قصة وش ميت بقلم محمد شعبان العارف الجزء الثاني
بقلم محمد شعبان العارف
مخي وقف عن التفكير، بالظبط زي الزمن اللي حسيت إنه وقف بيا، لحد ما فجأة وغصب عني، لفيت وبصيتله بسرعة، وساعتها صرخت بعلو صوتي لما لقيته في وشي بالظبط، وبسرعة رهيبة، مسك رقبتي بإيده اليمين ورفعني من على الأرض، وبإيده الشمال.. كتم بوقي عشان ماصرخش، فضلت ارفس برجليا وانا متعلق في الهوا وضهري للباب، لكن مافيش فايدة.. قوته كانت اكبر بكتير من مُقاومتي، فبالتالي.. ابتديت اسلم وشوية بشوية لحد ما فقدت الوعي والدنيا ضلمت تمامًا من حواليا..
فضلت فاقد للوعي لفترة مش فاكر قد ايه، هو كل اللي انا فاكره، إني فُقت على صوت رنة موبايلي اللي كان جاي من بعيد!
فتحت عيني لقيت نفسي نايم على الأرض وضهري مسنود على باب أوضة النوم المقفول، قومت بسرعة من مكاني وانا بدور عليه في كل مكان، الشخص اللي كان معايا في الأوضة وخنقني ده راح فين؟!.. حرفيًا قلبت الأوضة عليه وفي الأخر مالقتهوش، فاضطريت في النهاية إن انا اروح ناحية على موبايلي اللي كان على الكومودينو وارد على زعزوعة، والمفاجأة الأكبر هنا بقى، إن انا لما رديت عليه لقيته بيقولي..
(انت فين يا عم رشدي.. العصر آذن بقاله اكتر من نص ساعة وانت لسه نايم، ومراتك يا سيدي هي كمان لسه نايمة، بس هي معاها عذرها، دي ياعيني طول الليل سهرانة جنب امي.. ما تفوق كده يا عم وانزل لي بقى)
قفلت معاه ودخلت خدت دش، بس الاغرب بقى من كل اللي انا مريت بيه، سواء من اللي شوفته بالليل واللي انا متأكد إنه مش حلم، او نومي لساعات طويلة بالشكل ده، هي علامات الصوابع الزرقا اللي لقيتها على رقبتي، مكان ما العفريت او الشىء ده كان بيخنقني!
العلامات دي اللي اول ما شوفتها، خلصت حمامي بسرعة وخرجت لبست ونزلت جري على المحل، ومع وصولي وقبل ما اتكلم مع زعزوعة في اي حاجة، حكيت له بسرعة على اللي مريت بيه من اول اللي حصل لي وانا قاعد لوحدي في المحل، لغاية اللي شوفته وانا بايت لوحدي في الشقة، وعشان اثبت له إن انا مش بخرف ولا بيتهيألي، وريته أثار الصوابع، وبعد كده شغلت التسجيل بتاع كاميرات المراقبة وقت ما كنت قاعد لوحدي في المحل، وهنا بقى كانت الكارثة الأكبر من كل اللي حكيته.. الفيديو ماكنش فيه اي حاجة غريبة، الخيال اللي انا شوفته وانا قاعد لوحدي بالليل، ماكنش له أي أثر في الفيديو!
بص لي ابن عمي باستغراب وبعد كده سرح وهو بيقولي..
-انت الظاهر كده يا رشدي، السهر بتاع الايام اللي فاتت والتعب حَل عليك وبقى بيتهيألك حاجات غريبة، وبقى يجيلك كوابيس وانت نايم.
اتعصبت عليه اول ما قال لي كده..
-انت عبيط يا ابني انت، بقولك شوفته بعيني زي ما انا شايفك دلوقتي كده، يعني ماكنش كابوس، وبعدين انا كنت نايم على السرير.. ولما صحيت، لقيت نفسي نايم قصاد الباب وجسمي مكسر... ايه بقى، بمشي وانا نايم يعني وانا اللي خنقت نفسي برضه لحد ما رقبتي علمت بالمنظر ده؟!
