أخر الاخبار

لماذا ينجح المغرب في الخروج من الأزمات ولا ينجح في الأحوال العادية؟

المغرب


لماذا ينجح المغرب في الخروج من الأزمات ولا ينجح في الأحوال العادية؟


ليس هنالك أدنى شك أن الخطوات التي يجابه بها المغرب احتمالات انتشار فيروس كورونا على أراضيه مدروسة، وفيها عديد من الحزم والجدية واستشعار المخاطرة، إلا أن والتفكير بمقدار مرتفع من الحساسية في الاسكربتات الأكثر تشاؤما.
لا نتطلب للتدليل على تلك الخطوات، فربما كان المغرب من دول المنطقة العربية التي تعجلت باكرا لوقف حركة النقل الجوي بينها وبين الدول المنكوبة بذاك المرض، مثلما تعجلت إلى تعطيل التعليم بالمدرسة، وإقفال المقاهي والمطاعم وحجب النشاطات الرياضية والثقافية والسياسية والمدنية، والدخول اللحظي في عملية إقناع تدريجي للمجتمع بوجوب البقاء في المنازل والتزام العزل الصحي، إلا أن أدار المغرب مسألة إقفال المساجد بمقدار هائل من الذكاء والحكمة، فتم البدء بإقفال ا الصحية فضلا على أحجار التيمم والأكياس التي توضع فيها الأحذية، قبل أن تفتي الهيئة العلمية الموالية للمجلس العلمي الأعلى بوجوب إقفالها والاكتفاء بإعلان الأذان لدى كل صلاة.




مثلما اعتمدت وزارة الصحة أسلوبا تواصليا فعالا اعتمد لغة شفافة ويومية، حيث بلغت بلاغاتها التواصلية لحد كتابة تلك السطور ستة عشر تبليغا، كان أكثرها تشاؤما التبليغ الأخير (بلاغ عشية يوم الاربعاء)، الذي حذر من إحتمالية مرور المغرب من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية في مخطط أخطار انتشار الفيروس بالمغرب نتيجة لـ وجود بؤر محلية يحتمل وجود أزيد من 1000 من المخالطين للمصابين بداء كورونا.



الأسلوب التواصلي الشفاف، واللغة الواضحة مع الجمهور، والإقرار بقلة الإمكانيات (فحسب 250 سريرا مخصصا للإنعاش على المستوى الوطني وفق إفادة رئيس الحكومة)، دفع الدولة للاتجاه في خيارين اثنين، الأول، هو إقناع الناس بالمكوث في منازلهم، خوفا من أن يبلغ المصابون إلى أعداد يصعب استيعابها بالإمكانيات المتاحة، والـ2،السياق باتجاه إذكاء روح التطوع عن طريق أمر الملك للحكومة باعتماد صندوق لتدبير مجازفات انتشار فيروس كورونا، تخصص 1/2 موارده للتجهيزات الطبية لتخطي الثغرة المتواجدة بقلة القدرات، والنصف الآخر لتخطي تداعيات انتشار الفيروس على الاقتصاد الوطني، وبشكل خاص، حالة الفئات الهشة والقطاعات المتضررة.



المثير في ذاك الأسلوب هو السلاسة في عملية التطوع لفائدة ذلك الصندوق والانخفاض التدريجي من أعلى معدّل إلى المعدلات الدنيا بأسلوب تراتبي، بدءا من الهولدينغ الملكي الذي تطوع بمبلغ ملياري درهم، مرورا بالحكومة التي تطوع كل عضو فيها براتب شهر، ثم رؤساء المجلسين البرلمان ومجلس المستشارين، ثم كبار رجال المال الذين تطوع بعضهم بمليار درهم (شركة إفريقيا)، ثم برلمانيي الغرفتين، والكتاب العامين لكل الوزارات الذين تطوع كل فرد منهم براتب شهر، ثم مستشاري جميع المؤسسات المنتخبة، ويتنبأ أن تواصل عملية الهبوط إلى أدنى المعدلات بنفس الشكل الانسيابي، الذي لا تبدو فيه الريح التي تهدهد الآذان.



والالتفاتة التي تصنع الاستثناء المغربي مرة أخرى في تعدى الأزمة، هو نزول رجال الأمن والدرك والجيش للشوارع بأسلوب تدريجي، بخطاب تربوي يبتعد عن لغة الشدة والحزم، ويمتح من كلمات الاستعطاف والرحمة والخوف على مصلحة الناس.

