حارة عبد الكريم للكاتب اندرو شريف
نمت نوم عميق لحد ما بعدها صحيت على صوت كركبة في الشقة، الدنيا كانت مضلمة، مسكت في الفازة اللي جنبي وانا بقول:
-مين!
لكن زي ماتوقعت محدش رد، لكني لاحظت وسط الضلمة عيون لونهم احمر لشخص قصير لازق في الحيطة، فأول ماشوفتة جريت عليه وضربته بالفازة، بس تفاداها وانا وهو وقعنا على الارض، ولما جيت ادور على الموبايل في جيبي عشان اولع الكشاف، مالقتهوش، اما الكائن الغريب ده، ف لقيته بيجري على باب الشقة، وساعتها قومت وجريت وراه، وقعته تاني وكنت لسه هخبطه بحاجه لقيت مره واحده حاجه رزعت في دماغي، وساعتها الدنيا اسودت في عيوني...
عدت ساعة ولا اتنين ولا حتى تلاتة... مش فاكر، انا اقدر اقول أن عدى وقت طويل وانا مغمى عليا، ولما فوقت لقيت النور موجود، كنت حاسس ان راسي تقيلة جدًا، تقيلة لدرجة اني ماكنتش قادر احركها من ع الارض.. بس بعد محاولات قدرت ارفع دماغي، ولما ركزت لقيت حاجه سودة في الارض مكان ما وقعت، لسه بقول ايه ده، شوفت انعكاس نفسي في مراية الصالة ووشي كله مليان دم.. ده غير الدم المتجلط اللي كان موجود على الارض، والمكان اللي كان مكركب حواليا.. اكيد اللي كان جاي ده كان بيدور على حاجه، والاكيد انه ملقهاش لان البيت كله ماكنش ناقصة حاجه.. في الاول فكرت اني اتصل بالبوليس، لكن بعدها افتكرت ان في خطر على ابني، واني لازم اكتشف ايه اللي بيحصل حواليا من غير ما حد ياخد باله، وده فعلا اللي حصل لما دخلت غسلت راسي كويس، ونضفت مكان الجرح كويس وحطيت لزقة على دماغي.. وطبعًا لبست كاب عشان محدش ياخد باله من الجرح، بعدها نضفت الارض مكان الدم، وروقت الشقة ورتبتها زي ماكانت تاني كأن مفيش اي حاجه حصلت.
نزلت الشارع قعدت على القهوة اللي في وش بيت عبد الكريم، كانت الحكومة قليلة عند البيت، ماكنش في غير امنيين شرطة اللي واقفين بس، وبيمنعوا اي حد يخش البيت او يقرب منه، بصيت حواليا وناديت علي القهوجي:
-ياض يا علي..
جه وهو عمال يبص حواليه بخوف:
-ايوه يا متر، تشرب ايه..
-ايه ياض، مالك خايف كده ليه.
-ها!.. مش خايف ولا حاجة، بس الحكومة راشقة عينها في كل حتة اليومين دول والدنيا لبش، ده غير ان القهوة زي مانت شايف في وش البيت...
-طب وايه الدنيا هنا، مفيش اي جديد.
-هو انت معرفتش يا استاذنا!!.. دول لقوا سلوك وسماعات في المكان عدم الامؤخذة، بتطلع اصوات عفاريت وجن..
عدلت نفسي وانا مستغرب كلامه:
-عفاريت وجن ايه، وايه موضوع السلوك دي.
- كل الاصوات اللي كنا بنسمعها من البيت دي كانت بتطلع بسماعات من جوة، وده على قد فهمي يعني يا استاذ سمير..
-طب وانت متعرفش حاجه تاني عن الموضوع؟
-لا والله يا استاذ، العلم عند الله، قولي بقى شرب ايه..
-شاي يا علي.. شاي..
-احلى شاي للاستاذ سمير المحامي.
فضلت قاعد وانا كل تركيزي على البيت وعلى الاتنين الامنا اللي واقفين قصاده، فضلت باصص لهم وانا كل اللي في دماغي اني عايز اخش البيت ده... انا عايز افهم ايه سبب وجود سماعات جوه البيت.. قطع حبل افكاري علي وهو بيجبلي كوباية الشاي، خدت منها شويتين وانا بفكر، وبعد شوية حاسبته عليها وقومت اشوف البيت، في الاول كنت ماشي جنب البيت ببطئ لحد ما لقيت امين من الامنا، هيئتة كده بتدل انه صعيدي، ركزت معاه وهو بص لي اوي، كنت متوقع انه يقولي ايه اللي جايبك هنا مثلا، لكنه ركز معايا اكتر وقالي:
-معاك سيجارة يابو عمو.
