري,تفسير رؤية الماء في المنام,مرح,مزحة,مقالب




أبويا كان بيوديني بالعافية هناك عشان نزور عمنا ومن قبله جدودنا، الجد والجدة المباشرين واخواتهم اللي برضه سكنوا فيه فترة، وعمتي برضه جه عليها الدور وسكنت هناك كذه سنة ، مش بس في طفولتها زي بابا، كمان في فترة طلاقها من جوزها الأولاني.  وسابت البيت لما اتجوزت تاني.. في أوقات كان كذه حد ساكن في البيت في نفس الوقت، مثلًا جدي وعمي وأخو جدتي وده لإن البيت كان مكون من 3 أدوار وكل دور فيه شقة وطرقة كبيرة قدامه وأوضة خزين...



أما جدتي فماتت من زمان، من أكتر من 20 سنة وللأسف معنديش ذكريات كتيرة عنها مع إني يعني مكنتش صغيرة لما ماتت، كان عندي وقتها 22 سنة، لكني لحد الوقت ده كان عندي لا مبالاة وبرفض إن يبقى عندي أحاسيس عميقة أو ارتبط بحد أو ارتبط بالبيت نفسه...



بالنسبة لي البيت كان عبارة عن حيطان قديمة متهالكة، أساس دايب و ذوق قديم وعفش موضته بطلت من زمن، وكنت بحسه كئيب جدًا وبعترف إني كنت بخاف من أركان وأماكن معينة فيه، زي الجنينة اللي كان بقالها كتير أوي مهملة، محدش بيهتم بزرعها وأشجارها وده خلاها بقت شبه الغابات الميتة المرعبة، أغصان اشجارها كثيفة ومايلة ومتشابكة ومفيهاش ورق ، والأرض عبارة عن عشب اصفر وطينة واشواك.. كنت بعدي بسرعة من جنب الجنينة ومش ببص عليها على قد ما اقدر، وزي برضه أوض الخزين اللي في كل دور من ال3، معرفش إزاي اللي ساكنين في البيت كان بيجيلهم قلب يدخلوها ...كانوا بيستخدموها في التخزين، تخزين البصل مثلًا والخضروات اللي مش بتحتاج برودة عشان تصمد..



الأوض دي كانت مكمكة جدًا، مصدر الهوا فيها كان شباك صغير في أعلى الاوضة، هو ده اللي بيدخل الهوا ونور الشمس، ومساحة الأوضة يدوبك تساعي شخصين بالكتير وكان عندي قناعة إنها مسكونة، مش واحدة منهم، ال3!



لما كبرت أكتر بقى عندي شوية تعاطف، كنت مرتبطة بعمي وعشان خاطره كنت بروح ازوره في البيت العتيق، خصوصًا إن مبقاش ليا غيره، هو اللي كان متبقي من اخواته، ومع موته البيت اتقفل ومحدش هوب ناحيته. وحتى فكرة إننا نبيعه كانت مستبعدة وده لإن في عدد لا بأس به من الورثة ليهم حق في البيت وعبال ما ناخد موافقة الكل ونقسم الفلوس بحسب نصيب كل واحد في الميراث بعد البيع كان هيبقى صداع كتير. وبعدين مين ده اللي هيبقى عايز يشتري البيت الانتيكا المهكع ده؟



وكل اللي حسبته طلعت غلطانة فيه. البيت جاله مشتري، رجل أعمال تقيل كمان والورثة كلهم كانوا متحمسين جدًا للبيع وكلنا متفقين ومفيش جدال على نصيب أي حد. وزي السكينة في التورتة البيعة تمت في أسرع وقت وبسلاسة وبمبلغ مكناش نحلم بيه كمان.



بس أنا جالي خاطر عجيب جدًا وهو إني أروح البيت للمرة الأخيرة، أروح لوحدي من غير ما أقول لحد. اتجول فيه، في كل ركن منه، ليه، معرفش، متعمقتش في الإجابة ولا ف رغبتي الغريبة دي.



 وفعلًا روحت ومقلتش لحد، استغليت إن إبني في مدرسته وجوزي ف شغله وقلت لنفسي هروح وأرجع من قبل ما حد ياخد باله...


هي دي كانت الخطة ودي كانت نيتي....



أول ما البيت بان من بعيد لقيته حاجة فخمة، فعلًا بيت أثري، بس مش بمعنى سلبي، ده أثر قيمته كبيرة، الأساسات اللي كنت بشوفها متهالكة صامدة قوية، فيها عنصر مبقاش موجود في المباني بتاعة دلوقتي وتصميمه اللي كنت شايفاه ممل، تصميم راقي ينم عن ذوق هادي رايق ودماغ عبقرية، وف لحظة حسيت بالغيظ، بإننا اتضحك علينا ومكنش ينفع نفرط في البيت ولا بفلوس الدنيا كلها، أيًا كان اللي اتدفع فيه فالطرف الشاري هو اللي أكيد كسبان.