رفع كتافه وهو بيقولي بقلق..
-ماعرفش.. حقيقي مش عارف ولا لاقي تفسير، بس نصيحتي ليك، شغل قرأن وانت قاعد لوحدك في الشقة، ده لو يعني اختي مانزلتش تبات معاك هي والعيال وفضلت بايتة مع امي الليلة دي كمان.
سكتت ومابقتش لاقي كلام اقولهوله، وفضلت ساكت ومسهم طول اليوم لحد ما الليل جه، وعلى الساعة حداشر ونص كده، استأذن زعزوعة وطلع البيت عشان ينام لأنه فاتح المحل من بدري، بس المرة دي بقى اول ما طلع، شغلت قرأن في المحل وفضلت قاعد بتلفت حواليا لحد ما مرة واحدة، لقيت صوت القرأن سكت!
طلعت الفلاشة اللي كنت حاططها في السماعات وحاولت اشغلها تاني، وبرضه ماشتغلتش، ساعتها بقيت هتجنن.. السماعات الصب منورة وكل حاجة شغالة، بس كل ما احاول اشغل عليها قرأن، سواء من موبايلي او من الفلاشة، مابتنطقش!
سيبت الصب وروحت قعدت على الكرسي، وفضلت قاعد في مكاني وانا مركز اوي على الشاشة اللي شغال عليها فيديوهات كاميرات المراقبة... الدنيا كانت تمام وعادية جدًا لمدة دقايق، لكن بعد شوية، ابتديت الاحظ حاجة غريبة اوي.. الكاميرة كانت كل شوية صورتها تنطفي وترجع تشتغل تاني، ومش اي كاميرة.. دي نفس الكاميرةاللي متوجهة عليا وعلى نص المحل!
قربت من الشاشة وركزت معاها اكتر، عشان اتفاجىء بنفس وش الراجل اللي شوفته بالليل في أوضتي وهو بيبص للكاميرة!
اول ما شوفته بيبص لي من جوة الشاشة، اتنطرت من مكاني وبصيت حواليا، لكني مالقتش حاجة، المحل كان هادي والكاميرة في مكانها!.. ولما رجعت ابص للشاشة من تاني، مالقتش اي حاجة برضه، الصورة عادية ومابتتهزش حتى!
قفلت الشاشة من تاني، وقومت قفلت المحل وروحت على البيت، بس المرة دي قبل ما اطلع اتصلت بمراتي وسألتها اذا كانت في شقتنا ولا لأ، ولما جاوبتني وقالتلي إن امها لسه تعبانة، والمفروض إنها هتبات الليلة دي كمان عندها، قفلت معاها التليفون وطلعت شقة مرات عمي.. مرات عمي اللي بعد ما اطمنت عليها، قربت من عايدة وقولتلها..
-عايدة.. بقولك ايه، انا بشوف حاجات غريبة وانا بايت لوحدي تحت، ما تنزلي تباتي معايا الليلة دي وبكرة الصبح ابقي اطلعي لمرات عمي.
ضحكت لما قولتلها كده وقالتلي بكسوف..
-يا راجل.. بقى خايف برضه تنام لوحدك، ولا انا وحشتك ومابقتش قادر تنام ولا ليلة بعيد عني.
-وحشتيني ايه ونيلة ايه بس يا عايدة.. بقولك شوفت زفت عفريت ولا جن وانا نايم لوحدي وكان هيموتني، انا خلاص.. مش هنام لوحدي تحت تاني.
اتعصبت لما قولتلها كده وردت عليا بضيق..
-يا راجل.. ده بدل ما تجاملني وتقول لي لا يا حبيبتي طبعًا وحشتيني، تقوم تقولي وحشتيني ايه ونيلة ايه، طب ايه رأيك بقى إن انا مش هنزل ولا هسيب امي تبات لوحدها إلا لما تخف.. ولو على النوم لوحدك يا سي رشدي، اخرج نام على كنبة الصالة اللي برة دي، والصبح ابقى ادخل نام مكان مرزوق اخويا لما يصحى.
