قصة أشباح الأسفلت للكاتب عزيز السيسي
كان الزحام خانقا أمام معرض الكتاب وبداخل جميع الصالات ، وقد كان الوصول لقمة الهرم أسهل بكثير من الوصول إلى جناح الدار التي يعرض فيها كتابي كما كانت جميع شبكات الهواتف معطلة ، أي لا أمل أيضا في مقابلة أي من أصدقائي كما لا أمل في رؤية من تعرفه أثناء طواف الحج ، حتى بعد أن وصلت إلى الجناح وجاءني بعض المعارف لم يسمح لنا رجال الأمن بالوقوف سويا والتقاط الصور التذكارية معا ..
إذاً لقد علم الأمن لمَ هم متواجدين ، أما أنا لم أعرف لماذا تواجدت بهذا اليوم حتى أشار هاتفي إلى الثامنة مساء ، وغادرت المكان بضيق مراهق واعدته حبيبته ولم تأت وفقا للميعاد ، استقليت سيارة للأجرة وغادرتها أمام نزلة قليوب وهناك كانت السيارات المتجهة صوب محافظة المنوفية معدومة تقريبا وربما نامت الآن وتغطت داخل الجراجات ، انتظرت ساعة وأخرى حتى أعلن رحم الظلام عن عقمه حيال ولادة السيارات ، مما جعلني أنظر بجميع الاتجاهات لأنتقي أي مكان أفترش فيه الأرض بجسدي حتى يعلن الكون عن موت تلك الليلة وميلاد يوم جديد . فجأة!!!!! ظهرت إحدى السيارات على مد بصري بمصابيح متوهجة احتلت ظلام الليل ، وصافرة مرتفعة أزعجتني ، وأزعجت السكون ذاته ، أشرت للسائق بيدي فتوقف .
وتساءلت : شبين الكوم يا اسطى ؟
أشار لي السائق قائلا : اركب يا رايق .
اعتدت دائما الجلوس في المقعد الخلفي ، ولكن هذه المرة لم أستطع ، فقد كان هناك صبي يرقد غارقا في بحار النوم ، ويبدو أنه مساعد السائق ، أو من يتولى جمع الأجرة من الركاب .. ومرت دقائق وشعرت بإصبع يحتك برقبتي من الخلف ، استدرت سريعا ظنا مني أنه ذلك الصبي ، ولكن يبدو أن الصبي لم يتحرك من مكانه في وقت شاهدت جبهته تستحم بعرق النوم ، وبدأ القلق يراودني لاسيما أن السائق يثبت نظره تجاه وجهي من خلال مرآته الأمامية ، وللمرة الثانية أشعر بيد تتحسس كتفي هذه المرة لذا انتفضت واقفا كالذي لدغه عقرب ، وقد كانت الطامة الكبرى عندما توجهت بنظري تجاه ذلك الصبي فلم أجده في المقعد الخلفي أو داخل السيارة بأكملها .
صحت على السائق : الواد فين ..الواد إل كان هنا راح فين ؟
والمخيف حقا أن السائق كان هادئا حتى أنه لم يرد عليّ إلا بعد سؤالي
للمرة الرابعة فقد نطق بهدوء : ما تشغلش بالك يارايق .
سكتت لثوان كان عنوانها الذعر ، وقد كانت هذه الثواني كفيلة لعقلي حتى يستنتج أن هؤلاء ليسوا بشراً عاديين لذا قلت بصوت يحاول
مقاومة الخوف : على جنب بعد إذنك يا اسطى .
رد السائق سريعا : كدا قبل ما تدفع الأجرة ؟
تساءلت وأنا أضع يدي فوق كل ما أملكه حيث
قلت : أجرتك كام يا أسطى لأني ما بركبش من هنا بقالي كتيررر
استدار السائق برقبته التي امتدت لأمتار حتى التصق وجهه بوجهي
وقال : ما هو أنا بردو يابني ما أعرفش الأجرة ..لأني ميت في حادثة من 5 سنين أنا وكل الركاب إل كانوا راكبين معايا .
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أفتح باب السيارة وأقفز فوق الأسفلت بينما سارت السيارة في طريقها ،حيث سالت الدماء الغزيرة من جسدي ، وسقطت في غيبوبة وكأني سقطت في بئر سحيق لم أستطع أن أرى فيه أصابع كفي لفترة ، وبعد أن عاد لي وعيي مجددا ، لم أستطع أن أقف على أقدامي المهزوزة ، بالكاد أخرجت هاتفي من جيبي ، واتصلت بالإسعاف وماهي إلا ثوان قليلة منذ اتصالي ، حتى سمعت صوت فرامل جعلت الإطارات تصرخ فوق الأسفلت وقبل أن أستدير شعرت بيد تمسك بكتفي وصوت جوار أذني .
يقول : هما طلعولك ؟
استدرت بهدوء مصبوغ بالهلع ، فوجدت صاحب ذلك الصوت هونفس السائق وبجواره مساعده النائم المختفي بالإضافة إلى مجموعة من الأشخاص وكأنهم مجموعة من الركاب بعد حادثة جعلتهم يترنحون على الطريق في هدوء مخيف ..