قربت منه شوية وانا ببتسم:
-اه معايا طبعًا، يا سلام.. انت تؤمر.
لقيته ضحك وهو بيقولي:
-تسلم ايدك يا غالي، توشكر.
بعد ما قال كده، لقيت الامين التاني جاي من بعيد وماسك كوباية شاي في ايده.. قرب على الامين اللي انا واقف معاه وقاله:
-الا معرفتش ياعم حمدي، بيقولوا جثث العيال دي مش من الحارة، وان هم يدوبك كانوا جثتين متقطعين في المكان والباقي كانت جثث حيوانات..
رد عليه الامين حمدي بعصبية:
-اكتم.. انت بتقول ايه، مش وقته الكلام ده.
ضحكت وانا ببصله:
-ماتقلقش يا عم حمدي... أمان.
بعدها الامين التاني رد وقال:
-كلها ساعات والصحافة هتعرف، بس اهم حاجه محدش يعرف اننا اللي طلعنا الخبر، ده هيبقى نهار طين علينا.
حاولت اطمنهم لما قولتله:
-سركوا في بير، بس قولي.. ماتعرفوش ايه موضوع السماعات دي اللي كانت موجودة جوة البيت دي.. وليه جثث العيال دي كانت
موجودة اصلا.. وشايكوا محفوظ طبعا.
لما قولت كده، لقيت عم حمدي رد عليا بجدية:
-شاي ايه بس.. احنا مش بتوع الكلام ده، ماعرفش حاجه يا ابن عمي، كل اللي اعرفه ان في اوضة تحت البيت بتاع عبد الكريم كان فيها زي ادوات طبية وسرير للجراحة.
فجأة لقيت الامين التاني نغزه في كتفه:
-ايه يا عمنا.. مش وقته، مش قولنا مش وقته.
-يا عم بلا مش وقته، بلا وقته، ما الناس كده كده هتعرف.
هديت بينهم وانا بقولهم:
-خلاص خلاص حصل خير.. انا همشي، سلاموا عليكوا.
بعدها خدت بعضي ومشيت.. بس المرة دي كانت التساؤلات عندي بتزيد اكتر.. ومع مشيي في الشارع وسرحاني، جتلي مكالمة من رؤوف اللي قالي اول ما فتحت عليه:
-ايوه يا سمير، ابنك و مراتك عندي في البيت قاعدين مع العيال وكويسين، متنساش توفي بوعدك في حقي وورثي اللي لهفته مني السنين دي كلها...
-متشكر جدا يا رؤوف، كنت متأكد انك مش هتسيب ابن اخوك ومراته في خطر، وبالنسبة للورث، فأقسملك بالله حقك هيرجعلك اول ما اللي انا فيه ده يخلص.
-انت هتستعبطني يا سمير، يخلص ولا مايخلصش، انا عملت اللي قولتلي عليه وابنك ومراتك بقوا معايا.. يبقى حقي يرجعلي وماليش دعوة باللي انت فيه؟!
-يا عم والله قولتلك اللي عايزه هيحصل واعمل اللي انت عايزة لو ماحصلش، وربنا يا اخي ورثك هيرجعلك...
-ربنا!!. هو انت لو تعرف ربنا كان وصل بيا الحال لكده..
-خلاص بقى يا اخي ميبقاش قلبك اسود...
-ماشي.. بص بقى، قدامك اسبوع وورثي يبقى معايا، لا اكتر ولا اقل..
-دعواتك بس، واقل من اسبوع كمان يا رؤوف..
-ماشي.. سلام.
قفلت معاه وانا ببص قدامي، انا فجأة لقيت راجل شكله مريب ماشي وهو عمال يبص وراه وقدامه في الحارة، كأنه هربان من حاجه!.. مشيت وراه من غير ما يحس عشان اشوفه رايح فين، لغاية ما لقيته وقف في شارع جانبي اخره سد، اتداريت جنب بيت واتصنتت عليه، كان بيكلم حد وبيقوله:
-ايوه يا معلم رؤوف، الدنيا امان هنا ماتخافش، واخوك المغفل شربها... اه اه يا معلم كله تمام ماتقلقش انت بس، محدش هيشم خبر عن الموضوع..
بعدها قفل السكة وفضل يبص حواليه ويتأكد انه محدش سامعه، اما انا.. ف فضلت مستخبي على جنب عشان مايخدش باله مني لغاية ما طلع من الشارع ومشي، خبطت كفي في راسي وانا بقول لنفسي..