بعد ما سمعت من عايدة الكلمتين دول، خرجت من أوضة مرات عمي بعد ما اطمنت عليها، وخدت لي من دولابها بطانية، بعد كده روحت فردت جسمي على كنبة الصالة لحد ما غمضت عيني اول ما حسيت بالدفا وابتديت اروح في النوم.. لكني بمجرد ما نمت، حلمت بحلم غريب اوي.. حلمت إن انا واقف في مكان غريب مليان اشجار، وقصادي بالظبط كان في نار مولعة في الأرض، وحوالين النار دي.. كان في تلات رجالة واقفين، اتنين منهم كانوا ماسكين راجل من درعاته وكأنهم مكتفينه، والمميز فيهم بقى هو شكلهم ولبسهم.. الناس دول افارقة، بالتحديد يعني من وسط او جنوب افريقيا، وده ببساطة كده لأن بشرتهم سمرا ولبسهم شبه لبس القبائل الأفريقية اللي بشوفهم في التلفزيون.. بس المصيبة الكبيرة بقى ماكانتش في اشكالهم ولا في اللي هم بيعملوه، المصيبة الأكبر كانت في الراجل التالت اللي قرب منهم، كان ماسك في ايده سلاح ابيض كبير شبه السيف، رفعه لفوق ونزل بكل قوة على رقبة الشخص المتكتف، عشان يفصل راسه تمامًا عن جسمه!
اتدحرجت الراس دي ووصلت تحت رجلي، وقبل ما اركز معاها او حتى ابص لها، لقيت إيد سمرا برضه اتمدت وخدتها، كانت إيد راجل من الاتنين اللي كانوا مكتفين الشخص اللي اتدبح.. خد الراس وراح بيها بعيد، وفي لحظة.. لقيت المشهد حواليا بيتبدل.. كنت واقف وسط مكان مقفول.. زي خيمة كبيرة وانا واقف في نصها، وقصادي بالظبط، كان نفس الراجل اللي خد الراس، وبرضه الراس كان في إيده، بس المرة دي بقى، كان حاططها على ترابيزة خشب شبه الترابيزات اللي بتبقى عند الجزارين وبيقطعوا عليها اللحمة.. والوقعة السودة هنا، إنه كان بيسلخ الراس بكل سهولة وكأنه جزار بني أدمين، وبعد ما سلخها وبقت عضم، ابتدا ينشر العضم ده بمنشار لحد ما قَسم عضم الراس نصين بالطول.. لحظات مروا عليا عُمر بحاله وانا بتمنى اصحى عشان المنظر القذر اللي انا شايفه ده يختفي، وفعلًا المنظر اختفى وانا صحيت، بس في الحقيقة انا صحيت على مصيبة اكبر، والمصيبة دي كانت صوت زعزوعة اللي لقيته بيزق فيا وهو بيقول لي..
-قوم يا رشدي.. قوم بسرعة في كارثة، الناس اللي ساكنين في العمارة اللي فيها المحل اتصلوا بيا وقالوا لي إن في دخان جامد اوي خارج من المحل.. المحل بيولع يا رشدي.. قوم بسرعة، شقانا بيتحرق.
قومت بسرعة وجريت انا وهو على المحل، واللي قاله كان مظبوط.. النار كانت ماسكة في المحل من جوة والباب مقفول، فتحناه بسرعة وابتدينا نطفي نار احنا والجيران، لكن النار كانت غريبة، كل ما كنا نرمي جواها مايه او تراب.. كانت بتعلى اكتر.. وعلوها ده وقرب زعزوعة من المحل، خلوا جزء منها يمسك في دراعه وبالفعل اتحرق.. ولأن الناس كانوا مشغولين بالنار القوية اللي خارجة من المحل، فزعزوعة فضل يطفي في دراعه وانا فضلت اساعده من غير اي فايدة، وعقبال ما المطافي جت وانا طفيته، كان المحل بقى رماد، وزعزوعة هو كمان دراعه كان اتحرق بشكل كبير جدًا!