وده من وجهة نظر فنية بحتة، قبل ما تجيلي هوجة العواطف...



مدخلتش البيت علطول، قررت أدخل الجنينة والف فيها، صحيح الجنينة كانت ميتة، الزرع أصفر ودبلان، وريحة التراب بتخترق المناخير والصدر لكن اللي يركز يقدر يميز إنها كانت جنة ف يوم من الأيام. في حد كان بيرعاها كإنها بني آدم قريب منه، جزء من أسرته أو منه هو شخصيًا.. في حد كان بيقعد فيها بالساعات، بيتابع كل شجرة وكل زرعة وكل وردة والخضرة والحشيش...


وبعدين دخلت البيت....



أنا عرفت شوية من اللي سكنوا البيت مش كلهم، ومع ذلك، كل ما عيني تقع على ركن أحس بالحنين، الحنين للشخص اللي قعد في الركن أو عدى عليه أيًا كان الشخص ده، سواء شفته أو مشفتوش، ارتبطت بيه ولا كنت منعزلة عنه.. مش قادرة أوصف بالظبط لكن...الموضوع مش رومانسي، مش مشاعر طايرة وأفكار ف دماغي أنا بس، أنا حقيقي كنت حاسه بطاقة، برسايل خفية ووجود مش شايفاه لكن حاسه بيه.. حتى إني دخلت أوض الخزين في ال3 أدوار..



لما وصلت للأوضة التالتة واللي هي كانت آخر محطة ف جولتي بقيت أحسس بإيدي على كل حاجة فيها، على كل شبر في الأرضية، كان لسه في باسكيت كده مكون من أدراج بلاستيك مخرمة مرصوصة فوق بعضها، وكان الغرض منها حفظ الخضروات زمان. في الدرج الأخير لقيت حاجة... حاجة غير الجرايد القديمة المعتقة اللي كانت مفروشة جوه الادراج، لقيت كراسة....




طبعًا التراب كان عليها أشبار وكانت مقفولة بخيط ملفوف حوالين زرار شبه زراير الهدوم...


نفضت التراب وفضلت الف الخيط في الاتجاه المعاكس وبعدين فتحتها....


كان مكتوب في أول صفحة "مذكراتي" وتحتها "أنيسة نعمان" جدتي! وااادي قعدة!


كده وش كنت هتقفش، جوزي وإبني هيرجعوا ميلاقونيش ومش فارق معايا، أكتر حاجة كانت هاماني في الدنيا في الوقت ده ، هي المذكرات اللي ف إيدي، ومش هاخدها واقراها في البيت، هقراها هنا، حتى لو ده معناه إني أبات في البيت ليلة كاملة، المذكرات دي لازم تتقري ف مكانها، في حضن البيت ده وأجوائه وإلا هتفقد كتير من سحرها، مش هيبقى ليها طعم.



وقد كان...



المذكرات بدأت من سنة 1940 مع أول يوم "أنيسة" اشتغلت فيه ف سرايا في الفيوم. جدتي كانت بتشتغل خادمة وكانت من ضمن طقم خدم، ما طبعًا سرايا لو فكناها هتعمل حاجة بتاعة 12 شقة طويلة عريضة، لازملها طقم من كل تخصص، طقم خادمين وخادمات وطقم سفرجية وطقم طباخين وهكذا....



أنيسة كتبت:



"لو حكولي على السرايا من قبل ما أشوفها، لو وصفوها زي ما أنا شايفاها دلوقتي مكنتش هصدق! كنت هقول الوصف ده مش موجود في الدنيا، الحيطان والسقف والأرضيات والسجاجيد والأثاث والخامات بتاعتهم والمساحات وعدد الأوض وتقسيم المساحات والجنينة اللي محاوطة السرايا وأشجارها وفاكتها، كل ده وصف الجنة، أمال الجنة تبقى عاملة إزاي؟"



وبعد التاريخ ده ب10 أيام كتبت كلام تاني...



"مش أنا قلت قبل كده إني اللي شايفاه يشبه وصف الجنة؟ بس المثل طلع صح "جنة من غير ناس ما تنداس!"، جنة الأرض يعني.. أنا مش قصدي عليا أنا وباقي اللي بيشتغلوا في السرايا، بتكلم عالمسكين "فتحي"، الولد الوحيد للباشا ومراته.. الباشا ومراته اتفقوا إنه يتعلم تعليم منزلي وبقوا يجيبوله مدرسين من كل مجال وبصراحة الولد تعليمه كان عالي، يمكن أحسن من اللي بيتعلموا في المدارس، لكن هو ده بس اللي اهتموا بيه "التعليم"، وهم مكنش ليهم وجود في حياته. "فتحي" متعلمش أي حاجة منهم بشكل مباشر، احتكاكه كان بس بالمدرسين، واللي عملت دور الأم كانت الدادة "صالحة"، هي دي اللي وعي عليها، ربته، مكنش بيغيب عن عنيها، كانت بتأكله وتشربه وتحميه وتنيمه وتقعد تسليه. وأكيد وجود الدادة أو 10 معاها مكنوش هيعوضوا غياب الأم. والولد كان باين عليه الحزن دايمًا، عينه مكسورة وصوته واطي، ده لو أتكلم أصلًا، مكناش بنسمع صوته غير كل فين وفين...