(بقى كل اللي بيحصل ده بسببك انت يا رؤوف.. يا نهار اسود ومنيل، يعني انا سايب عيالي مع قتال قتلة!.. طب انا هعمل ايه، اسافرالهم ولا ممكن مالحقش ويعمل فيهم حاجة، طب ايه العمل.. بس.. لقيتها)
طلعت جري على القسم، وهناك دخلوني لظابط المباحث بعد ما عرفوا ان الموضوع بخصوص بيت عبد الكريم الدجال، واول ما دخلت للظابط شاورلي ان اقعد وبدأ بالكلام لما قالي:
-انا عرفت انك عندك معلومات مهمة يا سمير، ياريت تبقى مهمة فعلا.. مش أي كلام عشان تغطي بيه على اللي حصل.
-ياباشا انا ماليش ذنب في اللي حصل اصلا، انا كل اللي شوفته وقتها قولته، ولما اهل المنطقة فتحوا البيت لقوا الجثث زي ما انت عارف، واهم طلعوا مش جثث عيالهم اصلا.. وبع..
قاطعني في الكلام:
-ثانية ثانية بس... انت عرفت منين ان دي مش جثث عيالهم اصلا؟!
اتلبخت في الكلام:
-الناس قالوا كده يا باشا، وبعدين مش ده اللي جاي اقوله لحضرتك، انا جاي احكيلك عن اللي حصل، وعن اللي شوفته.
-عرفت منين يا سمير؟
-م الأخر.. سمعت الامنا بيتكلموا ياباشا.
-هنعدي الموضوع ده دلوقتي لغاية مانشوف اللي عندك، ارغي يا سمير ..
-بص يا باشا، انا ابويا مات من خمس سنين تقريبا، وابويا زي ما الحكومة عارفه كان تاجر فراخ، وكان عنده بيت...
-مفهوم مفهوم، انا هستفيد ايه من اللي انت بتقوله ده؟
-حاضر ياباشا هقولك.. انا اول ما ابويا مات كتب وصية ان البيت يبقى كله بأسمي، هو ومحل الفراخ القديم اللي تحت البيت، ومنع اخويا من الورث، وده لان اخويا كان ناوي يبيع ورثه من البيت.. وده بان من زنه على بيع البيت من اصله وابويا عايش، فابويا مرضيش بكده وكتبه كله باسمي، وقالي لما اخوك يرجع لعقلة يبقى ياخد نصيبة... لكنه وقتها شيلني حمل كبير بسبب الموضوع ده، ومن ساعتها وانا واخويا في المحاكم على الورث، لحد ما من يومين.. حصل اللي حصل زي ما انت عارف ياباشا في البيت اياه، بعد كده جاتلي مكالمة تهديد اني لو نخورت في الموضوع ده مراتي وابني هيتأذوا، وقتها اتصلت باخويا عشان اسيب عنده الواد وامة لايحصلهم حاجه.. ولما طلبت منه كده، طلب مني الورث بتاعه، فوافقت... وافقت وبعد ما قفلت معاه من شوية، سمعت راجل شكله غريب في الحارة بيكلم رؤوف وبيقوله ان كل حاجه تمام، وان محدش هيعرف حاجه عن الموضوع.. لما سمعته قلقت وحسيت ان في حاجة مش مظبوطة بتحصل من رؤوف، فجيتلك يا باشا.
-طب قولي الراجل ده شكله ايه كده؟
-هو كان قصير وحاطط كوفية على دماغة مش مبينة اي حاجه من وشة غير ان عنية خضرا.
-طب تفتكر مكالمته دي ليها علاقة باللي حصل في الحارة، ولا متعلقة بمشاكلكوا مع بعض وبس؟!
-مش عارف يا باشا.. مش عارف، انا حاسس ان رؤوف وراه مصيبة، وان ابني ومراتي في خطر.
ولع الظابط سيجارة وقالي:
-تمام.. احكيلي بقى موضوع البيت ده من اول قصة ابنك، لحد الأخر.
حكيتله القصة كلها من الاول، وبعدها خرجت من عنده... نزلت الحارة عشان اغير هدومي، بس اول ما طلعت ما البيت سمعت صوت صريخ عالي طالع من الحارة، نزلت جري اشوف في ايه، لقيت لمه كبيرة، كان على وش الناس الحزن الشديد، ووسط اللمه دي ام سماح بتصوت...
<><>