بعد كده كل اللي انا فاكره كانت صدمات وصور متلاحقة مريت بيها.. شكل المحل بعد ما المطافي طفته وهو متفحم، المستشفى اللي اتحجز فيها زعزوعة بسبب الحرق القوي اللي في دراعه، وانتهت المشاهد دي بوقوفي جوة المحل وهو متفحم، ومعايا بعض الجيران اللي ساعدوني في إننا نخرج بواقي البضاعة والاكسسوارات.. وبعد ما خرجنا كل الحاجات اللي يعتبر كان في أجزاء منها سليمة إلى حد ما.. لفت نظري من وسطهم حاجة غريبة اوي، الوش الخشب اللي كان متعلق عند الحيطة اللي في أخر المحل.. الوش ده كان في جزء منه محروق، والجزء اللي اتحرق من الخشب ده خلاني اشوف اللي جواه بوضوح.. ده.. ده.. ده عضم بني أدم!!!
مسكت الوش وانا مبرق ومابقتش عارف اعمل ايه، الوش ده هو سبب كل المصايب، المحل ماحدش حرقه، ولا حتى كان جواه أي حاجة ممكن تحرقه، ده غير فيديوهات كاميرات المراقبة اللي مرتبطة بموبايلي، الفيديوهات اللي لما بصيت فيها بعد الحريق، شوفت النار وهي طالعة لوحدها من عند اخر المحل، وكمان انا متأكد قبل ما اقفل إن كل حاجة كانت سليمة... وبعدين هو اشمعنى يعني كل البضاعة اللي في المحل اتحرقت والوش ده ماتفحمش، غريبة اوي دي.. مع إنه كان في الوش بالظبط، والحيطة من حواليه كلها متفحمة تمامًا!
في الوقت ده وانا ماسكه وباصص له باستغراب، افتكرت حاجة مهمة اوي.. ده نفس الوش اللي زعزوعة قال إنه ماطلبوش من عبد الفتاح وجاله بالغلط مع الوشوش التانية، ايوة.. هو عبد الفتاح.. انا لازم اروح لعبد الفتاح ابن عم محمد واعرف الزفت ده اصله ايه.
خدت الوش وطلعت جري على ورشة عم محمد اللي ابنه عبد الفتاح بيديرها، دخلت على عبد الفتاح ورزعت الوش على المكتب اللي هو قاعد عليه وقولتله بزعيق..
-الزفت ده اصله ايه.. انا بقالي ايام بشوف حاجات غريبة، وكمان محلي اتحرق وابن عمي في المستشفى وبيتي اتخرب، وكله بسبب الزفت ده.. انطق، الوش اللي جواه عضم بني أدم ده اصله ايه؟!
مسك عبد الفتاح الوش وبدأ يقلب فيه بقرف...
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم على الصبح، بقى انت جايلي الساعة تمانية الصبح عشان تقول لي إن الوش الغريب ده خرب بيتك!.. طب ايه رأيك بقى يا عم رشدي إن الوش ده اصلًا مش من عندي، اه والله العظيم.. انا اصلًا مابشتغلش في الشكل ده.
قرب منه ومسكته من رقبته بغضب..
-وديني وما أعبد يا عبد الفتاح، لو ما قولتلي الوش ده اصله ايه وحطيتهولنا في الاكسسوارات اللي طلبناها منك ليه، لا هكون جايب أجلك.
زق إيدي بقوة وقال لي بعصبية اكتر..
-يا عم حلفتلك بالله العظيم إنه مش من عندي، وبعدين هو لو من عندي وجالكوا فوق البضاعة او جالكوا بالغلط، تقدر تقول لي بقى انا مش هسأل عليه ليه، يا سيدي الوش ده احنا أصلًا مانعرفش نعمل الشغل اللي فيه، ده شغل افريقي على ابوه... طب هقولك انا بقى على حاجة من الأخر... ياض يا بدر.. انت ياض يا بدر.
اول ما نده بصوت عالي وقال يا بدر، جه واحد من صبيانه وقاله بطاعة..
-اوامرك يسطى عبده؟!
مسك الوش وشاور بيه للواد..