الدادة "صالحة" عندها حوالي 20 سنة. أما قصتها فالله أعلم بيها! اللي سمعته عنها إن "كاريمان" هانم لقتها مع جوزها الباشا مرمية في الغيط وده خلال جولة من جولاتهم عشان صيد الطيور. الكلام ده من 8 سنين، يعني كان عندها وقتها 12 سنة تقريبًا. كانت من غير هدوم وواخدة وضعية الجنين ومش بتنطق ولا بتتحرك. لما اتأكدوا إنها لسه عايشة قرروا ياخدوها معاهم في السرايا القريبة من الغيط، السرايا اللي أنا قعدة فيها واللي قرروا بعدها يستقروا فيها وتبقى سرايتهم الأساسية. بعد علاج واهتمام دام لشهر بدأت تتكلم لكنها مكنتش بترد على أي سؤال متعلق بماضيها ولا الظروف اللي خلتها تبقى في الغيط بالشكل ده، مكنوش عارفين هل هي فاقدة الذاكرة ولا مش عايزه ترد على الأسئلة دي، مش عايزه تواجه ماضيها وتتكلم عنه. المهم إنهم سموها "صالحة" وقرروا إنها تفضل معاهم علطول. وقتها الاتنين كانوا لسه عرايس جداد مبقالهمش كام شهر متجوزين، حددولها دور وهو إنها تساعد في رعاية أولادهم اللي لسه ف علم الغيب. وبرغم تأخر الخلفة وولادة "فتحي" بعدها بسنتين كاملين لكن هم مفكروش يستغنوا عنها وكانوا متأكدين إن ربنا هيرزقهم بطفل ولو بعد حين ودورها هييجي هييجي.. من حكاوي اللي بيشتغلوا في السرايا كانوا ناس مختلفة تمامًا! 




"أمجد" باشا و"ناريمان" هانم.. أديني أهو حتى وأنا بكتب في مذكراتي الخاصة اللي محدش بيطلع عليها غيري برضه محافظة على الألقاب من خوفي منهم. المهم إن ليهم رهبة جبارة! لكن مكانوش كده زمان، كان واضح إنهم فرفوشين، عندهم طاقة إيجابية ودايمًا ف حالة بهجة وطاقة حب كمان وتعاطف. اللي يخلي ناس تتبنى طفلة ميعرفوش أصلها ويشغلوها عندهم ويقرروا إنها تساعد في تربية ابنهم حتى مع تأخر الخلفة يبقى أكيد الناس دي يعرفوا ربنا وأخلاقهم عالية، وبرضه واضح إنهم كانوا ناويين يبقى ليهم دور كبير في تربية ابنهم، يفضلوا حواليه وميسبهوش.. إيه بقى اللي حصل وغير كل ده، أموت وأعرف! الناس اللي شايفاهم دلوقتي وبتعامل معاهم مش هم اللي زمايلي بيحكوا عنهم، لا في ف وشوشهم بهجة ولا ف معاملتهم لبعض حب ولا ف معاملتهم لينا رحمة! لما بيبقوا موجودين وده مبيحصلش غير أيام معدودة كل شهر بنبقى على أعصابنا، مستنيين الضحايا اللي هييجي عليهم الدور، اللي هيتعاملوا بقسوة وهيتهزءأوا على أتفه الأمور ويمكن كمان يتقطع عيشهم....



يوم 10 فبراير سنة 1942 أنيسة كتبت:



"في حاجة اتغيرت ف "فتحي"، فتحي مبقاش كئيب وانطوائي زي الأول، بقى عنده ثقة أكبر بنفسه، بيبص لأي حد ف عينه وهو بيتكلم وأظن إن ده نابع من تخطيه فقدان أمه، "فتحي" بقى خلاص بيعتبر داده "صالحة" أمه الحقيقية و"كريمان" هانم هي الأم البديلة وده تكريم ليها ، يمكن جواه مكنش بيعتبرها أم أصلية ولا بديلة!  واحنا برضه بقينا ف مقام أهله، بنقضي معاه الأوقات كلها اللي مش بنشتغل فيها، بنسمع مع بعض الراديو واللي بيعرف يقرا فينا بيقراله القصص وبنلعب معاه كمان، وأبوه وأمه لساهم مشغولين بسفرياتهم وجولاتهم والحياة بمبي من غيرهم! ومعلش، هي أيام معدودة اللي بتيقى تقيلة، اليومين اللي بيقضوهم في السرايا، أهو، نستحملهم ونحاول على قد ما نقدر منستفزش الهانم، مع إن دي مهمة صعبة أوي ولحد دلوقتي محدش يعرف هي ليه بتتعصب ولا يتوقع إمتى هتنفجر...