الوجه الـ2، من الأسلوب المغربي: الصرامة التي أبديت في وجه عدد محدود من الظواهر التي تفسد صورة المجتمع والدولة المتضامنين، حيث لجأت الدولة إلى إعلاء سوط المواصلة القضائية في وجه المضاربة والاحتكار ورفع التكاليف من ناحية، واختلاق الأنباء الزائفة من ناحية ثانية. لا يهم أن نقيس كثرة الإصابات المحتملة بقلة الإمكانات المتواجدة، فالدخول في ذاك الحساب يفضي على أن المغرب، أو أي دولة غير المغرب، ستفشل في مواجهة المخاطرة، إلا أن الأسلوب الذي لجأ إليه المغرب فيه عديد من الحكمة، وهو بعبارة أدق، استثنائي بجميع المعايير، أسلوب الطمأنة من ناحية، والوضوح وحفظ ملف المسؤولية للمجتمع من ناحية أخرى، أسلوب استثمار الإمكانات المتاحة على قلتها، مع جهاد أطر طبية وصلت معدلات عالية من التضحية، وفي الجهة المقابلة، خلق جو مرتفع من التضامن وروح التضحية بين المجتمع.



أكيد أن ذلك الجواب الاستثنائي، سيعطي أكله وثماره بالتقليل من مكان الإصابة والعدوى، وتعبئة موارد أخرى لم تكن منتظر وقوعها، باستثمار حصيلة كبير كامن داخل المجتمع بجميع قواه، وفئاته، لتدبير أخطار ذلك الآفة. تاريخ المغرب السياسي يمنح صورة بديهية عن اطراد ذاك الأسلوب في التداول مع الطوارئ، ونجاح الشركة المال في تحميل الإجماع، وإقناع الجميع بأسلوبها المخصص بالانخراط في معركة الخروج من الأزمة، حيث لا يمكنه واحد من، أن يطلع عن المخطط العامة التي ترسمها الدولة، لأن ذاك لا يعرضه ليس إلا لغضب البلد، وإنما للعنة المجتمع ككل.



ولذلك، لا من الممكن أن نفسر اليوم الانقضاض المجتمعي العنيف الذي تعرضت له صلة التعليم المختص، جراء رسالتها لرئيس الحكومة التي تطلب فيها تصنيفها في إطار الأصناف المتضررة لنيل تعويضات من الصندوق، سوى لكونها شوشت على تلك المخطط، وحاولت أن تستثمر في أجواء الأزمة.



قد يجادل القلة ويعترض على ذاك التحليل بإيراد أزمة أحداث 1965، وكيف فشلت الدولة في الجواب عنها، وما ترتب عنها من انقلابين اثنين، سنة 1971 و 1972، وهو اعتراض معقول، فالملك الحسن الـ2، لم يتمكن من أن يغادر من تلك الحالة الحرجة سوى مع السَفرة الخضراء سنة 1975 التي وفرت له إجماعا ساعده على إرجاع فتح المسلسل الديمقراطي على هشاشته سنة 1976، بل تلك الحالة الحرجة كانت بنيوية، متعلقة بالنزاع بخصوص المشروعية، ولذلك أخذت كل ذلك الزمن، ولم تفلح برفقتها سياسة كسر العظم، وإنما تم حلها بالإجماع، أي لجوء البلد للمجتمع واستعانتها به.



وهو الخيار ذاته، الذي لجأ إليه الحسن الـ2 لدى أزمة السكتة القلبية، باستدعاء الكتلة الديمقراطية للتناوب السياسي، وهو الأسلوب ذاته الذي لجأ إليه العهد الجديد في أزمة حراك عشرين شباط/فبراير لتخطي تداعيات الربيع العربي سنة 2011، ونرى اليوم كلمات الأسلوب نفسه، وبشكل أكثر رقيا في مخطط انتشار فيروس كورونا وتداعياته على الاقتصاد الوطني.


لا نود العودة بكثرة للتاريخ للنظر في الخيار الذي لجأت إليه الدولة لمجابهة الاستعمار، بينما أمسى يدري اليوم في الدرس التاريخي الوطني بـ«ثورة الملك والشعب»، بل ما نرغب أن نلفت الحيطة إليه، هو أن المغرب الذي لديه تمكُّن كبيرة جدا لمغادرة الطوارئ، هو ذاته المغرب الذي عاجلا ما يضيع الوصفة التي أخرجته من الورطة كلما يرجع لوضعه الطبيعي.


 وشرح ذاك، أن قبضة الجمهورية الراعية للإجماع، الحاثة على الانخراط في المخطط التضامنية، التي توحد الجميع في مصب شخص زمن الحالة الحرجة، تضعف وتبدأ تتحلل في مواجهة مقاومات الجهات المستفيدة، فلا تكاد تغادر البلد والمجتمع من الحالة الحرجة، حتى يصير الشعب ومبادراته وصور من تضامنه جزءا من النوستالجيا الجميلة، إلا أن حتى تنقلب الصورة، وتستعيد النخب المتنفذة لغة الجنرال ليوطي في تبخيس الشعب، والنظر لاغير لمصالح النخب العليا.

المصدر 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-