-البضاعة اللي انت حطيتها في الكرتونة اللي راحت لمحل عمك زعزوعة، كان فيها الوش ده؟!
ارتبك الواد اول ما شاف الوش وبلع ريقه بالعافية..
-ها!.. لا لا.. الوش ده.. الوش ده مش..
قربت من الواد وقولتله وانا مبرق..
-الوش ده مش ايه.. انت تعرف حاجة ومخبيها؟!
بِعد الواد عني وفضل ساكت، فخرج عبد الفتاح من ورا مكتبه ومن غير اي كلام ضربه بالقلم..
-انت بتحور.. جيبت منين الوش ده ياض..ايوة ما انا اللي مربيك وحافظك صم، انت شكلك كده بيقول إنك بتحور.. انطق ياض وقولي، انت اللي حطيت الوش ده في الكرتونة؟!
حط الواد إيده على وشه وابتدى يعيط..
-وربنا.. وربنا يا اسطى انا ما ليا ذنب.. انا ما ما ما..
-انت لسه هتمأمأ.. الوش ده جه للكرتونة ازاي، وماتكدبش عليا وتقولي ماعرفش، ماهو اكيد السما ماكانتش بتمطر وشوش خشب وانت رايح لهم بالكرتونة.... ما تنطق ياض ولا هربطك في المخزن لحد ما يبان لك صاحب..
-حاضر يسطا.. حاضر... انا هحكيلك على كل حاجة، ناصر.. ناصر ابن خالتي هو اللي لما قولت قدامه إن عم زعزوعة بيوضب المحل، وطالب مننا طلبية وشوش زينة، اتضايق اوي وفضل ساكت.. وبعدها بيوم سألني عن معاد تسليم الطلبية فقولتله، وساعتها قال لي إنه هيديني حاجة احطها في الكرتونة، وقصادها.. قال لي هديك ٢٠٠ جنيه.. وفعلًا يا اسطى عبده، هو.. هو.. هو لما انا روحتله بالكرتونة، حط فيها الوش ده، وبعد كده انا قفلتها تاني وروحت بيها لعم زعزوعة، وبعد ما عملت زي ما قال لي، اداني ال ٢٠٠ جنيه.
اول ما الواد قال كده، مسكت الوش وقربت منه..
-ناصر ابن خالتك ده يبقى مين.. اديني عنوانه وقول لي اسمه ناصر ايه.
-اس اس اسمه.. اسمه ناصر حامد، ابوه يبقى عم حامد تاجر الشنطة، جوز خالتي فوزية الله يرحمها.. ده حتى كان في مرة قال إن ابوه بيتعامل معاكوا وبيجيب لكوا البضاعة بالقسط و..
سيبت الواد بيتكلم وخدت الوش وطلعت جري على بيت حامد، ايوة انا عارفه.. عم حامد هو تاجر الشنطة اللي بيلف على مصانع الملابس وبياخد منهم شغل، وبعد كده بيبيعه للمحلات بالقسط وبسعر أغلى.. الراجل ده له عندنا فلوس واحنا بنتعامل معاه من زمان، بس ايه اللي يخلي ابنه يعمل فينا كده!.. والحقيقة السؤال ده مافضلش داير في عقلي كتيى، لأني عرفت اجابته اول خدت بعضي وطلعت شقته وفضلت اخبط لحد ما الباب اتفتح، واللي فتح لي كان ابنه ناصر.. ناصر اللي اول ما شافني، وشاف الوش اللي في ايدي، ضحك ضحكة شيطانية وهو بيقولي..
-حياتك الباقية، هعتبر إن بقى عندك دم وجاي تعزيني.. ادخل ادخل.. كنت حاسس إنك هتعرف.
ساب الباب مفتوح ودخل قعد على كنبة قصاد الباب، ف دخلت وراه وانا بقوله بصوت عالي..
-ايه الوش ده وزرعته وسط الاكسسورات بتاعتنا ليه؟!
مسك ريموت التلفزيون ووطى صوت القرأن اللي كان شغال، وشاور لي ناحية كرسي قدامه..