مطلوب مننا حتى إننا نستحمل مناظر اللي بيتعاقبوا من غير ما يطردوا...اللي بيتسحبوا من وسطنا للإسطبل وبيرجعوا مش عارفين يقفوا على رجليهم وهدومهم متغرقة دم وضهرهم متقطع من الكرباج اللي نزل عليهم من غير رحمة. معلش، هم يومين وبنرجع للنعيم اللي فيه، نعيم السرايا والحرية ووجودنا مع "فتحي" الملاك...



2 أبريل سنة 1942 كان مكتوب تحتها:



"أنا لسه مش مستوعبة اللي حصل، أي حد، أي حد فينا كان معرض للطرد إلا هي، إلا "صالحة"!



كان واضح جدًا.. كلنا متأكدين إن الهانم اتلككتلها وافتعلت موقف عشان تطردها، وده لإن "كريمان" في العودة الأخيرة من سفريتها وفي الليلة الأولى راحت لأوضة "فتحي". قعدت على سريره فقلقته وصحي من نومه. مدت إيدها وهي بتبتسم له، كانت ماسكة حتة شيكولاته وبتديهاله..



"فتحي" بصلها وبص للشيكولاتة ببرود وبعدين قال لها : "مش عارف إذا كان ينفع اخدها دلوقتي ، إحنا بليل وممكن الحاجة الحلوى تفوقني، هروح استأذن ماما "صالحة" الأول!



"كاريمان" دمها اتحرق والغيرة كلت قلبها، فجأة ادركت إن "فتحي" بيحب صالحة عنها وبيقدرها ويمكن كمان معتبرها أمه ومشاعره تجاهها هي بقت جافة. أكيد فكرت ف نفسها ساعتها إن الوضع ده مش ممكن يستمر، لازم تعاقب "صالحة" وتبعدها عن حياة إبنها...



تاني يوم ف وقت الغدا الموقف السخيف حصل... أتقدم للكل على السفرة، الباشا وهانم وفتحي الأكل ومن ضمن الأطباق كانت شوربة..مع أول معلقة منها "فتحي" صرخ. "كاريمان" قامت من آخر السفرة جري، ودي مش عادتها، والله لو كان حصل له إيه قبل كده، كان حد تاني هيجري عليه يشوفه وفي الغالب بتبقى "صالحة"... وده برضه اللي حصل المرة دي . "صالحة" جت من آخر الدنيا عشان تشوف الولد.. وبحركة عنيفة "كاريمان" زقتها وهي اللي فضلت تسأل "فتحي" وتقول له: 



-مالك يا حبيبي؟ مالك؟ فهمني. 



قعد وقت مش عارف ينطق وبعد شوية رد بكلمة واحدة: "الشوربة". لا هي ولا الباشا كانوا لسه داقوا الشوربة. ولما "كاريمان" اخدت معلقة اكتشفت أن كان محطوط فيها شطة والولد ميستحملش الشطة. المفروض إن دي تكون غلطة الطباخ، لكن الطباخ مش هو اللي كان بيعمل الشوربة، "صالحة" اللي كانت بتعملها، وده لإن "فتحي" اتعود إنها تعملهاله من وهو صغير ومبقاش عارف ياكلها غير من إيديها. كلنا عارفين إن "صالحة" محطتش شطة في الشوربة وكلنا عارفين مين اللي حطها. في وقت ما "كاريمان" اتسللت للمطبخ في عدم وجود الطباخ والسفرجي والخادمين أو ف وجودهم وحطت الشطة من غير ما ياخدوا بالهم وده كله عشان تفتعل موقف يبررلها اللي عملته بعد كده...



"كاريمان" هاجت كإنها بركان متفجر، فضلت تزعق ل"صالحة" ومدت إيدها عليها كمان خلال انفعالها الكداب. وبالطريقة دي خلت "أمجد" هو كمان يغضب عشان ف نظره "صالحة" أذت ابنه. وده اللي خلاه يسلم بالأمر اللي أدته وهو إن "صالحة" تاخد بعضها وتمشي من السرايا.



3 أبريل 1942:



اللي كلنا مكناش عاملين حسابه بما فيهم "كاريمان" هانم هو حالة "فتحي"، "فتحي" من إمبارح، من وقت ما سمع أمه بتطرد "صالحة" وهو ف حالة إنهيار عصبي، مش مبطل صريخ وعياط ومش بيسيب "صالحة"، حرفيًا مش بيسيبها، ماسك في طرف عبايتها وبيمشي وراها ف كل حته وده خلى "كاريمان" تديها مهلة شهر عبال ما الولد يهدى ويستوعب فكرة إنها مش هتبقى موجودة ويتأقلم...