-حُط الوش على الترابيزة دي، واقعد عالكرسي وانا هحكيلك.
رزعت الوش وقعدت على الكرسي، وقبل ما اقول اي حاجة، اتكلم ناصر وهو باصص لصورتين متعلقين على الحيطة، كانت صورة لعم حامد وعليها شريطة سودة، وجنبها صورة لابن عم حامد التاني.. وهو ولد من صاحب القدرات الخاصة، اسمه رزق.. وبرضه كان محطوط على صورته شريطة سودة، بص لهم ناصر وابتدى يتكلم..
-رزق.. كان اسمه رزق، ابويا كان بيحبه اوي وسماه رزق، كان بيحبه رغم إن امي ماتت وهي بتولده، ورغم إنه اتولد بمتلازمة داون.. ويمكن اللي اتولد بيه ده، خلانا كنا بنعيش عشانه هو وبس.. كل فلوسنا كان ضايعة عليه وكنا مبسوطين وراضيين، لحد ما اكتشفنا إنه عنده ورم في المخ ومحتاج لعملية، ف حاولنا بكل الطرق إننا نلم فلوس العملية لأنه كان هيعملها في مستشفى خاصة، بسبب إن دوره كان لسه ماجاش في المستشفيات الحكومي، لكننا في الحقيقة ماقدرناش.. كنا واقفين على عشر تلاف جنيه، وعشان كده انا وابويا حاولنا نطلب منكوا فلوس البضاعة المتأخرة..
لكنكوا رفضتوا واتححجتوا بإنكوا مديونين، ومافيش.. بعد يومين من خناقتي معاكوا، اخويا رزق مات.. وبعده على طول ابويا تعب ودخل المستشفى من الزعل عليه، لكن في الوقت ده بقى وعلى الناحية التانية، كان صاحب محل الأنتيكات اللي انا بشتغل فيه، جايله بضاعة من مزاد هو دخل فيه وكسبه.. ومن ضمن البضاعة دي كانت لوحة، لوحة غالية اوي معظم اللي بيتعاملوا معاه كانوا عايزين يشتروها، ومن ضمن الناس اللي بيتعاملوا معاه دول.. كان راجل افريقي، سمسار تحف من السنغال، السمسار ده طلبني في بيته اللي في مصر هنا...
ولما روحتله وقبل ما يفاتحني في اللي طالبني عشانه، فرجني على التحف اللي عنده، ومن ضمنها كان صندوق خشب فيه الوش ده.. الوش اللي قال لي إن اسمه وش الميت، مصنوع من طبقتين الخشب اه.. لكن جواه مقدمة راس او عضم وش واحد ميت، او بالظبط يعني.. عضم وش راجل مُغتصب اتحكم عليه بالأعدام، والوش او القناع ده..
كان عمه اللي عامله بعد ما خد راس الراجل وبالبلدي كده شفاها، ولما سألته صنعه ليه، قال لي لأنه بيساعده في أمور السحر اللي كان بيمارسها، ولما عمه ده مات، ولأنه ماكنش عنده ولاد..
ورث منه الوش وحطه جوة صندوق خشب عليه طلاسم بتوقف شر القناع، وقال لي بالنص كده، لو القناع ده خرج من الصندوق واتحط في مكان ما، صاحبه مش ساحر، المكان ده بيخرب.. وبعد ما خلصنا فرجة على التحف، قال لي إنه طلبني لأنه عاوزني اقنع الراجل اللي انا شغال معاه إنه يبيعله اللوحة، وفي المقابل، هيديني فلوس وواحدة من التحف اللي عنده، وفعلًا وافقت.. وافقت وكنت مقرر إن انا هاخد تحفة غالية اوي، لكن تاني يوم، ولما قابلت الواد بدر ابن عمتي اللي قال لي إن عنده ضغط شغل، والكلام ما بيننا جاب بعضه وعرفت إنكوا طالبين طلبية وشوش خشب من الورشة اللي هو شغال فيها، لأنكوا بتجددوا محلكوا.. الدم غلي في عروقي، ايوة.. ما انا اتأكدت وقتها إنكوا معاكوا فلوس، واكبر دليل على كده، إنكوا هتجددوا المحل، وساعتها كان القرار..
انا هاخد الوش او القناع ده من الراجل، واقنع صاحب المحل يبيعله اللوحة، وبعد ما اعمل كده.. اخلي بدر يزرعه وسط الوشوش اللي رايحالكوا.. ولحد الوقت ده كنت ممكن اتراجع او ضميري يأنبني، لكن بعد موت ابويا، وبعد ما اقنعت صاحب المحل إنه يبيع اللوحة للراجل السنغالي ووافق، اخدت منه الفلوس والوش لأنه بالنسبة للسنغالي كانت اللوحة اغلى بكتير اوي من وش مسحور، وبعد كده بقى اديت لبدر ٢٠٠ جنيه وخليته يجيلي بالكرتونة اللي فيها الوشوش اللي رايحة لكوا على هنا، وحطيت جواها الوش.. واهو.. من شوية بس عرفت إن محلكوا ولع، وكل التوضيبات اللي انتوا عاملينها راحت هدر.. وصدقني، صدقني يا رشدي، انت او مرزوق لو كنتوا اتأذيتوا بسبب الوش ده او كان حصلكوا حاجة، انا عمري.. عمري ما كنت هندم لحظة لأنِ ماكنش عندي اغلى من رزق وابويا الله يرحمهم، ودلوقتي.. لو عاوز تسيبه، سيبه.. سيبه في البيت عندي هنا يمكن البيت يولع بيا واموت.. انا كده كده حياتي مابقاش ليها لزمة.
كنت بسمعه وانا بدمع زي ما هو كمان كان بيدمع، لكن بعد ما خلص كلامه، قومت وخدت الوش من على الترابيزة وقولتله قبل ما امشي..
-اخوك وابوك الله يرحمهم، لولاهم ولولا اللي انت حكيته، ولولا إن انا طيب وعمري ما أذيت حد بقصد، عمري ما كنت هسيبك إلا وانا جايب أجلك، إنما دلوقتي.. وبعد ما هم ماتوا وبعد ما المحل اتحرق ومعاه دراع مرزوق.. فكده نبقى خالصين، مالكش عندي مليم، والوش مش هسيبه.. الوش انا هخلص منه بمعرفتي، انت لازم تعيش عشان يفضل الحزن ياكل في قلبك، زي ما النار أكلت المحل بالبضاعة اللي فيه.
بعد ما خلصت كلامي معاه خرجت وسيبته وروحت لزعزوعة المستشفى، بس وانا في طريقي، عديت على النيل وحدفت الوش جواه... واديني اهو.. بكتب الحكاية دي بعد مرور سنة تقريبًا، بكتبها بعد ما ربنا كرم وزعزوعة خف ووضبنا المحل من تاني وجيبنا فيه بضاعة ووقفنا على رجلينا، والحمد لله المحل اشتغل كويس اوي، وده طبعًا بعد ما مرات عمي فكت الوديعة التانية واديتهالنا، ومراتي كمان ادتني باقي الدهب وبيعته، ده غير إن انا اتصرفت في فلوس من راجل جارنا وبعد كده سددتهاله، وبكتب الحكاية.
كمان.. بعد ما ناصر سافر وساب مصر خالص، وحقيقي ماعرفش هو راح فين، بس سمعت طراطيش كلام كده من ناس، إنه سافر يشتغل مع سمسار تحف سنغالي، وتقريبًا ده الشخص اللي حكالي عنه، اما بقى بالنسبة لبدر ابن خالته، فده انطرد من الورشة بعد اللي عمله، وراح اشتغل في ورشة تانية برة السيدة زينب خالص.. اما بقى عن السبب اللي مخليني بكتبلك القصة دي دلوقتي، هو إن انا وانا بتمشى امبارح انا ومراتي وعيالي في وسط البلد، عدينا على محل انتيكات.. والمصيبة بقى، إنِ شوفت في فاترينة المحل ده نفس الوش بس متجدد ومترمم.. ايوة.. هو.. نفس الوش.. وش الميت.