"صالحة" حاولت تهدي "فتحي"، من إمبارح بتحضنه وبتطبطب عليه وبتردد إنها لسه هتقعد معاها شوية كمان، مش هتسيبه مرة واحدة، وقالت له ممكن يكون ليهم لقاء تاني في المستقبل، يمكن متبقاش دي النهاية، لكن هو عارف إنها بتضحك عليه، برغم براءته وطيبة قلبه هو عارف، وهي عارفة أنه عارف إنها بتضحك عليه. منظرهم هم الاتنين يقطع القلب، أنا حرفيًا بنهار من جوايا بس متجرأش أبين ده، دموعي مع باقي الخدم والعاملين بتنزل بصمت على خدودنا وبنمسحها أول بأول قبل ما الوحوش يشوفوها.



6 أبريل 1942:



"في حاجة اتغيرت! بعد كسرة النفس والقهرة اللي "صالحة" كانت فيها وإصرارها إنها تفضل ملازمة "فتحي" طول الوقت، لمحت ف عينيها شيء مختلف، ومضة... الومضة اللي مصدرها بيبقى شعلة غضب وحقد، "صالحة" فجأة أدركت الإهانة اللي اتعرضت ليها، والانكسار اللي كانت فيه راح لحاله واتبدل بمشاعر سلبية، غضب رهيب ويمكن كمان رغبة ف الانتقام...



يمكن أكون مزوداها حبتين، إنتقام إزاي يعني؟ وهو إيه اللي "صالحة" تقدر تعمله، إيه مظاهر الانتقام اللي ممكن تعملها؟! طيب لو قلنا إني بتوهم، إيه تبرير انعزالها في أوضتها ورفضها تتعامل مع أي حد حتى "فتحي"؟ إزاي قدرت تبعد عن "فتحي" وهم اللي كانوا مبيتفارقوش؟! في حاجة بتحصل ل"صالحة" ، قد يكون مثلًا اكتئاب حاد. في كل الأحوال أنا قلقانة، معرفش، عندي نغزة ف قلبي وحاسه إن القصة دي هتنتهي بطريقة مش ظريفة أبدًا، حاسه إننا قدامنا مفاجأت...."



28 أبريل 1942:



"الرمل اللي في الساعة قرب يخلص، فاضل يدوبك كام حباية. العد التنازلي بدأ وكمان كام يوم حياتنا كلها شكلها هيختلف، "صالحة" هتختفي من السرايا. محدش عنده فكرة حال "فتحي" هيبقى إيه وأظن كمان "كاريمان"، أظن وبرغم إنها مسافرة كالعادة ومش موجودة ومش شايفه وشها قدامي ولا تصرفاتها لكنها أكيد اتهزت، يمكن كمان ندمت على قرارها بطرد "صالحة". أصل وبعدين؟ لما "صالحة" تمشي "كاريمان" هتعوض "فتحي" إزاي؟ هل هتقعد معاه مكانها وتستغنى عن سفرياتها وسهراتها وحياتها المرفهة؟ هتعرف تتخلى عن أنانيتها ونرجسيتها؟ الإجابة أكيد لأ.. "كاريمان" معملتش حسابها ف هوجة الغضب في البديل، مفكرتش لثانية ف مصلحة إبنها، كان الدافع برضه أنانيتها والانتقام لذاتها وكرامتها. لكن دلوقتي مبقاش ينفع تتراجع عن قرارها، شكلها هيبقى عامل إزاي قدام العاملين بتوعها؟ هيقولوا عليها إيه؟ عمرها ما هترضى تبان بالضعف ده قدامنا، مش ممكن ترجع.  



مش قادرة أفهم لحد دلوقتي انعزال "صالحة" ف أوضتها ورفضها الخروج منها إلا للحاجة ورفضها التعامل مع أي حد فينا وأنا من ضمنهم. 


2 مايو 1942، الكلام اللي اتكتب تحت التاريخ ده كان مميز، ومرعب:



النهارده  "صالحة" مشيت. المفروض أكتب إن فترة المهلة، اللي هو الشهر الأخير عدى بسرعة عشان يعني "صالحة" هتمشي وكده، لكن ده محصلش، الشهر عدى ببطء شديد وخلاله، خلال كل الأيام مكنتش مرتاحة أبدًا....




"الجزء الثاني"





قبل ما "صالحة" تمشي بشوية لقتها بتندهني، من إمتى وهي عايزه تتكلم معايا؟ معقولة عشان يعني اليوم الأخير ليها وكده فمشاعرها اتحركت وأدركت إني كنت صديقتها زي ما كلنا كنا أصدقائها ومش هتشوفني تاني وهتفتقدني؟
المهم إني كنت مستنياها تتحرك وتقرب عليا لكني اتفاجأت إنها واقفة جنب أوضتها وفهمت إنها عايزاني أقعد معاها جوه الأوضة...الحديث ده هيبقى خاص، ده اللي جه ف بالي، "صالحة" مش عايزه الكلام اللي بينا يطلع بره.


دخلت أوضتها ولقيت نفسي خايفة منها ومن الأوضة. حسيت بخنقة غريبة من المكان، قلبي انقبض. أنا كنت بدخل كل الأوض قبل كده، بنضفهم مع زمايلي، لكن المرة دي حسيت إن الأوضة مختلفة، كإني بدخلها لأول مرة... مبدئيًا كده بشكل عام الأوضة كانت برد، المفروض إننا في شهور مايو وفي ليالي بيبقى فيها هوا بارد لكن أكيد مش في الساعة دي، مش 12 الضهر! اللي كان ملفت ومرعب أكتر إن مش كل الأماكن في الأوضة باردة بنفس القدر، في أماكن وأركان أبرد من غيرها كإننا فتحنا باب تلاجة مثلًا.


أما العنصر الأكتر رُعبًا فكان "صالحة" نفسها...


قعدت على كرسي في الأوضة وهي قعدت قدامي. استنتها تتكلم، لكنها فضلت ساكتة شوية، عنيها والنظرة اللي فيها كانت تقشعر وعلى شفايفها رسمت إبتسامة خفيفة، ابتسامة مش طيبة أبدًا...


بدأت تتكلم وتقول:


-من وقت ما لقوني، من 10 سنين ولحد دلوقتي مقولتش لحد عن السر، عن اسمي الحقيقي وقصتي...
متجرأتش اسألها ومعلقتش. سبتها تكمل:


-أنا اسمي الحقيقي "صالحة"! ولأ هي مش صدفة إنهم اختارولي الإسم ده، أنا اللي أوحيت ليهم بيه... أنا أصلًا مش من هنا، مش من مصر كلها، أنا من بلد عربية. اتولدت ف قرية هناك، القرية كانت موبوءة، فيها داء منتشر، داء صايب كل العائلات، اسمه ممارسة السحر! السحر مش بس بيُمارس ده بيتورث والجن الخادم للأب والأم والكبار بيروح تلقائي للجيل اللي بعد كده إلا لو حد رفضه ورفض السحر وده محصلش ف ولا حالة. تقدري تقولي إني مولودة ساحرة!



وبما إن أسلحة العائلات كلها في السحر فده السلاح اللي اتمارس ضد أسرتي من أسرة تانية والضربة جت فيا أنا.. تصدقي لو قلتلك إني نمت ف سريري وصحيت لقيت نفسي في الغيط في منطقة الفيوم في مصر! 


اتجردت من هدومي ومن خدامي ومن سحري إلا من قدر قليل أوي، وكنت ممتنة إن ربنا بعتلي ناس تتبناني ولو حتى هشتغل عندهم، المهم يبقى فوقي سقف وحواليا حيطان تحميني من البرد الشديد ومن الحر ومن أهوال البشر والسحر، لكن نفس اللي اتبنوني اتحولوا لوحوش وأي امتنان كنت حاسه بيه اتدفن في جوف الأرض وحل محله غضب يستحقوه ويستحقوا اللي هيحصل بسببه.



=قصدك إيه يا "صالحة" كلامك مش مطمني، وإنتي ليه أصلًا حكتيلي عن قصتك؟ كان ممكن تمشي ومحدش يعرف عنك حاجة، سرك يفضل مستخبي.


-معرفش، يمكن كنت محتاجة لده، محتاجة إني أنفس عن اللي جوايا، السر أصله تقيل أوي، وكون إني شايلاه جوايا كل السنين اللي فاتت فده عبأ كبير عليا، وبالعكس، قلت مادام أنا كده كده ماشية فليه لأ، ليه محكيش لحد عنه. أنا عارفة إنك مش أقرب حد ليا، عمرنا ما كنا أقرب أصدقاء لكن حسيت إنت أنتي اللي ممكن أحكيلها من غير ما السر يدور ما بين كذه حد، زيك زي القساوسة بتوع الكنيسة، يتقالهم الاعتراف وسر اللي بيعترف بيموت معاهم.
اتحركت بعدها علطول، معلقتش على كلامها، ولا بصيتلها ف عنيها ولا بصيت ورايا لحد ما خرجت وقفلت باب الأوضة. بعد شوية سمعتها بتنده على "فتحي"، كنت عايزه أجري، أدخل معاه، مسيبوش لوحده معاها لكن رجلي مشالتنيش، الخوف شلني، مكنتش مستعدة أعتب الأوضة دي تاني، على الأقل في وجودها. ده غير إني بعد لحظات استسخفت نفسي، ليه كنت قلقانة، ده "فتحي" ودي "صالحة" اللي هي فعليًا أمه. مهما كان ماضي "صالحة" والضلمة ف نفسها عمرها ما هتأذي "فتحي" ولو حتى بكلمة، هو نقطة ضعفها وإبن عمرها...




"فتحي" خرج بعد ييجي 10 دقايق، الدموع كانت مالية عنيه، مش قادر يفتح عينه، بس مكنش لوحده... كان ماسك ف إيده حاجة، عروسة!


عروسة طويلة قماش، حجمها قد حجم ولد صغير. "فتحي" مكلمش حد، أتوجه مباشرة لأوضته. وبعد شوية "صالحة" خرجت...


كان شايلة معاها بؤجة فيها كل حاجاتها وبرضه مكلمتش ولا ندهت حد.. نزلت على السلالم اللي بتوصل للقاعات في الدور اللي تحت.. السلالم دي طويلة لدرجة الواحد بيتهيأله إن بيفوت عمر بحاله عبال ما بيخلصها. أما إحنا كلنا فوقفنا على السلالم من فوق، طلينا بوشوشنا بنراقب "صالحة" وهي بتنزل. وصلت لآخر سلمة و المفروض إنها كانت هتبدأ تمشي في اتجاه الباب لكنها وقفت، رفعت راسها وبصتلنا!



وشها كان عليه ابتسامة خفيفة، صحيح شفايفها مش مرخية وشبه ثابتة لكن كان واضح من تعابيرها إنها بتبتسم وعنيها كمان كانت بتبتسم، لكن الابتسامة مكنتش ابتسامة وداع، مكنتش ابتسامة ودية، كانت ابتسامة لئيمة خلت جسمي كله يترعش، ولحد دلوقتي، لحد اللحظة اللي بكتب فيها صوابعي بتترعش ومش مالكة القلم كويس...
8 مايو 1942:



أخيرًا الست هانم ظهرت! النهارده الصبح رجعت هي والباشا بتاعها، افتكرت ترجع وتوري وشها للولد.. مش كفاية إنها طردت مصدر الأمان بتاعه وحرمته من أي مصدر للأمومة كمان مكنتش حاضرة في اليوم اللي العالم بتاعه كله كان بينهار فيه، في اليوم اللي اتحجبت عنه الشمس وقلبه صار فاضي وهو صار وحيد، اليوم اللي مشيت فيه "صالحة"، حتى في اليوم ده سابته وفضلت هواها وفسحها عنه...


لكن مش هو ده بس المميز النهارده. "فتحي" اهتم أوي بعروسته القماش من وقت ما "صالحة" مشيت، كإنها بتفكره بيها، حاجة منها، طلب مننا نخيط له لبس بحار، بدلة وجزمة وبرنيطة، وده لإنه شاف قبل كده ظابط بحري في سفرية وحيدة مع أبوه وأمه، ومن وقتها وهو اتعلق لحد الهوس بالبحارة وشايفهم أبطال خارقين، لذلك قرر يخلي العروسة بحار ويسميه "رشيد" على اسم البحار اللي سافر معاه على متن السفينة...



"فتحي" طبعًا بقى يقضي وقته كله مع البحار "رشيد" ، قصدي العروسة. لما كنا بندخل عليه بنلاقيه جايب لعب وحاططها وسطهم، على أساس "رشيد" يلعب معاه، وكان بيتأخر في أكل وجباته على أساس "رشيد" بيشاركه الأكل، ده غير بقى إنه طلب مننا كذه مرة نعمل فناجين قهوة وشاي ليه ول"رشيد" وإحنا طبعًا ردينا عليه في المرة الأولى بالرفض لإنه طفل ومينفعش يشرب المنبهات دي، لكنه طلب إننا نعمل أي مشروب ونصبه في الفناجين وهو هيعمل إنهم قهوة أو شاي. حالة تقمص كاملة "فتحي" عاشها، وكلنا بما فيهم أنا مكناش قلقانين من المسألة دي، لإن "فتحي" كان متحمس وملهي في عروسته عن غياب "صالحة" وف رأيي دي كانت خطوة ذكية ولفتة لطيفة منها إنها تشغله بعروسة عشان يتلهي وميدخلش ف دوامة اكتئاب، أو ده كان رأيي لحد من كام ساعة فاتت.



الليالي اللي فاتت سمعت "فتحي" وهو بيتكلم مع "رشيد"، وده العادي، كان بيتكلم معاه صبح وليل، لما بدخل له الأكل بشوفه قاعد معاه وبيتكلم ولما بعدي بليل جنب الأوضة بسمعه بيتكلم معاه، بيسهر لحد وقت متأخر عشان المناقشات اللي بيتخيلها دي ، الجديد بقى هو اللي سمعته الليلة دي. وانا معدية لا بيا ولا عليا، وكنت خلاص تجاوزت أوضة "فتحي" وعلى وشي إبتسامة نصر لإني خلصت كل مهامي ورايحة أريح جسمي وأقضي ساعات ثمينة في النوم سمعت "فتحي" بيتكلم، ولما خلص كلامه سمعت صوت بيرد عليه، مش صوت "فتحي"! صوت تاني خشن..
الصوت قال:



-أنا هنا عشان أساعدك يا "فتحي"، دوري إني أساعدك وأفضل جنبك وعمري ما هتخلى عنك، هكون ضلك، عمري ما هسيبك!


اللي زاد وغطى إن اللمض اللي في الطرقة بقت تترعش، كلها ف نفس واحد...مشيت بسرعة وبعد شوية المشي اتحول لجري لحد ما نزلت السلالم ولغاية أوضتي في الدور التحتاني..أنا عارفة ني جبانة ولتاني مرة بفضل سلامتي على سلامة "فتحي"، ده لو في حاجة تستدعي القلق عليه يعني.. المرة الأولى لما "صالحة" ندهته وقعد معاها لوحدهم في الأوضة، ودي المرة التانية، والمشترك ما بين الاتنين هو احساسي بعدم الراحة، آه ، وصالحة كمان!
أكيد..أكيد ده كان صوت "فتحي" برضه، مش كده؟ طبيعي يغير صوته عشان يتقمص الحالة، إن فعلًا ليه صديق إسمه "رشيد" فبيغير صوته على أساس إنه "رشيد" ومينفعش لا صوتهم ولا هيئتهم تبقى واحدة، طب وأنوار اللمض اللي اترعشت؟ أكيد صدفة، أكيد....



"بعد الصفحة دي أنا بجد بدأت أخاف، لحد وقتها كنت بسلي نفسي بالقراية، كانت المذكرات عبارة عن غرض رومانسي من زمن فات، أثر من جدتي "أنيسة"، لكن الكلام بدأ يروح لحتة تانية، والمشكلة إن برغم خوفي مكنتش قادرة أوقف قراية ويمكن برضه الخوف ده ساهم في الشلل اللي صابني، مبقاش ينفع بكل حال من الأحوال إني أمشي من البيت، الضلمة بدأت تنتشر وكنت حاسه إني تعبانة ومش هقدر أسوق مسافات وأرجع البيت، ده غير إني عايزه أخلص المذكرات، كده كده خلصانة، مينفعش أرجع البيت ولازم كنت هبات...


والباقي، كل اللي جي من المذكرات كان عامل زي الألغام، مرحلة الهدوء ورومانسية السرايا والملكية وشياكة زمان وروقاته راحت بلا رجعة..."


12 مايو 1942:



"برغم إني كنت بحاول ألاقي تبريرات للي حصل في الليلة إياها، إلا إني لقيت نفسي بتفادى أوضة "صالحة" و"فتحي" من ساعتها، لما بضطر أعدي من قدام أوضتي بجري بأقصى سرعة، وبتلكك عشان مدخلهوش بنفسي الأكل. لكن تقريبًا كده والله أعلم مش هعرف أهرب كتير، واللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين. "كاريمان" هانم عدت عليا من شوية! اليوم خلص والكل كان دخل جحوره وقفل أبوابها، الأنوار اتطفت والحركة انعدمت وأجسامنا بقت ف حالة سكون...



واللي حرك الميه الراكدة تخبيط على بابي، خبطتين وره بعض....


قلبي دق جامد كإنه هيخرج من صدري وحلقي نشف ومكنتش قادرة أبلع ريقي. مين اللي بيخبط على بابي الساعة دي؟! كان في علبة كبريت جنبي، فتحتها وولعت عود وبيه ولعت القنديل، أصل الكهربا مش موصولة بأوضنا، أوض العاملين، لكن موجودة ف كل السرايا وف أوض الباشا والهانم وباقي الأوض اللي فوق.


استجمعت شجاعتي وفتحت الباب...


صحيح أنا دماغي كانت مشوشة، ولا يمكن أقدر أتوقع الزاير لكن لو كنت هتوقع كان هيبقى أي حد غير "كاريمان" هانم اللي كانت واقفة بتترعش زي اللي نزل عليها جردل ميه ساقعة ف عز البرد!


أول ما فتحت قالتلي:


-معرفش ليه أنتي اللي جيتي ف بالي، كان لازم أتكلم مع حد.


وأنا كمان معرفش! معرفش ليه الناس بتتكلم معايا أنا، ليه "صالحة" فضفضتلي بمكنونات صدرها ودلوقتي "كاريمان"؟ لا أنا أكتر واحدة حِركة في الخدم ولا أكتر واحدة اجتماعية ولا أكتر واحدة شاطرة ف شغلها، مفيش أي حاجة فيا مميزة، ومحدش يعرف سري، محدش يعرف إني بحب أفكر وأحلل الأمور، مفيش غيرك يا مذكراتي!
قالت بعد كده:



-أنتي مسمعتيش الصرخة من شوية؟

=لأ يا هانم مسمعتش، خير، مين كان بيصرخ؟

-فتحي، أنا قلقانة أوي عليه، حاساه بدأ يفقد عقله.


طلبت منها تدخل وتهدى كده وتحكيلي اللي حصل. قالت إنها قامت من سريرها لإنها كانت بتحاول تنام من كتير ومقدرتش وقررت إنها تتمشى في السرايا، يمكن تقعد في البهو أو الفرانده أو الجنينة وتسمع الراديو. لكن ملحقتش، لإنها وهي بتتمشى في الطرقة سمعت صرخة عالية، كان صوت "فتحي". جريت على الأوضة وفتحت الباب بذعر ولقته قاعد على السرير وقصاده "رشيد" على الكرسي. "فتحي" كان بينهج ووشه عرقان ولما سألته إيه اللي حصل رد وقال لها إن "رشيد" بيلعب بعنف وهم متفقوش على كده!






تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-